إبراهيم محمود
لا أدري ما إذا كنت أيها العزيز بروحه وجسده: آرشف أوسكان تقبل اعتذاري، وقد مضى على رحيلك الأبدي الكثير بتقدير حبّي مني، ولم أهاتف أهلاً لك، لم أكتب كلمة، لو كلمة، عنوان حياة أخرى فيما بيننا، عن حياتك التي لم تكن لك، تأكيداً على المشترَك الروحي بيننا، أيها العزيز مرة أخرى وثالثة ورابعة.. يا” نار الليل”، حيث يصادق عليك اسمك.
أعتذر إليك بروحي وجسدي، لأنني تأخرت عن المجيء إليك، حيث كان نفَسُك الأخير بخيال من روحي الشجية، لأنني لم أتمكن، كما هي صداقة الأرواح المعذَّبة، أرواح حيوات تترى، من قول كلمتي في الزمان والمكان اللائقين بك.
أعتذر لروحك المنفتحة التي انتظرت جسدك المتخم بالآلام طويلاً، ليقول كلمته، كما هي صورتك النابضة الوامضة دون رتوش، وهل من إمكان للسؤال عن مقام الروح، دون المرور بالجسد هذا؟ أعتذر لجسدك العتيد الشريد، وهو يسرق الدقائق من روح أُثقِل عليها كثيراً، أيها الخارج من حقلك، من ” Zevî”، مجلتك التي تشير إليك، والذين كانوا معك باعتبارهم أهل الثقافة الخلَّص والكردية منها ضمناً طبعاً، وأظنها، أظنها، رثتك على طريقتها، ولا أظنها أيضاً اتخذت موقف اللامبالاة شأن من يعرفونك عن قرب، وأنت في ذروة رحيلك: صهيل روحك. أعتذر لجميل ما كتبت شعراً ونثراً، أعني حباً، ولو أنه كان صادماً أحياناً، فبعض الصدمة مطلوبة تبعاً للحالة والموقف..
لا أدري ما إذا كنت، أنت والقريبون منك من أصدقاء” الخارج” و” الداخل” وهم القلة العامرة، تقبل اعتذاري، حيث حُرمتُ أنا من الإقامة الانترنتية، ومتابعة ما يجري، لأسباب لا أعتقدها عائدة إلي تماماً في مجتمع اللامجتمع وكردية اللاكردي، ولأن أحداً لم يعلِمني برحيلك الشمسي أو الناري، ونحن في عتمة مضاعفة هنا، عتمة تكون متعة البقاء تحت رعاية ساعة منتظمة من الكهرباء نعمة، في البلاد التي لم تعد بلاداً، تقاسمتْها لامعهوداتها الكردية واللاكردية، وربما هي مصادفة، حين كنت هذا اليوم” الخميس 27-12/2012″، عند أحد الأصدقاء، وهو يخبرني فيما إذا كان لدي رغبة في تصفح موقع كردي، وكان” ولاتي مه”، فقفزت متلهفاً، على الأقل للوقوف على عناوين لها حيويتها، غير أن قراءة خاطفة لعبارة” أربعينية الراحل آرشف أوسكان”، أحالت دون التدقيق فيما عداها، فكانت الصدمة، وجاءت الكتابة هذه.
