(بابا عمرو)
أناخَ الرَّكبُ فِينا ذاتَ فَجرِ
وباتُوا يَسمعونَ نشيدَ حُرِّ
وحينَ تنفَّسَ الإصباحُ سارُوا
ونادَى فارسٌ فوقَ المِكَرِّ:
ألا يَا حاديَ الغُرباءِ، خُذهمْ
إلى أَبوابهِم، فالشَّوقُ يَسرِي
فقالَ: أَتطرقُ الأَبوابَ كفِّي
بَينيْ وبينَ قاتِلي مَسافةٌ قَصيرَهْ
يَتبعُني مِنظارُهُ بدونِ أنْ أُعيرَهْ
أيَّ انتِباهٍ واضحٍ، أو نَظرةٍ كَسيرَهْ
بيني وبينَ قاتِلي رَصاصةٌ صَغيرَهْ
تعوَّدَتْ أن تكتُبَ النِّهايةَ الأَثيرَهْ
وتَمنَعَ الهَواءَ مِن زَفرَتهِ الأَخيرَهْ
.. لا يَكتبُ الرَّصاصُ للإنسانِ أيَّ سِيرَهْ
إلاَّ إذا استَنفدَ ما في العِشقِ مِن ذَخيرَهْ!
(عن الحال)
أيُّها السَّائلِي عنِ الأَوطانِ
وعنِ الحالِ، إذْ تَرى أحزانِي
لا تسَلنِي عن سُوريَا، لا تَسَلني
لا تسَلني، ولا تُثِرْ أَشجانِي
لا أرَى غيرَ أدمُعٍ ودِماءٍ
وأَرى الخوفَ فاتِكاً بالأَمانِي
وعلى حِمصَ يَسقطُ الحُرُّ مَيْتاً
ليُنادَى عليهِ في حَورانِ
أيُّ لَيلٍ باتُوا بهِ، أيُّ رُعبٍ؟
أيُّ أمنٍ بِتنا بهِ وأَمانِ؟
(الحريق)
تلكَ الفَتاةُ على الطَّريقْ
في شَعرِها اشتَعلَ الحَريقْ
وتَفحَّمتْ أَطرافُها
واسوَدَّ خاتَمُها العَتِيقْ
ذهبَتْ.. كما ذَهبَ البَخُورُ
بها.. إلى أَعلى رَفيقْ
(القُرى)
قُراكِ التي باركَ اللهُ فِيها
أَمُرُّ بها حِينَ أَتلُو السُّوَرْ
فتُشرِقُ في الرُّوحِ بُشرَى غَدٍ
يردِّدُها كُلُّ حُرٍّ أَغَرّْ:
إذا طالَ فِينا بَقاءُ الظَّلامِ
فَللصُّبحِ مَوعدهُ المُنتَظَرْ
سَتسقُطُ.. أوراقُهمْ في الخَريفِ
ونَبقى صِلاباً كَهذا الشَّجَرْ
(تناص)
للهِ هذا الثَّائرُ العَندلِيبْ
لا يَعرفُ اليَأسَ ولا يَستَرِيبْ
يُرتِّلُ القُرآنَ وَسْطَ اللَّهِيبْ:
“نَصرٌ مِنَ اللهِ وَفَتحٌ قَريبْ”
سُبحانَ مَن أَلطافُهُ لا تَغِيبْ
عنَّا، ومَن يَقولُ “أمَّن يُجِيبْ”
(حزنٌ سوري)
يا إلهِي وَخالِقي ومُجِيرِي
وأَنيسي في غُربَتي، ونَصيرِي
فرَّقَ النَّاسُ حُزنَهُمْ في قُراهُمْ
وأنا في مَجموعِ حُزنِيَ سُورِي
في حَماةٍ وَقفتُ أَدعُو رَحِيماً
لِجَريحٍ مُحطَّمٍ مَبتُورِ
ولَدى حِمصَ جئتُ أَرجُو نَجاةً
لِصَغيرٍ يَمُوتُ بَعدَ صَغيرِ
وعلى كُلِّ قَطرةٍ مِن دِماءٍ
سأَلَتنيْ الحَياةُ: أينَ ضَميرِي!
يا إلهي.. وحَالُنا ليسَ يَخفَى
عن سَمِيعٍ للعالَمينَ، بَصِيرِ
فرِّجِ الكَربَ عن بِلادِيَ، وابْعَثْ
رَحمةً مِنكَ بَينَ تلكَ القُبورِ.
***