نظرة في كتاب «سوريون، هجرة أم تهجير»

جان كورد
  أهداني الأخ الكريم، الدكتور محمد زينو، نسخةً من كتابه الثاني باللغة العربية، (سوريون، هجرة أم تهجير)، الصادر بطباعة أنيقة في آذار 2017 عن دار (أنس للنشر والتوزيع) في استانبول، والذي قام بإخراجه الفني الأستاذ علي جعفر (دار خاني) وراجعه ودققه لغوياً الأستاذ حيدر عمر. ويمكن الحصول على الكتاب من المؤلف نفسه تحت رقم الهاتف (0049176445042597). وكان قد أصدر في عام 2009 في ألمانيا التي يعيش فيها منذ عام 1996 كتاباً بالعربية أيضاً تحت عنوان “العائلة الكردية في المهجر”، تطرّق فيه إلى المأساة الاجتماعية والنفسية لهذه الشريحة من المهاجرين والمهجرين كخبير حاصل على الدكتوراة في علم الفلسفة، ولا يسعني إلاّ أن أشكره على جهوده التي يبذلها من أجل فهم صحيح لحياة وواقع المهاجرين الكورد خاصةً والسوريين عامةً إلى بلدان العالم الخارجي، وما لذلك من نتائج سلبية ووخيمة على بنية المجتمع الأساسية، العائلة، التي باضمحلالها وإضعافها تفقد الشعوب أهم دعائم تماسكها وتلاحمها، ومن دون شك للعيش في مجتمعاتٍ أرقى مدنياً إيجابياتٌ عديد لمستقبل أولاد هؤلاء المهاجرين، ولكن السلبيات من وجهة نظر الكورد أنفسهم أكبر وأخطر كما نسمع منهم كل يوم.  
الكتاب الذي بين يدي الآن يتألف من (142 صفحة)، تم تذييله بنبذة مختصرة جداً عن المؤلف الذي هو في الوقت ذاته ناشط ثقافي وسياسي سوري ومدافع عن حقوق الانسان ويشارك في الكثير من الفعاليات التي تهتم بحياة السوريين عامةً، وباعتباره مهاجر أيضاً ويعيش في غرب ألمانيا حيث تتواجد أعدادٌ كبيرة من المهاجرين والمهجرين السوريين، فإنه مطّلع عن كثب على أحوال هؤلاء الناس الذين يفقدون مع الأيام علاقاتهم مع وطنهم الذي ينظرون إليه بعيون دامعة وهو يتمزّق إرباً إربا، بسبب الحرب الطويلة الأمد. 
الكتاب ذو غلاف قاتم اللون وصورتين مأساويتين، الأولى سوريون يغرقون في البحار والثانية ألوف من الهاربين من أتون الحرب يسعون لاجتياز الأسلاك الشائكة على حدودٍ محروسة، ويتألف من عدة فصول وتمهيد، ويبدأ بعد الشكر والتقدير لمن ساعده في إصدار الكتاب بشكل قيّم بتعريف الهجرة وذكر العوامل الجاذبة والعوامل الطاردة للهجرة، ثم ينتقل إلى حال السوريين بين مخالب التهجير، ويركّز على التهجير المنظّم والهجرة الداخلية العكسية من المدينة إلىالريف، بعد أن كان الريفيون يتركون قراهم للبحث عن العمل في المدن، ثم يتطرّق إلى قوافل اللاجئين في الشتات، فيمر على مختلف البلاد، تركيا وكوردستان العراق، طريق البلقان والأردن، ولبنان ومصر وبلدان الاتحاد الأوربي وسائر المخيمات التي حصل منها بطرقه الخاصة وعن طريق الأصدقاء ومواقع التواصل الاجتماعي والتحدث مع المهاجرين واللاجئين أنفسهم على معلوماتٍ مؤكدة تفيده في دراسة الأسباب المباشرة وغير المباشرة التي أدّت إلى أن يصبح جزءٌ كبير من هذا الشعب العريق لاجئاً في وطنه أو يتعرّض لسائر أنواع المغامرات والمخاطر ليخرج من الجحيم الذي سعّره المستبدون بالشارع السوري، من نظامٍ قمعي وتنظيمات إرهابية، بحيث بات الانسان يخاف على حياته ويجد نفسه مضطراً للسير عبر حقول الألغام أو بالقوارب المثقوبة أو بشاحنات الموت حتى يصل بأطفاله ونفسه إلى بر الأمان، وهو لايعلم كيف ستكون حياته ومستقبله بعد ذلك. 
   هذا الكتاب يعكس لوحةً رمادية، إلاّ أنها واقعية وكئيبة بقلم مختص في مراقبة شؤون المجتمع السوري عامة، والكوردي خاصةً، وعلى الرغم من أنه لا يطرح مشاريع سياسية أو اقتصادية رنانة لمعالجة الأسباب الكامنة وراء هذه الهجرة “المليونية” حقاً، إلاّ أنه يتلمّس بدقة الخبير الواقعي مواطن الأذى والألم في هذه المأساة الكبيرة، التي تنتج مشاكل جمة في حين قد يعتبر البعض الهجرة باباً للأمل والحياة الأفضل. 
أنا أقرأ كل ما ينشره هذا الصديق من أفكار ومقالات، على الرغم من أننا قد لا نتفق على بعضها، وأجد هذا الكتاب أيضاً من المواد التي يجدر لكل مهتم بالشأن السوري قراءته بإمعان لأن فيه فائدة للباحث الجاد الذي باعتقادي سيجد في هذا الكتاب مساعدة قيمة له في دراساته الاجتماعية عن الانسان السوري، بعد كل ما جرى في بلاده من حربٍ ودمارٍ وهجرةٍ وتهجير.   
شكراً دكتور محمد زينو 
بون في 16.06.2018   

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ادريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…