الترجمة إلى العربية والتقديم: ابراهيم محمود
أعترف أنني استعرت العنوان من كتاب للمفكر الفرنسي جاك دريدا ” La dissemination ، منشورات Seuil، باريس 1972 “، أي ” الانتثار “، فالانتثار مفهوم خصبيّ، إذ نتذكر نثر البذور في الأرض، وأن نتخيل ميكانيزم التفاعل بين البذور والتربة طبعاً. وفي قسمه الأول المعنون بـ ” Pharmacie de Platon “، أي ” صيدلية أفلاطون “. الصيدلية في أصل نشأتها بدورها تحيل إلى ما هو أرضي، إلى القائم بين الناس، وهي بازدواجية معناها أساساً، كما هو المعرَّف بها جهة المعنى، فثمة ما يحيي ويميت في الاسم، ثمة ما يجري تركيبه، ويحيلنا إلى الطبيعة، والشعر في مقام النسيج الذي تعقَّب دريدا خيوطه في هذه ” الصيدلية ” وكيف يتشكل النص : النسيج الروحي هنا:
Une texte n,est un texte que s,il cache nu premier regard,au premier venu, la loi de sa composition et la règle de son jeu …p: 80:
بمعنى أن ” النص لا يكون نصاً إذا هو لم يخف على النظرة الأولى، وعلى القادم الأول قانون تركيبه/ تأليفه، ثم قاعده لعبه “.
والشعر هنا مقابل فارماكون، الذي يراها دريدا في مفهومها اليوناني القديم دواء وداء، سماً وعقاراً ” العلاج أو السم :
remède et –ou du poison “، فثمة ما يسمّم البدن، وثمة ما يطيب، ما ينعش الروح، وتلك علامة فارقة في الشعر الذي يبقى: هناك، حيث ينطوي دائماً على سر اسمه، وهو إكسير كينونته الذي لا ينفك يراود متخيل قارئه، بهيئاته التي لا تحصى، كما هو الحضور المتخم بالدلالات للمرأة، أن نطقت شعراً، أي ما يواجهنا بصيدلية روحها، وانطوائها على كم لا يحصى من المعاني، من مسميات الخصوبة، لحظة النظر فيها، وتأمل الأبد من المرئي في جسدها، وما ليس فيه خفية، كما يقال ، ليس فيه جمال. الخفية حاضنة الجمال، والجمال ربيبها.
في هذا السياق كان توقفي عند نصوص/ قصائد شعرية مختارة لشاعرات كرديات، وهن يكتبن بلغتهن الكردية، أعني وهن يتقدمن بصيدليتهن ” الشعرية ” وتبقى فطنة القارئ المتبصرة هي القادرة على الفصل بين العلاج والسم. السم يميت، نعم، وهو يحيي أيضاً، وليس من دواء إلا وفيه نسبة سمّية. إنه الفاتل – هنا- بعلة جسمية، والحال مجازة ومحولة في نطاق المعنى الروحي، حيث الشعر يرتقي بالمحل الضيق إلى ما هو فضائي رحب .
القصائد الشعرية التي اخترتها للترجمة إلى العربية، مختارة من ” أنطولوجيا الشعر الكردي الحديث ” وهو مسبوق بعنوان عريض يشتمل عليه: صرخة الأقلام الحساسة ” والقصد : النساء ، من إعداد ” أفين شكاكي :
Fîxana pênûsên nazik: Antolojiya helbesta kurdî ya nûjen, berhevkar: Evîn Șikakî, ronahî,Amed, 2012 “>
ومن البدهي، أنه من المستحيل تقديم نماذج شتى من قصائد شاعرات، يتفاوتن في اختيار نماذج شعرية لهن من قبل معدة العمل الكبير، وهي ذاتها شاعرة، وهو يتعدى الـ ” 500 صفحة ” ومن القطع الوسط . لهذا اكتفيت ببعض منها، سعياً إلى قراءتها في لغة أخرى” العربية ” هنا، وإلى أي مدى تكون الروح الشعرية حاضرة بصدليتها .
ريحان سرحان
” مواليد 1981 “
القصيدة
قصيدتي تئنُّ
كقلبي
القصيدة والقلب ضاعا وهما معاً
الشعور والعاشق معهما أيضاً
لا أعرف
ما إذا كنت سأبحث عن قلبي
أو عن قصيدتي المنجرحة بالمقابل !!
