حاوره : الباحث / داود مراد ختاري
سماء تلبدت بعاصفة الحقد والكراهية فامحت بين ليلة وضحاها الذكريات، وتناثرت أشلاؤهم ممزقة، فانمحت البسمة وأحرقت أركان الحياة فيها لتصبح رماداً سوداء تطاير في السماء أجساد الملائكة تقول لربها، ماذا فعلنا حتى نستحق كل هذا الفناء، جريمة بحق الانسانية والطفولة البريئة نسجت خيوطها في دهاليز الظلام لتهتز الضمير الانساني، حتى ظهرت وحشية القتلى وسفاكي دماء الأبرياء للانتقام من الفقراء والبؤساء، هؤلاء سلالة الوحوش الكاسرة، استلت أنيابها تنهش جسد البشر، لتحرق الانسانية والطفولة البريئة، ولن تهدأ تلك الأرواح البريئة مالم تجد تطبيقاً للقانون يتناسب مع حجم الجريمة الشنعاء التي ارتكبتها العقول المتحجرة.
صدرت عن دار أوراق للنشر ، القاهرة ، 2018، رواية شنكالنامه، (480) صفحة، لزميلي الروائي ابراهيم اليوسف
– من هو الروائي ابراهيم اليوسف؟
مازلت لا أرى نفسي إلا شاعراً، وإن كانت علاقتي بالسرد قديمة، إذ طالما كتبت في هذا العالم، لا ضير، أحياناً يكتشف المرء أنه أقل من يستطيع الحديث عن نفسه، بالرغم من أنه قد يكون أكثر من يعرف ذاته. لا أرى ثمة تناقضاً هنا، لأن ما هو رصيد لأي منا. ما هو تعريف له. ما هو هويته يكمن في صدى صورته لدى الآخر، وإن كان الآخر، كمرآة، لم يعد كما حاله من قبل، إذ إن غبار الحروب، ودخان ثقافة الكراهية، وما سوى ذلك بات يؤثر على جزء كبير من شخصية أي منا، إذ لا أحد خارج الحرب التي تدور. كلنا في هذا الأتون المستعر. كنت أتحدث عن المرايا المغبشة. المرايا المقعرة وهي موجودة، وعابرة، لكن ثمة مرايا شفافة لا سطحها يخدع، ولا أعماقها. لا بياضها يشوب، ولا قصديرها يتصدع. تلك هي المرايا التي يعتد بها في الحياة وفي الإبداع وفي عالم النقد.
لا أخفي أنني كنت امرءاً حالماً منذ طفولتي، ومروراً بصباي، وفتوتي، وشبابي، وكهولتي. أحببت المغامرة. كان لدي ما أعتد به، وهو ألا أسكت على الظلم. كان أبي يقول لي ولأخوتي وأخواتي: إن وجدتموني على خطأ نبهوني. كان يستعيد بذلك قولة أبيه. قولة شيخه لأبيه. وقد علمنا متى نقول هذه الكلمة، وأين نقولها، حتى تجدي نفعاً، وكثيراً ما كان يكافئنا إن اكتشفنا خطأه، لاسيما في ما يتعلق بمظلمة عقابية لأحد منا، أو إجازة لآخر. ربما من هنا كنت أتجاوز كل وقار عندما أجد ظالماً يظلم، وأبدي رأيي ولو بامتعاضة.
ولو بكف التواصل مع المسيء إلى أن يصلح، بالرغم من أني سريع العفو لكل من أساؤوا إلي. هذه الخصيصة دفعتني لأقدم نفسي كصوت لكل من يقع عليه الحيف، ولقد دفعت ثمن ذلك، من قبل مرتكب الظلم، أو الظالم، كما أن ذلك انعكس علي. على أسرتي، فقد كنا تحت دائرة الخطر، وثمة من ورث ويرث عني هذه المأثرة/ المثلبة من أسرتي.
امرؤ عادي، على الصعيد اليومي. عملت. وتعبت وعانيت. أحببت، وما زلت أحب، شدتني عوالم الكتابة. كتبت بلا توقف، ولكني عنيت بمجالات أخرى، خلت أنها الأسرع في مؤازرة الناس، فما إن يعتقل أحد حتى أحس أن جزءاً مني معتقل، وما أن يظلم أحد حتى أظن أن المظلمة وقعت علي، لذلك فقد عملت في مجال الصحافة، ومن ثم حقوق الإنسان، على نحو طوعي، لكي أكون لسان كل من يقع عليه الظلم. من هنا فقد أرجأت الاشتغال على مشروعي الكتابي. أهملت المخطوطات التي أنجزتها. مشاريع الكتابة، الكثير منها ضاع ورقياً أو إلكترونياً، ما جعلني أحس، الآن، أن جزءاً كبيراً مني قد ضاع، وليس ما أكتبه الآن، إلا محاولات لإيصال بعض صوتي الإبداعي إلى الآخرين. الصوت الذي يتصل بخط طفولتي الأولى، عندما كنت أكتب الأسجاع في أصدقائي، وأهل القرية، أمازحهم.
