إلى عمي عبدالرحيم شيخ محمود
إبراهيم اليوسف
يشغل الحديث عن”الموت” حيِّزاً جدَّ كبير، ليس منذ الكتابات الأولى التي كتبها الإنسان الأول، وحتى اللحظة،بحسب مستوى درجة وعيه -في كل مرَّة- وهو يقارب الأسئلة الآدمية الأولى، فحسب، وإنَّما في الأدب والفن،عموماً، مادام أنهما لما يزالا ينشغلان به، حيث يعدُّ نواة أعمال خالدة في عالميهما، بل إن هناك من يرى أن فكرة الإبداع، جاءت –في الأصل-لمواجهة عظمة هاجس الموت، عبر”ترك الأثر” كما عبر عن ذلك الكاتب الروسي الكبير تولستوي.
و الموت، باعتباره، أحد أكبر الهواجس التي ظلت مدعاة إلى القلق،في وعي الإنسان، استطاع أن يكون جزءاً من معادلة الحياة،أو معادلاً لها،على وجه التحديد،وهو ما ظلَّ يشعل في الكائن البشري وطيس سلسلة المخاوف، مادام أن لا مفرَّ من هذا المصير الذي لابد منه،حتى وإن كان هناك، كما في الأسطورة، فكرة”البحث عن ماء الحياة”أو”عشبة الحياة”، كما فعل كلكامش بعد موت صديقه أنكيدو، ذات مرة، حالماً ب”صناعة الخلود”، ولكن التجربة البشرية، منذ بداية التاريخ وحتى اللحظة المعيشة، خيبت كل محاولة من هذا النوع، مؤكدةً أن لامحالة من الموت، البتة، وأن الخلود الأكبر ليس إلا في ما يتركه المرء وراءه، كما فعل، على مدار دورة الزمان، من كتابة أو نقش أو تصوير على”باب الكهف”، أو”الرُّقم”، أو عبر”إبداع الحكاية”أو”الأغنية” والشعر”والملحمة”،حتى وإن كان ذلك عبر تسجيل البطولة التي يمرُّ الطريق في خلقها عبر بوابة الموت ذاته..!.
و”تاريخ الموت”، هو تاريخ الإنسان، منذ أن تعرَّف على الموت الأول،وهو يتهجَّى”لغزه”،في إطار محاولة فكِّه، من دون جدوى، حيث ظلّ ولايزال عصياً على الفهم النهائي، لأن أي توغل استكشافي في عالمه، ليؤدي إلى غموض جديد، مايعزز رهبته، ويحيطه بهالات الجزع، والرُّعب،والخشية، كي يروم إلى خلق طمأنينته الروحية، عبر أشكال، وصيغ كثيرة، من أجل الحفاظ على استقرار علاقته بماحوله، لئلا يثبِّط الموت من همَّته،وهويسهم في بناء عالمه، وفق سيرورة اللَّحظة، وكأنَّ هذا الشبح الرَّهيب مجرَّد مشروع مؤجل، أوحتى غير منظور فيه، أو عبر مهادنة محتلفة المستويات، وفقاً لرؤيته الخاصة، في إبداع عوامل التوازن النفسي، هذه العوامل التي هي، أولاً وأخيراً، أعمدة سيرورة علاقته بالحياة..!.
ووفق مثل هذا التصور، فإن شوكة الموت تتكسر لدى بعضهم، لاسيما حين يتم التعامل معه على أنه”معبر”أو”برزخ”إلى عالم أسمى، ولاغرابة، في أن يجد الدارس حالات بشرية، يرى أصحابها في الموت موعداً مضروباً في دفتره الشخصي، يحفِّزه لأن يقدم مايفيده، والعالم، وذلك بالحفر، عميقاً، لمواصلة العطاء، والإنجاز،على الأصعدة الرُّوحية، والمادية، بل وحتى على المستوى الشخصي، المعنوي، والفعلي، لديمومة الحياة، وغريزة البقاء، في مواجهة نذير الزوال، السؤال الأكثر مرارة، وفزعاً..!
