فرصة عمل

غسان جان كير

حدّثنا العطال البطال قال : داهمّتني المشاكل على حين غرة , وفاجأتني كَمَن يجد حية لدى فتحه صُرّة , بل قُل كَمَن يتوهّم جنيا في الفلاة ويسمع كلمة بخخخ , فخُضّ ما تبقّى في الرأس من المخ , وصرت في التعامل نزقاً , وفي كسر الخواطر حذقاً , وطبّعتني حرب الحكومة على الشعب , بالخشونة وكثرة الشتم والسب , وأزداد الطين بلّة, بتعطّل حاسوبي المحمول , واستبداله بغيره – في الحاضر – ليس من المعقول , فأقحمت نفسي مع أولادي في حاسوبهم , مُتوهّما السعة في قلوبهم , وإيثار أبيهم على ألعابهم , وقبلوا على مضض مشاركتي , شرط أن أحلّ عاجلا مشكلتي ,
وكنت أتحيّن فرصة فراغ أحدهم من لعبته , قبل أن يأتي الدور إلى شقيقته , وكلما خطرت ببالي مقالة , أو نشر حالة , في الفيسبوك دون إطالة , أو بدت لي فكرة وهممت بكتابتها , جاء احدهم وبددها , وحُسم الأمر بانقطاع النت , وكان سببا لأن اترك البيت , وسارت بيّ القدم , وجيبي يشكو من العدم , فوجدت نفسي في السوق , لا في تجارة مُحمّلة على النوق , ولا بلسان سمسار حربوق , وكان غرضي استطلاع الأخبار , عن أمور السياسة وغلاء الأسعار , والأسباب الكامنة وراء كلّ شجار , وعن تصريحات الساسة حول حرب (المنحبكجية) الفجّار , وسمعت من الأخبار ما هالني , و واقع مأزوم أخافني , وأمور لم يُحسب لها حساب , مع ما يعجّ به الشارع من الأحزاب , والتباهي بتمثيل الشارع اغتصابا , وبالتلميح والتصريح دوّخونا عن المناطق المُحررة , مُستلذين بأكل الطُعم وحجج غير مُبررة , لاهين عن تملّص الحكومة من وظائفها , وفي أحس الظن مُتعامين عن مكائدها , ففيما التغنّي بالسيطرة , والأوضاع في مجمل النواحي مُنكدرة , والتشرد والجوع والخوف والبطالة للعيان ظاهرة . فتوجّهت إلى الله بالدعاء قائلاً : الهي يا مُبدي النفوس , ومُسخّم وجه عديم الناموس , يا واهب الهوام في البرية , و مُمسك العقول كي لا ندخل العصفورية , يا صانع العجائب , هلا كشفتَ سر الغرائب , أسألك ربي عن آية غير مسبوقة , وتردّ إلينا أرزاقنا المسروقة , ومنّ علينا بفرص عمل , وسترانا نكدُّ أكثر من النمل .
قال العطال البطال : فوالله ما أن أتممت الدعاء , حتى سمعت من احد الأصدقاء , خبر انطلاق إنشاء اللجان , تختص في اختصاصات مدنية , وبعضها الآخر في الأمنية , تؤلّفها الأحزاب بالتساوي في العدد , فتبحث الصغيرة منها عن المدد , فتوّظف كل عطال بطال , وهذا لعمري من الآمال .
Ghassan.can@gmail.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…

ماهين شيخاني.

 

وصلتُ إلى المدينة في الصباح، قرابة التاسعة، بعد رحلة طويلة من الانتظار… أكثر مما هي من التنقل. كنت متعبًا، لكن موعدي مع جهاز الرنين المغناطيسي لا ينتظر، ذاك الجهاز الذي – دون مبالغة – صار يعرف عمودي الفقري أكثر مما أعرفه أنا.

ترجّلتُ من الحافلة ألهث كما لو أنني خرجتُ للتو من سباق قريتنا الريفي،…

إبراهيم سمو

عالية بيازيد وشهود القصيدة: مرافعةٌ في هشاشة الشاعر:

تُقدِّم الكاتبة والباحثة عالية بيازيد، في تصديرها لأعمال زوجها الشاعر سعيد تحسين، شهادةً تتجاوز البُعد العاطفي أو التوثيقي، لتتحوّل إلى مدخل تأويلي عميق لفهم تجربة شاعر طالما كانت قصائده مرآةً لحياته الداخلية.
لا تظهر بيازيد في هذه الشهادة كامرأة تشاركه الحياة فحسب، بل كـ”صندوق أسود” يحتفظ…