بعض معانات الشبيبة الكردية (7)

 دلكش مرعي

الذهنية المتخلفة

   من بين اهم الملامح التي تتميز بها الذهنية المتخلفة هو التخبط في اتخاذ المواقف والفوضى  والعشوائية والصراعات الدموية والنظرة السطحية الى الامور والارتجال والتأله والعصبية المفرطة في التمسك بالمواقف وسوء منهجية العمل وغيرها من الملامح التي تشير بمعظمها إلى هذه الذهنية … فالذهنية المتخلفة تبقى عاجزة على الدوام في الغوص في قضايا الواقع وتحليلها تحليلاً علمياً للوصول إلى حلول صحيحة مجدية ومثمرة تخدم الانسان … فكل الأمور تنحل في المجتمع المتخلف انطلاقاً من مفاهيم التراث السائد .
 وحتى لو أدخل بعض الصيغ الفكرية والوصفات المستوردة كالديمقراطية والفكر العلمي في جسم المجتمع المتخلف تصطدم معظم هذه الوصفات بجدار قيم التراث المجسدة في ذهنية الفرد وتفشل في أحداث التغير المنشود في البنية الفكرية إلا بشكل نسبي ولدى قلة من الناس  فما يحقن في عقل الانسان في بداية حياته من قيم و مفاهيم وعقائد هي التي تحدد معظم التصرفات والسلوكيات التي يسلكها الفرد في حياته فالعقل البشري تشبه إلى حداً كبير الشريحة الالكترونية التي تبرمج إما ببرمجة خالية من الفيروسات أو ببرمجة موبوءة ومليئة بالفيروسات اما الفرق بين الشريحة الألكترونية المصابة بالفيروسات فيمكن اعادة فرمتتها وتعقيمها اما العقل البشري الموبوء بفيروسات التخلف فمن المؤسف ان نقول بأن هذا العقل لا يمكن اعادة فرمتته ببرمجة عقلانية صحيحة وتنظيفه من فيروسات التخلف في فترة زمنية محدودة وقد يحتاج ذلك الى عقود وعقود وربما إلى عدة أجيال لتنقية هذا التراث من المفاهيم والقيم الضارة التي تؤدي إلى إطراب وشل التفكير وكبح عجلة التطور والتقدم .. فبعض من  معتقداتنا التي نؤمن بها إيماناً مطلقا تعود بجذورها الى معتقدات موغلة في القدم – فقصة الخلق أي قصة حاو وآدم – وقصة الطوفان التي تنسب الى نوح – والوصايا العشر هي معتقدات سومرية -– ومعتقد الخلود بعد الموت هو معتقد فرعوني – وبالرغم من  مرور اكثر من خمسة آلاف سنة على ظهور هذه الطقوس فمازال معظم  المجتمعات في هذه المنطقة تؤمن ايماناً مطلقاً بهذه المعتقدات لأن معظم هذه المعتقدات هي موجودة في آيات الكتب المقدسة لديانات هذه الشعوب  فالصراع الطائفي والديني البغيض والتأله والتطرف والاستبداد هي نتاج قيم ومفاهيم الاديان فالفكر الديني يجعل الإنسان يتماه بقوة الله القادر على كل شيء فالحروب والغزوات الدينية التي جرت في العالم تؤكد على نتاج فكر الأديان  وكمثال للتوضيح فإن الصراع الطائفي السني الشيعي الذي بدأ يخيم على منطقتنا هي امتداد للحروب التاريخية التي جرت بين – سنة بني أمية – وشيعة علي – بالرغم من مرور الف وأربعمائة سنة على هذه الصراع  ….  فالتطرف الديني أو الطائفي كان عبر التاريخ كان تطرف اعمى وكان خالياً من أي نوع من انواع الرحمة والشفقة  ومن أي حس إنساني والمجازر الوحشية التي أحدثته هذا الصراع في تاريخ شعوب هذه المنطقة وفي العديد من مناطق العالم وما تمارسه النظام السوري انطلاقاً من هذا الفكر تثبت همجية ووحشية هذا الفكر فقتل مليون ونصف مليون ارمني على يد الاتراك كان بسبب استغلال القيم الكائنة في بنية هذا الفكر اختصاراً فإن هذا الفكر لا يدخل إلا العنف والصراع والتعصب إلى عقول ابناء الطوائف والأديان وعدم الاعتراف ببعضهم البعض كما هو سائد في لبنان والعراق وإيران ولدى النظام السوري ولدى معظم الموالين لهذه الفكر فمن المؤسف ان نقول بأن الحاكم المستبد والمحكوم المضطهد ضمن المجتمع الواحد ينتميان إلى نفس الميراث الفكري ومعتقداته  فكلنا يعلم بأن نوري المالكي كان يعاني من اضطهاد صدام حسين كبقية افراد الشعب العراقي عندما كان هذه الطاغية يحكم العراق وعندما وصل المالكي إلى سدة الحكم في العراق اصبح يسلك سلوك صدام وينهج نهجه في الدكتاتورية والاستبداد والطغيان وكذلك هو الحال لأحمدي نجاة فهو الآخر لا يختلف طغيانه عن طغيان الشاه المخلوع واستبداده وبعض قيادات الأحزاب الكردية بدأت تمارس استبداداً على الشعب الكردي قبل أن تحصل عل أي نوع من انواع الحكم  فيجب ان يعلم الشباب بأن تحرير الإنسان من الظلم والتخلف والاحتلال يبدأ بتحرير العقل من القيم والمفاهيم الخرافية والأساطير والغيبيات التي تشل قدرات العقل في التفكير السليم وتقيد حرية الإنسان وبأن تخلف الشعب الكردي وما تعرض له تاريخياً هو نتاج ما هو كائن داخل التراث الكردي من قيم ومفاهيم وعقائد ولا شيء غير ذلك  ونختتم هذا الجزء بما طرحه – الدكتور جورج طرابيشي – على طلابه في إحدى مدرجات جامعة دمشق عندما سألهم وقال : هل طالبتم بالمساواة بين الرجل والمرأة ؟ هل اعترفتم بحريتها الجنسية ؟ هل طالبتم بتعديل قوانين جرائم الشرف ؟ وهل طالبتم بقوانين مدنية معاصرة تحل محل القوانين الشرعية ؟ فكان جواب الجميع هو لا  ؟ واعتقد بأن جوابكم سيكون لا  