– لماذا اخترت هذا العنوان للرواية؟
هذا السؤال أثاره عدد من المقربين إلي: لم هذا العنوان؟. حقيقة، ظل العنوان يشغلني إلى وقت غير قليل، وأعلنت على صفحتي الفيسبوكية أكثر من عنوان للرواية عندما انتهيت منها، وقبل ذلك، وبعد ذلك. في البداية لم أرد استعادة هذا العنوان الذي استخدمته- شخصياً- من قبل، وكان عنوان قصيدة لي، كتبتها بعيد مأساة شنكال بساعات، وكانت ذات نفس ملحمي، استعرضت فيها الكثير من الألم الشنكالي، إلا أنني، وجدت، في ما بعد، أن الألم أكبر، ولابد من سرد بعض التفاصيل، فكانت هذه الرواية. شنكالنامه، أو رسالة شنكال عنوان قصيدة لي، قلتها في مأساة شنكال العظمى، ثم جعلتها عنوان روايتي، وما كان يدعوني للتردد في استخدام هذا العنوان هو أن اللاحقة- نامة- بل المفردة “نامه” تعني رسالة، وقد تم استخدامها كثيراً في العديد من آداب المشرق.
– كيف رأيت جينوسايد الإيزيدية الأخيرة في آب 2014؟
ما حصل من إبادة لأهلنا الكرد الإيزيديين في شنكال، يكاد ألا يصدق، لأنه يشبه الخرافة، وكان ذلك مقدمة لإبادة الكرد، عن بكرة أبيهم، في أجزاء كردستان كلها، لو أن مشروع تنظيم داعش الإرهابي أفلح. هذا المشروع الذي بدا الكرد العمود الفقري في مقاومته، وتكنيسه، ليس من كردستان وحدها، وإنما من العالم كله.
لقد ظهرت عفونة وكارثية الإرهاب، ولؤمه، وبؤسه التاريخي، من خلال مفردات غزو شنكال، وسبي الأطفال والنساء، ناهيك عن المجازر المفتوحة للإيزيديين عامة: رجالاً وشباباً، ومحاولة محو آثارهم، وحرق معابدهم، وأماكنهم المقدسة، كما لم يتورع داعش بذلك عن المزارات والمعابد الإسلامية نفسها!!!
غزو شنكال، وحرب الجينوسايد بحق أهلنا في شنكال هزَّا وجداني، إذ صرت أتابع ما يدور، وأقوم ببعض ما يمكن: مراسلة أولي الأمر، هناك، لإبداء استعدادنا العمل الإعلامي، بالإضافة إلى الانخراط في الكتابة عما يتم في إحدى كبريات الصحف العربية- النهار-إذ كتبت ريبورتاجات عدة في هذا المجال، ناهيك عن محاولة نشر الكثير من الأخبار التي كانت تردني، ومتابعة الفيديوات التي كانت تنشر، بالإضافة إلى متابعة أخبار الإعلام، بأنواعه، من دون أن يهدأ ضميري، ووجداني، وقد واصلت كتابة المقالات عن شنكال ومقاومة البيشمركة، إلى تلك اللحظة التي أعني فيها عن تحرير شنكال الذي تلكأ- للأسف- بالرغم من تحرير البيشمركة لهذا المكان، لداع لا علاقة لهم ولا لداعش به.
– الطيور السوداء في الرواية تحمل السموم، من أين أتت هذه الأسراب المسمومة ؟ ولماذا اختارت الطيور لدغ الإيزيدية بسمومها؟
أسراب الطيور التي بدت مع بدايات غزو شنكال، ترجمة لنذير الميثولوجيا الإيزيدية لسلوك أعداء هؤلاء الكرد المختلفين. إنها كانت نذيرشؤم. إنها كانت ترجمة للحقد التاريخي على الإيزيديين، لأنهم حافظوا على الكثير من بقايا الديانة الكردية الأولى. ثمة أكثر من استخدام للطائر، فهناك الطائر المقدس، مقابل الطائر المدنس، أو طائر الشر، كما حال الأفعى التي تفرد لها ميثولوجيا الإيزيدية الكثير. أجل، لربما كانت تلك الطيور امتداداً لقبح وبشاعة تنظيم داعش نفسه !
– هل عاشرت عائلتكم أحداث هذه الإبادة ؟
الرواية ليست واقعية- صرفة- إذ فيها ثمة خيال، أيضاً. امحت الحدود بين مسرح الجمهور والنظارة في العالم كله. المرء هو من يقرر انتماءه إلى الضحية أو القاتل، عبر الإعلان عن ذلك، وقد يكون الصمت علامة شراكة ما مع القاتل. علامة رضى محدد. لقد انتميت شخصياً إلى كل من يرفض هذا الغزو. هذا الظلم. هذه المجزرة المفتوحة من دماء أهلنا الإيزيديين، وقبل كل ذلك اعتبرت كل حرة كردية إيزيدية تم سبيها هي من عائلتي. إنها كرامتي. من هنا ربما أن التباساً ما قد حدث في تحديد موقعي، ومن معي، من أمثالي، في العالم كله.
– وصفك لصرخات المخطوفات في براثن الدواعش، يبدو لي أنها صرخات حقيقية؟
أجل. تابعت الكثير من التفاصيل. لا أريد استذكارها. ثمة واقع مؤكد، وثمة خيال أيضاً، لكنه خيال ليس ببعيد عن الواقع. إنه جزء منه. إنه النزر اليسير منه. إن أية صرخة ألم في أي عمل فني، لا يمكن أن تعوض عن ألم الواقع. لقد تورعت عن ذكر تفاصيل أخرى، كانت صاعقة. بعض أصدقائي نصحوني بأن أدعها، وفعلت ذلك، على أمل أن أقدمها في عمل آخر، ضمن فضاء هذا العالم المأسوي لحراتنا وأحرارنا.
