بانوراما (2014-2015) إما التقسيم أو سوريا فدرالية

نوري بريمو

مع إنجلاء آخر غروب من عام 2014م المدبر، وفي إطلالة أول شروق من عام 2015م المقبل، ووسط مشهد إطالة أمد الثورة السورية المندلعة منذ أكثر من ثلاثة أعوام ونصف في إطار الربيع الشرق أوسطي الذي إنطلق من تونس ومرّ بمصر وليبيا واليمن وطال سوريا وقد يطال دول الجوار الإقليمي والحبل على الجرار، يبرز اسم كوردستان (برئيسها وبرلمانها وحكومتها وبيشمركتها ومواطنيها) كعنوان لامع لأنها تواجه حالياً تهديدات وغزوات إرهابية على أيدي وحوش العصر “داعش” وأخواتها ومن يقف وراءهم في غزو شنكال وكوباني وتهديد باقي التخوم الكوردستانية، كشريك فعال ـ أي الجانب الكوردستاني ـ مع التحالف الدولي الذي يخوض حرب ضروس مسرحها سوريا والعراق وكوردستان من شرقها إلى غربها، هذه الحرب التي قد تحرق الأخضر واليابس وتستبيح أنحاء هذه البلاد وتحصد رؤوس الآدميين بالجملة بلا أي حساب من أي لاعب في هذه الكارثة الدموية التي وقودها آدميو هذه الرقعة الجغرافية المضطربة للغاية والواقعة في مرمى سهام استهدافات إقليمية لا حصر لها ولا ترحم أحداً البته.
وفي قراءة أشبه ما تكون ببانوراما مختصرة في فاتحة هذه السنة الميلادية الجديدة، وبالنظر إلى هذه الحالة الشرق أوسطية الممجوجة بالعنف والعنف المضاد، والتي باتت أيضاً عنوانا لهذا الانقلاب السنوي الذي يبدو أنه يبشّر بقدر لابأس به من التفاؤل الكوردي بصمود البيشمركة في كافة حدود كوردستان من خانقين إلى كوباني وبتحرير سهل نينوى وبإستعادة جبل شنكال الكوردستاني وبالسير صوب الإعلان عن دولة كوردستان ليرفرف علَمها إسوة بباقي دول المعمورة، لكن هذا التفاؤل يبقى تفاؤلاً سياسياً مشوباً بقدر من التشاؤم الإنساني نظراً لإصرار بعض الأنظمة الدكتاتورية والمنظمات الإرهابية على تجييش المنطقة وعسكرة الحلول  والتصعيد بدلا من صوابية الإحتكام لخيار التهدئة والركون للغة الحوار والتوافق البيني بين مختلف شعوب منطقتنا الحبلى بتارات قديمة لا حصر لها وبنزاعات حديثة لا طائل عليها في الأمد المنظور الذي يبدو أنه بات ملبّداً بغيوم داكنة توحي إلى أنّ سنة 2015م قد تكون سنة كبيسة الأحداث وثقيلة الأعباء وجسيمة الخسائر البشرية وباهظة التكاليف التي ستدفع شعوبنا فاتورتها، حيث من المتوقع أن تتفاقم الحالة السورية أكثر فأكثر قُبيل الإقتراب من نهايتها بسقوط نظام الأسد.
وبعيدا عن الخوض في تفاصيل الأزمة السورية التي يبدو أنها باتت في عنق القارورة، والتي هي نتيجة مباشرة للثورة السورية، وإنعكاس غير مباشرة لتداعيات الأزمات العميقة التي تعاني منها معمورتنا وخصوصاً منطقتنا التي باتت أبوابها مفتوحة على كافة السيناريوهات، حتى غدت ساحة مستباحة لمختلف أنواع التجاذبات والتنافرات الداخلية والإقليمية والدولية، وتخيّم عليها احتمالات التعقيد بدلاً من الإنفراج وبدلاً من لملمة جراحات الماضي ومدواتها بعلاجات سلمية نافعة لجميع الفرقاء المتصارعين الذين حلّ لهم أن يعوا واقعهم ويتداركوا ما حلّ بهم ويدركوا بأنه لا بديل عن التوافق في كافة الأمكنة الموتورة كالعراق ولبنان وسوريا وكوردستان وليبيا واليمن ومصر وايران وتركيا وفلسطين ودارفور وغيرها من البقاع الساخنة بفعل الممارسات اللاانسانية والشرور التي ترتكبها الأنظمة الإستبدادية والمنظمات الإرهابية اللتان هما في الواقع وجهان لعملة واحدة.
وبغض النظر عن اختلاف الرؤى فإنّ القراءة الأولية للأحداث توحي إلى أنّ هنالك ثمة مؤشرات لحدوث أحداث غير اعتيادية قد تداهم منطقتنا بعد مرور مئة عام على إتفاقية سايكس بيكو 1916م، فقد يشهد العراق مثلاً تقسيماً على أسس الإنقسام القومي والطائفي الذي قد يسوّق بدوره إلى موجات جديدة من التناحرات التي لطالما عانت منها جميع المكونات.
أما في سوريا فقد ينجلي الستار عن المشهد الأخير لثورتها بإسقاط نظام الأسد القابع حاليا فوق ركام مئات الأولوف من الجماجم البشرية وعلى أنقاض تدمير آلاف القرى والبلدات وكبريات المدن وأيضاً تهجير ملايين اللاجئين والمشرّدين، وفي كل الأحوال فقد تنتهي هذه الحروب الناشبة وقد يصبح البلد أمام خيارين اثنين: إما التقسيم أو إعادة بناء سوريا جديدة ذات نظام فدرالي ينصف كافة المكونات القومية والدينية والطائفية ويحقق الفدرالية لكوردستان سوريا.
ولعلّ واجب الحرص على حاضر ومستقبل ديارنا، يقتضي من مختلف أطيافنا وخاصة من جيران شعبنا الكوردي أن يكفوا عن مسلكياتهم المتخشبة التي لا تزال تطغى عليها طبائع الغزو والإغارة والتكفيروإلغاء الآخر، وأن تحتكم لجادة صواب قبول الآخر، وأن تنحو نحو الخيارات السلمية والبحث عن كيفية المساهمة بايجابية في مسعى إستتباب الاستقرار والتعايش بين شعوبنا المتجاورة فيما بينها منذ قدم التاريخ والعصور.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماهين شيخاني