 – يتبع –  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

أصدرت منشورات رامينا في لندن كتاب “كنتُ صغيرة… عندما كبرت” للكاتبة السورية الأوكرانية كاترين يحيى، وهو عمل سيريّ يتجاوز حدود الاعتراف الشخصي ليغدو شهادة إنسانية على تقاطعات الطفولة والمنفى والهوية والحروب.

تكتب المؤلفة بصدقٍ شفيف عن حياتها وهي تتنقّل بين سوريا وأوكرانيا ومصر والإمارات، مستحضرةً محطات وتجارب شكلت ملامحها النفسية والوجودية، وموثقةً لرحلة جيل عاش القلق…

غريب ملا زلال

رسم ستار علي ( 1957_2023 ) لوحة كوباني في ديار بكر /آمد عام 2015 ضمن مهرجان فني تشكيلي كردي كبير شارك فيه أكثر من مائتين فنانة و فنان ، و كان ستار علي من بينهم ، و كتبت هذه المادة حينها ، أنشرها الآن و نحن ندخل الذكرى الثانية على رحيله .

أهي حماسة…

عِصْمَتْ شَاهِينَ الدُّوسَكِي

أعْتَذِرُ

لِمَنْ وَضَعَ الطَّعَامَ أَمَامَ أَبِي

أَكَلَ وَابْتَسَمَ وَشَكَرَ رَبِّي

أَعْتَذِرُ

لِمَنْ قَدَّمَ الْخُبْزَ

لِأُمِّي وَطَرَقَ بَابِي

لِمَنْ سَأَلَ عَنِّي

كَيْفَ كَانَ يَوْمِي وَمَا…

ماهين شيخاني

هناك لحظات في حياة الإنسان يشعر فيها وكأنّه يسير على خيط رفيع مشدود بين الحياة واللاجدوى. في مثل هذه اللحظات، لا نبحث عن إجابات نهائية بقدر ما نبحث عن انعكاس صادق يعيد إلينا شيئاً من ملامحنا الداخلية. بالنسبة لي، وجدتُ ذلك الانعكاس في كتابات الفيلسوف والكاتب الفرنسي ألبير كامو (1913-1960).

ليس كامو مجرد فيلسوف عبثي…