– في الرواية هناك العديد من الجهات التي تبدو مقصرة في أداء واجبها تجاه الإيزيدية؟
نعم، أوافقك. لو أن القوى التي ارتأت محاربة الإرهاب قد أرادت لهذه لمأساة ألا تقع، لما وقعت. مواكب آليات داعش كانت تسير تحت مرأى أجهزة الرصد الأمريكي، الدولي. السبايا تم نقلهن من شنكال/ سنجار إلى الموصل، فالبوكمال، فالرقة، ومنبج إلخ، دون أن يتحرك هذا الضمير الموقوت، إلا بعد وقوع الجريمة على أتم أدواتها. على أتم أشكال انتهاكاتها، باعتبار أن المعتصم العالمي. المعتصم الإسلامي. المعتصم العربي كلهم كانوا صماً. لم يتحرك إلا الدم الكردي ليواجه كل ذلك القيح والقبح الآدمي، ما بعد الوحشي، بالرغم من أن صاحب هذا الدم، بات في مواجهة طرف آخر، بزمرة شبيهة، أراد تصفيته معنوياً، وجسدياً، ليكون وراث المكان وأهله…!؟
– ما الذي تريده من وراء هذه المقولة/ الحكمة في الرواية ((كل شيء أقتنع به إلا صداقة الأفعى))؟
لا شك أنك كباحث مختص في الشأن الإيزيدي عارف أن للأفعى مكانة مقدسة في ميثولوجيا هذه الديانة. هذه الأفعى لها مكانها في الذاكرة الكردية والإيزيدية، وهو ما أدركه، إلا أنني تناولت الأفعى- الأرضية- الأفعى التي طالما نظرنا إليها، من خلال لحظتنا الصوفية. من خلال مخيالنا، إلا أنها باغتتنا، في الكهوف، ولم تكن أمينة لظنوننا عنها. إنها أفعى داعش، لا الأفعى الرمزية التي تحتفل بها الثقافة ال كردية والإيزيدية منها، على حد سواء.
– ((أنا ضد سفك الدماء ولو كان عدوي ! )) حتى لو أكدت عليها الديانة الايزيدية، ألا تراها نوعاً من الجبن أيضاً في الفرمانات؟
المسالمة، شجاعة، وإن من أكبر الشجاعات الانتصار على الذات، ولكن، هذه المسالمة تتحول إلى إدانة أمام أي اعتداء على الأرواح والكرامات. الحديث عن المسالمة- هنا- لا يعني التخاذل في لحظة الدفاع عن النفس مسوغة، ولا المساومة على الحق المغتصب.
الإيزيدي، الأعزل، إلا من إرادته حافظ على نفسه، وصمد، وواجه أعتى الجيوش في زمن الدولة العثمانية التي احتلت المكان. أنا هنا، مجرد قارىء للنص. مجرد ناقل لرؤى الإيزيدي الذي عرف بالدفاع عن الذات لا الاعتداء على من حوله.
– ((ثمة خديعة أتبعها داعش. إذ راح أزلامه يدعون، أنه لن يؤذي إيزيديي سنجار، ما جعل كثيرين يحاولون تصديق هذه الأكذوبة)) هل تعتقد بأن هذه الأكذوبة كان لها تأثير كبير على الضحايا؟
أجل. كان لها دور حاسم، وبشيء من الجرأة، أستطيع القول: لقد تم اختراق المجتمع الكردي الإيزيدي، من قبل بعض بقايا- البعث- ومنهم الإيزيدي، هؤلاء، روجوا عشية الغزو أن داعش/ ثورة البعث الثانية، لا يستهدف الإيزيديين، وإنما البيشمركة، وحدهم، وهذا ما طمأن الإيزيديين، وإلا فإنهم شديدو بأس، وكان بمقدورهم منع غزو شنكال.
ثمة اجتماعات تمت بهذا الخصوص، في شنكال نفسها، ولابد من متابعة هذا الملف، من قبل المعنيين، لمعرفة التفاصيل: المخطط كان كبيراً، وثمة ضالعون فيه، ولربما من بينهم بعض من تواطأ عشية غزو كركوك، من أجل سلبها، من الكرد.
– ((عماه، بم تنصحنا؟. ألا ترى أنه علينا أن نقاومهم؟ ألم نتأخر؟. فأجاب: لم نتأخر، ولم يتقدموا. أمريكا هي التي تكتب التأخر والتقدم.)) هل فعلاً أمريكا هي التي كتبت كل ذلك؟
ناقشني أكثر من صديق، بعد تصريحات لي بهذا الصدد، مؤكداً أن من تنطعوا لقيادة العالم لو أرادوا كبح جماح داعش، ومنعه من غزو شنكال لاستطاعوا.أمريكا تأتي في الطليعة، بل تتفرد بهذا القرار، وهذا ما يجعلها مسؤولة عما تم. عربات الدفع. سيارات الهمر المسطى عليها من الموصل كانت تسير على مسافة مئات الكيلومترات إلى الرقة، عبر الأراضي السورية، والعكس، عبر رحلات سياحية، استعراضية، عسكرية.
لقد كان في إمكان هؤلاء-أي القادة- ردع القتلة، الأفاكين. هذا الكلام قلته عن سوريا. قادة العالم من آزروا النظام السوري، ومنعوا إسقاطه، وهم شركاء في كل هذا الدم السوري. في كل دماء المنطقة.
– ذكرت في الرواية ((لو أنهم منحوا البيشمركة الأسلحة الثقيلة، لصمدنا. الأسلحة الخفيفة التي قاوم بها شبابنا والبيشمركة لم تقصر)) برأيك لماذا أمريكا لم تزودهم بتلك الأسلحة لمقاومة الدواعش قبل قدوم الدواعش إلى شنكال؟
نعم. البيشمركة في لحظة الغزو، وفي الأيام الأولى من مقاومتهم ضد داعش، كانوا يعتمدون أسلحة بسيطة، قديمة، بعد أن خططت بغداد لإضعافهم، ومنع تزويدهم بالأسلحة المتطورة التي حصل عليها داعش، في صفقة معروفة، كما تقول ذلك رسائل أثيل النجيفي محافظ الموصل.
