إبراهيم محمود
ترددت في الكتابة عن الراحل العلامة الكردي عبدالله ملا رشيد الغرزي” 1942-2010″، ليس لأنه لا يستحق الكتابة، بالعكس، لكونه جديراً بالكتابة عنه نظراً لدوره التركيبي، والموزع بين وجهه النضالي العملي، ووجهه الآخر: سعيه الاجتهادي إلى النظر في قضايا دينية: إسلامية، واجتماعية وسياسية، يكون انتماءه الكردي في المتن، ومن منظوره الديني كرجل دين ومتبنٍّ لتصورات وأفكار دينية واعتبارها ناجعة إلى إيجاد الحلول لتلك المشكلات التي يعيشها الكردي أساساً.
أقول ذلك استناداً إلى ما تفوَّه به الراحل، وليس من خلال المستقى مما تركه وراءه من أثر كتابي يمكن التمعن فيه!
تبدأ المشكلة الكبيرة من هنا، دون أن تتوقف، حيث إن المتوفر لدينا بغية إنارة عالمه بالكاد يفي بالغرض، ربما يسهم قليلاً فقط، في التعرف إلى النقاط العريضة في حياته، وهي نقاط يستحيل الجزم بها دون معاينة آثاره التي تركها خلفه.
من هنا ، وفي نطاق الاحتفاء به، وقد مر أكثر من عام على رحيله، حيث كان يقيم في حي” الهلالية” غربي قامشلي، لم أجد بداً من التوقف عند تلك النقاط التي أثارها معها الصديق الكاتب والشاعر إبراهيم اليوسف، والنقاط التي تضمَّنت أجوبة الراحل في الكتاب متوسط الحجم الذي حمل عنواناً لافتاً، وهو( حوار مع” قاضي ثورة البارزاني” العلامة عبدالله ملا رشيد الغرزي)، وهو من منشورات” سما” الكردية- ط1/ 2009، أي قبيل رحيله بقرابة سنتين. العنوان يفصح عن بعد دلالي، وربما يعزز مكانة الراحل، من خلال إيلاء الراحل الكبير” البارزاني” له أهمية، وهو في” معتركه” الديني الإسلامي، ولأن أجوبة كثيرة تعنيه تستند إلى ما هو ديني في الوقائع الجارية والأمثلة المتعلقة بآيات قرآنية أو أحاديث نبوية وغيرها، رغم أن الفترة التي أمضاها في كردستان العراق لم تتعد سنوات خمساً( 1970- 1975)، ورغم أن جوابه المتعلق بسؤال موجّه من قبل اليوسف حول كونه قاضياً في الثورة الكردية، جاء مقتضباً جداً في سياقه العام وهو إشكالي، وفي مثاله اليتيم الذي لا يعمّق التصور المرتبط بجوهر السؤال، ويرتبط بالزواج خصوصاً( القضاء لم يكن إلا حسب دين الشعب، وكان الاهتمام منصبّاً على المشاكل العامة.. فكان هناك منع” زواج المبادلة لحديث: لا شغار في الإسلام… ومنع تزويج المخطوفة حتى يقع الصلح بين الخاطف وأهلها..!..) وثمة ما يشير إلى ( توزيع الأراضي على الفقراء، وحل المشاكل حسب الإمكان..ص29)، إذ كان يفترَض- وكما سنرى- أن يسهب في هذا المجال، قياساً إلى أهمية السؤال، وفي الوقت الذي يبرز العنوان ذا منحى تاريخي واستئثاري طبعاً، إن انطلقنا من جوانب حياتية أخرى عاشها الراحل، خارج المحدد بـ” السنوات الخمس” وهي الأكثر بكثير..
حسناً، فعل الكاتب والشاعر اليوسف فيما انطلق منه، وهو الجانب الإعلامي على الأقل، ومن باب التعريف بالراحل في أكثر من وسط اجتماعي وثقافي كردي وغيره، إذ حسب معلوماتي، لم يُكتب عنه حتى الآن ما يشير إلى هذا الباب، إلى جانب عدم نشر أي أثر من آثاره حتى اللحظة، وهو الذي عرِف بتنظيمه السياسي والحزبي منذ نهاية خمسينيات القرن الماضي في” البارتي”، رغم سعي الراحل إلى ذلك( أما مؤلفاتي الكردية، فقد طلب مني كثيرون مخطوطاتي، وأرسلتها إلى أوربا، ولم يقم أحد بطباعتها. وبدأت حالياً بالسعي لطباعة جميع مؤلفاتي بإذن الله..ص 19)، ولكن- وحسب متابعتي للموضوع مجدداً- لم يظهر شيء مما أشير إليه حتى كتابة هذه الكلمة، وكل ذلك يأخذ بنا إلى ماوراء المتردد في الوسط الكردي: الحزبي أولاً والثقافي المعني بهكذا جوانب حية ثانياً، بالنسبة للراحل ولسواه أيضاً، من رجالات كرد وطنيين لهم إسهاماتهم الاجتماعية والثقافية: الشعرية والفقهية وغيرها، كما في حال الراحل” أحمد بالو، مثلاً”، وعن قرب..
قبل التوقف عند تلك النقاط الجديرة بالتعرض لها في خضم أسئلة تخص ما هو راهن أو معاش كردياً، لا بد من التذكير بأن الكتاب أقل من ” ثمانين صفحة فعلية” إذ ثمة صفحات كتبها الكاتب عبدالرحيم مقصود في النهاية”78-85″ سوف يكون لنا تعليق عليها لاحقاً، وثمة صور ثلاث تمثّل الراحل مع المحاوِر وغيره.
النقطة الأخرى هنا، وأعتبرها رئيسة، ذات صلة بطبيعة الأسئلة الموجهة، هي: هل وضِعت أمامه، أو بين يديه؟ ليجاوب عنها، لأنها تستدعي جهداً وعناء، وقد كان في عمر لم يكن يسمح له بالإجابة دفعة واحدة، إلى جانب مرضه ووهنه، أم وجّهت إليه مجتزئة، أم عبر تحاور مفتوح..؟
ربما هذه النقطة تثير رد فعل ما حول الجدوى منها، حيث كان يمكن التأكد منها مباشرة، على الأقل من المحاوِر، ولكن مثار البحث موجَّه إلى الكتاب ككتاب، وكون الأسئلة الموجَّهة تستدعي من جهتها مكاشفة لبنيتها، وهي أنها مكتوبة مسبقاً، أو لا تقوم على بنية حوارية تداخلية، حيث يجر السؤال سؤالاً آخر، من خلال طبيعة الأجوبة، على الأقل، لأن هناك أجوبة تتطلب تدخلاً من المحاوِر في الحال، سواء بغية توضيحها( كما في مثال ” القضاء”، وغيره)، أو تصحيحها، كما سنرى، ولا أظن أن المحاور كان بعيداً عن كل ما تقدَّم.. إذاً قدّمت الأسئلة مكتوبة أو منفصلة وليس تبعاً للأجوبة، وإلا فإن ثمة اضطراباً يسود ” مجتمع” الأسئلة، ومدى تفاعلها مع ” مجتمع” الأجوبة بالذات، وهذا ما يمكن استبعاده اعتقاداً مني هنا بأن اليوسف متابع للكثير مما تردد في أجوبة الراحل، أي أنه سجَّل أجوبته دون السؤال مجدداً عنها..
