بين الثقافي والسياسي الكورديين

 فدوى كيلاني


بالرغم من مرور حوالي أربعة أعوام على الثورة السورية التي غيرت  الكثير من المفاهيم المتصورة من قبلنا، وانقلاب  بعض القناعات، وهي مدة قصيرة بالمقياس العادي، وكبيرة بمقياس الخسارات التي دفعناها، فإن أيا منا وقد عاصر مرحلة ما قبل هذه الثورة، ومرحلة ما بعدها يلاحظ البون الشاسع والواسع و الكبير في سلوكيات البعض من المثقفين عندما كانوا يظهرون بأشكالهم المثالية، وكنا نتوقع منهم أن يؤدوا دورهم على أحسن ما يرام، إلأ أن واقع الحال يظهر العكس،  لأننا انصدمنا بالعيدين الذين لم تظهر لهم  مواقف واضحة إلا بشكل خجول  لا يزيد عما يمكن أن يقرأ في الإعلام الرسمي في سورية،  ويظهر على لسان المحسوبين كمثقفين على النظام، مع أن بعض هؤلاء قد تكون له جهوده وحضوره كمثقف ولوبينه وبين نفسه، أو وسط مجتمعه.
 قد يقول البعض: لا علاقة لنا بما يجري، وقد يقول البعض الآخر هي ليست ثورتنا، وقد يتحدث آخرون عما بدر من قبل المتسلقين على أكتاف الثورة السورية، في المجلس الوطني السوري أو الائتلاف، خاصة أن من يعتبر حتى الآن في هاتين المؤسستين يعتبر موافقا على وجود شخصيات مسيئة ليس للكورد فقط وإنما للسوريين كلهم، لأنهم يبحثون عن وجودهم الشخصي وما يحققونه لأنفسهم في مؤسستيهم، بدون استثناء، ومثلهم من هم في هيئة التنسيق الذين موقفهم أكثر  عنصرية  وفاشية من قضيتنا الكوردية، ولكن بالرغم من كل هذا إلا أن الثورة التي بدأت قبل أربعة أعوام كانت ثورة المقهورين ضد النظام الدموي، ومن غير موقفه بسبب هذه التحولات من هذه الدكاكين المعارضاتية  فلا بأس ولكن أكثر هؤلاء مواقفه كانت هكذا حتى في أول الثورة.
 والهام بنظري ونحن نكتب ضمن ملف بينوسا نو عن علاقة المثقف الكوردي بهذه التحولات التي تجري، التوقف عند  حقيقة أن المثقفين الكورد كانوا يشكلون حالة إيجابية بالرغم من البعض من تباينات وجهات النظر أو التمترسات، لكن المثقفين الكورد مع اختلاف انتماءاتهم كانوا يلتقون بالعكس من السياسيين الذين كانوا ينتقلون من خلاف الى خلاف، ودون أن يلتقوا إلا بشكل مؤقت في هذه المناسبة أو تلك، إلا أن ما حدث بعد مرور حوالي السنة على الثورة السورية، وما دار فيها من أحداث كثيرة فإن البعض من السياسيين تدخلوا في خصوصيات المثقفين، واستمالوا البعض في وجه البعض، وقدم هذا الطرف المباركة وراء المباركة لهذا القسم من المثقفين، وتحرك الآخر المقابل لتشكيل حالته، وكانت هناك الوعود السخية إما لدخول المجلس الوطني الكردي أو لحضور المؤتمر الكوردستاني، وصار الجميع يتدافع لأجل هذه المكاسب، وفقد بذلك المثقف خصوصيته وأصبح مستعدا للانقضاض على أقرب مقربيه، والتبرؤ من كل التزاماته في سبيل أن يكون له مكان في قادمات الأيام.
 أعتقد أن ما حدث أربك وحدة المثقفين، وجعل الكثيرين منهم لا يثق بدوره ومكانته بل يتوهم أن أهميته في اعتراف السياسي به، بينما السياسي أصبح يعده من بين المؤسسات التابعة له، بعد أن تم تقاسم المثقفين عبر المحاصصة، وخسر المثقفون  تعاطف بعضهم البعض، وتهدمت جسور الثقة والتعاون فيما بينهم، وأصبح وضع المثقفين في حالة يرثى لها.
 المطلوب من كل منا يعتبر نفسه معنياً بقوة دور المثقفين في الدفاع عن قضيتنا ومن أجل خلاص شعبنا وسط المؤامرات الكبرى التي تدور لاجتثاثنا من التاريخ، أن نعيد النظر في وضعنا الحالي، ونفكر بالسبل الكفيلة لاعادة دورنا، وعدم القبول بالمهمة التي يكلف بها البعض من قبل هذا السياسي أو ذاك لشتم خصومه من بين المثقفين، لأنه إذا بقينا على الوضع الذي نجن عليه فإن الأحزاب الكردية تحولت إلى تجمعات لا تعد  ولا تحصى، ونحن أيضا مقبلون على هكذا حالة إن بقينا على ما نحن عليه.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف

إلى أنيس حنا مديواية ذي المئة سنة صاحب أقدم مكتبة في الجزيرة

 

ننتمي إلى ذلك الجيل الذي كانت فيه الكتابة أمضى من السيف، لا بل كانت السيف ذاته. لم تكن ترفاً، ولا وسيلة للتسلية، بل كانت فعلاً وجودياً، حاسماً، مزلزلاً. فما إن يُنشر كتاب، أو بحث، أو مقال مهم لأحد الأسماء، حتى نبادر إلى قراءته، ونتناقش فيه…

أصدرت منشورات رامينا في لندن رواية “مزامير التجانيّ” للجزائريّ محمد فتيلينه الذي يقدّم عملاً سردياً معقّداً وشاسعاً يتوزّع على خمسة أجزاء، تحمل عناوين دالّة: “مرزوق بن حمو، العتمة والنور، الزبد والبحر، الليل والنهار، عودٌ على بدء. “.

في رحلة البحث عن الملاذ وعن طريق الحرية، تتقاطع مصائر العديد من الشخوص الروائية داخل عوالم رواية “مزامير التجاني”،…

الترجمة عن الكردية : إبراهيم محمود

تقديم : البارحة اتحاد الكتاب الكُرد- دهوك، الثلاثاء، 8-4- 2025، والساعة الخامسة، كانت أربعينية الكاتبة والشاعرة الكردية ” ديا جوان ” التي رحلت في ” 26 شباط 2025 ” حيث احتفي بها رسمياً وشعبياً، وبهذه المناسبة وزّع ديوانها: زكاة الحب Zikata evînê، الصادر عن مركز ” خاني “للثقافة والإعلام، دهوك،…

فواز عبدي

 

في نقّارة، قريتي العالقة في زاوية القلب كقصيدة تنتظر إنهاء قافيتها، لم يكن العيد يأتي… بل كان يستيقظ. ينفض الغبار عن روحه، يتسلل من التنّور، من رائحة الطحين والرماد، من ضحكةٍ انبعثت ذات فجرٍ دافئ ولم تعد ، من ذاكرة عمّتي نوره التي كانت كلما نفخت على الجمر اشتعلت معها الذكريات..

تنّورها الطيني الكبير، ذاك…