الصدمة كانت مضاعفة، لا لأنني رفضت الموت فيك، وليس بوسع أحد الحيلولة دون نفاذ سلطته في أي كان، وإنما رفضته بسهولة، بتأثير من يقين ما، يقين ما يجري هنا وهناك، رفضت هذه الكردية المهلهلة هنا وهناك، إذ كيف لم أسمع بأحدهم، أو بسماع ما يعلمني أنك رحلت طوال هذه المدة، وهي كافية للإفصاح عن هذا الرعب، على الأقل، أن يقول لي أحدهم، ولو بصيغة سؤال: وماذا عن رحيل آرشف، أو لماذا لم تكتب عن رحيله؟؟ يا لهذا الصمت الكردي المريع…
لا بأس يا صديقي بروحه وجسده، لا بأس، لا بأس، فرحيلك درس آخر لمن يحب دروساً مفصلية، كشاهد عيان حي على موتى لا يشعرون بموتهم الفعلي وبؤس ما يسعون إليه، لا بأس أن ينتظر طرف، شخص ما، موت آخر، ويتخذ من موته مناسبة للإعلاء من شأنه، وربما تعظيمه، وهو دون هذا التعظيم والتفخيم، ليفصح عن موقع ليس له البتة البتة، لا بأس أن يتهافت إليك من سخطوا عليك، أو يضعون وروداً على قبرك، أو يرثونك، وهم دون حقيقة ما يعلنون عنه، لا بأس أن ينعيك من كان يتمنى موتك بطريقة” غير عادية” ليعيش شماتة غير عادية، لينعيك وهو ثمل من الداخل بموتك تماماً، حيث أستثني دائماً وأبداً القلة التي عاشت ودك وجرأتك في الكتابة، وتقديراً لكلمتك ذات النفع، وأنت مشيَّع إلى مثواك” الأول” حيث إن الأخير بالمعنى الذي أعني، لما يزل في الطريق، كونك انتقلت من حال إلى أخرى، عبر روحك الحية.
بين قامشلو وبين قريتك على تخوم” درباسية”، حيث تتنفس حدود مشروخة وتستطيل بكروب وحروب خفية ومعلنة، وذكريات فائضة حباً وأحلاماً تستجيب لرغبات كتابة تتنفس همَّ الجاري كردياً ووطنياً، صحبة أصدقاء باعدت بيننا أقاليم وظروف قاهرة، كحال أصدقاء، تسمّيهم كتابتي هذه، وهم يحتضنون أحلامهم النازفة، إنما الواعدة أيضاً، تعلمها روحك التي كابدت أهوال الجسد منذ سنوات وسنوات، وأنت في بيتك” الدرباسي” والحبوب والإبر الباهظة الثمن، ومعاناة الزوجة والأهل والأولاد، وصعودك إلى أهوال أخرى: أهوال وطن الغربة وغربة الوطن، حيث تشابكت معاناة الحرف مع معاناة الجسد، حال الذين لم يكفوُّا عن التعبير عن الجمع بين المعاناتين، وهم يتكبدون خسائر تجمع بين الروحي والجسدي، في جهات الأرض كافة، أقولها أيها المضمخ بالوداعة والدفء آرشف، وأنا أسترجع تلك اللحظات الحميمة التي أمضيناها معاً قبل سنوات، وتنفس الهواء الألماني في منتزه” بحيرة الفضة” الهانوفري، صحبة عائلة الصديق ” أبو جوان”، وأصداء الضحكات الكردية وهي تمتزج بالشكاوى الكردية الصرفة هنا وهناك، بتاريخ” 1-5/2006″..
لا أدري كيف أعيد ترتيب روحي وأهدّى روعها لأعزي عائلتك الكريمة، أهلك الكرماء، أحبتك الكرماء، وقد تخلَّفت عن الميعاد، تخلَّفت عن اللقاء بك، وأنت تسمّر ناظريك الخياليين على أصدقائك كرمى الوداع الأخير، باسم روحك الكريمة، وجسدك الكريم الذي قاوم كثيراً علَّتك العلَّة- عن بُعد، وفي برد المكتبة القارس، حيث تجلَّد هواء الغرفة واقشعرت أغلفة الكتب برداً، كيف أسرج بعضاً من كلمات ود تليق بمقام روحك وجسدك الكرديين، وأنا في وحدتي الهادرة بصمتها، كيف أعيد إليك بعضاً مما أردت التعبير عنه، أكثر مما هو منشور باسمك أو عنك، وأنا في مفاجأة الموت الصادمة.
