إصْدَارُ ديوان- أَتُـخَـلِّـدُنِـي نَوَارِسُ دَهْشَتِك؟

(كُنْ عَظِيمًا، لِيَخْتَارَكَ الْحُبُّ الْعَظِيمُ..) .. مي زيادة
هذا ما استهل به الناقد العراقي علوان السلمان مقدمته التي جاءت بعنوان رَسَائِلُ وجْدَانِيَّةٌ لديوان “أَتُـخَـلِّـدُنِـي نَوَارِسُ دَهْشَتِك؟” رَسَائِلُ وَهِيب نَدِيم وِهْبِة وآمَال عَوَّاد رضْوَان، والصادر في الثامن من أكتوبر 2018 عن دار الوسط للنشر في رام الله. 
يتألف الكتاب (أَتُـخَـلِّـدُنِـي نَوَارِسُ دَهْشَتِك)، والذي صمم غلافه بشار جمال، من 36 رسالة، منها 18 رسالة للأديب وهيب نديم وهبة، و18 رسالة ردًّا عليها للشاعرة آمَال عَوَّاد رضْوَان، في كتاب من القطع المتوسط بواقع 186 صفحة .  
وقال الناقد علوان السلمان في مقدمته: 
إنَّ بثَّ الوجدانِ بعوالِمِه المُؤطّرةِ بشغفٍ على ورقِ القلبِ وحِبرِ الوجْدِ يعني؛ تحقيقَ الرّسالةِ لطرفٍ يَحتلُّ مديّاتِ الرّوحِ، بصِفتِها النّاطق الكلميّ المُعبّر عن المشاعر والأحاسيسِ، والمُترجِم المرئيّ للعواطفِ، المُستنِدِ على منهَجٍ اجتماعيٍّ ونفسيٍّ ووصفيٍّ، موجزٍ بعباراتِهِ، وبُعدِ مُفرداتِهِ عن القاموسيّةِ والتّقعُّر.
  لقد شهدَ فنُّ الرّسائلِ نهضةً واضحةَ المَعالم، إذ إنّ مُسايرَتَهُ لحركةِ العصرِ الّذي وُسِمَ بعصرِ السُّرعةِ، وكانَ تَطوُّرُهُ في المحتوى والأسلوبِ، حتّى صارَ صناعةً ذاتَ قواعد وأصول، وأخذَ يستمدُّ أهمّيّتَهُ وقيمتَهُ مِن أمريْن أساسيّيْن: الخصائص والوظائف..
لقد ميّزَ صاحبُ الصّناعتيْن ما بينَها وبينَ الخطبة، كونَهُما نصّان مُتشاكلان، (إذ إنّهما كلامٌ لا يَلحقُهُ وزنٌ ولا تقفيةٌ، وقد يتشاكلانِ مِن جهةِ الألفاظِ والفواصلِ، فألفاظُ الخطباءِ تُشبهُ ألفاظَ الكُتّابِ في السّهولةِ والعذوبةِ، وكذلكَ فواصلُ الخُطبِ مثلُ فواصلِ الرّسائلِ، ولا فرقَ بينَهما إلّا في:
(الخطبةُ يُشافَهُ بها.. والرّسالةُ يُكتَبُ بها..)
وسواءً طالتْ الرّسائلُ أم قصُرَتْ، تبقى قطعةً فنّيّةً مُؤثّرةً دافعةً إلى استجابةِ المَشاعرِ لها، فنصُّ أبو هلال العسكريّ يعتمدُ آليّةَ المُقارنةِ المُضْمَرةِ، كوْنُهُ يَستحضِرُ جنسَ الشّعرِ، باعتبارِهِ المِعيار الّذي يَحتكمُ إليهِ في كلِّ عمليّةٍ تجنيسيّةٍ، فجنسُ الرّسائلِ ليسَ مُجرّدًا عن مضمونِهِ الكاشِفِ عن تأمُّلاتٍ نفسيّةٍ وعاطفيّةٍ، بل عادَ وثيقةً أدبيّةً تُعلنُ عن دواخلِ الذّاتِ الإنسانيّةِ، واشتغالاتِها الحالِمةِ باعتمادِ التّكثيفِ والإيجازِ، معَ ابتعادٍ عن التّكلّفِ، والمُبالغةِ والاستطرادِ، بتوظيفِ الأساليبِ البلاغيّةِ (مجاز/ استعارة/ كناية..)، وكلّ هذا يتطلّبُ ثقافةً معرفيّةً، وصياغةً مُتقنةً بليغة.
  وَهِيب نَدِيم وِهْبِة يقول:
