إذاعة«CAN FM» صوت نقيّ لمجتمع مدنيّ

إدريس سالم
هل اختفى جاذبية الإذاعة؟
إن للإذاعة سحر وجاذبية خاصة، فما زال هناك مجال للاستماع لها، بالرغم من ثورة المعلومات وانتشار الفضائيات، التي يشهدها العالم في كافة المجالات، بل وعلاوة على ذلك، نجد أن المحطّات الإذاعية المسموعة في حالة تزايد وتنوّع، فالإذاعة لها قوة جذب لا تقاوم، وهي ليست مجرّد تواجد عادي، بل تواجد قوي لا يقل عن باقي وسائل الإعلام المرئية من الشبكات الفضائية والبينية الاجتماعية.
فقد ظهرت خلال عمر الأزمة السورية، العديد من الإذاعات الإعلامية في المناطق الكوردية من غربي كوردستان، معظمها كانت في مدينتي عامودا وقامشلو «أهو حالة صحية في أن تقتصر الإذاعات على مدن محدّدة، أم أن المموّل أو صاحب المشروع هو مَن يقطن في تلك المدن؟»، حيث تبثّ برامجها مخاطبة مختلف الشرائح والمكوّنات، وتعكس في مضامينها وسياساتها البرامجية خصوصية الجهات المموّلة والقائمة عليها، ليكون العامل الماديّ أهم معوّق يواجه عمل بعضها، إضافة إلى الكوادر المختصّة إعلامياً، وغير المتقنة للغة الأم.
خلال متابعتي لأداء إذاعة “CAN FM” التي تبثّ من مدينة كوباني، لم أقرأ أيّ تعليق سلبي عن عملها وبرامجها خلال بثّ برامجها المباشرة على الفيس بوك، بل جميع المعلقين كانوا متفاعلين ومندمجين مع برامجها الغنائية والثقافية والصحية والترفيهية، وهذا إن دلّ على شيء فهو يدلّ على ترسيخ العيش المشترك السلمي والاحترام والتسامح في المجتمع المدني، الذي يفتقده كل مدن سوريا، طيلة عقود من الزمن، خاصة من خلال برامجها المجتمعية «هل برامجها تفتقر إلى المعرفة والمعلومة الجديدة؟»، التي تركّز على وضع أسس بسيطة لقيام مجتمعٍ مدني ديمقراطي سليم، والاهتمام المتقن لإيصال المشكلات اليومية للناس إلى الجهات المسؤولة، ليس داخل كوباني، بل إلى الخارج أيضاً.
إذاعة “CAN FM” تتواجد بشكل دائم في معاناة الناس، ليتمكن كل مواطن أو لاجئ أو نازح من خلال أثير هذه الإذاعة من الحديث ونقل واقع حياتهم ومشكلاتهم اليومية وقصصهم المأساوية وهمومهم العميقة «التلفزيون لا يستطيع نقل معاناة كل المدن بشكل دائم، لكن لو تواجد في كل مدينة أو منطقة إذاعة محلية، فحتماً ستنقل معاناة أبنائها للخارج»، فأثبتت أنها لكل المواهب وأصحاب الطاقات الفنية والثقافية، لإبرازها ضمن فقرات بثّ مخصّصة يجري التحضير لها، حيث أنها قادرة على أن تكون صوتاً للمجتمع والناس، ووسيلة للتواصل بين أبناء غربي كوردستان، في الداخل والخارج، في حال تمّ تأمين أدواتها الأساسية كالتمويل والحيادية والكوادر المختصة وإتقان اللغة. 
«إذا كنت ضجراً، ضع السماعات في أذنيك، واستمع إلى CAN FM». بهذه الكلمات كان يتواصل زكريا مصطفى – ذاك الشجاع المجهول الذي يعمل خلف الكواليس – مع مستمعي ومشاهدي راديو “CAN FM” بشكل يومي، هذا الشاب الذي يدير برامج الإذاعة من غرفة صغيرة، كمخرج ومهندس للصوت، والذي استطاع أن يكسب قلوب المتابعين، وأن يكون حريصاً على حيادية الأغاني الفلكلورية القديمة والحديثة والضيوف والحوارات والبرامج، ليبعد الإذاعة عن الأجندات السياسية أو الحزبية أو الدينية أو الإيديولوجية.
لعل البرامج الصباحية والإهداءات، التي يعدّها معظم الإذاعات الكوردية باتيا برنامجين تقليدين، إضافة إلى برنامج الحظّ والأبراج، ولربّما يعمل عليها قائمو “CAN FM” وبقية الإذاعات الكوردية الأخرى كنوع تحفيزي للمتابع «هذان البرنامجان يعتبران ترفيهيين للمتابعين، الذين لا يملكون وقتاً للتواجد في مواقع التواصل الاجتماعي»، ولكسب أكبر عدد متفاعل منهم، إلا أنني أرى أن يعملوا على إعداد برنامج حول تسليط الضوء على الرياضة الكوردية في أجزاء كوردستان الأربعة، ونشاطاتهم مع أنديتهم، أو حول شبكات التواصل الاجتماعي وليكن عنوانه «بوست وتغريدة»، فيختاروا لمدة ساعة واحدة حوالي (20 – 30) بوستاً وتغريدة، لأشخاص عاديين غير محدّدين، ويقرأوا ويتناقشوا على ما جاء فيها من أفكار هادفة ومعلومات جديدة، تفيد الناس والمجتمع ومستخدمو شبكات التواصل الاجتماعي، ليكون الهدف الأساسي منه، هو الاستخدام السليم والصحي والآمن لهذه الشبكات من قبل المستخدمين، لأنها باتت مرضاً خطيراً ينخر في عقول وقلوب الكبار قبل الصغار، ويزرع الحقد والكره والعنف بينهم «الفيس بوك وتويتر أصبحا ساحتين للتصفية الفكرية والاجتماعية واغتيالاً للكلمة الحرّة». 