أهي نهاية صلاحية عمر، أعلنت عنها حياة تخترق حرمة ساعاتنا ومجالسنا وذكرياتنا المشتركة؟ أم نهاية أزفت، وكان يجب التنبه لها، أو توقعها، بعد هذا التمديد المحتسب، وقد استوطنك الداء المهيب” لوخيميا الدم”،و لا أدري ما بعده؟
أم تراها رغبتك غير المسماة بالرحيل الأبدي، لأن عبئاً طاعناً لم يعد يطاق بنسخته الكردية خارجاً، وأنت تبحث عن صلاحيات مجدية في الحياة والكتابة، في مواجهة من منحوا صلاحيات غير محدودة لأنفسهم ولمن على شاكلتهم من كردك الكتاب واللاكتاب قريباً منك وبعيداً عنك، صلاحيات أعجز من أن تصمد في معايشة لحظة حياة معتبَرة؟!
كيف لي أن أبثك شكواي، وسط هذا الخراب، حيث تداخل الليل والنهار، حيث الخراب، في وطن يصعب تسميته بالوطن، دون أن أغفل لحظة واحدة عن طغاته الكبار والصغار، وقتلته، ولصوصه الكبار والصغار، إنما ما يجري باسم الوطن، باسم الكردايتي أيضاً، يستحق التنويه برعب المتحصَّل، حين يتلخص الهم الأكبر والمرعب في كيفية ربطة خبز، أو قنينة غاز، أو ليتر مازوت، فلا ليله ليل ولا نهاره نهار، ولتكون هناك حملة شعواء لتصحير الجهات: من اقتلاع الشتلات، إلى قطع الأشجار، وحتى نشر أعمدة الهاتف والكهرباء، انتقاماً من حكومة لم تعد حكومة، إنما تعبيراً- أيضاً- عن بؤس الوطني والجغرافي والحضاري والتربوي فينا، وتبقى الاستثناءات قليلة، يبقى المنادون بالوطنية ووحدة أهل الوطن، والذين يحرصون على سلامته محل شبهة، يبقى الساعون إلى فرص لها عائدها البذخي والنفخي، في الواجهة كثيراً.
تُرى أي آلام كابدت، وأنت تعيش وجع كتابة قصيدة لم تعلن صرختها الكردية والوطنية والإنسانية كما تريد أنت، أم كتابة مقال آخر صحبة مقال سالف وسابق للسالف، في حق” حرامية” الصلاحيات على الطريقة الكردية في المشرق أو في المغرب الكردستاني، كتابة لم تتردد في تذييلها باسمك الصريح خلاف الكثيرين الذين لم يجرؤوا حتى الآن عن كتابة أسمائهم، والجهر بآرائهم حيث يكونون هم، وأنت تثير سخطهم، فقط لأن حقيقة مقاومة، وحدها تستحق أن تحمل راية المجابهة والانتماء: حقيقة التعريف بالذات كما هي، بعيداً عن الرتوش وخلَّبيات المواقف والتسلق السعداني؟!