آمَال؛ كُلُّ الْمَسَافَاتِ فَوْقَ وَطَنِ الْكَلِمَاتِ قَرِيبَةٌ، لِهذَا أَوَّلُ الْوَرْدِ أَنْتِ! أَنْتِ تَمْنَحِينَ لِلْإِبْدَاعِ قِيمَةً وَوُجُودًا وَكَيَانًا، بِتَوَاصُلٍ يَمْنَحُ الْحَيَاةَ قِيمَةً وَمَعْنًى، وَحَقِيقَةً أَدَبِيَّةً إِنْسَانِيَّةً، وَإِنَّنَا مَا نَزَالُ نَحْيَا الْمُعَانَاةَ، هذَا الشُّعُورُ الَّذِي يَجْمَعُ مَا بَيْنَ الْقَارِئِ وَالْمُبْدِعِ فِي بَوْتَقَةِ الْحَيَاةِ”. 
دَعِينِي أُهْدِيكِ أُغْنِيَةً؛ 
إِلَيْكِ.. وَإِلَى “سَلَامِي لَكَ مَطَرًا” لِلشَّاعِرَةِ آمَال عَوَّاد رِضْوَان: 
مَا بَيْنَ زَغَبِ الْيَمَامِ وَطُيُورِ الْغَمَامِ.. 
غَزَالُ الْكَرْمِلِ الرَّاكِضِ.. مِنْ عَيْنِ “أُمِّ الشَّقَفِ”.. 
إِلَى مَرْجِ بْنِ عَامِر.. إِلَى سَهْلِ حُورَان..  
أَمَا قُلْتُ..
هِيَ.. عَوْدَةُ الصَّيَّادِينَ مِنَ الْبَحْرِ عِنْدَ الْفَجْرِ؟ 
هِيَ.. صَرْخَةُ الْحَصَّادِينَ.. فِي الظَّهِيرَةِ فِي عِزِّ الْحَرِّ؟ 
هِيَ.. قِنْدِيلُ الْعَاشِقِ فِي ضَوْءِ السَّهَرِ؟
أَلَيْسَتْ أُغْنِيَةً.. تَنْبَعِثُ مِنْ بَيَاضِ الْوَرَقِ فِي عِطْرِ الشَّوْقِ؟ 
هَا أَنْتِ قَصِيدَةٌ.. تَمُوجِينَ.. مِثْلَ زُرْقَةِ الْبَحْرِ الْكَبِيرِ!
وَأَعُودُ لِلشِّعْرِ.. وَلِلْبَحْرِ 
لِأَمْوَاجِ الْكَلِمَاتِ .. فَوْقَ بَيَاضِ الزَّبَدِ 
لِهذَا النَّهْرِ الَّذِي .. يَخْتَارُ جِهَةَ الْفِكْرِ 
لِمَصَبِّ النِّهَايَاتِ.. فِي خَوَاتِيمِ الْبَرِّ الْكَبِيرِ؛ 
“الْحَيَاةْ”! 
لِعَصَافِيرِ الشِّعْرِ الَّتِي.. تَطِيرُ الْآنَ مِنْ أَوْرَاقِي! 
سَأَكْتُبُ إِلَيْكِ أُغْنِيَةً.. وَفِي الْقَلْبِ “سَلَامِي لَكِ مَطَرًا” 
آمال عوّاد رضوان تردّ: 
أُسْتَاذِي وَهِيب نَدِيم وِهْبِة.. حَقًّا؛ تَنَعَّمْتُ بِلَذَائِذِ أُغْنِيَتِكَ، أَقُولُ بِمِلْءِ شُكْرِي الْعَمِيق:
عَلَى ثَرَى أَثِيرِي.. حَطَّتْ عُصْفُورَةُ ضَوْءٍ
تَهُزُّ عَرْشَ أَسَاطِيرِي!
مِنْ ذَاكَ الْمَدَى.. رَفْرَفَتْ.. هَلَّتْ وَهَلَّلَتْ 
تُنْبِينِي.. بِهَدِيَّةٍ مَخْتُومَةٍ .. بِعِطْرِ الشِّعْرِ
مُظَلَّلَةٍ بِوَحْيِ حَرْفِي.. “سَلَامِي لَكَ مَطَرا”.. ؟!
كَشَذَى بَتُولٍ خَاشِعٍ.. لَفْتَتُكَ الْمَلَائِكَيَّةُ
دَغْدَغَتْ سُحُبِي.. عَذْبَةَ الْجُرُوحِ
بِأَرِيجِ أَجْنِحَةِ السَّمَاءِ.. تُكَلِّلُ رُوحِي 
وَأُفُقِي الشَّفِيفُ.. مَا انْفَكَّ يَنْضُجُ رَهْفَةً
عَلَى ضِفَافِ شُكْرٍ.. لِهَدِيَّةٍ تَغْلُو بِالشِّعْرِ تَرَفًا!
وَتَظَلُّ عَقَارِبُ الْأَيَّامِ ضَبَابِيَّةً.. 
تُمَاحِكُ سُوَيْعَاتُهَا ثَوَانِيهَا
لِتَخْتَالَ خُطَى الْبَهْجَةِ .. عَلَى بِسَاطِ الْغِبْطَةِ!
بِمُنْتَهَى حَرَارَةِ عَفَوِيَّةِ طِفْلٍ.. تَكَمَّشَ بِرَاحَةِ يَدِي
كَمَنْ يَقْبِضُ.. عَلَى مَاسَّةٍ زِئْبَقِيَّةٍ
يَخْشَى أَنْ تَنْزَلِقَ.. تَزُوغَ مِنْ أَنَامِلِهِ؟
وَبِجُنُونِ سَعَادَتِهِ الْبَاعِثِ 