التقديم للكتاب
لا تعليق على تقديم اليوسف الذي لم يكن يخفي بعداً تعاطفياً عميقاً مع الراحل وهو في مرضه وضعفه البدني، وربما نبرة سخط على الجاري إزاء حالة كهذه وكنت متابعاً له في ذلك حينها، ومنذ الكلمة الأولى( حين نلتقي الملا عبدالله ملا رشيد وتصيخ إليه السمع، فإنك لا تشم رائحة التكايا الدينية، وقرقعة السبحات، وترانيم الذكر وكرامات الأولياء، وروائح البخور، فقط، بل لتحس أنك وجهاً لوجه أمام التاريخ الكردي أيضاً..!.. ص 6).
إنها مجموعة إطلالات تمهّد للتعريف به: بكرديته التي يجب أن تكون ممارسة اجتماعية وسياسية وثقافية وروحية، مع بني جلدته وغيرهم، أومع كرده في محيطه الضيق وخارجه، ومعايشة دينه وتطويعه مع ما هو مستجد، وهو الذي( ذاق مرارة السجن لمدة سبعة عشر يوماً. ص 6)، والصحيح( تسعة عشر يوماً..ص52). وما قيل فيه وعنه، كما في حال الاستشهاد بكلمة الشيخ عدنان حقي، وما جاء لاحقاً عنه من خلال المحاور( إن أكبر تكريم لرادة ثقافتنا وقادتنا المجربين، أن نقول لهم كلمة جميلة، محض كلمة جميلة، ويقيناً أن من يتنكر للسابقين عليه، يتنكر له اللاحقون به..ص8).
ومما ينبغي التذكير به ما تميّز به الراحل واقعاً وهو كونه( أول خطيب كردي في منطقة الجزيرة، كما يخيَّل إلي، كان يلقي خطب أيام الجمعة بلغته الكردية البليغة..)، ليقول فيما بعد مباشرة( ولقد جاء هذا الحوار بعد نبش طويل لذاكرة” سيدا” ملا عبدالله انطلاقاً مما سبق، وهو برأيي كاف لأن نحتفي بهذا العلامة الكردي المهم، قبل أي اعتبار آخر.ص9).
وحيث إنه لم يخف شعوره القلبي العميق بمأساته وهو في زيارته الأخيرة له، ووضعه المعيشي المؤلم”ص9″..أشير إلى ذلك وأنا أتذكر جوانب مما كان يقوله لي- مجدداً- هو نفسه كلما تم التطرق إلى اسمه وسواه في وسطنا..
إلا أن ثمة ما يجدر التذكير به من جهة أخرى، وهو الوارد في قول اليوسف أن الرجل( انضم في العام 1959 إلى صفوف البارتي.ص6)، والصحيح وبلسان الراحل، كان ذلك سنة ( 1960..ص45)، وهذا يطرح سؤالاً، وهو: كيف جاء هذا التحديد، أم أن عدم تدقيق في الأجوبة المقدَّمة كان السبب في حصول هذه الهنات التاريخية.
ما يلفت النظر هنا، هو أن التقديم، كما يظهر، جاء بعد وضع الأسئلة، أو إجراء الحوار، على الأقل، من خلال إشارات للكاتب إلى جوانب تخص أجوبة الراحل، كما في إشارته إلى ( تكليف البارزاني الراحل أن يكون قاضياً للثورة في منطقة جبل سنجار، إلا أن ذلك لم ينفذ- بالشكل الرسمي المطلوب-.. ص 9)، ويظهر ذلك أيضاً، أن الكاتب كان قد سمع نتفاً من أحاديث الراحل حول جوانب من حياته، ليتمكن من صياغة أسئلته، وليبقى العنوان نفسه بفراهته ذا مغزى.
وقبل الانتقال إلى صلب الحوار، أشير إلى ورود كلمة” صاصون” في أكثر من صفحة”13-14″، ومن ثم” ساسون” في أكثر من صفحة”20-21..”، وهي واحدة، أي: ساسون، وكان يُتمنى ألا يحصل هذا السهو بالمقابل..
بين الذاكرة والتاريخ والحراك الثقافي
قبل كل شيء، وفي كلمة جواب يتفوه به الراحل، لا يمكن للقارئ المعني أن يتنكر لجانب ضريبي قدَّمه الراحل من عمره وشقائه أو معاناته. أقول ذلك منذ البداية، وأنا أشدد على البعد النضالي والكفاحي لرجل الحياة بأكثر من معنى، وليس الدين بالمعنى الحصري والضيّق للكلمة، مشفوعاً بأسى مرافق لهذا الاهمال الذي يتعرض رموزنا في التاريخ الحي.
إن قراءة مثمرة لحقيقة الحوارات التي تكوّن الكتاب، ولكي تكون منتظمة، لا بد أن ترتكز إلى أساس ثقافي منهجي قويم، ذلك الأساس الذي يقرّبنا أكثر من البنيان الثقافي والنفسي للراحل نفسه، ونوعية العلاقات القائمة بين جواب وآخر..
أقول ذلك وأنا في الوقت الذي أتلمس بقدر ما أعيش حرارة الأجوبة من قلب معنَّى بالحياة، بقدر ما أفتقد جملة من الخيوط التي تسلسل هذه الأجوبة باعتبارها أجوبة علامة، أعني، أجوبة مفكر يمنهج أفكاره، ويميّز عن بعضها بعضاً، وهذا يصلنا في الحال، وكما سنرى مجدداً، بما جاء به العنوان الفرعي الأخير في الكتاب، ومن قبل الكاتب عبدالرحيم مقصود( رحلة في مدرسة ومنهج ملا عبدالله الغرزي)، إذ إن العنوان يفصح عما هو غير موجود في سياق الأجوبة وحتى خارجها، لحظة التفكير في أن هاتين المفردتين الخطيرتين وباهظتي الثمن معرفياً( مدرسة- منهج)، لا تخلوان من مجازفة تودي بالمعنى المراد من جوانب مختلفة، إن روعي فيها البعد المعرفي والذين تمكنوا من التلمذة على يديه وهو غير موجود.
كيف يمكن إقامة علاقة بين نوعية الأسئلة والأجوبة ومسارات الأجوبة بالذات؟
بالنسبة للمحاور، نجده يطرح أسئلته، وما على المتحاور إلا أن يقدَّم أجوبة تتناسب وخاصية الأسئلة معرفياً، إذ ينهض كل سؤال على مفهوم معياري وثقافي: السؤال المتعلق بالجانب السيَري: الحياتي، مختلف في مؤتاه، عن السؤال ذي الطابع السياسي، وهذا مختلف عن السؤال ذي الطابع الفقهي، وهذا مغاير لفاعلية السؤال المتجه إلى الجانب الشعري…الخ.
نعم، لا يمكن إلا أن نتعاطف معه، ونسامحه على زلات تاريخية، وعدم القدرة على الخوض في نقاط تعنينا في العمق، وكان يعيشها، بسبب وضعه الصحي، على الأقل، ولكن الإخلاص للحقيقة لا يعفينا من دقة المساءلة عن حصاده الفعلي! وكي نسعى إلى توضيح المراد، فإن الراحل الذي ولِد في ( 25 أيار1924)، ينطلق من الذاكرة وهو يتحدث عن حياته السالفة ومنذ البداية، مستعيناً بما قيل له أو أرشفه ذاكراتياً، وما التقطه معرفياً في الأوساط التي عاش فيها، حيث التذكير بسنة الولادة تأتي سريعاً، ويحدث الانتقال سريعاً جداً إلى ما هو سياسي( نحن مناضلون والحمد لله في سبيل قضيتنا وملتزمون بنهج ملا مصطفى البارزاني..ص12)، وهذا يتكرر في أكثر من مكان(ص: 22- 23-45..)..