كيف أقدّر فيك عمرك، حياتك؟ لا عمر بالسنين، ليس منا كتاباً أو أهل مروءة ومجتمع، من يحسب العمر بالسنوات، إنما بالعطاء، ولهذا يمكن الحديث عن وزنك الروحي، وطولك الروحي، أو مساحتك الروحية، أو سعتك الروحية، وجغرافيتك الروحية، وتاريخ مجابهتك لمن يحصدون أرواح البشر بأسماء ومسميات لا علاقة لها بالوطن أو الانتماء الكردي. أتحدث عبر روحك وجسدك الرحبين، عن الذين أخفوا لسانهم، وها همو يخرجونه أمتاراً لأن الوقت متاح لهم، ليكون الناطقين باسم شعب أفقِد خاصية الشعب، عن الذين تجنبوا النظر في صورتهم في المرآة، وفي ظلهم، ليتنقلوا هنا وهناك، ليصبحوا خارج المحلّي، ولينظّروا، وليوجّهوا، ويتپروزا، وليتذكروا لمواقع وواجهات قادمة، وعبر فضائيات غير عابئين بتاريخ لا يخفي سوءاتهم حتى الأمس القريب، وهي لن تخفيها لاحقاً، ولكنها مفارقة الكردي الغافل عما هو عليه وفيه، موته الزؤام الذي لا يتنبه له، انمساخه وهو يقدّم نفسه لأهل اللغات الأخرى أنه ممثل الكرد بالجملة، وكان أبعد عن تمثيله نفسه حتى الأمس القريب جداً، كاتباً وغير كاتب، وكله شياكة، حيث يكون في عهدة وطن المقاولات والطاولات وما وراء الطاولات، حيث لعبة” كأسك يا كردستان” لها صداها المدوّي، وفضائح تجر فضائح عن وحدة الكردي، أعني تصفيته الذاتية، يكون هذا الانتقال المزعبر من كونه” أسداً في بيته، نمراً على بابه، إلى ثعلب تحت الأضواء، قنّي عند الضرورة أو اللزوم، فما يهم هو المقبوض، حيث الجلد تسمَّك، والوعي الجغرافي والتاريخي صفّي، ويا لسلسلة “الحيونات” التي تضع الكردي المتجاهل لحقيقة دعاويه وفتاويه في مواجهة ما يتنكر له، بينه وبين نفسه أو شللياً..
آرشف:ما آخر ما أردت التعبير عنه، رؤيته، تهجئته سريعاً، احتضانه: الوطن المتداعي، أم الوجوه المنقسمة على نفسها، أم الأحبة الذين يكابدون آلاماً تصادق آلامك، أم هموم غربات وغربات كما هو حال الكردي الكردي مجدداً..؟!
ربما لأنك، أيها العزيز في روحه وجسده، استوفيت شروط الإقامة في الحياة، فحانت ساعة انتقالك إلى الحياة الأخرى، لتبقي في عهدة من يعرفونك كتّاباً وخلافهم، عهدة أهل الكلام، حيث تتداخل النوايا والمرايا، وتتلون كشوفات وتواقيع…
أمدُّ يد روحي المأهولة بالألم الكردي، والإحباط الكردي، ومفارقات الزمن الكردي، والطريق الشوكي الكردي، والانتظار الكردي الذي لا أظنه سيعلن عن نهاية تليق بالكردي الكردي، أمدها من وراء حدود وحدود، وأستار عتمات، إلى يد روحك الكردية حيث تكون الآن في اللامكان المكان، ولكنه المكان: الأمان، وحيث أكون في المكان اللامكان، دون الأمان المرتجى، شعوراً مني بأن المعاش والمتنفَّس والمفصح عنه يطيح، وفقاً للحساب الجاري بسوية كل كردي كردي..
لا أدري ما إذا كنت، أنت والقريبون منك من أصدقاء” الخارج” و” الداخل” وهم القلة العامرة، تقبل اعتذاري، حيث حُرمتُ أنا من الإقامة الانترنتية، ومتابعة ما يجري، لأسباب لا أعتقدها عائدة إلي تماماً في مجتمع اللامجتمع وكردية اللاكردي، ولأن أحداً لم يعلِمني برحيلك الشمسي أو الناري، ونحن في عتمة مضاعفة هنا، عتمة تكون متعة البقاء تحت رعاية ساعة منتظمة من الكهرباء نعمة، في البلاد التي لم تعد بلاداً، تقاسمتْها لامعهوداتها الكردية واللاكردية، وربما هي مصادفة، حين كنت هذا اليوم” الخميس 27-12/2012″، عند أحد الأصدقاء، وهو يخبرني فيما إذا كان لدي رغبة في تصفح موقع كردي، وكان” ولاتي مه”، فقفزت متلهفاً، على الأقل للوقوف على عناوين لها حيويتها، غير أن قراءة خاطفة لعبارة” أربعينية الراحل آرشف أوسكان”، أحالت دون التدقيق فيما عداها، فكانت الصدمة، وجاءت الكتابة هذه.
