جميلة حسن
لم نكن ندري ان غدا تحمل لنا مأساة التشرد عنوة، حيث جمع في كوباني 370 من أهل القرى وكنا تائهين مع أحزابنا (الفطر)kivark، بالرغم من كثرة عددهم اكتشفناهم صفر أمام القوى العسكرية التي كانت بيدها زمام الأمور منذ مجيئ صلاح مسلم من قبل الحكومة وأمنه السورية ، فقد كانت قبلها بأيام احتفلا بفرح قدوم الكريلا من قنديل كما كان مدعيا ،مع ان جميع وجوهم كانت معروفة لدى أهالي المنطقة ،فقد انشقت السماء من كثر الرصاص والطلقات ابتهاجا بالفرح الذي كنا مدركين انه يخبئ لنا ويلا أعظم من تلك الرصاصات، وبما أننا تعودنا وراء كل فرحة علنا هزيمة أكبر منها بفعل التجربة فإن الخوف تعشعش في نفوسنا .
في مساء 18 ذهبت لأرى ماذا هناك على الحدود باجتماع أهالي القرى عنده فإذ تفاجئت هناك بزوجة صالح مسلم وخلفها واحد من الاسايش لمساندتها تضرب الناس على وجههم وتقول :تريدون أن تذهبوا إلى الأتراك الخونة؟ .
ردت عليها امرأة من بين الجموع :وهل بقي أحد من الوزراء أو أصحاب النفوذ هنا؟ ماذا تريدين؟ هل نموت جميعنا هنا؟ فما كان من الاسايش خلفها سحب السلاح ولكن يد زوجة صالح مسلم كانت سباقة إلى وجهها، لم اتمالك نفسي وقلت لها :إذا كنتم لاتريدون فلما افرغتم القرى؟ .
ردت :كي نجعل لداعش من كوباني مقبرة لهم.
هنا تشاجروا وعدت للبيت، ولم أكن أعلم بأن الناس تذهب من تل شعير ،خابرت أحد الصديقات المقربات لأسالها عن الأحداث والوضع ومصير كوباني، فردت:لا يوجد شيئ وإنما هؤلاء من تجمعوا هم بلا شرف (بيناموس)ولا يوجد شيئ .
في صباح يوم 19 كان راديو كوباني يقول يقترب داعش ولكننا كنا نعتبره كما الموال اليومي في الجامع :يا أهل الشرف والناموس أخرجوا إلى الشوارع لتحموا شرفكم.
خرجت إلى الشارع، ورأيت كما الأفلام الحربية .الناس جميعها تهرب أما بالسيارات أو بالركض، تذكرت افلام الحروب وكيف أن جارتنا الارمنية كانت تبكي وتحدثنا عن تشردهم وكيف.
يا للهول وفظاعة المنظر، ولن انساه ماحييت، فالكل يهرع ولا يلتفت ماذا حصل؟ أين ذهب السلاح والابطال؟ أين الأحزاب؟ أين حزب الحامي والقوى الحامية؟ كلها بانت بأنها وهم ونحن المخدوعون.
اتصلت بتلك الصديقة مرة أخرى ،وعندما فتحت الخط لم تنتظر مني كلاما وإنما أجابت رأسا :أخرجوا بسرعة، فقلت لها: أين أنت ؟
أجابت :في تركيا منذ البارحة.سالتها :ألم تقولي؟لم تترك لي مجال للاستفسار وإنما قالت :اخرجي وبعدها لنا حديث.
ياااااااه لصدمتي ويا لكل غشاش.
هربنا وفي يدنا المفاتيح على أمل العودة بعد يوم او يومين ،ووضعنا المفاتيح في جيوبنا كما حمل الفلسطينيون في قصة غسان كنفاني الذي تذكرته في ذاك اللحظة .
نظرت إلى مفتاحي بشغف كأنه الكنز الثمين وكأنني لا أملك في الدنيا غير هذه ،خفت أن يتحول كنزي في يوم من الأيام إلى قطعة حديد ويصدا ويغلق كل أبواب الأمل.
يالها من فاجعة مؤلمة ،كوباني التي كانت الملجأ والمسكن والروح، كوباني تستغيث ولا من مغيث أو معين؟وعبدالمعين كان يعد ويحسب. ……
من الخوف كان الجميع اصناما، وجوها صفراء وتائهين بلا أحذية .
عند فتح الحدود والكل يهرب ويدعس على الآخر ،دون التفكير والتميز بين الصغير والكبير فالاهم هو اجتياز الحدود، وذاك الخط اللعين سبب مأستنا منذ سايكس بيكو .
عندما اجتازوا الحدود فكانت بداية الصرخات من الألم والوجع الوجداني، فبدأت الولاويل والنداءات الممزقة ،وقتها أدركت أن الروح تصرخ بعد أن كانت مصدومة في الأجساد الخشبية .
هنا الحدود التركية، تركنا كوباني دون وداع، وإذ تفاجئنا بأن الوزراء كانوا في تركيا قبل اسبوع ومستاجرين البيوت قبل شهر حسب شهادة أهل البيوت في سروج وعلي كور وبوجود الوزراء أنفسهم.
أصبح الخيم ملجأ الكوبانين وابتدا رحلة العذاب الحقيقي .
مخيمين إحداهما كانت للاتراك والآخر لأتباع ب ك ك في سروج.
هنا راودني سؤال :مادامت الدولة التركية عدوة وتحارب فكيف تقبل أن يكون لهم مخيم وباسمهم وعلنا وتاتيهم مساعدات؟
ثم هل السروج مقاطعة مستقلة وليس للدولة التركية نفوذ عليها؟ .
فقد وضعنا التفكير جانبا لأن جرح الروح لن يتحمل التفكير وكلاهما سيثخن الجراحات، ووثقنا على الجرح بالملح الذي هو التطنيش كما يدعى فيثقل الروح المفتت قبلا وينثرها في غياهب الضياع.
كوباني كانت …… ونحن كنا الحطب، ومازلنا ننظر إلى قطعة الحديد والى ذاك الأمل لعله لايصدأ.