ألم نر كيف انقلبت الآية رأساً على عقب، بعد مد الدول ذات الشأن السيادي على العالم البيشمركة بالأسلحة الكافية، وبات داعش يبدو يوماً بعد يوم ليس إلا أكذوبة، وما لجوئه إلى عمليات الحرق، وإكساء الضحايا الملابس البرتقالية، ونشر ذلك، ضمن حربهم الإعلامية إلا نتيجة ضعف، وجبن؟!
– وردت في الرواية ((جريمة إعدام ثلاثة وعشرين من أبناء بحزاني وبعشيقة، ممن كانوا يعملون في أحد مصانع الموصل ، بطريقة مروعة)) ما علاقة هذه الحادثة بجينوسايد آب 2014 ؟
ربما كان هناك اختلاف على العدد- هنا- هل كان العدد ثلاثة وعشرون ضحية، أم أربعة وعشرون ضحية. لا بأس، إن من أقدموا على إعدام هؤلاء الإيزيديين. إن من أقدموا على تفجيرات بعض أماكن الإيزيديين، قبل سنوات، عبر عمليات إرهابية، فهم أنفسهم خلايا داعش، النائمة، أو المنومة، والتي لما تنته بعد، بالرغم من هزيمتها على أيدي أبطالنا، سواء في كردستان العراق، أو في سوريا. حيث كان للكردي حضوره الكبير في صناعة البطولة والانتصارضد داعش!
– ((ما أسعد من وجد من يدفنه، نحن هالكون هنا، ولا منقذ، أو دافن، أو باك علينا….!)) هل يعني أن هناك نوعاً من السعادة حتى في هذه الأوقات الحرجة جداً ؟
هذه العبارة تقال، عادة، قالها الكردي كثيراً أثناء حملات التهجير، في أجزاء كردستان، وهي لما تزل تقال. الحرب حقرت حتى أجساد الضحايا الملقاة في ساحات القتال، وقد رأينا ولا نزال الكثير من الأشلاء الآدمية تنهشها كلاب وقطط الحروب. أجساد منتفخة، متعفنة، لا أحد يدفنها، لذلك فإن من حظي بمدفن من لدن أهله، في زمن الحرب، يكون محظوظاً. هذه المفارقة لو تأملناها، لأدركنا المغزى من وراء هذه المقولة، الصاعقة، الصافعة، المزلزلة، المدوية.
– ماذا تود أن تقول عن شنكال هنا ((شنكال صيدلية الله. لم يخلق الله داء إلا وكان له دواء هنا))؟
طبيعة كردستان غنية، ومن بينها شنكال، والجبال والسهول الكردية، إذ كان الطبيب الكردي القديم يأخذ أدويته العشبية، من محيطه. صيدليات اليوم، أيضاً، تعتمد على صيدلية الطبيعة، في أفضل أدويتها. هذه عبارة هامشية، لكني أنتبه- الآن- لأهميتها. إنها أهمية المكان، وكائنه.
– من خلال رواية شنكالنامه حاولت بيان جرائم صدام والبعثيين أيضاً، ما علاقة الدواعش بتلك الجرائم؟
داعش، امتداد للبعث الذي زاوج بين طرفين متناقضين، لاسيما في نسخته العراقية، أيام صدام حسين. لقد حضرت أمسية لشاعر عربي كبير، بعيد ولادة داعش، وعشية جرائمه، كان يسمي هذه الجرائم: ثورة، بعث ثورة، أو ثورة بعث!
– ((الشمس غابت، وباتت الظلمة تحلُّ على المكان. الجبل بدا في أوج وحشته)):
ماذا تريد أن تقول هنا؟
هنا ثمة انعكاس لهول ما جرى لشنكال على المكان. شنكال ما بعد داعش ليست كشنكال ما قبل داعش: الشمس غائبة، والظلمة تحل على المكان، أو تحتله، الجبال الذي كان ملاذاً آمناً للناس، بدا في ذروة الوحشة، بعد كل ما جرى لذويه.
– ((يواصل الرجل الفلسطيني شتائمه للإيزيدي، وسبابه، لا يترك محرماً)) لماذا ترك الفلسطيني قضيته واتجه للاعتداء على الإيزيديين المساكين ؟
هذا السؤال يطرح على كثيرين، على التونسي، والجزائري، والمصري، والسوري. يطرح على التركي. إنه يطرح على جميعهم، فما الذي جعلهم يتعامون عن قضاياهم، ومعاناة إنسان ومكان كل منهم، ليأتي ويساهم في سلب، ونهب، وإبادة إنسان لم يؤذه البتة، ألا وهو الإيزيدي؟!
– ((إنه امتحان ملك طاووس لنا)) هل فعلاً كان امتحاناً للإيزيدية بمدى إيمانهم بعقيدتهم؟
لابدَّ من الإشارة، في هذا المقام، أن الروائي ليس مسؤولاً عما يرد على ألسنة أبطاله، وشخوصه، من تصريحات، وأقوال، ولا عما تبدر منهم من مواقف. الروائي يستعرض آراء متناقضة. يستعرض بنات أفكار شخوصه. رؤاهم، وحتى هواجسهم، بل وحتى هلوسات بعضهم، أحياناً.