الصدمة كانت مضاعفة، لا لأنني رفضت الموت فيك، وليس بوسع أحد الحيلولة دون نفاذ سلطته في أي كان، وإنما رفضته بسهولة، بتأثير من يقين ما، يقين ما يجري هنا وهناك، رفضت هذه الكردية المهلهلة هنا وهناك، إذ كيف لم أسمع بأحدهم، أو بسماع ما يعلمني أنك رحلت طوال هذه المدة، وهي كافية للإفصاح عن هذا الرعب، على الأقل، أن يقول لي أحدهم، ولو بصيغة سؤال: وماذا عن رحيل آرشف، أو لماذا لم تكتب عن رحيله؟؟ يا لهذا الصمت الكردي المريع…
لا بأس يا صديقي بروحه وجسده، لا بأس، لا بأس، فرحيلك درس آخر لمن يحب دروساً مفصلية، كشاهد عيان حي على موتى لا يشعرون بموتهم الفعلي وبؤس ما يسعون إليه، لا بأس أن ينتظر طرف، شخص ما، موت آخر، ويتخذ من موته مناسبة للإعلاء من شأنه، وربما تعظيمه، وهو دون هذا التعظيم والتفخيم، ليفصح عن موقع ليس له البتة البتة، لا بأس أن يتهافت إليك من سخطوا عليك، أو يضعون وروداً على قبرك، أو يرثونك، وهم دون حقيقة ما يعلنون عنه، لا بأس أن ينعيك من كان يتمنى موتك بطريقة” غير عادية” ليعيش شماتة غير عادية، لينعيك وهو ثمل من الداخل بموتك تماماً، حيث أستثني دائماً وأبداً القلة التي عاشت ودك وجرأتك في الكتابة، وتقديراً لكلمتك ذات النفع، وأنت مشيَّع إلى مثواك” الأول” حيث إن الأخير بالمعنى الذي أعني، لما يزل في الطريق، كونك انتقلت من حال إلى أخرى، عبر روحك الحية.
بين قامشلو وبين قريتك على تخوم” درباسية”، حيث تتنفس حدود مشروخة وتستطيل بكروب وحروب خفية ومعلنة، وذكريات فائضة حباً وأحلاماً تستجيب لرغبات كتابة تتنفس همَّ الجاري كردياً ووطنياً، صحبة أصدقاء باعدت بيننا أقاليم وظروف قاهرة، كحال أصدقاء، تسمّيهم كتابتي هذه، وهم يحتضنون أحلامهم النازفة، إنما الواعدة أيضاً، تعلمها روحك التي كابدت أهوال الجسد منذ سنوات وسنوات، وأنت في بيتك” الدرباسي” والحبوب والإبر الباهظة الثمن، ومعاناة الزوجة والأهل والأولاد، وصعودك إلى أهوال أخرى: أهوال وطن الغربة وغربة الوطن، حيث تشابكت معاناة الحرف مع معاناة الجسد، حال الذين لم يكفوُّا عن التعبير عن الجمع بين المعاناتين، وهم يتكبدون خسائر تجمع بين الروحي والجسدي، في جهات الأرض كافة، أقولها أيها المضمخ بالوداعة والدفء آرشف، وأنا أسترجع تلك اللحظات الحميمة التي أمضيناها معاً قبل سنوات، وتنفس الهواء الألماني في منتزه” بحيرة الفضة” الهانوفري، صحبة عائلة الصديق ” أبو جوان”، وأصداء الضحكات الكردية وهي تمتزج بالشكاوى الكردية الصرفة هنا وهناك، بتاريخ” 1-5/2006″..
لا أدري كيف أعيد ترتيب روحي وأهدّى روعها لأعزي عائلتك الكريمة، أهلك الكرماء، أحبتك الكرماء، وقد تخلَّفت عن الميعاد، تخلَّفت عن اللقاء بك، وأنت تسمّر ناظريك الخياليين على أصدقائك كرمى الوداع الأخير، باسم روحك الكريمة، وجسدك الكريم الذي قاوم كثيراً علَّتك العلَّة- عن بُعد، وفي برد المكتبة القارس، حيث تجلَّد هواء الغرفة واقشعرت أغلفة الكتب برداً، كيف أسرج بعضاً من كلمات ود تليق بمقام روحك وجسدك الكرديين، وأنا في وحدتي الهادرة بصمتها، كيف أعيد إليك بعضاً مما أردت التعبير عنه، أكثر مما هو منشور باسمك أو عنك، وأنا في مفاجأة الموت الصادمة.
