الناقد الإلكتروني

إبراهيم اليوسف

 
هل هناك نقد إلكتروني؟
قد يبدو الاستهلال بهكذا تساؤل، في هذا المقام، فيه الكثير مما هو استفزازي، مدهش، لاسيما أن “النص الإلكتروني” وفق تنظيراته التي شاعت حتى الآن، لم يتم استحسانه، إلا في  إطار جد ضيق، بل أنه لم ينتشر، أوسع من حدوده الأولى، ضمن شروط نصيته الإلكترونية، التفاعلية، ذلك النص الذي يساهم الناص الأول، بوضع أسه الأول، ليرسي بذلك لما لانهاية لهم من ناصين، ضمن فضاء الزَّمكان، إمكان تقديم سلسلة مشاركاتهم، التي ينظر إليها، داخلة في جسد النص، ومسهمة في تنامي بنيانه إلى ما لانهاية لذلك، وإن كانت فكرة زمن كتابة النص يشوبها الكثير من الغموض، أو اللبس، لدى منظري هذا النص.
ولعله، من الخطأ الحديث عن النص الفيسبوكي، مادامت فكرته لما تدخل في إطار التطبيق، ما خلا محاولات قليلة على أيدي بعض الناصين، بل أن ما يجعل إلكترونية هذا النص غير مكتملة، هو شكل الكتابة، حيث تفاعلية من نوع آخر، تفاعلية محدد بالإطار الذي يضيفه الناص اللاحق على السابق، بل أن فكرة الشعرية قد تظل أسيرة في ذهن الناص الأول، من دون أن تغادره إلى من يليه من الناصين، الذين قد يتركون إضافاتهم، بعفوية، وبمعزل عن تعمد الشعرية، ما داموا، كما هو تصنيفهم الإلكتروني مجرد معلقين، أو مقومين، في توصيفهم الدقيق.
ومن أول المآخذ التي قد تسجل على النص الفيسبوكي، أنه لما يتأسس بعد، وفي هذا ما ينسف أس افتراضنا الأول الذي انطلقنا منه، ونحن نجد فيه مساحة جديدة لاحتضان الشعرية، بيد أن هذه المساحة باتت تستقطب النص الشعري، كما غيره من نصوص السرد، بل كما الصورة، أو الموسيقا، ناهيك عن أن النص الذي يكتب للفيسبوك نفسه، لم يتحرر من أدوات النص ما قبل الفيسبوكي، في الوقت الذي نجد أن هناك من يأتي بنصه المدون ورقياً، ويطلقه في الأثير المفسبك، بمرجعياته السابقة على ولادة هذه الأداة التي هي-في حقيقتها- وسيلة نشر، قبل أي اعتبار آخر.
ثمة ناص قد ينشر قصيدته المكتوبة على البحر الشعري، مرتدياً من خلالها عباءات أعمدة هذا الشعر، ورادته قبل قرون كثيرة، حتى وإن راحت مضامينها تتعالق مع اللحظة الحالية، إضافة إلى ناص يكتب قصيدة التفعيلة، أو قصيدة النثر، بما يمكن نشر نصوص هؤلاء جميعاً على صفحات جريدة، أو مجلة، أو بين جلدي مجموعة شعرية، وفي هذا ما يؤثر على هوية هذا النص، ويجعله محط تهمة عدم الإنجاز المسبق التي قد تلاحقه.
أمام تكاثف النصوص التي تنشر عبر فضاء الإلكترون، عامة، و الفيسبوك، خاصة، نلاحظ غياب الناقد المعني، أيضاً، وفي هذا ما قد يثير إشكالية خطيرة، وهي أن هذا النص لم يتأسس، في الأصل، و هو ما لا يعني عدم إمكان ولادته، وتشكيل ملمحه، عبر قاعدة العلاقة ما بين الكمي والنوعي، في ما إذا كانت هناك حاجة إلى ذلك، وهو متروك لدورة الزمن التي من شأنها إنتاش بذرة ما يحتاج إليه المرء، جمالياً، إن كانت في هذا النص مقومات، ولادته، ونموه، ورعايته.
وأياً كان تقويم هذا النص، بيد أننا نجد عزوفاً من لدن الناقدين التقليدي والحداثي، وحتى الناقد ما بعد الحداثي عن سبره، وتقويمه، سلباً، أو إيجاباً، وهو ليس إلا موقف، من قبل هؤلاء، إزاء هذا النص، وإن كان الندرة الذين تناولوه، قد استطاعوا تحقيق مقاربات فعلية، مثيرة، من عوالم هذا النص، لن تبقى الشعرية، ولا النقد في حدودها، إن كان جديراً بالحياة، وهو ما ستكشفه، دورة هذه الحياة، وهي تواصل مسيرها، وفق قاعدة إيقاعاتها المتدفقة، كنص شعري أكبر، ندخل، وما حولنا كمفردات نابضة، في عمارته العظيمة.
إبراهيم اليوسف

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…

ماهين شيخاني.

 

وصلتُ إلى المدينة في الصباح، قرابة التاسعة، بعد رحلة طويلة من الانتظار… أكثر مما هي من التنقل. كنت متعبًا، لكن موعدي مع جهاز الرنين المغناطيسي لا ينتظر، ذاك الجهاز الذي – دون مبالغة – صار يعرف عمودي الفقري أكثر مما أعرفه أنا.

ترجّلتُ من الحافلة ألهث كما لو أنني خرجتُ للتو من سباق قريتنا الريفي،…