– ذكرت في الرواية ((قال رجل من حردان إن القرية لم تقدم ضحايا لأننا التجأنا إلى المزارع)) بينما أهل حردان هم من قدموا الضحايا في الساعات الأولى من يوم الإبادة.
لو دققت العبارة في النص الأصلي، لوجدت أني أتحدث عن دفعة الناجين-بعد المجزرة- ممن لم يتعرض لهم في طريقهم أحد، أما المجزرة فلها شأن آخر
– فعلاً صديقي (عبدي الحليقي) حفر بئراً في الجبل وساعد الناس في محنتهم، من أين لك هذه المعلومات الدقيقة لتكتبها في روايتك؟
لقد تابعت مجريات غزو شنكال، من قبل إرهابيي داعش، منذ اللحظة الأولى لهذا الغزو الغادر، من خلال المتابعات الإعلامية المختلفة، والتقيت أصدقائي وصديقاتي الإيزيديين، المطلعين، والمتابعين، ومن بين هؤلاء بعض معارف عبدي حليقي الذين رووا لي هذه الواقعة، فوجدت في تناولها أهمية خاصة، إلى جانب رمزيتها.
– ((ها هم البيشمركة أتوا. سمعت عبر الراديو كلمة الرئيس مسعود بارزاني. لقد أقسم أن يثأر لكرامة الإيزيديات، ولن يهدأ له بال، مادامت إحداهن في الأسر))
أجل، وهو ما تم فقد وجدنا هذا الرئيس البيشمركة، وأبناءه، وبعض أقربائه، على خطوط النار، لم يهدأ لهم بال، بانتظار تحرير أسرى وسبايا شنكال، وأرضها، بل كل أرض كردستان التي اغتصبت، تحت وطأة هؤلاء الغادرين، الأقزام.
– اعتاد المجتمع الإيزيدي على سرد مآسي الماضي من حملات الإبادة كما وردت في الرواية عندما كان يتحدث (صالح نرمو) عن تلك المآسي، وهل ستسردها الأجيال اللاحقة أيضاً؟
اعتاد الإيزيدي على حكايا وقصص الصدر. حكايا وقصص الذاكرة، التي تم تناقلها جيلاً عن جيل. الأمر تغير الآن، حيث الكثير من هذه الجرائم موثقة، بأحدث وسائل التوثيق ما بعد الحداثية، فلا بد، إذاً، من أن يكون التوثيق أدق، وبعيداً عن أي ضرب من ضروب تخفيف تأثيره، كما يمكن أن يحدث للرواية الشفاهية، مع أن من بين الكرد عامة، والإيزيديين منهم خاصة، رواة، كانوا جد مؤثرين، لطالما كانوا يستحضرون التاريخ، بكل مآسيه، وآماله المؤجلة، وما الحديث عن- الفرمانات- التي تمت، وهي المجازر بحقهم، إلا بعض مرويات هؤلاء، عندما كان التاريخ منصرفاً لتدوين أخبار السلاطين والملوك والقادة المجرمين بحقهم.
– ما علاقة مقتل القائمقام و((غانم أحمد العلي)) قبل سبعين سنة باحتلال شنكال من قبل الدواعش ؟
تاريخ المكان. جغرافياه. ميثولوجيا كائنه. كل ذلك أيضاً، كان يجب أن يورد، ضمن الحدود التي يمكن لهذه الرواية أن تستوعبه. في ذلك ثمة سردية لبطولة إيزيدية، في إطار التشبث بالحياة، والإصرارعلى الوجود، في تلك البيئة التي كان كل شيء يبدو مريباً، في المحيط، طالما إن الإيزيدي لا يقبل أن يكون نسخة عن سواه، بل يصر على أن يكون نسخة عن نفسه.
– ((أفعى لدغت يد امرأة جلست إلى جانب أختها التي تضع مولودها…. حتى الأفاعي داعشية)) هل تود أن تقول أن الحيوانات المفترسة تكتسب قوتها و فرائسها من ضحايا الحروب؟
كثيرون من الناجين، تحدثوا عن الطبيعة التي بدت أكثر قساوة، في تلك الأيام الآبية الصعبة. القطط الوديعة. الكلاب. اليرابيع. الفئران. الدبابير. الذباب. البعوض. بعض الحشرات.. كلها غدت على حين غرة، بسلوكيات مغايرة، وطبيعي، أن العقارب، الأفاعي، تجد في الحروب ذروة مهرجاناتها الخاصة، حيث نتن روائح الأجساد المتفسخة. إنها البيئة المثالية لكل الكائنات السامة، والفتاكة، الباطشة، القاتلة.
– ((على المرء أن يتذكر أن استعباد عائلات الكفار وجه ثابت من أوجه الشريعة، فمذهبهم منحرف عن الصواب …. جزء من فتوى عن «دابق» المجلة الرسمية لتنظيم داعش)) أعتقد أن الفتوى ليست للدواعش وإنما لمن سبقوهم واستعملوها في كافة حملات الابادة؟
لم تدع مدونة داعش أن النص لها، فهي تبين أن ماسميت ب”الفتوى” هنا، ثابتة، والعداء للإيزيدية كان قبل داعش، ولربما لاينتهي بانتهائه، لطالما أن حملة خثرة فكرة إلغاء الآخر لما يزالوا، تحت تأثير هذا المخدر، من دون أن يعترفوا بحق سواهم في اتخاذ مايرونه من قناعات، وأفكار، ودين.
– ((لا يعنى كاتب المحكمة بمعلومات تدرج الخليفة أبي بكر البغدادي. وإنما يركز أكثر على الشذوذ الجنسي لديه)) هل فعلاً كان مصاباً بهذا الداء؟
ما تناولته الرواية من إشارات جنسية، لم آت بها، من بنات خيالي، فقد قرأتها في وسائل الإعلام، على إنها شهادات واعترافات من كانوا مقربين إليه، في السجن..!
