دور المرأة الكوردية في المجتمع العشائري، شارا موسكي نموذجا

علي شيخو برازي
 
للمرأة الكوردية حيز واسع في التاريخ ، من حيث دورها المتميز في مجتمع، فهي حاضرة في كل الأمور الحياتية كونها أهلا للثقة، في الإدارة والثقافة وفي الحرب أيضا، هي التي تدير شؤون القبيلة في غياب زوجها، تشارك في القضايا الهامة، و في تاريخنا نماذج شاهدة لا تخفى، رأيها محط احترام وتقدير، وقد يحمل الولد باسم أمه  بدلا من أبيه في المجتمع الكوردي، وليس كثير عليها أن يكون اسمها كناية للحياة .
من يتابع أحداث ملحمة: حمي موسكي، تلك الملحمة الشعبية التي ذاع صيتها في أرجاء كوردستان، كونها كانت انتفاضة ذات طابع قومي في وجه العثمانيين .
يرى مدى دور المرأة الكوردية في المجتمع الكردي، وفي أصعب مراحل المجتمع، وهي المرحلة القبلية .
في هذه الملحمة  تبرز شخصية  امرأة  شجاعة، قوية، عاقلة، هي التي ترصد الأحداث والوقائع بتفاصيلها، وتدرك أبعاد هذه الحادثة التاريخية، وهي الذاكرة الحافظة والناشرة لها .
(شارا موسكي) أخت حمي موسكي، التي صاغت هذه الملحمة شعرا، وبدأت بغنائها حتى وصل صوتها إلى كل ضمير كوردي في كوردستان، فعاشت الملحمة في وجدان الشعب منذ منتصف القرن التاسع عشرحتى زمننا هذا .
كانت شاري ذات شخصية فولاذية وعقل راجح، وصاحبة رأي في كل الأمور التي تخص العشيرة، وخاصة أمور الحرب والسلم ، و كانت عاملا هاما في ترابط عائلتها.
لم تكن شاري فارسة، لكنها كانت في ميادين الحرب ضد الغزاة، إلى جانب أخوتها الفرسان، أكثر من فارسة، حيث كانت ترفع من معنويات الفرسان والمحاربين في ساحات الوغى والنزال .
في المعركة الأخير التي دارت بين العثمانيين والبرازية، والتي كانت بقيادة حمي موسكي، حيث قتل فيها حمي موسكي بعد أن فقد رمحه، عند غرزه في جسد أحد رماة المدافع، ولم يستطع إخراج رمحه من جسد الرامي من شدة الحرب ، وبقي دون رمح ، حيث كان الرمح سلاحه الهام، لأن السيف لم يكن يجدي في المعركة ، وقتل بعد أن خسر رمحه ، وكان قد قتل المئات من الجيش العثماني  ورجال العشائر العربية من: الجيس والعدوان ، وهي العشائر الأساسية المتحالفة مع الدولة العثمانية في هذه الحملة .
وبعد مقتله، قطعوا رأسه وداروا  به بين كتائب الجيش العثماني، والفصائل العربية المتحالفة مع الجيش العثماني، إشارة إعلان نصرهم على البرازية ، ثم حموا رأسه إلى حيث مركز القرار العثماني، وتركوا جثته في موقع المعركة، والتي كانت قرية موّﮋك حسب الرواة .
فتحمل شاري جثة أخيها على ظهرها مسافة لا تقل عن 10 كم ، من قرية موّﮋك إلى قرية حنيرك، لتدفنه هناك بين أهله وأقاربه، وتبدأ حنجرة شاري الجريحة بسرد وتنظيم هذه الملحمة البطولية، بصياغة شعرية جميلة ولغة أدبية رصينة، وهذا ما جعل من الملحمة مادة تاريخية حية، مترابطة المفاصل والأحداث، إلى أن أدركناها في يومنا هذا .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

سيماڤ خالد محمد

مررتُ ذات مرةٍ بسؤالٍ على إحدى صفحات التواصل الإجتماعي، بدا بسيطاً في صياغته لكنه كان عميقاً في معناه، سؤالاً لا يُطرح ليُجاب عنه سريعاً بل ليبقى معلّقاً في الداخل: لماذا نولد بوجوهٍ، ولماذا نولد بقلوب؟

لم أبحث عن إجابة جاهزة تركت السؤال يقودني بهدوء إلى الذاكرة، إلى الإحساس الأول…

خالد بهلوي

بحضور جمهور غفير من الأخوات والإخوة الكتّاب والشعراء والسياسيين والمثقفين المهتمين بالأدب والشعر، أقام الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكُرد في سوريا واتحاد كردستان سوريا، بتاريخ 20 كانون الأول 2025، في مدينة إيسين الألمانية، ندوةً بمناسبة الذكرى الخمسين لرحيل الأديب الشاعر سيدايي ملا أحمد نامي.

أدار الجلسة الأخ علوان شفان، ثم ألقى كلمة الاتحاد الأخ/ …

فراس حج محمد| فلسطين

لست أدري كم سيلزمني لأعبر شطّها الممتدّ إيغالاً إلى الصحراءْ
من سيمسك بي لأرى طريقي؟
من سيسقيني قطرة ماء في حرّ ذاك الصيف؟
من سيوصلني إلى شجرة الحور والطلع والنخلة السامقةْ؟
من سيطعمني رطباً على سغب طويلْ؟
من سيقرأ في ذاك الخراب ملامحي؟
من سيمحو آخر حرف من حروفي الأربعةْ؟
أو سيمحو أوّل حرفها لتصير مثل الزوبعة؟
من سيفتح آخر…

حاوره: طه خلو

 

يدخل آلان كيكاني الرواية من منطقة التماس الحاد بين المعرفة والألم، حيث تتحوّل التجربة الإنسانية، كما عاينها طبيباً وكاتباً، إلى سؤال مفتوح على النفس والمجتمع. من هذا الحدّ الفاصل بين ما يُختبر في الممارسة الطبية وما يترسّب في الذاكرة، تتشكّل كتابته بوصفها مسار تأمل طويل في هشاشة الإنسان، وفي التصدّعات التي تتركها الصدمة،…