وبوسعه أن يتحدث في صفحات، مثلاً، عن ثورة الشيخ سعيد” 38-41..”، وحينها كان عمره أقل من سنة، بينما يتحفظ أو يتجنب الخوض في الحديث عن وقائع اعتقاله في سوريا” ص45″، وهو ما كان يطلَب منه، وكان في عمر يسمح له بذلك(35 سنة)، بقدر ما يأتي التحديد الزمني غير دقيق: تأسيس البارتي سنة 1958، ليضيف مباشرة( ولكن في العام 1959 نال الوهن من هذا الحزب، بسبب الخلافات الأليمة. ص22)، الأمر الذي يدفع بنا إلى التساؤل: كيف انتسب إذاً إلى البارتي سنة 1960″ ص45″ وهو على وعي بما جرى؟ ومن المعروف أن الخلافات دبَّت في صفوف البارتي مع ظروف الاعتقال وملابساته، إن روجعت أدبيات الحزب حينها ولدى المعنيين به: جكرخوين، اوصمان صبري، زازا، ويتوقف عن مسايرة رفاقه متهيئاً للخوض في مسائل أخرى بعيدة عنه كما أسلفت، كما في تطرقه إلى ملابسات ثورة الشيخ سعيد، ويورد أرقاماً عن القرى الكردية التي سويت بالأرض، مستنداً إلى قراءاته هنا وهناك” 37-43″وسنة إعدام سعيد ورفاقه القياديين( 27أيار1925- ص 39)، كما لو أن التوغل في موضوع كهذا يستجيب لوازع نفسي وحتى سياسي، أو يبقي السؤال معلقاً في الهواء، عما حفَّزه على التحدث بأريحية هنا، والصمت عما جرى بصدد اعتقاله، إن ذلك يحدث على العكس مما تعرض له أشخاص آخرون انشغلوا بالثورة تلك وكانوا في عمر يسمح بذلك معايشين وشهود عيان نسبياً، كما في حال ” قدري جميل باشا1892- 1973″، حيث يتحدث عن الثورة تلك وكان يعيشها في الجوار ويتأثر بها( عمره حينذاك كان33 سنة)، وبتفصيل يغري بالمتابعة”ص 95-114″، ويؤرخ للإعدام بتاريخ” 27 حزيران 1925-ص112″، من الطبعة العربية لكتابه ( مسألة كردستان)، أو ” جكرخوين1903-1984″، حيث يتطرق إليها في صفحات تترى” ص175-183″، من الطبعة العربية لـ( سيرة حياته)،
وحتى بالنسبة لـ” اوصمان صبري1905-1993″، في ( مذكراتـ:ـه) في الطبعة العربية،2003،”ص 15-18″…الخ.
لا يعني هذا القول سالف الذكر إطلاقاً، اتهام الراحل بالمراوغة، حيث إن سيرته الحياتية ومن خلال المتابعة والمعايشة تفصح عن قدْر لافت من المجابهة والجسارة، إلا أن المثار هنا يتحدد من خلال مساءلة هذا الجاري، ولماذا هذا التكتم على الأكثر أولوية وفائدة، خصوصاً وأن الذي جرى في فترة ستينيات القرن المنصرم يعنينا كثيراً، وتحديداً أكثر، لحظة التفكير في رجل كان له صولاته وجولاته، كما في تمسكه بضرورة إلقاء خطب أيام الجمعة بالكردية دون أي التفاتة إلى الذين استجوبوه أو ضايقوه من جهات أمنية مختلفة، اعتماداً على المأخوذ بها إسلامياً، وما تضمنته مواجهاته من مكاشفة لما هو تاريخي واجتماعي ومشتركات دينية وثقافية وغيرها بين الكرد والمحيطين بهم : عرباً وغيرهم” ص 54-58″.
وقبل البدء بما يتطلب المزيد من الدقة، ثمة مكاشفات سريعة لتواريخ ووقائع تستوجب دقة أكثر:
في الصفحة”12″ يقول( هاجرنا إلى كردستان العراق 1970..)، ولكنه لاحقاً يقول في الصفحة”21″، أي بعد التذكير بسنة وفاة والده مباشرة سنة1954( وهاجرت إلى كردستان العراق نتيجة الضغوطات حتى عام 1970، ورجعت إلى الجزيرة 1975..)، الصياغة، إن افترِض وجود التباس أو خطأ، غير دقيقة هنا..
في الصفحة” 22″ عن الثورات الكردية عن أنها بلغت 65 ثورة( ما بين عامي 1777-1990)، ولكنه يقول في الصفحة” 33″( الثورات الكردية بدءاً من ثورة سليمان بابان 1977 إلى 1984 بلغت 65 ثورة..)، إضافة إلى أن هذا التحديد يلفت النظر، لحظة أخذ العلم بأن ثورة بابان تستدعي تاريخاً حافلاً، يتعلق بإمارة” بابان” وهي تابعة للإمبراطورية العثمانية، إزاء ” أردلان” التابعة للصفويين، وتلك الإمارة ترجع إلى ما قبل هذا التاريخ بكثير( ينظَر مثلاً، في كتاب جليلي جليل: من تاريخ الإمارات في الامبراطورية العثمانية في النصف الأول من القرن التاسع عشر- الطبعة العربية/1987،ص51-61..) إلى جانب ما ينبغي التحفظ عليه بالنسبة لمفهوم” ثورة”، وثمة خطأ مزدوج هنا طبعاً.
في الصفحة”22″ ذاتها، يقول الراحل( تأسس البارتي في سوريا 1958)، والصحيح، كما هو معلوم 1957..
في الصفحة”45″ يقول( وانتسبت للبارتي سنة 1960، واعتقلت في سنة 1961 أثناء الاعتقالات الجماعية لأعضاء البارتي..)، والصحيح هو أن الاعتقالات الجماعية تمت سنة 1960، على الأقل، إن استعنا بالراحل نورالدين زازا كما في سيرته الحياتية( الطبعة العربية-2001)، حيث يتحدث عن الاعتقالات الجماعية سنة 1960″ص 109″..
وحين نمضي معه فيما بعد، عما كان يأتي به جواباً على كل سؤال، وربما من خلال الشعور بوجود دفق كلامي، لا بد من تخيل معاناة الرجل، وكيف أنه صحبةَ كل جواب كان يختصر تاريخاً حياً، بقدر ما كان يترجم مأساة شخصية في آن واحد وفي وسط لا يولي الثقافة تلك القيمة المستحقة.