ولعلَّ مايجري في العالم، الآن، من إشاعة لفعل الموت، ليصل إلى أقصى أمدائه، متفاعلاً مع سكان الكرة الأرضية، في قاراتها كاملة، غدوة وأصيلاً، على نحو غير مشهود من قبل، البتَّة، بوساطة ثورة التكنولوجيا، بات يقلل من أثر صدمته، لأن موت الفرد-وهو الشكل الأشدّ رهبة-بات في حكم ماهو اعتيادي، أنَّى كان عالي المقام، أمام حالات أعظم، هي الموت الجماعي، كي تقدم نشرات الأخبار أعداد مجازر اليوم الواحد، وحوادث الغرق الواحد، أو ضحايا الغارة، أو القذيفة الواحدة، كي تزول بذلك صدمة الموت الفردي، وتصبح وكأن لا أثر لها، ما يضعنا في مواجهة خوف أكثر مأساوية، وخرافة، وهوأن تكون روزنامة العصر على مواعد مع موات:مدن، أو بلدان، أو أمم، أو شعوب، مالم يلجأ عيَّار والأخلاق والشرعة الكونية، بترجمة مهمَّات الأسرة الدولية، بدلاً عن صرفها في”شيكات” بلا أرصدة من مشاعر ومسؤولية وإحساس، و دموع تماسيحية، أو عزاءات، ووعود خلبية، غرضها توسيع دائرة الموت والدماروالخراب، وهي المؤامرة العظمى على الإنسان…!.
elyousef@gmail.com
و”تاريخ الموت”، هو تاريخ الإنسان، منذ أن تعرَّف على الموت الأول،وهو يتهجَّى”لغزه”،في إطار محاولة فكِّه، من دون جدوى، حيث ظلّ ولايزال عصياً على الفهم النهائي، لأن أي توغل استكشافي في عالمه، ليؤدي إلى غموض جديد، مايعزز رهبته، ويحيطه بهالات الجزع، والرُّعب،والخشية، كي يروم إلى خلق طمأنينته الروحية، عبر أشكال، وصيغ كثيرة، من أجل الحفاظ على استقرار علاقته بماحوله، لئلا يثبِّط الموت من همَّته،وهويسهم في بناء عالمه، وفق سيرورة اللَّحظة، وكأنَّ هذا الشبح الرَّهيب مجرَّد مشروع مؤجل، أوحتى غير منظور فيه، أو عبر مهادنة محتلفة المستويات، وفقاً لرؤيته الخاصة، في إبداع عوامل التوازن النفسي، هذه العوامل التي هي، أولاً وأخيراً، أعمدة سيرورة علاقته بالحياة..!.
ووفق مثل هذا التصور، فإن شوكة الموت تتكسر لدى بعضهم، لاسيما حين يتم التعامل معه على أنه”معبر”أو”برزخ”إلى عالم أسمى، ولاغرابة، في أن يجد الدارس حالات بشرية، يرى أصحابها في الموت موعداً مضروباً في دفتره الشخصي، يحفِّزه لأن يقدم مايفيده، والعالم، وذلك بالحفر، عميقاً، لمواصلة العطاء، والإنجاز،على الأصعدة الرُّوحية، والمادية، بل وحتى على المستوى الشخصي، المعنوي، والفعلي، لديمومة الحياة، وغريزة البقاء، في مواجهة نذير الزوال، السؤال الأكثر مرارة، وفزعاً..!
ولعلَّ مايجري في العالم، الآن، من إشاعة لفعل الموت، ليصل إلى أقصى أمدائه، متفاعلاً مع سكان الكرة الأرضية، في قاراتها كاملة، غدوة وأصيلاً، على نحو غير مشهود من قبل، البتَّة، بوساطة ثورة التكنولوجيا، بات يقلل من أثر صدمته، لأن موت الفرد-وهو الشكل الأشدّ رهبة-بات في حكم ماهو اعتيادي، أنَّى كان عالي المقام، أمام حالات أعظم، هي الموت الجماعي، كي تقدم نشرات الأخبار أعداد مجازر اليوم الواحد، وحوادث الغرق الواحد، أو ضحايا الغارة، أو القذيفة الواحدة، كي تزول بذلك صدمة الموت الفردي، وتصبح وكأن لا أثر لها، ما يضعنا في مواجهة خوف أكثر مأساوية، وخرافة، وهوأن تكون روزنامة العصر على مواعد مع موات:مدن، أو بلدان، أو أمم، أو شعوب، مالم يلجأ عيَّار والأخلاق والشرعة الكونية، بترجمة مهمَّات الأسرة الدولية، بدلاً عن صرفها في”شيكات” بلا أرصدة من مشاعر ومسؤولية وإحساس، و دموع تماسيحية، أو عزاءات، ووعود خلبية، غرضها توسيع دائرة الموت والدماروالخراب، وهي المؤامرة العظمى على الإنسان…!.
elyousef@gmail.com