أهي نهاية صلاحية عمر، أعلنت عنها حياة تخترق حرمة ساعاتنا ومجالسنا وذكرياتنا المشتركة؟ أم نهاية أزفت، وكان يجب التنبه لها، أو توقعها، بعد هذا التمديد المحتسب، وقد استوطنك الداء المهيب” لوخيميا الدم”،و لا أدري ما بعده؟
أم تراها رغبتك غير المسماة بالرحيل الأبدي، لأن عبئاً طاعناً لم يعد يطاق بنسخته الكردية خارجاً، وأنت تبحث عن صلاحيات مجدية في الحياة والكتابة، في مواجهة من منحوا صلاحيات غير محدودة لأنفسهم ولمن على شاكلتهم من كردك الكتاب واللاكتاب قريباً منك وبعيداً عنك، صلاحيات أعجز من أن تصمد في معايشة لحظة حياة معتبَرة؟!
كيف لي أن أبثك شكواي، وسط هذا الخراب، حيث تداخل الليل والنهار، حيث الخراب، في وطن يصعب تسميته بالوطن، دون أن أغفل لحظة واحدة عن طغاته الكبار والصغار، وقتلته، ولصوصه الكبار والصغار، إنما ما يجري باسم الوطن، باسم الكردايتي أيضاً، يستحق التنويه برعب المتحصَّل، حين يتلخص الهم الأكبر والمرعب في كيفية ربطة خبز، أو قنينة غاز، أو ليتر مازوت، فلا ليله ليل ولا نهاره نهار، ولتكون هناك حملة شعواء لتصحير الجهات: من اقتلاع الشتلات، إلى قطع الأشجار، وحتى نشر أعمدة الهاتف والكهرباء، انتقاماً من حكومة لم تعد حكومة، إنما تعبيراً- أيضاً- عن بؤس الوطني والجغرافي والحضاري والتربوي فينا، وتبقى الاستثناءات قليلة، يبقى المنادون بالوطنية ووحدة أهل الوطن، والذين يحرصون على سلامته محل شبهة، يبقى الساعون إلى فرص لها عائدها البذخي والنفخي، في الواجهة كثيراً.
تُرى أي آلام كابدت، وأنت تعيش وجع كتابة قصيدة لم تعلن صرختها الكردية والوطنية والإنسانية كما تريد أنت، أم كتابة مقال آخر صحبة مقال سالف وسابق للسالف، في حق” حرامية” الصلاحيات على الطريقة الكردية في المشرق أو في المغرب الكردستاني، كتابة لم تتردد في تذييلها باسمك الصريح خلاف الكثيرين الذين لم يجرؤوا حتى الآن عن كتابة أسمائهم، والجهر بآرائهم حيث يكونون هم، وأنت تثير سخطهم، فقط لأن حقيقة مقاومة، وحدها تستحق أن تحمل راية المجابهة والانتماء: حقيقة التعريف بالذات كما هي، بعيداً عن الرتوش وخلَّبيات المواقف والتسلق السعداني؟!