إن الذي يُتلمس في المشهد البانورامي لأجوبة الراحل ، هو التالي:
معايشته لأحداث تاريخه الكردي المعاصر في النطاق الكردستاني، حيث يبرز التركيز الشديد على تثمينه لدور الراحل البارزاني في تنمية الوعي القومي الكردي، وفي أكثر من صفحة، وربما كان الكتاب الحواري يمثّل نوعاً من الإهداء إلى روح الراحل الكبير وما يخص شخصيته الكاريزمية بدقة أشمل، ودون أن يتنكر لدور معلميه” مشايخه” بالمفهوم الديني، بدءاً من الراحل والده” ص11″ وحتى سنة 1938، وكان له من العمر ثلاثة وثلاثون عاماً، حيث نال الإجازة في التعليم الديني الفقهي” ص 15″ دون أن يتوقف عن التلمذة فيما بعد، كما يذكر في الصفحة عينها، ومن ثم تعليمه في عموم أجزاء كردستان” ص 16″، إلى جانب معايشة التطورات السياسية في الشأن الكردي، وشهادته على أن سعيد آلجي كان ضحية مؤامرة نفذها ” شفان- ص 32″، وهي شهادة معتبرة حول واقعة لما تزل تستثير المعنيين بالتاريخ الكردي، إلى الإمكانات الثرية في الروابط الموجودة بين ما هو كردي وما هو ديني، ودور العلماء في ذلك، وتحديداً : دور المشايخ”ص35″، ومجابهاته للذين عبَّروا عن تعصبهم لما هو قومي: عربي، من رموز الدين الإسلامي، وتصدّيه لهؤلاء”ص48″، وما يخص رأيه في القضية الكردية، ومن موقعه كرجل دين( رأيي أن يبقى الكرد والعرب أخوة الآن، وفي المستقبل، كما كانوا في الماضي، ألا يفرّق بينهم مفرّق..ص53.)، وحتى ما يتعلق بنظرته إلى الشعر وبعده الوجداني، وموقفه من الشاعر جكرخوين، من خلال مأخذه على آرائه الدينية…”ص 58″، وما يصله بالطرق الصوفية، حيث إنها( تبحث عن تصفية القلب الذي هو أساس جميع الأعمال، فإن صلح صلح البدن كله..ص 60)، ورؤيته للتاريخ الكردي الذي جرى ويجري تهميشه بسبب الموقف من رفض الكرد للظلم المحيق بهم.. ” ص 63″، حيث يتحدث من موقعه الديني محاولاً التخفيف من ضغط الوقائع التاريخية التي تجلو المنحى العملي للدين، وما تعرَّض له بنو جلدته من عسف وعنف بأكثر من معنى، وليس من خلال الاستعانة بذكر آيات قرآنية وصلتها بهذا الجانب” ص34″، إلى قـِدَم الكرد تاريخياً”ص67″، والحديث عن المكانة المعتبرة للديانة الزرادشتية التي بشّرت بظهور نبي الإسلام”ص69-70″…الخ.
بالتأكيد إلى الرجوع إلى نص الحوار معه، ضروري للإحاطة بتصوراته وأفكاره أكثر، وما سعيت إليه هو مدخل إلى إثارة بعض النقاط التي تخللت هذا النص، وطرحها للمناقشة، وما أثيره هنا يخصني قبل كل شيء:
المؤلفات المعتَّم عليها
حسب ما يقوله الراحل، فقد تراوحت مؤلفاته بين تأليف وترجمة، لتبلغ أربعة عشر مؤلفاً( وثمة ثماني مجموعات شعرية ضمناً)، إلى جانب كتابات أخرى وفتاوى كذلك، إلا أن الأمر اللافت هو في عدم ظهور هذه المؤلفات إلى النور حتى الآن طبعاً، إذ نقرأ، كما تقدَّم آنفاً( أما مؤلفاتي الكردية، فقد طلب مني كثيرون مخطوطاتي، وأرسلتها إلى أوربا، ولم يقم أحد بطباعتها، وبدأت حالياً بالسعي لطباعة جميع مؤلفاتي بإذن الله . ص19).
ما المبرر وراء هذا الإهمال أو التعتيم؟ كيف يفسَّر عدم ظهور ديوان شعري واحد من بين ثماني مجموعات شعرية؟
في المنحى الخارجي، ماذا يمكن أن يقال عن هؤلاء المعنيين به مباشرة، حزبيين ومقربين منه؟ هل حقاً أنهم لم يستطيعوا طباعة ولو مؤلَّف واحد؟ أترانا في وازع العلاقات الشخصية وما هو مقدَّر في الوسط الحزبي- التحزبي؟!
من هم هؤلاء الذين طلبوا منه مؤلفاته وفي الخارج، ومن ثم ناموا على آذانهم؟ هل تعاملوا معها من منظور مادي، أم من الزاوية الثقافية أو الفكرية وفق حسابات خاصة يؤخَذ بها كردياً، وإن شئت: كرديولوجياً؟
في المنحى الداخل والذاتي، أإلى هذه الدرجة لم يفلح الراحل في طبع- ولو- مؤلف واحد له، وكان له حضوره النجمي نسبياً في وسطه الكردي” الهلالي- على الأقل” أهلاً وسواهم، أم ترانا نحتاج إلى المزيد من اعتماد الضرب بالرمل؟
لا يمكن التحدث عن شعره، مثلاً، ولكن أخشى أن يكون في مقام شعر على شاكلة هذين البيتين التعبويين النظميين:
بارزاني باڤي كـردا آلا خه بات ته هلدا
پيمان بخوينا مه ردا ريجـــا ته مه نبردا… ص 26
أقول ذلك، وأنا أستدعي إلى الذاكرة ما يمكن أن يكون متداولاً من شعره للوقوف عنده بمعناه الدقيق، فلا أجد شئياً من ذلك، وفي الوقت نفسه، أدعو إلى إمكان طباعة ولو مجموعة واحدة، ليكون في الوسع مكاشفة بنية هذا المتردد باسمه!
في هذا السياق، يمكن القول أن كل مؤلَّف هو رهين زمانه ومكانه، وبالتالي، فإنه كثيراً ما يفقد صلاحيته مع التقادم، وخصوصاً في المجال الشعري، حيث لديه الكم الأكبر من الشعر، وهو الشعر الذي يعود كتابة، كما هو مقدَّر، إلى عقود زمنية، وبعيداً عن التخمينات، يمكن القول أن غالبية الشعر الكردي، وفي الإطار الكلاسي، لا تخفي طابعها التعبوي أو ذات الصلة بما هو نظمي، حماسي وغيره، ويعني ذلك، أن الرهان على حيوية هذه المجموعات الشعرية للراحل، ربما لا يعدو أن يكون ضرباً من ضروب المجازفة سيئة الطالع، أي غير مجدية، إن انطلقنا من المثال الشعري المذكور، أو استندنا إلى مجمل ما يقرَأ من شعر كردي يعود زمنياً إلى حدود خمسينيات القرن الماضي، بالنسبة للراحل وغيره، وفي هذا المنحى، تُرى كيف كان التعامل مع ديوان شعري للشاعر جكرخوين، وليكن( من أنا؟ kîme ez) والصادر سنة 1973، لو أنه طبع اليوم؟ لا أعتقد أن التجاوب سيكون في مستوى المطلوب أو كما هو منشود هنا وهناك، وهذا يدفع بنا إلى القول، بأننا الآن نتعامل مع كاتب بلا كتابة، أو كاتب يراهن على الخسارة مسبقاً، وليت المحقَّق لاحقاً يكون خلاف المتردد إن فكّر بطباعة أثر شعري له!
الصلة مع الراحل الكبير: البارزاني
ربما هو البعد الديني والجانب التصوفي: النقشبنديوي في تقوية هذه الآصرة بالراحل الكبير : البارزاني.
إن ما تلمَّسه الراحل في مثاله: القدوة، انعكس في الكثير من توجهاته الدينية، وثبَّتها عقائدياً قبل كل شيء!
يعيدنا إلى ثلاثينيات القرن الماضي، حين كان عمره أحد عشر عاماً( أتذكر بعد عام 1935 أنه كان الأمل الوحيد للأمة الكردية في إنقاذها من براثن الطغاة هو البارزاني الخالد، وكنا نتتبع أخباره وانتصاراته..ص 22)..
وفي مكان آخر يسميه بـ( أبي الكرد..ص 23)..
