حزنٌ سوري (مقطوعات شعرية)

صهيب محمد خير يوسف

(بابا عمرو)

أناخَ الرَّكبُ فِينا ذاتَ فَجرِ
وباتُوا يَسمعونَ نشيدَ حُرِّ
وحينَ تنفَّسَ الإصباحُ سارُوا
ونادَى فارسٌ فوقَ المِكَرِّ:
ألا يَا حاديَ الغُرباءِ، خُذهمْ
إلى أَبوابهِم، فالشَّوقُ يَسرِي
فقالَ: أَتطرقُ الأَبوابَ كفِّي

وقَد عاهَدتُها في (بابِ عَمرِو)؟!
(عشق)

بَينيْ وبينَ قاتِلي مَسافةٌ قَصيرَهْ
يَتبعُني مِنظارُهُ بدونِ أنْ أُعيرَهْ
أيَّ انتِباهٍ واضحٍ، أو نَظرةٍ كَسيرَهْ
بيني وبينَ قاتِلي رَصاصةٌ صَغيرَهْ
تعوَّدَتْ أن تكتُبَ النِّهايةَ الأَثيرَهْ
وتَمنَعَ الهَواءَ مِن زَفرَتهِ الأَخيرَهْ
.. لا يَكتبُ الرَّصاصُ للإنسانِ أيَّ سِيرَهْ
إلاَّ إذا استَنفدَ ما في العِشقِ مِن ذَخيرَهْ!

(عن الحال)

أيُّها السَّائلِي عنِ الأَوطانِ
وعنِ الحالِ، إذْ تَرى أحزانِي
لا تسَلنِي عن سُوريَا، لا تَسَلني
لا تسَلني، ولا تُثِرْ أَشجانِي
لا أرَى غيرَ أدمُعٍ ودِماءٍ
وأَرى الخوفَ فاتِكاً بالأَمانِي
وعلى حِمصَ يَسقطُ الحُرُّ مَيْتاً
ليُنادَى عليهِ في حَورانِ
أيُّ لَيلٍ باتُوا بهِ، أيُّ رُعبٍ؟
أيُّ أمنٍ بِتنا بهِ وأَمانِ؟

(الحريق)

تلكَ الفَتاةُ على الطَّريقْ
في شَعرِها اشتَعلَ الحَريقْ
وتَفحَّمتْ أَطرافُها
واسوَدَّ خاتَمُها العَتِيقْ
ذهبَتْ.. كما ذَهبَ البَخُورُ
بها.. إلى أَعلى رَفيقْ

(القُرى)

قُراكِ التي باركَ اللهُ فِيها
أَمُرُّ بها حِينَ أَتلُو السُّوَرْ
فتُشرِقُ في الرُّوحِ بُشرَى غَدٍ
يردِّدُها كُلُّ حُرٍّ أَغَرّْ:
إذا طالَ فِينا بَقاءُ الظَّلامِ
فَللصُّبحِ مَوعدهُ المُنتَظَرْ
سَتسقُطُ.. أوراقُهمْ في الخَريفِ
ونَبقى صِلاباً كَهذا الشَّجَرْ

(تناص)

للهِ هذا الثَّائرُ العَندلِيبْ
لا يَعرفُ اليَأسَ ولا يَستَرِيبْ
يُرتِّلُ القُرآنَ وَسْطَ اللَّهِيبْ:
“نَصرٌ مِنَ اللهِ وَفَتحٌ قَريبْ”
سُبحانَ مَن أَلطافُهُ لا تَغِيبْ
عنَّا، ومَن يَقولُ “أمَّن يُجِيبْ”

(حزنٌ سوري)

يا إلهِي وَخالِقي ومُجِيرِي
وأَنيسي في غُربَتي، ونَصيرِي
فرَّقَ النَّاسُ حُزنَهُمْ في قُراهُمْ
وأنا في مَجموعِ حُزنِيَ سُورِي
في حَماةٍ وَقفتُ أَدعُو رَحِيماً
لِجَريحٍ مُحطَّمٍ مَبتُورِ
ولَدى حِمصَ جئتُ أَرجُو نَجاةً
لِصَغيرٍ يَمُوتُ بَعدَ صَغيرِ
وعلى كُلِّ قَطرةٍ مِن دِماءٍ
سأَلَتنيْ الحَياةُ: أينَ ضَميرِي!
يا إلهي.. وحَالُنا ليسَ يَخفَى
عن سَمِيعٍ للعالَمينَ، بَصِيرِ
فرِّجِ الكَربَ عن بِلادِيَ، وابْعَثْ
رَحمةً مِنكَ بَينَ تلكَ القُبورِ.
***

suhaibmy@hotmail.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

دريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…