ولد الكاتب والصحفي والمناضل الكوردي موسى عنتر، المعروف بلقب “آبي موسى” (Apê Musa)، عام 1918 في قرية “ستليلي” الواقعة قرب الحدود السورية، والتابعة لمدينة نصيبين في شمال كوردستان. ترعرع يتيماً بعد أن فقد والده في صغره، فحمل في قلبه وجع الفقد مبكراً، تماماً كما حمل لاحقاً وجع أمّته.

بدأ دراسته في مدارس ماردين، ثم انتقل…

أسدل يوم أمس عن مسيرتي في مجلة “شرمولا” الأدبية الثقافية كمدير ورئيس للتحرير منذ تأسيسها في أيلول 2018، لتبدأ مسيرة جديدة وسط تغييرات وأحداث كبرى في كُردستان وسوريا وعموم منطقة الشرق الأوسط.

إن التغييرات الجارية تستدعي فتح آفاق جديدة في خوض غمار العمل الفكري والأدبي والإعلامي، وهي مهمة استثنائية وشاقة بكل الأحوال.

 

دلشاد مراد

قامشلو- سوريا

19 أيلول 2025م

الشيخ نابو

في زمن تتكاثر فيه المؤتمرات وترفع فيه الشعارات البراقة، بات لزاما علينا أن ندقق في النوايا قبل أن نصفق للنتائج.

ما جرى في مؤتمر هانوفر لا يمكن اعتباره حدثاً عابراً أو مجرد تجمع للنقاش، بل هو محاولة منظمة لإعادة صياغة الهوية الإيزيدية وفق أجندات حزبية وسياسية، تُخفي تحت عباءة “الحوار” مشاريع تحريف وتفكيك.

نحن لا نرفض…

نجاح هيفو

تاريخ المرأة الكوردية زاخر بالمآثر والمواقف المشرفة. فمنذ القدم، لم تكن المرأة الكوردية مجرّد تابع، بل كانت شريكة في بناء المجتمع، وحارسة للقيم، ومضرب مثل في الشجاعة والكرم. عُرفت بقدرتها على استقبال الضيوف بوجه مبتسم ويد كريمة، وبحضورها الفعّال في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية. لقد جسّدت المرأة الكوردية معنى الحرية، فلم تتوانَ يومًا عن…