كاتب المحكمة لا أستطيع أن أشرح لم تصرف على هذا الشكل، أو ذاك، ولكن، يبدو لي-هنا- أن إزاء مشكلة انهيارأخلاقي، على ضوء اعترافات الضحايا، لذلك فهو يتحدث في هذا المجال أكثر.
– يبدو أن المسيحي الذي دخل الإسلام لم يكن مقتنعاً ولذلك ساعد الفتاة الإيزيدية المختطفة بالهروب من جحيم داعش؟
تحليل الحالة متروك للمتلقي. الواقعة مفتوحة على أكثر من تأويل. قد يكون الأمر نتيجة إنسانية الرجل، أو لربما نتيجة ثقافية ذاتية، أو بيتية، ربما لرفض ثقافته التاريخية لهذا الظلم التاريخ على هؤلاء الجيران، الشركاء، الأبرياء.
– ((لم بشار الأسد يرمي أهل بلده بالبراميل، المتفجرة، لكنه ساكت أمام هؤلاء الذين يحكمون على كل هذه المسافات من أرضه ؟ إنه أمر يكاد لا يصدق)) ماذا تود أن تقول ؟
فلول داعش عبرت الأرض السورية، جيئة وذهاباً، وكان ذلك على مرأى من العالم كله، بل على مرأى من أجهزة الرصد والمراقبة لجيش الأسد، إلا أن طائرات جيشه لم تغر على هذه الآليات العسكرية التي تتنقل براً، بكل حرية. هذا هو السؤال الذي طرحته الرواية عبر هذه الجزئية منها.
– أهناك اتفاق بين الطرفين أم ماذا؟
إنه تواطؤ، وغض النظر، عن تدنيس تراب مكان تحت سلطته، ومساهمة في تدمير بنيته التحتية، وتفريغ المكان من أهله، وإقامة دويلة وهمية على مرأى منه. والسؤال:
لم يعدم الأبرياء من شعبه؟ لم يواجه من يشارك في المظاهرات السلمية ولا يواجه القتلة الحقيقيين الذين سطوا على جزء من أرض وطن يدعي أنه مسؤول عنه وعن مواطنه؟.
– ((أنت ابن بلدي. كان عليك، ألا تعتدي علي، عليك أن تنقذني. لم يكترث بي)) ألم يكن جميع الدواعش عراقيين وأكثرهم ممن عاشروا لإيزيدية في المنطقة؟
هذه المسألة- تحديداً- تناولتها، بعد أن استقصيت أبعادها، وبالتفاصيل. أجل بطانة داعش كانت محلية. أكثر أدوات داعش كانت محلية. داعش كان انفجاراً لثقافة-اللاتعايش- التي اجتمع فيها بارود الأمس، وفتيله، بألسنة لهيب اللحظة. إن الاستماع إلى الإيزيديات والإيزيديين الناجين، يضعنا أمام أهوال كبيرة. إذ ثمة من عاشوا مع الإيزيديين، على مدى قرون، بيد أنهم تحولوا إلى غزاة، سبوا نساءهم، وسطوا على أموالهم، ونالوا من كراماتهم. بعضنا قد يتورع عن هذه النقطة، إلا أنني أرى ضرورة التركيز عليها، لئلا تتكرر، فلا بد لنا من أن نعرف: من داعش؟، ومن كانوا حاضنتهم؟
– ((أتيناك بالذبح أو تبديل دينك؟. افعلوا ما شئتم لن أبدل ديني)) هل بإمكان المرء أن يبدل دينه بعد اعتقاد” أكوام” من السنين؟
أتحدث هنا عن داعش، الذي لا يهمه لا دين، ولا مبدأ، ولا منظومة أخلاقية. كرد هولير/أربيل، أو دهوك، أومخمور في إقليم كردستان كانوا مسلمين، مع هذا فقد استهدفهم. هكذا بالنسبة إلى كرد كوباني، وكان في مخططه استئصال الكرد كلهم عن بكرة أبيهم. مؤكد كان الإيزيدي أحد أوائل أهدافه، ولا ننسى أن داعش استهدف العربي، والمسيحي، والصابئي، والمنداني، والتركماني، فهو لم يوفر أحداً، لكن ضريبة- شنكال- كانت جد باهظة. جد جارحة لضمائرنا، ووجداناتنا.
– ((لا تخافي د. سليمان خبير بالألغام، كما هو قائد سياسي. إنه من كردستان الشمالية)) كيف وصفت عمل هذا الرجل في إزالة الألغام؟
إنه أحد الشهداء الكرد، البيشمركة، الذين قضوا في سبيل مقاومة داعش، بعد أن غزا داعش شنكال، وتطوع، لأداء مهمته في نزع الألغام، على خطوط النار الأولى. إنه أنموذج عن البيشمركة الأبطال الذين قدموا أرواحهم من أجل أخواتهم الإيزيديات، وأهلهم الإيزيديين، مع أنه كان يعيش في أحد المدن الألمانية، ولولا شهامته، وإباؤه، لما استشهد، وخسرحياته.