رغم السمعة الفعلية الصادقة التي تتميّز بها هذه الإذاعة، إلا أن الإدارة تعاني من مشاكل عديدة، تم الحديث عنها في مواقع التواصل الاجتماعي بطريقة عمل فردي وليس جماعي، كمخاطبة الجمهور والمجتمع بطريقة غير لائقة بالعمل الإداري الناجح وبأسلوب قريب إلى التطفل فعلاً ولغة كتابية، كأن يخاطب مشكلة ما باسم الإذاعة ويحضر مشكلة أخرى بصفة (الأنا) الشخصية، فكارل ماركس يقول “أن تحلم وحدك ذلك هو الحلم، وأن نحلم جميعاً فذلك بداية تحقيق الحلم”، فنقل مشاكل وصعوبات التي تعانيها الإدارة إلى الناس يعتبر ضعفاً، فالمجتمع يكفيه مشاكله وهو بحاجة إلى فسحة أمل تساهم في تحسين وضعه على كافة الأصعدة، فمن الخطأ طلب المساعدة من الناس ضمنياً في عملية التمويل المالي، في حين يستطيع وبطرق كثيرة البحث عن مصادر للتمويل وتقوية الكادر علمياً وتقنياً ومعدّات. 
حقيقة، إن لم تصبح الإذاعة معلماً ومنبعاً للمعرفة الهادفة والمعلومات الجديدة للمستمع، بعد الأسرة والمدرسة، وأنيساً وفياً في أيّ مكان يسمعه، سواء على الهاتف أو الإنترنت فلا فائدة منها، وستصبح تضيعاً للوقت وتأثيرها سيكون سلبياً وخطيراً على العقل والفكر، هنا سأطرح أسئلة على القارئ ومتابعي الإذاعات الكوردية، المجتمعية والسياسية والفنية والنسائية:
– هل للإذاعات أيّ أهمية في حياتك؟ 
– هل لا تزال تلعب دوراً مهماً في حصولك على المعلومات أو زيادة معرفتك؟
– ما هي الخدمات التي تقدمها الإذاعة لك في الوقت الحالي؟
– ما هي وسيلة الإعلام المفضلة لديك، وما مدى تأثيرها عليك، خاصة وأن الإعلام أصبح سلاحاً لا يستهان به؟
– إلى أيّ درجة تتواجد أجوبة هذه الأسئلة في إذاعة “CAN FM”، وبقية الإذاعات الكوردية الأخرى؟
– هل استطاعت هذه الإذاعة المجتمعية بالفعل أن تحقق إحساس المستمع، بالانتماء إليها في ما تقدمها من برامج تثقيفية فنية مدنية؟
– ثم لماذا تضع نفسها في مطبات ضيقة، كأن تكون إذاعة خبرية، وهي في الأساس إذاعة مجتمعية غير ناقلة للأحداث والأخبار؟ 
 
إن هذه الإذاعة قد تبدو عادية ومتواضعة في أيّ بلد أوروبي، إلا أنها في الفضاء الكوردي في غربي كوردستان تعتبر منبراً ضرورياً لكسر حاجز الروتين والبروقراطية «أيّ حدث سياسي أو عسكري أو اقتصادي أو اجتماعي من الممكن أن يوقف بثّ عملها» تحاول تعزيز فكرة التواصل والتفاعل بين الناس والمجتمعات، بأسلوب سلس بسيط وطريقة مدنية قيّمة، وإيصال هموم ومشاكل الكوبانيين إلى كل المسؤولين في غربي كوردستان بشكل خاص، وإقليم كوردستان والدول المعنية بأزمات السوريين بشكل عام. 
ولأنها إذاعة محلية، فمن الطبيعي أن تنطق لهجة أبنائها، إذ هناك شريحة متنوّعة من متابعيها، يعلقون أثناء البثّ المباشر لبرامجها على الفيس بوك باقتراحات وطلبات وملاحظات واعتراضات، معظمها تتركّز حول اللغة واللهجة وطلب أغاني محدّدة، فإن كانت مدة برنامج الإهداءات ساعة واحدة مثلاً، ويخرج 30 معلّقاً، وكل معلّق يطلب أغنية خاصة، وكل أغنية مدّتها 4 دقائق، إذاً عند الحساب، يخرج الناتج معنا في أن تكون مدة البرنامج 120 دقيقة، أيّ ساعتان، إذاً على الجمهور والإذاعة أن يراعيا بعضهما البعض، لتكون الفائدة على الطرفين.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…