وضمناً يكون البحث عنكَ أيضاً
ثلاثتكم ضائعون حصراً !!!
ألا أرشِدوني إلى طريق ؟
تُرى، من أجل رؤيتها
ألتقي مَن وأين ؟ ” ص 93 “
الشهيد
من أجل أمهات
وآباء
من أجل أعمام وأخوال
من أجل أخوات
وأخوة
من أجل أصحاب وأحبة
كذلك من أجل
بنات أعمام وأبناء أعمام
ومن أجلنا جميعاً
هم شهداء أبرار
تليق البطولة بتلك القامات
شباباً وشابات في مقتبل العمر
من هم شباب ومن هم مضحّون يكونون
ذاك مديح لوطنهم
لجبالهم…
إن كل ما أتفوه به
يليق بخيّالتنا !!! ” ص 94 “
يلدز جاكار Yildiz Çakar
” من مواليد 1978 “،
الباب
عصيتُ ما بين الباب وقلبي
من جهة أنتَ
من جهة الباب
لا استطعت أن أترك الباب ولا يديك
كم خريفاً بارداً أدفأتُه من أجل كلتا يديك
لا الباب يتركني ولا أنا أتركك
عصيتُ ما بين عصبتي ألم
أصبح قدراً في أزمنة خارج الأزمنة في موسوعة قلبي
من دونك لم تنته نهارات بلياليها
أنا الآن أقتل نفسي جرّاء بقايا عذاباتي
إلى أن تطالك يدي
سواد بؤبؤ عينيك كان من دون حدود
هناك أبحث عن بقية منك، كي أرتق قلبي !
كنت لصْق الباب وكنت الحبَّ
كنت واقفة لصقك. ألا تكلَّم تكلم !
ممَّ تخاف ؟
كلما التفتُّ ونظرت إليك
كان انكسار يشيَّد في يدي
كانت يدي قد عصيت في الباب، وأنت لقلبي
كان الحب ليلاً شباطياً في قلبي
كنت دعاء معاتباً لصق بابك
لا الباب ولا أنا اتفقنا
كان جسر على نار جهنم يفصل بيني والباب
كان خوفاً طفولياً، هروباً دون معنى،
كل أصابعك كانت ألماً وورداً من نار
تُرى، أي جهة من الباب كانت جنة قلبي ؟ ” ص 111 “
بيريفان دوسكي Bêrîvan Doskî
” من مواليد دهوك “
القلب البائس
القلب البائس
مثقَل بالأفكار كلياً
اليوم مرة أخرى
أحاول المستحيل
في مدار
ضيق الصدر
فلا يأمن
هروب منزوع الأمان
يطول
طيّ عاصفة الحياة
المقصد هو بحر
قلب العاشق
وهو بعيد عني
لذا
ما الحل
لوضعي
آخين ولات
” من مواليد 1970 “
تبغ
تاريخ من النساء
قد رقد
في عينيه
والحياة سيجارة مكسورة
طي الشفتين
***
رائحة الحدود
كانت تنبعث من لفائفك
وكنت أصبح موسيقا
من التبغ
في نبضك
***
القطار مجدداً
عيناك مجدداً
تبرقان على السكتين
والموقف
يضيق بالحقائب
لا مكان لي . ” ص 297 “
طريق
لكل طريق ثمن مختلف
وسوف أسدد الأغلى أيضاً
لهذا الطريق
ولن أندم أيضاً
مثقال شعرة بيضاء
دقيقتان
بعد دقيقتين
لن تكون لي
وبعد دقيقتين
لن أشتاق إليك ” ص299 “
مزكين حسكو
” ؟ “
النار
أي نعم يا أمّاه
أصبحنا أحفاد البساتين
الأطفال الذين كانوا ينامون
على العرزالات
وحولنا
كان أجيج النار ” ص 376 “
نسرين أحمد
” مواليد 1976 “
الحار والبارد
عندما جلست بجوارك
كان نصفي المجاور لك
يحترق من نورك
ونصفي الآخر، من ظل بعدك
يرتعش برداً
دون عتاب
أنا ابنة هذا المجتمع من دون قلب
الانقسام يشل دماغي
أنت تهديني القلب
وأنا بدوري، أطالب بخاتم بارد ” ص 397 “