– ((تطبيق فتوى أبي سعود العمادي، باستباحة دم الإيزيدي المشرك)) هل تعتقد بأن الدواعش استندوا إلى هذه الفتوى بقتل الإيزيدية ؟
أبو سعود العمادي لم يأت بجديد. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، لم تتعامل الرواية مع فتاوى هدر الدم، من خلال البحث المحكم، ولا الإغراق في تفاصيل التوثيق. استباحة الدم الإيزيدي إحدى مفردات جرائم الإرهاب الذي لم يوفر أحداً، فقد استهدف هذا الإرهاب المساجد، وأحرقها، وفجر مقابر المسلمين، كما الإيزيديين. الفتاوى يمكن قراءتها في سياق آخر، خارج الرواية، أيضاً.
– ((وما كان البغدادي ليعيش لولا أنه يعيش في جحر تحت الأرض، كما خلد مذعور)) هل تعتقد أنه فعلاً في جحر تحت الأرض؟
عناوين إقامة البغدادي، في ما سميت ب”دولة العراق والشام” غدت جحيماً حقيقياً. كل شيء كان ضمن هذا الجحيم. كان عدد الضحايا بعشرات الآلاف، وظهر السؤال: هل البغدادي حقيقة أم خرافة؟. لقد ظهر هذا الكائن في صلاة إحدى الجمعات في أحد جوامع الموصل، وألقى خطبته اليتيمة، ليختفي، ويغدو مادة إخبارية: لقد قتل. إنه جريح. لاذ بالفرار. كلنا يعرف أن لا أحد يصمد وينجو أمام غضب الشعوب، ويغدو ذلك مستحيلاً إذا كانت القوى الكبرى في العالم تدعم ذلك. كلنا رأى كيف كان مصير صدام حسين، ومن ثم معمر القذافي. كلنا رأى كيف كان مصير ابن لادن. كل هؤلاء معلمو البغدادي، الذي لا يمكن أن يتناول وجبة طعام في مخبئه، من دون علم أجهزة المراقبة الدولية!.
– ((ما حدث للإيزيديين مأساة العصر…على مليارات العالم أن يغتسلوا من إثم عارهم…)) لماذا على العالم أن يغتسلوا من إثم عارهم ؟
يمكن النظر إلى هذا السؤال، من خلال منظورين، أولهما من خلال منظور الدول والقوى التي صنعت الحرب على المنطقة، وغذتها، وأمنت وقود سيرورتها، وتفاقمها، وأدوارها لا تقل عن أدوار هؤلاء القتلة، لأنهم لم يكونوا إلا أدوات في أيدي صانعيهم، وهوما يجب أن يوضحه المعنيون في العالم. وثانيهما: العالم الصامت. العالم الذي كان يرى كل شيء، ولا يضغط على أنظمته صانعة مأساة المكان، من أجل وضع حد لها.
إذاً، هنالك عار كبير، على جميعهم. كل بحسب دوره. كل بحسب مكانه، ومكانته، ولا أحد خارج دائرة هذه الدائرة. اللعبة كانت كونية، مكاننا هو المسرح. هو المحرقة. كائناتنا هي الضحايا، وصانعو الحرب هم اللاعبون، والقتلة هم الأدوات، وثمة متفرجون صامتون، منهم من تروق له اللعبة، منهم من لا تروق له اللعبة، لكن كلاهما صامت…؟؟!!
– ((حدد الخليفة مهر نساء نينوى بألفين ومئتي دولار، ومن يخالف ذلك يتم جلده)) هل من بين مهمات” الخليفة” تحديد مهر النساء ؟ ولماذا بالدولار وليس بعملة أخرى كالدينار أو الدرهم ؟
الخليفة غدا على حين غرة رمزاً داعشياً. لا فتوى. لاقرار يصدر إلا ويكون تحت أمرته. هو المسؤول عن كل الجرائم التي انتهكت، كما أن كل داعشي مسؤول عن دوره وما ارتكبته يداه، ضمن صفوف هذا التنظيم.
الحد الأعلى للمهر، حدد، من قبل داعش، وهناك الكثير من الأخبار التي كان ينشرها على موقعه الإلكتروني الرسمي. الأخبار كنت أتابعها، شخصياً، كصحفي، لأساهم في فضح الجرائم الكبرى التي يمارسها هذا التنظيم الفتاك، الأفاك، الباطش، الما بعد وحشي.
– ((تمددت على السرير قليلاً، اشتهيت سيكارة، لكن كيف لي أن أدخن، فأنا أخاف من قطع أصابعي)) ما الذي تريد قوله هنا؟
بتر أصابع المدخن، على غير وجه حق، أحد أساليب إرهاب الناس، لإخضاعهم. لكم من أناس بترت سبابات ووسطيات أصابعهم، بسبب تدخينهم، ولا يهم إن كانت هذه السبابة دائمة التشهد بأن لا إله إلا الله!
– ((إنهم لن يتركوا من نفطنا شيئاً. هؤلاء جاؤوا ليتحولوا إلى مجرد أنابيب لبيعه، كما بيعنا)) هل كانت غاية الدواعش بيع النفط لإدامة دولة الخلافة ؟
لم يأت تنظيم داعش من فراغ. لم يتم تشكيله على حين غرة. كان الكثير لديهم معداً. بقايا البعث الدموي. بقايا الإسلام السياسي، المندحر. بقايا الفكر القومجي، الشوفيني. ومن هنا، فقد كان لديهم مخططهم الاقتصادي. الخط النفطي كان من ضمن هذا المخطط. فجأة، بدت لهم أسواق خارجية تنتظر نفطهم. فجأة بدا من يتقاتلون ميدانياً متفقين على الشراكة في الإتجار بالنفط. النفط كان أحد مصادر ديمومتهم، بالإضافة إلى المصادر الأخرى التي لابد من معرفتها، لإدانة كل ممول، ومحاكمته حاضراً، أو مستقبلاً، أنى توافرت شروط ذلك.
