اعتذار متأخر

كيفهات أسعد
سنلتقي مرة ما، وسأخبركم ما أريد قوله:
ما كان يحيرني ـ أنا البسيط كعرقٍ أخضر،أنه:
من أين أتى كل هذا الصوت؟
أمن تحت وقع حوافر الأيائل هنا؟.
كل هذا الصخب،
وأنا هنا في البيادر والمنافي الشاسعة؛ وحدي كم طال ليلي؟، كم بكيتُ،
كم مرةً سقيتُ الأزهار الموجودة على رف نافذتي المركونة من زمن الشوق،
إلى عيون حبيباتي؟. 
كم مرةً بكيتُ على أحبتي الذين ماتوا هناك، في البحر الفاصل بين موتٍ أصفر وحلم ورديٍّ، كيف كانوا وجباتٍ شهيةٍ للسمك الذي نأكله الآن في علب السردين والتون؟.
كم مرة فتحتُ تلك العلب الصفيحية، ورائحة عرقكم معششة فيها. رائحة لباسكم الأنيقة ورائحة جورابكم النتنة من السير في ظلمات الجرود الواصلة من مكان حربكم إلى بحر المواجع. أستنشقها هاهنا، في مطبخ بيتي الصغير؟.
كم مرة وأنا لا أقدر أن آكل تلك اللحوم الموجودة فيها، تخالجني نفسي: 
 مؤكد هذا اللحم لأحد أصدقائي، أو لمهاجر لم يصل إلى هنا حياً.
إنه هو نفسه أراه، هو الذي كان يجب أن أبحث له عن عمل- بالأسود- غير رسمي- كي يقتل وقت فراغه، وهول غربته إلى حين تأتيه ورقة الاقامة من تلك الدائرة اللعينة (دائرة الهجرة)؟.
كان عليّ أن أبحث له عن بيت ليسكنه، ونملأه معاً بالأثاث المستعمل ـ سكند هاند ـ من بقايا المعمرين الذين ماتوا قبل وقت قصير هنا، متخمين بالأيام والسنوات والحرية.
وكان عليّ أن أرافقه إلى دائرة الهجرة أيضاً كي يلم شمل أولاده وزوجته، إن وجدوا أو لازالوا أحياء. كان عليّ أن استمع إليه بخشوع، وهو يسرد مغامراته في طريق القدوم، وكيف أنه يفهم بهذه البلاد أكثر من الذين اخترعوها، أو سكنوها، أو كل المهاجرين من سكانها.
قبل أن أرمي علبة التون في طقوس جنائزيةـ وأعود جائعاً.
سأخبركم يا أصدقائي الموجودين في العلبة الصفيحية، ليس الموت كان السبب في موتكم، بل نحن أيضاً، نحن الطيبين ،
الكذابين المنافقين الساقطين، والحرامية أولاد الحرام، والهاربين من الثارات، والفاشلين اجتماعياً وثقافياً ودراسياً، نحن المحاربين العظماء الذين لم نخض إلا حروب (البلاي سشتين) الموجودين خلف شاشات اللاب توب، فناني الصدفة وشعرائه، سياسي الصدفة وأثريائه، تجار الكلمات المنمقة، وكل الموجودين هنا على أرض (الأحلام)، ونحن نصور وجباتنا الشهية، ونتهافت من أجل اللايكات.
مرةً سنلتقي مرةً، وسأخبركم كم نحن منافقون، وسأعتذر لكم مرةً أخرى.
السويد 2018

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف

إلى أنيس حنا مديواية ذي المئة سنة صاحب أقدم مكتبة في الجزيرة

 

ننتمي إلى ذلك الجيل الذي كانت فيه الكتابة أمضى من السيف، لا بل كانت السيف ذاته. لم تكن ترفاً، ولا وسيلة للتسلية، بل كانت فعلاً وجودياً، حاسماً، مزلزلاً. فما إن يُنشر كتاب، أو بحث، أو مقال مهم لأحد الأسماء، حتى نبادر إلى قراءته، ونتناقش فيه…

أصدرت منشورات رامينا في لندن رواية “مزامير التجانيّ” للجزائريّ محمد فتيلينه الذي يقدّم عملاً سردياً معقّداً وشاسعاً يتوزّع على خمسة أجزاء، تحمل عناوين دالّة: “مرزوق بن حمو، العتمة والنور، الزبد والبحر، الليل والنهار، عودٌ على بدء. “.

في رحلة البحث عن الملاذ وعن طريق الحرية، تتقاطع مصائر العديد من الشخوص الروائية داخل عوالم رواية “مزامير التجاني”،…

الترجمة عن الكردية : إبراهيم محمود

تقديم : البارحة اتحاد الكتاب الكُرد- دهوك، الثلاثاء، 8-4- 2025، والساعة الخامسة، كانت أربعينية الكاتبة والشاعرة الكردية ” ديا جوان ” التي رحلت في ” 26 شباط 2025 ” حيث احتفي بها رسمياً وشعبياً، وبهذه المناسبة وزّع ديوانها: زكاة الحب Zikata evînê، الصادر عن مركز ” خاني “للثقافة والإعلام، دهوك،…

فواز عبدي

 

في نقّارة، قريتي العالقة في زاوية القلب كقصيدة تنتظر إنهاء قافيتها، لم يكن العيد يأتي… بل كان يستيقظ. ينفض الغبار عن روحه، يتسلل من التنّور، من رائحة الطحين والرماد، من ضحكةٍ انبعثت ذات فجرٍ دافئ ولم تعد ، من ذاكرة عمّتي نوره التي كانت كلما نفخت على الجمر اشتعلت معها الذكريات..

تنّورها الطيني الكبير، ذاك…