إن ذلك يندرج أيضاً في سياق المعتقد الصوفي وذلك الانجذاب الروحي إلى المثال القدوة، باعتباره المخلّص بالمعنى الجمعي، وما يترتَّب عليه من توحد نفسي ووجداني معه، حيث لا يبقى مجال من مجال للتردد أو الشك حول المعطى هنا.
والحديث عن مفهوم” الأبوية” في الحزب والسياسة، وخصوصاً حين يمتزج هذا المفهوم بما هو ديني، يتأتى من اعتبار وحيد أوحد، وهو صعوبة، وربما، استحالة التفكير في منحى أو اتجاه آخر لمواجهة العدو أو الخصم.
مسألة دينية وتاريخية
كما قلت، فإن نوع السؤال يحدّد نوع الجواب، من خلال أهميته أو خطورته، وتحديداً حين يعتبر المتحاور في مقام العلامة، أي المتبحر في علوم الدين: من نحو وصرف وتفسير وإعراب وعلوم حديث…الخ، وليس ما يمكن أن يقال عن جوانب أخرى: فلسفية أو علمية بالمعنى الوضعي أو الاجتماعي الدنيوي طبعاً، وتحديداً في السياق المذكور..
يشير الراحل إلى أن القرآن بجملة آياته( حرب على جميع أنواع الظلم والاستبداد، باستثناء خمسمئة آية، تبين الأحكام)، وقبلها يحصر عدد الآيات في ( ستة آلاف ومئتين، وخمس وثلاثين آية..ص 34).
طبعاً لا بد أنه استقى ذلك من مصدر ديني أو فقهي إسلامي، غير أن عالماً، أو رجلاً يلقَّب بالعالم هنا، لا يجوز أن يكون بعيداً عن الدقة في الأمور الدينية وبالنسبة للمحدَّد القرآني، إذ إن القارئ المحايد، وكونه يعتبر كلامه ثقة، أو ربما يعتمد عليه كمصدر في موضوع ما، لا بد من التنويه إلى عدم وجود مثل هذا الجزم في المنحى الذي تعرَّض له الراحل.. إذ إن هذا العدد يتراوح بين ستة آلاف، وستة آلاف ومئتين وستة وثلاثين، من خلال الإشارة إلى المصادر التالية، مثلاً:
القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، دار الفكر، بيروت/ 1993، م1، 64-65، حيث تتعدد الروايات..
السيوطي: الاتقان في علوم القرآن، المكتبة الثقافية، بيروت/ 1973،ج1، ص 67..
الزركشي: البرهان في علوم القرآن، دار الفكر، بيروت/1988، م1، ص 314-315….الخ..
إن لكل رواية مكانتها ورجالاتها ومبرراتها كذلك، وهذا التنوع يفصح عن نوع من المرونة المطلوبة في التعاطي مع الموضوع، بقدر ما يستوجب التروّي أو التأني لحظة التطرق إلى مسألة ذات صلة بما هو قرآني في المقام الأول..
في الجانب التاريخي حول الكرد أصلاً ومتضمنات الموضوع
يتحدث الراحل عن عراقة التاريخ الكردي، ويحدد ذات التاريخ لكل من إبراهيم الخليل وزرادشت، وهذا خطأ فادح!
أولاً، من خلال الاعتماد على مصدر غير معتمَد، وهو لغوي، أي( تاج العروس)، حيث إن الاستناد إلى مصدر تاريخي له صلة بالأنساب، على الأقل، مثل المسعودي، يكون ممكناً، كما في( التنبيه والأشراف- طبعة القاهرة،-ص78)، أو ما ورد على لسان شرف خان البدليسي، في ( الشرفنامة- المقدمة)..
ثانياً، لحظة ربط إبراهيم الخليل بزرادشت( وزرادشت كان في عهد سيدنا إبراهيم عليه السلام، في شرق كردستان وسيدنا إبراهيم، كان في غرب كردستان، ودينهما دين الله وتوحيده..ص 69).
ثمة مسافة زمنية هائلة تفصل بينهما تنيف عن الألف عام، من ناحية أقدمية إبراهيم الخليل( ينظَر حول ذلك ، ما أورده سيد القمني، في ” النبي إبراهيم والتاريخ المجهول، القاهرة/1990، ص50).
والقول بهذا التشارك، يعني الخلط التاريخي، عندما نعلم مدى ارتباط الديانات التوحيدية الثلاث بهذا النبي، وبدءاً من اليهودية، وأعتقد أن ذلك، ما كان يجب أن يخفي على رجل موصوف بالعلم في الأمور الدينية..
حديث حول حديث: رحلة في مدرسة ومنهج ملا عبدالله الغرزي
هذه الفقرة تخص الكاتب عبدالرحيم مقصود، باعتبارها تمثل شهادة على ما تقدَّم!
أولاً، من الصعب، إن لم يكن مستحيلاً، الأخذ بمفهوم الشهادة بالطريقة الاختزالية أو الارتجالية هذه، نظراً لأن مفهوم ” الشهادة” يحتاج إلى نوع من السوية الفكرية والمعرفية والخبرة، وهذا ما يتعذر وجوده لدى الكاتب، وهو من مواليد1980، عدا عن عدم حصوله على شهادة تعليمية، أو ما يدل على تعليم ممنهج في هذا المجال.
ثانياً، ما يؤكد صوابية النقطة الأولى، هو القول دفعة واحدة بـ” المدرسة والمنهج”، أي عدم استيعاب حقيقتهما.
تُرى من أين جيء بمفهوم المدرسة، وكيف يخوَّل لأحدهم أن يتحدث عن اعتبار سواه مدرسة في المعرفة والعلم في مجال محدد؟ وكيف يتأكد هذا القول، بالنسبة لرجل لم يُطبع شيء من آثاره، ولم نجد من يشير إليه في هذا المضمار عملياً، أي انطلاقاً إلى أشخاص معينين يمكن الإشارة إليهم باعتبارهم تلقوا العلم المطلوب على يديه..
ثالثاً، وهذا ينطبق على مفهوم” المنهج”، وهذا واضح حتى في بنية أجوبة الراحل نفسه، أما بالنسبة للمفهوم المقدَّم آنفاً، فهو مجرد استساغة عاطفية مجانية ليس إلا، لأن من الصعب الحديث عن تجلّي منهج معين، مستقل بعينه لدى أحدهم، دون الحديث عن أفكار أو تصورات تصاغ في طروحات أو حتى نظريات، وهذا معدوم لدى الراحل..
وبالتالي، فإنه من السهل القول، وربما، بنوع من التعميم، أن من الصعوبة بمكان الحديث عن شبهة مدرسة أو طيف منهج قويم لدى أي من المعتبرين ” ملالينا”، أو ممن يعرَفون في مجال الثقافة الكردية دينية الطابع حصراً، وإنما يكون كل حديث ترجمة مباشرة للمنحى الوجداني البعيد كلياً عما هو معمول به في منحى العلم أو المعرفة الضابطة..
ويعني ذلك أن تثبيت فقرة كالتي تقدّم ذكرها أساء إلى الراحل وإلى الكتاب نفسه، إن أردنا الدقة، لحظة التشديد على ما هو موضوعي، وما يجعلنا –حقاً- أهلاً للمعرفة، وطلاباً لها وفي عالم اليوم، وبالنسبة لنا ككرد بامتياز..
