المواطن الصحفي

إبراهيم اليوسف

لا يمكن للصحافة، أياً كان نوعها، مقروءة، أو مسموعة، أو مرئية، أن تؤدي مهمتها، إلا من خلال توجهها وتفاعلها مع متلقيها، حيث تلبي حاجاته الرئيسة، وتكون صدى لأعماقه، على الصعيدين الحياتي والروحي، في آن واحد، و نافذته التي ترفده بما يحدث من حوله، والعالم، من أخبار، تضعها بين يديه، كما هي، متوخية الصدق، وبمهنية عالية، تتناسب ومقاييس اللحظة، في  تلقي المعلومة،ضمن ضوابط فنية وتقنية معروفة.

والمتلقي-وهو المواطن في أية بقعة من العالم- يتفاعل مع المعلومة المتلقاة بدرجات متباينة، إلا أن الحد الأدنى من تأثيرها يظل موجوداً في الحالات العادية، وأن هذا التفاعل يبلغ ذروته في حالات أخرى، عندما يغدو المتلقي منتجاً للمعلومة.
وقد انتبهت الصحف، والمجلات واسعة الانتشار، إلى هذا الأمر، فبادرت إلى توثيق علاقة قارئها بها، من خلال تخصيص زوايا وصفحات للقراء، وأصحاب المواهب الإبداعية الجديدة، يتم عبرها اكتشاف أسماء جديدة، في كل مرة، تنضم تدريجياً إلى دائرة الإنتاج الإعلامي، وهناك كثيرون من أصحاب الأسماء المكرسة، المعروفة، التي صارلها الآن حضورها، بدأت من مثل هذه الزوايا التي تكاد تشبه مدارس حقيقية، في الإعلام والكتابة، لاسيما عندما يتوافرلمثل هذه الزوايا والصفحات أكفياء، يجيدون التعامل مع إعلامييها، وكتابها الموهوبين.

وحين ننظر الآن، في عصر الثورة المعلوماتية الهائلة، في العالم، إلى أمثال هؤلاء الكتاب الجدد، سنفاجأ بأنهم ما عادوا بحاجة إلى الإعلامي، أو الكاتب الوسيطين، اللذين دأبا على  اكتشاف مواهبهم، والعناية بها، وتقديمها، والأخذ بأيديها، لإدخالها في دورة الإنتاج، إذ بات الموهوب، وربما عديم الموهبة، قادرين، على أن  يجدا لكتاباتهما مساحات هائلة من النشر، أوسع دائرة من المتلقين، وذلك من خلال النشر في الصفحات والمواقع الإلكترونية التي لا حصر لها، مادام أنه بات بإمكان أي منهما إطلاق ما يشاء من صفحات، شخصية، أوعامة، من دون أية رقابة تذكر…!.

وبدهي، أن للأمر وجهين أحدهما إيجابي، وهوأن أي موهوب، ذا إمكانات خاصة، يستطيع أن ينخرط في مجال الإعلام، ويطورنفسه، تدريجياً، عندما يكون صاحب رؤية أو رسالة واضحتين، بيد أن الأمر سينقلب رأساً على عقب، في حالة عديم الموهبة، والرؤية  والرسالة، ممن سيقدم إساءات متواصلة، بلاحدود، إلى الآخرين، ولهذا فإننا نجد أن كثيرين هؤلاء الذين يسببون تلوثاً إلكترونياً، يؤذي غيرهم، سواء أكان ذلك عبر الكتابة في هذه الوسائل الجديدة المتاحة، أو حتى بوساطة البريد الإلكتروني الذي يداهم أعداداً لاحصرلها من المتلقين في العالم، برسائل مؤذية، أو غيرمفيدة، في أقل تقدير.

ولعل أول ما يتبادر إلى الذهن، هنا، هو أن الثورات الشعبية التي تمت من حولنا، قدمت لنا نماذج فذة، استثنائية، من الإعلاميين الجدد، ممن تم الاصطلاح على تسميتهم، بالمواطنين الصحفيين” الذين سرعان ما ظهروا، نتيجة الحاجة الماسة إليهم، وهم جميعاً أسماء مغمورة، مهمشة، لم تكن معروفة من قبل، إلا أن هؤلاء قدموا خدمات جليلة، خارقة، لأهلهم، ومجتمعاتهم، وبرزوا على حين غرة، فصارلأسمائهم حضورها اللافت،لأنهم عملوا ميدانياً، بكل شجاعة، وبسالة، مسترخصين أرواحهم، مادام أن الصحفي الحر، غيرقادر، على الوصول إلى بعض أمكنة التوتروالعنف التي يقومون بتغطيتها، طوعاً، ليكونوا في مقام صحفيين أحرار بارزين،موجودين في كل مكان، معروفين بوفائهم الجم لمهنتهم، مهما كان ثمنها، وليكون مصطلح” المواطن الصحفي” إحدى الثمار القيمة، لما يجري الآن أمام أعين العالم كله…!
elyousef@gmail.com  
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…