«الجميع خونة إلا هو»

وليد معمو 
جلس على صخرة بازلتية باردة ومبللة منذ الصباح ، بعد تقاطع طريقي قرزيحل وباسوطة – عين دارة بمئات الأمتار ،  ثملاً حتى النهاية ، تعمد الرجل  اختيار ذلك الموقع ، وكان يرى المشهد العام نتيجة منطقية للمفردات المكونة له ، فعظمت آلامه ، ولن تخمد إلا بإكسير أعناب كورداغ  .
من على صخرته السوداء الباردة ، رأى أحياء المدينة المتباعدة ، كساقي امرأة  تُجهض ، وسيلٌ من السيارات المتسخة يخرج  منها .
ظل ينظر بلا مبالاة لكل المشهد ، ولا يرد على تلويح الفارين له  بتحية الوداع ، بمن فيهم زوجته ،  وزملاء الجامعة ،  وأبناء الحي .
الجميع قيل عنهم خونة ، من قبل حملة السلاح ، قبل أن يتركوا  منازلهم وبعدها ، إلا هو ، إذ غادر ولم يغادر في الوقت ذاته ، وشكل مثلثاً أحد رؤوسه هو وصخرته ، وكان الرأس الثاني مغارة “دو ده ري” ، أما الرأس  الثالث فمغارة “جل خانه ” ذات الحلمات الكلسية ، المدرة للحليب أبداً  .
قذيفة الهاون التي سقطت خلفه ، لم تشتت انتباهة عن اللوحة الأكبر ، لوحة المدينة المجهضة ، رغم اصابة العشرات  .
كرجل قانون لم يفقد بوصلته ابداً فيما مضى ، وبالتأكيد لن يفقدها اليوم ، فهي جريمة اجهاض غير شرعية .
انتهت الأرتال الهاربة المارة من أمامه  ، كنهر  تحول مجراه في سويعات ، لم يعد الرجل الى المدينة ولم يخرج منها ، ولم يره أحد حتى تاريخه ، قال راع إنه وجد هوية شخصية ، تطفو على مياه نهر عفرين ، تسير نحو الجنوب .
كورداغ  7-8-2018

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

دريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…