خلاصة مفتوحة
نعم، ثمة ما يستوجب قراءة الكتاب المعنون، ولكن الذي كان ينتظَر، هو التركيز أكثر على ما كان يعيشه الراحل عن قرب: بالنسبة لصلاته الحزبية، أو تصوراته عما يكونه الحزب، وما تكونه السياسة في محيطه، أو إمكان تطرقه إلى أحداث عيشت، كأحداث عامودا وحريقها، وسوى ذلك من الأمور الخلافية الكردية: حزبياً وغيرها، غير أن انطلاقته إلى نتف من صلاته بأفراد من حوله، وفي السياق الديني، غلَّب البعد الأفقي على العامودي، وفي الوقت نفسه، فإن ما تقدَّم به يبقى في انتظار ما هو مخطوط للقراءة، والربط بينه وبين الذي تردد على لسانه، باعتباره المحك أصلاً!
نعم- أيضاً- ثمة تقدير لكل اسم قيّض له أن يصبح رمزاً كردياً، ولكن التقدير الأول للحقيقة لنستحق دخول التاريخ بجدارة!
أستعيد ما أشرت إليه بداية، وهو توجيه الشكر مجدداً إلى الصديق الكاتب والشاعر إبراهيم اليوسف فيما قام به، ليكون في مقدور سواي أن يتعرف إلى الراحل، ولو في الخطوط الكبرى، وما زلنا نعيش حميمية ذكرى مرور عام على رحيله..
======
تبدأ المشكلة الكبيرة من هنا، دون أن تتوقف، حيث إن المتوفر لدينا بغية إنارة عالمه بالكاد يفي بالغرض، ربما يسهم قليلاً فقط، في التعرف إلى النقاط العريضة في حياته، وهي نقاط يستحيل الجزم بها دون معاينة آثاره التي تركها خلفه.
من هنا ، وفي نطاق الاحتفاء به، وقد مر أكثر من عام على رحيله، حيث كان يقيم في حي” الهلالية” غربي قامشلي، لم أجد بداً من التوقف عند تلك النقاط التي أثارها معها الصديق الكاتب والشاعر إبراهيم اليوسف، والنقاط التي تضمَّنت أجوبة الراحل في الكتاب متوسط الحجم الذي حمل عنواناً لافتاً، وهو( حوار مع” قاضي ثورة البارزاني” العلامة عبدالله ملا رشيد الغرزي)، وهو من منشورات” سما” الكردية- ط1/ 2009، أي قبيل رحيله بقرابة سنتين. العنوان يفصح عن بعد دلالي، وربما يعزز مكانة الراحل، من خلال إيلاء الراحل الكبير” البارزاني” له أهمية، وهو في” معتركه” الديني الإسلامي، ولأن أجوبة كثيرة تعنيه تستند إلى ما هو ديني في الوقائع الجارية والأمثلة المتعلقة بآيات قرآنية أو أحاديث نبوية وغيرها، رغم أن الفترة التي أمضاها في كردستان العراق لم تتعد سنوات خمساً( 1970- 1975)، ورغم أن جوابه المتعلق بسؤال موجّه من قبل اليوسف حول كونه قاضياً في الثورة الكردية، جاء مقتضباً جداً في سياقه العام وهو إشكالي، وفي مثاله اليتيم الذي لا يعمّق التصور المرتبط بجوهر السؤال، ويرتبط بالزواج خصوصاً( القضاء لم يكن إلا حسب دين الشعب، وكان الاهتمام منصبّاً على المشاكل العامة.. فكان هناك منع” زواج المبادلة لحديث: لا شغار في الإسلام… ومنع تزويج المخطوفة حتى يقع الصلح بين الخاطف وأهلها..!..) وثمة ما يشير إلى ( توزيع الأراضي على الفقراء، وحل المشاكل حسب الإمكان..ص29)، إذ كان يفترَض- وكما سنرى- أن يسهب في هذا المجال، قياساً إلى أهمية السؤال، وفي الوقت الذي يبرز العنوان ذا منحى تاريخي واستئثاري طبعاً، إن انطلقنا من جوانب حياتية أخرى عاشها الراحل، خارج المحدد بـ” السنوات الخمس” وهي الأكثر بكثير..
حسناً، فعل الكاتب والشاعر اليوسف فيما انطلق منه، وهو الجانب الإعلامي على الأقل، ومن باب التعريف بالراحل في أكثر من وسط اجتماعي وثقافي كردي وغيره، إذ حسب معلوماتي، لم يُكتب عنه حتى الآن ما يشير إلى هذا الباب، إلى جانب عدم نشر أي أثر من آثاره حتى اللحظة، وهو الذي عرِف بتنظيمه السياسي والحزبي منذ نهاية خمسينيات القرن الماضي في” البارتي”، رغم سعي الراحل إلى ذلك( أما مؤلفاتي الكردية، فقد طلب مني كثيرون مخطوطاتي، وأرسلتها إلى أوربا، ولم يقم أحد بطباعتها. وبدأت حالياً بالسعي لطباعة جميع مؤلفاتي بإذن الله..ص 19)، ولكن- وحسب متابعتي للموضوع مجدداً- لم يظهر شيء مما أشير إليه حتى كتابة هذه الكلمة، وكل ذلك يأخذ بنا إلى ماوراء المتردد في الوسط الكردي: الحزبي أولاً والثقافي المعني بهكذا جوانب حية ثانياً، بالنسبة للراحل ولسواه أيضاً، من رجالات كرد وطنيين لهم إسهاماتهم الاجتماعية والثقافية: الشعرية والفقهية وغيرها، كما في حال الراحل” أحمد بالو، مثلاً”، وعن قرب..
قبل التوقف عند تلك النقاط الجديرة بالتعرض لها في خضم أسئلة تخص ما هو راهن أو معاش كردياً، لا بد من التذكير بأن الكتاب أقل من ” ثمانين صفحة فعلية” إذ ثمة صفحات كتبها الكاتب عبدالرحيم مقصود في النهاية”78-85″ سوف يكون لنا تعليق عليها لاحقاً، وثمة صور ثلاث تمثّل الراحل مع المحاوِر وغيره.
النقطة الأخرى هنا، وأعتبرها رئيسة، ذات صلة بطبيعة الأسئلة الموجهة، هي: هل وضِعت أمامه، أو بين يديه؟ ليجاوب عنها، لأنها تستدعي جهداً وعناء، وقد كان في عمر لم يكن يسمح له بالإجابة دفعة واحدة، إلى جانب مرضه ووهنه، أم وجّهت إليه مجتزئة، أم عبر تحاور مفتوح..؟
ربما هذه النقطة تثير رد فعل ما حول الجدوى منها، حيث كان يمكن التأكد منها مباشرة، على الأقل من المحاوِر، ولكن مثار البحث موجَّه إلى الكتاب ككتاب، وكون الأسئلة الموجَّهة تستدعي من جهتها مكاشفة لبنيتها، وهي أنها مكتوبة مسبقاً، أو لا تقوم على بنية حوارية تداخلية، حيث يجر السؤال سؤالاً آخر، من خلال طبيعة الأجوبة، على الأقل، لأن هناك أجوبة تتطلب تدخلاً من المحاوِر في الحال، سواء بغية توضيحها( كما في مثال ” القضاء”، وغيره)، أو تصحيحها، كما سنرى، ولا أظن أن المحاور كان بعيداً عن كل ما تقدَّم.. إذاً قدّمت الأسئلة مكتوبة أو منفصلة وليس تبعاً للأجوبة، وإلا فإن ثمة اضطراباً يسود ” مجتمع” الأسئلة، ومدى تفاعلها مع ” مجتمع” الأجوبة بالذات، وهذا ما يمكن استبعاده اعتقاداً مني هنا بأن اليوسف متابع للكثير مما تردد في أجوبة الراحل، أي أنه سجَّل أجوبته دون السؤال مجدداً عنها..
