أمِّي تحت الأنقاض

إبراهيم اليوسف
 

هذه النَّار…!
حدودُ أصوات القذائف
صدى إيقاع الخطى
حمحمات خيل الفرسان
في أعلى الهضبة
حصتي على سفرة الكونكريت
والأوكسجين المعلَّب
يرتمي من نافذة طائرة لا تحطُّ
حديد باهت
كترقوة اصطناعية
و حصوات باردة
على وسادتي
أكوِّمني في لمامة من وقت
كلُّ ما أردته….. فعلت
كنت أشرِّش روحي
تحت قدمي
هنا
لم يكن صوت فلذتي البكر
غامضاً
-واآني….!
-واصادق….!
عارماً جاء صوته قبل أن يختفي
مختنقاً آب  صوتي قبل أن يظهر
لاشيء يجمعنا
غيرألبوم ضائع
كنت مشغولة بالحقائب أركنها
بين الغباروالبارود
ضيوفي كثر في حضن الهبوب
جاؤوا من الجهات الأربع
جاؤوا من وراء الجهات
يا لنا….!
لا ترجمان يجمع بين اللُّغات
 في هذا النهار المضطرب
على جسر كوباني
للأشجار لغة خضراء
أتقنها
لشمس الصباح لغة من أزل
أخرجها من ذاكرة ساعتي
للمساء لغة من ضوء طالع
للماء لغة  من حلم و شفاه
للدم لغة من  تي. إن. تي
للقاتل لغة من دم
لي لغة منكم..
لا يكترث بها ملح  يدي
ناصعة كبريق خنجر الجدود
على حافة اصطدام  الحافلات في الشارع
انتظروني
لن أتأخَّر كثيراً
أجيئكم عمَّا شجرة مقبلة
أجيئكم عما غيمة واثقة
أجيئكم عما نسيم مشتنوري
سريري على ما هو عليه
كسبطانة رشاش خافت البريق
نظفته من الارتباك و نِثار الرُّوح
لا حمرة تهدد بياضه
اسألوني
لا أضيق بالكربون
في متنزه دمي
تدحرجه ابنتي التي لا تعرفون
تعدُّ  قفاطيني في الخزانة
قرب صورة الرّاحل قبل أوانه
ما ألذَّ فاكهة الخطوات في كوباني
ما ألذَّ صوت التلفزيون
يدلق نهر الصور إليَّ
مكنَّسةً من الغرباء
أنا الأم ُّ
لاملامة
أمَّكم
أمّ المدى في ارتطاماته الكبيرة
أمّ الهدأة في ترتيب القاذفات
أمّ ساعة البيولوجيا
ألقن الدويّ  زرقة اللهب
وابتهال شقائق النعمان
ثغاء الخريف
قوس البيلسان
وقزح الرُّذاذ والسماء
 زمجرة  السندباد في حفيف أوراقه المغبرَّة
ألقن التراب خميرتي الأزلية
لا شيء قبلي
و لا بعدي
ها أظهر إليكم
بعد هذا الغياب
عن مسرح الأضواء
أسير وراء أصابع يدي
أسير وراء هسيس عظامي
أسير وراء رائحة البابونج
أسير في جنازة الخوف
أتدفَّق في حليب العشب
وصية النيزك في نشوة النزيف
أعلَِق القلق على خطاطيف الهواء
أخلع عتمتي في سلَّة المهملات
أواصل نول أسطورتي
بحرير من سهل وجبل
وطنبورة آخرعنقود الروح
تساقط منها المدن في خيط مشيمتها
ترقبوني كما يليق بالصفحة الجديدة
من الكتاب
كما يليق بذبول الشاخصات  قرب البوابة
لا عليكم
اطمئنوا
جلسات الشاي لا تزال
قرب غنج النعناع
 في عصرونيات البيت
زقزقات الدوري على أثر النافذة
أوزع رغيف الذرة عليهم
يالأسرتي الجديدة
بناتي
أبنائي
يرفعون السقف المتساقط عن سريري
لا ألهيهم عن الأغاني
لا ألهيهم عن  رماد ولامأثرة
اسندوا صوتي في صداه
سأبعث  خرزي وريحاني
 من بين أصابعي
أغافل غبارالجدران
ولفح الزجاج
جفلة سطح البيت
دبيب الوقت المبكر
على الباب
مفتوحاً على مسيل  قبضته
في هياج الأصداء
والأهلين
والأصدقاء
وحدي
وأنا
الكون
كله
وحدي..!
الشارقة
6-11-2014
*عبارة قالتها لي الشاعرة حسينة علي من كوباني عن أم لها لماتزل تحت الأنقاض وأخ صارفي عداد المجهولين بعدأن حدث أهله عن مصيرأمه التي  راحت ضحية قصف بيتها الذي أبت مع ابنها الستيني مغادرته.
 
*من مخطوط”ساعة دمشق” نصوص وكتابات في الثورة السورية معد للنشر.
جريدة النهار

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف

إلى أنيس حنا مديواية ذي المئة سنة صاحب أقدم مكتبة في الجزيرة

 

ننتمي إلى ذلك الجيل الذي كانت فيه الكتابة أمضى من السيف، لا بل كانت السيف ذاته. لم تكن ترفاً، ولا وسيلة للتسلية، بل كانت فعلاً وجودياً، حاسماً، مزلزلاً. فما إن يُنشر كتاب، أو بحث، أو مقال مهم لأحد الأسماء، حتى نبادر إلى قراءته، ونتناقش فيه…

أصدرت منشورات رامينا في لندن رواية “مزامير التجانيّ” للجزائريّ محمد فتيلينه الذي يقدّم عملاً سردياً معقّداً وشاسعاً يتوزّع على خمسة أجزاء، تحمل عناوين دالّة: “مرزوق بن حمو، العتمة والنور، الزبد والبحر، الليل والنهار، عودٌ على بدء. “.

في رحلة البحث عن الملاذ وعن طريق الحرية، تتقاطع مصائر العديد من الشخوص الروائية داخل عوالم رواية “مزامير التجاني”،…

الترجمة عن الكردية : إبراهيم محمود

تقديم : البارحة اتحاد الكتاب الكُرد- دهوك، الثلاثاء، 8-4- 2025، والساعة الخامسة، كانت أربعينية الكاتبة والشاعرة الكردية ” ديا جوان ” التي رحلت في ” 26 شباط 2025 ” حيث احتفي بها رسمياً وشعبياً، وبهذه المناسبة وزّع ديوانها: زكاة الحب Zikata evînê، الصادر عن مركز ” خاني “للثقافة والإعلام، دهوك،…

فواز عبدي

 

في نقّارة، قريتي العالقة في زاوية القلب كقصيدة تنتظر إنهاء قافيتها، لم يكن العيد يأتي… بل كان يستيقظ. ينفض الغبار عن روحه، يتسلل من التنّور، من رائحة الطحين والرماد، من ضحكةٍ انبعثت ذات فجرٍ دافئ ولم تعد ، من ذاكرة عمّتي نوره التي كانت كلما نفخت على الجمر اشتعلت معها الذكريات..

تنّورها الطيني الكبير، ذاك…