مدينة الحسكة وبدايات تأسيسها حسب المصادر الفرنسية *

بقلم: كريستيان فيلود Christian Velud

ترجمة عن الفرنسية: أمينة طاهر مراد

اذا كانت مدينة دير الزور تعد مركزا للمندوب السامي والعاصمة الحقيقة  لشمال شرق سورية بسبب كثرة سكانها ونشاط سوقها, فلا شك انه وفي هذه الاثناء أي في العام 1925, كانت قرية الحسكة تتأهب لتصبح مركز منطقة الجزيرة.

كيف كانت الحسكة في عام 1925؟

عندما وصلت سرية الهجانة الثانية من دير الزور الى موقع الحسكة, في عام 1922.لم يجد جنودها الا مخفرا عسكريا عثمانيا صغيرا مبنيا على تلة وحول هذا المخفر بيوت خربة لا تشبه البيوت وبعض خيم البدو, فلا قرى ولا مزروعات.
وفضلا عن وجود المخفر(العثماني) فإن موقع التل الملائم جذب العسكريين الفرنسيين لأنه في الحقيقة يقع على مفترقين: اولهما نهري حيث يقع على بعد كيلو مترين من التقاء نهر الخابور بنهر جقجق, وثانيهما يتعلق بالطرق. حيث يعد نقطة التقاء الطرق القادمة من رأس العين 80 كم, ونصيبين 80 كم, والموصل عن طريق سنجار وكذلك دير الزور 166 كم .
هذا الدور المكاني كمفترق طرق تضاعف من جهة اخرى بوجود اثار معمارية عديدة حول هذا التل وبمحور 10كم كما يتمتع هذا المكان بمناخ صحي ومياه غزيرة ولا اثار للملاريا .
سيطر جنود الكتيبة الثانية بسرعة على الموقع العثماني وأعادوا تأهيله. ان وجود القوات العسكرية كان له تأثير مباشر وفوري على تطور زراعة الشعير والقمح على الضفاف القريبة لنهري الخابور وجقجق فقد قام بزراعتها تلك العشائر التي اعلنت خضوعها للفرنسيين .
كان وصول القوافل الاولى للاجئين المسيحين من جبال طور عابدين وماردين مع نهاية العام 1922,بمثابة اعلان لتأسيس قرية حول هذا الموقع العثماني وفي نهاية العام المذكور( 1922) كان هناك حوالي 50 عائلة. بدأت الحركة ويبدو انها لن تتوقف ابدا ,وفي عامي 1923 ,1924 شهدت القرية تمددا وتطوراً وتنظيماً حين تم وضع المخطط المستقبلي للمدينة ذات الشوارع المستقيمة وساحة مركزية وساحة للبيع والشراء (بازار) ومبان حكومية وحديقة وجامع وكنائس ومدارس ومستوصف.
ارتفع عدد السكان الى حوالي 800 شخص غالبيتهم مسيحيون وعدد عائلاتهم 234 عائلة .
شهد النشاط التجاري في هذه البلدة نموا غير عادي واسباب ذلك كثيرة: اولها ان تدفق اللاجئين المسيحين كان دافعا قويا للبناء الذي شكل النواة الاولى للمحلات وبالتالي اللبنة الاولى للنشاط الحرفي والتجاري.
وبكون هؤلاء اللاجئين يرجعون بأصولهم الى مدينة ماردين فقد جلبوا معهم معرفتهم و خبرتهم وبفضلهم شهد سوق الحسكة تطورا متسارعا وحقيقا. العامل الاخر لتطور الحسكة هو موقعها الجغرافي الممتاز والاستراتيجي في قلب الجزيرة الخاضعة للانتداب الفرنسي حيث نرى علاقاتها التجارية مع المراكز الرئيسية كحلب والموصل ودير الزور وتركيا عن طريق رأس العين وماردين. كما بنت حكومة الانتداب الفرنسي عام 1926 جسرين على نهر الخابور جسر ذو اوتاد طوله 70م وجسر معلق طوله 52م من أجل تطوير التبادل التجاري بين الحسكة وسنجار من جهة وبينها وبين ديرالزور من جهة اخرى.

* المصدر : تجربة الادارة المحلية للانتداب الفرنسي في سوريا

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…