كيف أقدّر فيك عمرك، حياتك؟ لا عمر بالسنين، ليس منا كتاباً أو أهل مروءة ومجتمع، من يحسب العمر بالسنوات، إنما بالعطاء، ولهذا يمكن الحديث عن وزنك الروحي، وطولك الروحي، أو مساحتك الروحية، أو سعتك الروحية، وجغرافيتك الروحية، وتاريخ مجابهتك لمن يحصدون أرواح البشر بأسماء ومسميات لا علاقة لها بالوطن أو الانتماء الكردي. أتحدث عبر روحك وجسدك الرحبين، عن الذين أخفوا لسانهم، وها همو يخرجونه أمتاراً لأن الوقت متاح لهم، ليكون الناطقين باسم شعب أفقِد خاصية الشعب، عن الذين تجنبوا النظر في صورتهم في المرآة، وفي ظلهم، ليتنقلوا هنا وهناك، ليصبحوا خارج المحلّي، ولينظّروا، وليوجّهوا، ويتپروزا، وليتذكروا لمواقع وواجهات قادمة، وعبر فضائيات غير عابئين بتاريخ لا يخفي سوءاتهم حتى الأمس القريب، وهي لن تخفيها لاحقاً، ولكنها مفارقة الكردي الغافل عما هو عليه وفيه، موته الزؤام الذي لا يتنبه له، انمساخه وهو يقدّم نفسه لأهل اللغات الأخرى أنه ممثل الكرد بالجملة، وكان أبعد عن تمثيله نفسه حتى الأمس القريب جداً، كاتباً وغير كاتب، وكله شياكة، حيث يكون في عهدة وطن المقاولات والطاولات وما وراء الطاولات، حيث لعبة” كأسك يا كردستان” لها صداها المدوّي، وفضائح تجر فضائح عن وحدة الكردي، أعني تصفيته الذاتية، يكون هذا الانتقال المزعبر من كونه” أسداً في بيته، نمراً على بابه، إلى ثعلب تحت الأضواء، قنّي عند الضرورة أو اللزوم، فما يهم هو المقبوض، حيث الجلد تسمَّك، والوعي الجغرافي والتاريخي صفّي، ويا لسلسلة “الحيونات” التي تضع الكردي المتجاهل لحقيقة دعاويه وفتاويه في مواجهة ما يتنكر له، بينه وبين نفسه أو شللياً..
آرشف:ما آخر ما أردت التعبير عنه، رؤيته، تهجئته سريعاً، احتضانه: الوطن المتداعي، أم الوجوه المنقسمة على نفسها، أم الأحبة الذين يكابدون آلاماً تصادق آلامك، أم هموم غربات وغربات كما هو حال الكردي الكردي مجدداً..؟!
ربما لأنك، أيها العزيز في روحه وجسده، استوفيت شروط الإقامة في الحياة، فحانت ساعة انتقالك إلى الحياة الأخرى، لتبقي في عهدة من يعرفونك كتّاباً وخلافهم، عهدة أهل الكلام، حيث تتداخل النوايا والمرايا، وتتلون كشوفات وتواقيع…
أمدُّ يد روحي المأهولة بالألم الكردي، والإحباط الكردي، ومفارقات الزمن الكردي، والطريق الشوكي الكردي، والانتظار الكردي الذي لا أظنه سيعلن عن نهاية تليق بالكردي الكردي، أمدها من وراء حدود وحدود، وأستار عتمات، إلى يد روحك الكردية حيث تكون الآن في اللامكان المكان، ولكنه المكان: الأمان، وحيث أكون في المكان اللامكان، دون الأمان المرتجى، شعوراً مني بأن المعاش والمتنفَّس والمفصح عنه يطيح، وفقاً للحساب الجاري بسوية كل كردي كردي..
أعتذر، ثم أعتذر، ثم أعتذر لروحك وجسدك عما حصل، وليس لدي سوى الانتظار، أقولها، قبل أن تباغتني الكهرباء بانقطاع وشيك، لأنكمش على نفسي في عتمة مركَّبة، في ليلي الأليل، لأعيش حرارة صورتك، ولو لبعض الوقت، لأن ما أنا فيه وعليه، كغيري، من الكرد الغلابة، وسوى الكرد الغلابة، نعيش زمناً آخر آخر، لا أعتقد أن تنسيبه إلى” 2012″ في محله، حيث نعيش الانكواء الوطني، والوعود الوطنية الدامية، وننتظر وطناً، وشعب وطن في حكم الغيب….!؟