التقديم للكتاب
لا تعليق على تقديم اليوسف الذي لم يكن يخفي بعداً تعاطفياً عميقاً مع الراحل وهو في مرضه وضعفه البدني، وربما نبرة سخط على الجاري إزاء حالة كهذه وكنت متابعاً له في ذلك حينها، ومنذ الكلمة الأولى( حين نلتقي الملا عبدالله ملا رشيد وتصيخ إليه السمع، فإنك لا تشم رائحة التكايا الدينية، وقرقعة السبحات، وترانيم الذكر وكرامات الأولياء، وروائح البخور، فقط، بل لتحس أنك وجهاً لوجه أمام التاريخ الكردي أيضاً..!.. ص 6).
إنها مجموعة إطلالات تمهّد للتعريف به: بكرديته التي يجب أن تكون ممارسة اجتماعية وسياسية وثقافية وروحية، مع بني جلدته وغيرهم، أومع كرده في محيطه الضيق وخارجه، ومعايشة دينه وتطويعه مع ما هو مستجد، وهو الذي( ذاق مرارة السجن لمدة سبعة عشر يوماً. ص 6)، والصحيح( تسعة عشر يوماً..ص52). وما قيل فيه وعنه، كما في حال الاستشهاد بكلمة الشيخ عدنان حقي، وما جاء لاحقاً عنه من خلال المحاور( إن أكبر تكريم لرادة ثقافتنا وقادتنا المجربين، أن نقول لهم كلمة جميلة، محض كلمة جميلة، ويقيناً أن من يتنكر للسابقين عليه، يتنكر له اللاحقون به..ص8).
ومما ينبغي التذكير به ما تميّز به الراحل واقعاً وهو كونه( أول خطيب كردي في منطقة الجزيرة، كما يخيَّل إلي، كان يلقي خطب أيام الجمعة بلغته الكردية البليغة..)، ليقول فيما بعد مباشرة( ولقد جاء هذا الحوار بعد نبش طويل لذاكرة” سيدا” ملا عبدالله انطلاقاً مما سبق، وهو برأيي كاف لأن نحتفي بهذا العلامة الكردي المهم، قبل أي اعتبار آخر.ص9).
وحيث إنه لم يخف شعوره القلبي العميق بمأساته وهو في زيارته الأخيرة له، ووضعه المعيشي المؤلم”ص9″..أشير إلى ذلك وأنا أتذكر جوانب مما كان يقوله لي- مجدداً- هو نفسه كلما تم التطرق إلى اسمه وسواه في وسطنا..
إلا أن ثمة ما يجدر التذكير به من جهة أخرى، وهو الوارد في قول اليوسف أن الرجل( انضم في العام 1959 إلى صفوف البارتي.ص6)، والصحيح وبلسان الراحل، كان ذلك سنة ( 1960..ص45)، وهذا يطرح سؤالاً، وهو: كيف جاء هذا التحديد، أم أن عدم تدقيق في الأجوبة المقدَّمة كان السبب في حصول هذه الهنات التاريخية.
ما يلفت النظر هنا، هو أن التقديم، كما يظهر، جاء بعد وضع الأسئلة، أو إجراء الحوار، على الأقل، من خلال إشارات للكاتب إلى جوانب تخص أجوبة الراحل، كما في إشارته إلى ( تكليف البارزاني الراحل أن يكون قاضياً للثورة في منطقة جبل سنجار، إلا أن ذلك لم ينفذ- بالشكل الرسمي المطلوب-.. ص 9)، ويظهر ذلك أيضاً، أن الكاتب كان قد سمع نتفاً من أحاديث الراحل حول جوانب من حياته، ليتمكن من صياغة أسئلته، وليبقى العنوان نفسه بفراهته ذا مغزى.
وقبل الانتقال إلى صلب الحوار، أشير إلى ورود كلمة” صاصون” في أكثر من صفحة”13-14″، ومن ثم” ساسون” في أكثر من صفحة”20-21..”، وهي واحدة، أي: ساسون، وكان يُتمنى ألا يحصل هذا السهو بالمقابل..
بين الذاكرة والتاريخ والحراك الثقافي
قبل كل شيء، وفي كلمة جواب يتفوه به الراحل، لا يمكن للقارئ المعني أن يتنكر لجانب ضريبي قدَّمه الراحل من عمره وشقائه أو معاناته. أقول ذلك منذ البداية، وأنا أشدد على البعد النضالي والكفاحي لرجل الحياة بأكثر من معنى، وليس الدين بالمعنى الحصري والضيّق للكلمة، مشفوعاً بأسى مرافق لهذا الاهمال الذي يتعرض رموزنا في التاريخ الحي.
إن قراءة مثمرة لحقيقة الحوارات التي تكوّن الكتاب، ولكي تكون منتظمة، لا بد أن ترتكز إلى أساس ثقافي منهجي قويم، ذلك الأساس الذي يقرّبنا أكثر من البنيان الثقافي والنفسي للراحل نفسه، ونوعية العلاقات القائمة بين جواب وآخر..
أقول ذلك وأنا في الوقت الذي أتلمس بقدر ما أعيش حرارة الأجوبة من قلب معنَّى بالحياة، بقدر ما أفتقد جملة من الخيوط التي تسلسل هذه الأجوبة باعتبارها أجوبة علامة، أعني، أجوبة مفكر يمنهج أفكاره، ويميّز عن بعضها بعضاً، وهذا يصلنا في الحال، وكما سنرى مجدداً، بما جاء به العنوان الفرعي الأخير في الكتاب، ومن قبل الكاتب عبدالرحيم مقصود( رحلة في مدرسة ومنهج ملا عبدالله الغرزي)، إذ إن العنوان يفصح عما هو غير موجود في سياق الأجوبة وحتى خارجها، لحظة التفكير في أن هاتين المفردتين الخطيرتين وباهظتي الثمن معرفياً( مدرسة- منهج)، لا تخلوان من مجازفة تودي بالمعنى المراد من جوانب مختلفة، إن روعي فيها البعد المعرفي والذين تمكنوا من التلمذة على يديه وهو غير موجود.
كيف يمكن إقامة علاقة بين نوعية الأسئلة والأجوبة ومسارات الأجوبة بالذات؟
بالنسبة للمحاور، نجده يطرح أسئلته، وما على المتحاور إلا أن يقدَّم أجوبة تتناسب وخاصية الأسئلة معرفياً، إذ ينهض كل سؤال على مفهوم معياري وثقافي: السؤال المتعلق بالجانب السيَري: الحياتي، مختلف في مؤتاه، عن السؤال ذي الطابع السياسي، وهذا مختلف عن السؤال ذي الطابع الفقهي، وهذا مغاير لفاعلية السؤال المتجه إلى الجانب الشعري…الخ.