– ((يتباهون بحصصهم من نكاح الجهاد)) ما هذه العقلية في العصر المدني المتطور؟
لما تتم حتى الآن دراسة-الإرهاب- في أعلى صوره مابعد الحداثية، ممثلاً، بداعش، ما بعد الوحشي. لابد من طرح أخطوطات بارزة، في مطلعها، لم محاولة اتخاذ الدين مرجعية، ومن خلال كل ما لحق به، خارج جوهره الذي استطاع تشكيله، بعد تمريره في محطات زمنية كثيرة، ليغدو معتدلاً بحق؟.
بين أيدينا-الآن- ممارسات هؤلاء، دواعش، وأشباه دواعش، بمسميات، أو أسماء مختلفة. كل هؤلاء مارسوا أقبح ما لديهم باسم الدين، بيد أن كل صفات تكوينهم تدل على أنهم في خانة لا دينية. خانة أنتي دينية، وماهم إلا ممثلون قميئون. قتلة. قذرون..!
– ((أنا إيزيدية، وتعلم أن الإيزيدية لا تنكث بعهدها. أنا له أو للتراب..!.)) ما هذا الإصرار على العهد، بالرغم من الآلام؟
الحياة لا تتوقف. ثمة حب في زمن الحرب. ثمة حب يغدو دافعاً لخوض الحرب بوتائر أعلى. هنا أتناول وفاء المرأة الكردية الإيزيدية. وفاء الكردية، باعتبار أن هذه العبارة أثيرة لدى الكرد، وهي لسان حال الأنثى الوفية في حبها. الحرب قد تجهز على الجسد، وتفصل بينه والروح، بيد أنها لا تجهز على الحب. الحب الذي من شأنه أن يرتفع على أضغان الحرب، ولغتها، وثقافتها.
– هناك إشارة إلى أن الرواية جزء من ثلاثية ما؟
هو ما خططت له، بين يدي الكثير من المخطوطات، أو ما خططت له، ويدخل مشروعي هذا ضمن هذا الإطار. صحيح أن الغزو أشرف على السقوط، لكن له آثاراً كبيرة ستبقى، ولابد من تناولها، هوما أحاوله، لا أريد أن أقول أكثر.
– يرى قارىء روايتك أنها مكتوبة بأكثر من لغة؟
صحيح ذلك. طقوس الديانة الإيزيدية، وأصداء نصوصها، وأساطيرها، كلها مكتوبة بلغة مختلفة، إلا أن الكثير من المشاهد، كتبت بإيقاع مغاير. في السرد الفني، أجدني أتبع هذه الطريقة. الأمر ليس استراتيجية ما. إنها عفوية اللغة التي تكتب ذاتها، وتشيد عمارتها.
-المشاهد القاسية: لم أوجدت بكثرة؟
وهل كانت أحداث شنكال غير قاسية؟. أعترف، مرة أخرى، أنني خففت من وطأة بعض المشاهد، ولربما بتدخل قسري، لاعتبارات عدة.
– تناول الحكاية لديك مغاير؟
لا أتبع أية طريقة تقليدية في تناول الحكاية. الحكاية حاضرة وبقوة، ولكنها قد تكون مفتتة، ويتدخل المتلقي المتابع في بنائها مع الكاتب
-أستطيع القول: روايتك نص مختلف، فيه الكثيرمما هو مشوق، جذاب:
هو ما أخطط له، على أن يكون عملي على هذا النحو. لا عقدة لدي تجاه شكل محدد. حسبي أني أقدم مشروعاً، لم أرد أن يشبه بناؤه الفني غير ذاته، وإلا فإن هناك الكثير من المخارج الفنية، التقليدية، المتداولة. معياري الذي أحتكم إليه: القارىء. هل كان هذا القارىء أمام عمل سردي شدَّه، وتفاعل معه، وأقنعه برسالته الجمالية: هذا ما أحببت أن أبدأ به دخولي بوابة عالم الرواية.
– أنت معني بالإيزيديين منذ وقت طويل، وفي الرواية معلومات حديثة إلى جانب سواها مما هو تاريخي ودقيق، غيرمدون: كيف ولم ذلك؟
خالطت الإيزيديين. عشت معهم.كتبت عن”باتزمي” في نص ملحمي نشرته في التسعينيات،
أعددت مخطوطين عن الديانة الإيزيدية، أحدهما” أبناء الجرة” وثانيهما”الطوق المقدس” قراءات في ميثولوجيا الديانة الإيزيدية، بالإضافة إلى الصياغة اللغوية لترجمة الصديق دخيل شمو لكتاب” اليزيدية والديانة اليزيدية” تأليف: ” ناهيك عن كتابتي لمقدمة كتاب الباحث هوشنك بروكا، وكل هذه التواريخ تحيل إلى أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، ولي أكثر من بحث منشور في الديانة الإيزيدية منها: الديانة اليزيدية أقدم ديانة توحيدية في التاريخ” نشر فصل منه في دراسات اشتراكية.
– هل ستترجم الرواية الى لغات أخرى؟
حلم أي كاتب أن يترجم ما يكتبه إلى أكبر عدد من اللغات. الرواية ترجمت- إلى الكردية- عن طريق صديقي الروائي جميل إبراهيم. ثمة من خطط لترجمتها، هذا ما لايد لي في إقراره.في تصوري إن كانت الرواية جديرة، فهي ستترجم نفسها/ بالرغم من معرفتي أن أعمالاً أقل أهمية تترجم-أحياناً- لهذا السبب أو ذاك.
شكراً لك
————
المصدر: شبكة لالش الاعلامية