عَلَى إِرْبَاكِي .. عَلَى دَهْشَتِي
عَنْ صَهْوَةِ التَّحَايَا .. يَتَرَجَّلَ حَيَاؤُهُ الْجَهُورِيُّ!
نَبْضُ قَلْبِهِ يَتَهَدَّجُ.. عَلَى مَسَامَعِ الْحُضُورِ
وَمَا دَرَى .. أَنَّنِي ابْنَةُ بَلَدِهِ الْمَبْتُورِ!
الرّسالتانِ مُكتظّتانِ بالحقولِ الدّلاليّةِ المُكتنِزةِ بالعاطفةِ الّتي احتضنَتْها ألفاظٌ شفيفةٌ مُتميّزةٌ بِرقَّتِها وعذوبتِها، مع بُنْيَةٍ تتجاوزُ القوالبَ الجاهزةَ والهيكليّةَ الثّابتة، وهي تُعبّرُ عن نصوصٍ وجدانيّةٍ تَكشفُ عمّا يَختلجُ المُرسلَ لكلا الطّرفيْن (العاشق والمعشوق)، لبثِّ لواعجِ الشّوقِ، لتحقيقِ التّواصُلِ والوِصالِ واختصارِ المسافاتِ، عبرَ نثريّةٍ مُوجَّهةٍ بصياغةٍ وجدانيّةٍ مُمتعةٍ بتَوارُدِ الخواطرِ فيها، لتغدُوَ قطعةً فنّيّةً موجزةً مُؤطّرةً بإطارِ (الحُبّ) الخارجِ عنِ الذّات، مُؤثّرةً دافعةً إلى استفزازِ الذّاتِ الآخر، وتَحريكِ مشاعرِهِ للاستجابةِ لها..
     وَهِيب نَدِيم وِهْبِة يكتب:
آمَال؛ عُصْفُورَةُ الْحَنِينِ تَنْقُرُ شُبَّاكِي؟! 
مَا بَيْنَ الْبَحْرِ “اللُّغَةِ” وَشُعَاعِ الْفَوَانِيسِ
تَحْمِلُ كَلِمَاتُكِ الرَّقِيقَةُ النَّاعِمَةُ.. غِنَاءَ عُصْفُورَةِ الصَّبَاحِ! 
رِسَالَتُكِ الْعَائِدَةُ إِلَى الْجَبَلِ الْكَرْمِلِيِّ الشَّامِخِ تَقُولُ: 
أَنْتِ الشَّامِخَةُ الْعَالِيَةُ.. أَنْتِ الْغَالِيَةُ الْمُبْدِعَةُ الرَّائِعَةُ
كَيْ تَزْرَعَ الدُّنْيَا “حَدَائِقَ الشِّعْرِ” 
كَيْفَ سَقَطَ الطَّيْرُ فِي يَدِي؛ (الْكِتَابُ)؟
لِمَاذَا أَقُولُ أَنَّ بَعْضَ الْأَشْيَاءِ تَفْقِدُ الْكَثِيرَ حِينَ تُقَالُ؟ 
إِنَّ غُمُوضَ الْبَحْثِ عَنِ الْمَجْهُولِ، مُخَيَّلَةُ الْقَادِمِ الْآتِي تَكُونُ بِالرَّمْزِ، بِالْإِشَارَةِ، فَالدِّينُ وَحْيٌ، وَالْكِتَابَةُ إِلْهَامٌ وَهَذَيَانٌ، وَحِينَ نُفَسِّرُ سِرَّ الْكِتَابَةِ، نَفْقِدُ رَعْشَةَ الْإِحْسَاسِ، وَحِينَ نُفَسِّرُ سِرَّ الْحَيَاةِ، نَفْقِدُ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّنَفُّسِ، وَنَفْقِدُ سِرَّ الْحَيَاةِ، هذَا الْحَنِينَ الْعَتِيقَ الْغَامِضَ الَّذِي يَشُدُّ الْإِنْسَانَ لِلْبَقَاءِ.
آمال عوّاد رضوان تردّ:
يُسْعِدُنِي أَنْ أَفْتَرِشَ وَإِيَّاكَ بَعْضَ زَغَارِيدِ الْآمَالِ لِعَرُوسِ الْكَرْمِلِ الْخَلَّابَةِ، نُرَاقِصُ مَوْجَهَا، وَيُعَطِّرُ مَسَامَاتِ الرُّوحِ رَذَاذُ لْيَلِهَا، نَرْتَشِفُ أَثِيرَ هَوَاهَا، وَتَتَلَمَّظُ دِمَاءَنَا كُرُومُ غُرُوبِهَا الْعَابِقِ بِعِشْقِهَا.
الشَّاعِرُ وَهِيب نَدِيم وِهْبِة؛ دَعِ الْخَيَالَ يَجُولُ وَيَصُولُ فِي بَرَاحِ سَكْرَتِهِ الْمُتَيَقِّظَةِ، دُونَ أَيِّ تَصْرِيحٍ أَوْ جَوَازِ سَفَرٍ يَتَسَكَّعُ عَلَى الْحُدُودِ، فَتَهَلَّلْ/ لِنَتَهلَّلَ بِتَهَالِيلِكَ الْعَذْبَةِ. 


شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف

إلى أنيس حنا مديواية ذي المئة سنة صاحب أقدم مكتبة في الجزيرة

 

ننتمي إلى ذلك الجيل الذي كانت فيه الكتابة أمضى من السيف، لا بل كانت السيف ذاته. لم تكن ترفاً، ولا وسيلة للتسلية، بل كانت فعلاً وجودياً، حاسماً، مزلزلاً. فما إن يُنشر كتاب، أو بحث، أو مقال مهم لأحد الأسماء، حتى نبادر إلى قراءته، ونتناقش فيه…

أصدرت منشورات رامينا في لندن رواية “مزامير التجانيّ” للجزائريّ محمد فتيلينه الذي يقدّم عملاً سردياً معقّداً وشاسعاً يتوزّع على خمسة أجزاء، تحمل عناوين دالّة: “مرزوق بن حمو، العتمة والنور، الزبد والبحر، الليل والنهار، عودٌ على بدء. “.

في رحلة البحث عن الملاذ وعن طريق الحرية، تتقاطع مصائر العديد من الشخوص الروائية داخل عوالم رواية “مزامير التجاني”،…

الترجمة عن الكردية : إبراهيم محمود

تقديم : البارحة اتحاد الكتاب الكُرد- دهوك، الثلاثاء، 8-4- 2025، والساعة الخامسة، كانت أربعينية الكاتبة والشاعرة الكردية ” ديا جوان ” التي رحلت في ” 26 شباط 2025 ” حيث احتفي بها رسمياً وشعبياً، وبهذه المناسبة وزّع ديوانها: زكاة الحب Zikata evînê، الصادر عن مركز ” خاني “للثقافة والإعلام، دهوك،…

فواز عبدي

 

في نقّارة، قريتي العالقة في زاوية القلب كقصيدة تنتظر إنهاء قافيتها، لم يكن العيد يأتي… بل كان يستيقظ. ينفض الغبار عن روحه، يتسلل من التنّور، من رائحة الطحين والرماد، من ضحكةٍ انبعثت ذات فجرٍ دافئ ولم تعد ، من ذاكرة عمّتي نوره التي كانت كلما نفخت على الجمر اشتعلت معها الذكريات..

تنّورها الطيني الكبير، ذاك…