نعم، لا يمكن إلا أن نتعاطف معه، ونسامحه على زلات تاريخية، وعدم القدرة على الخوض في نقاط تعنينا في العمق، وكان يعيشها، بسبب وضعه الصحي، على الأقل، ولكن الإخلاص للحقيقة لا يعفينا من دقة المساءلة عن حصاده الفعلي! وكي نسعى إلى توضيح المراد، فإن الراحل الذي ولِد في ( 25 أيار1924)، ينطلق من الذاكرة وهو يتحدث عن حياته السالفة ومنذ البداية، مستعيناً بما قيل له أو أرشفه ذاكراتياً، وما التقطه معرفياً في الأوساط التي عاش فيها، حيث التذكير بسنة الولادة تأتي سريعاً، ويحدث الانتقال سريعاً جداً إلى ما هو سياسي( نحن مناضلون والحمد لله في سبيل قضيتنا وملتزمون بنهج ملا مصطفى البارزاني..ص12)، وهذا يتكرر في أكثر من مكان(ص: 22- 23-45..)..
وبوسعه أن يتحدث في صفحات، مثلاً، عن ثورة الشيخ سعيد” 38-41..”، وحينها كان عمره أقل من سنة، بينما يتحفظ أو يتجنب الخوض في الحديث عن وقائع اعتقاله في سوريا” ص45″، وهو ما كان يطلَب منه، وكان في عمر يسمح له بذلك(35 سنة)، بقدر ما يأتي التحديد الزمني غير دقيق: تأسيس البارتي سنة 1958، ليضيف مباشرة( ولكن في العام 1959 نال الوهن من هذا الحزب، بسبب الخلافات الأليمة. ص22)، الأمر الذي يدفع بنا إلى التساؤل: كيف انتسب إذاً إلى البارتي سنة 1960″ ص45″ وهو على وعي بما جرى؟ ومن المعروف أن الخلافات دبَّت في صفوف البارتي مع ظروف الاعتقال وملابساته، إن روجعت أدبيات الحزب حينها ولدى المعنيين به: جكرخوين، اوصمان صبري، زازا، ويتوقف عن مسايرة رفاقه متهيئاً للخوض في مسائل أخرى بعيدة عنه كما أسلفت، كما في تطرقه إلى ملابسات ثورة الشيخ سعيد، ويورد أرقاماً عن القرى الكردية التي سويت بالأرض، مستنداً إلى قراءاته هنا وهناك” 37-43″وسنة إعدام سعيد ورفاقه القياديين( 27أيار1925- ص 39)، كما لو أن التوغل في موضوع كهذا يستجيب لوازع نفسي وحتى سياسي، أو يبقي السؤال معلقاً في الهواء، عما حفَّزه على التحدث بأريحية هنا، والصمت عما جرى بصدد اعتقاله، إن ذلك يحدث على العكس مما تعرض له أشخاص آخرون انشغلوا بالثورة تلك وكانوا في عمر يسمح بذلك معايشين وشهود عيان نسبياً، كما في حال ” قدري جميل باشا1892- 1973″، حيث يتحدث عن الثورة تلك وكان يعيشها في الجوار ويتأثر بها( عمره حينذاك كان33 سنة)، وبتفصيل يغري بالمتابعة”ص 95-114″، ويؤرخ للإعدام بتاريخ” 27 حزيران 1925-ص112″، من الطبعة العربية لكتابه ( مسألة كردستان)، أو ” جكرخوين1903-1984″، حيث يتطرق إليها في صفحات تترى” ص175-183″، من الطبعة العربية لـ( سيرة حياته)،
وحتى بالنسبة لـ” اوصمان صبري1905-1993″، في ( مذكراتـ:ـه) في الطبعة العربية،2003،”ص 15-18″…الخ.
لا يعني هذا القول سالف الذكر إطلاقاً، اتهام الراحل بالمراوغة، حيث إن سيرته الحياتية ومن خلال المتابعة والمعايشة تفصح عن قدْر لافت من المجابهة والجسارة، إلا أن المثار هنا يتحدد من خلال مساءلة هذا الجاري، ولماذا هذا التكتم على الأكثر أولوية وفائدة، خصوصاً وأن الذي جرى في فترة ستينيات القرن المنصرم يعنينا كثيراً، وتحديداً أكثر، لحظة التفكير في رجل كان له صولاته وجولاته، كما في تمسكه بضرورة إلقاء خطب أيام الجمعة بالكردية دون أي التفاتة إلى الذين استجوبوه أو ضايقوه من جهات أمنية مختلفة، اعتماداً على المأخوذ بها إسلامياً، وما تضمنته مواجهاته من مكاشفة لما هو تاريخي واجتماعي ومشتركات دينية وثقافية وغيرها بين الكرد والمحيطين بهم : عرباً وغيرهم” ص 54-58″.
وقبل البدء بما يتطلب المزيد من الدقة، ثمة مكاشفات سريعة لتواريخ ووقائع تستوجب دقة أكثر:
في الصفحة”12″ يقول( هاجرنا إلى كردستان العراق 1970..)، ولكنه لاحقاً يقول في الصفحة”21″، أي بعد التذكير بسنة وفاة والده مباشرة سنة1954( وهاجرت إلى كردستان العراق نتيجة الضغوطات حتى عام 1970، ورجعت إلى الجزيرة 1975..)، الصياغة، إن افترِض وجود التباس أو خطأ، غير دقيقة هنا..
في الصفحة” 22″ عن الثورات الكردية عن أنها بلغت 65 ثورة( ما بين عامي 1777-1990)، ولكنه يقول في الصفحة” 33″( الثورات الكردية بدءاً من ثورة سليمان بابان 1977 إلى 1984 بلغت 65 ثورة..)، إضافة إلى أن هذا التحديد يلفت النظر، لحظة أخذ العلم بأن ثورة بابان تستدعي تاريخاً حافلاً، يتعلق بإمارة” بابان” وهي تابعة للإمبراطورية العثمانية، إزاء ” أردلان” التابعة للصفويين، وتلك الإمارة ترجع إلى ما قبل هذا التاريخ بكثير( ينظَر مثلاً، في كتاب جليلي جليل: من تاريخ الإمارات في الامبراطورية العثمانية في النصف الأول من القرن التاسع عشر- الطبعة العربية/1987،ص51-61..) إلى جانب ما ينبغي التحفظ عليه بالنسبة لمفهوم” ثورة”، وثمة خطأ مزدوج هنا طبعاً.
في الصفحة”22″ ذاتها، يقول الراحل( تأسس البارتي في سوريا 1958)، والصحيح، كما هو معلوم 1957..
في الصفحة”45″ يقول( وانتسبت للبارتي سنة 1960، واعتقلت في سنة 1961 أثناء الاعتقالات الجماعية لأعضاء البارتي..)، والصحيح هو أن الاعتقالات الجماعية تمت سنة 1960، على الأقل، إن استعنا بالراحل نورالدين زازا كما في سيرته الحياتية( الطبعة العربية-2001)، حيث يتحدث عن الاعتقالات الجماعية سنة 1960″ص 109″..
وحين نمضي معه فيما بعد، عما كان يأتي به جواباً على كل سؤال، وربما من خلال الشعور بوجود دفق كلامي، لا بد من تخيل معاناة الرجل، وكيف أنه صحبةَ كل جواب كان يختصر تاريخاً حياً، بقدر ما كان يترجم مأساة شخصية في آن واحد وفي وسط لا يولي الثقافة تلك القيمة المستحقة.
إن الذي يُتلمس في المشهد البانورامي لأجوبة الراحل ، هو التالي:
معايشته لأحداث تاريخه الكردي المعاصر في النطاق الكردستاني، حيث يبرز التركيز الشديد على تثمينه لدور الراحل البارزاني في تنمية الوعي القومي الكردي، وفي أكثر من صفحة، وربما كان الكتاب الحواري يمثّل نوعاً من الإهداء إلى روح الراحل الكبير وما يخص شخصيته الكاريزمية بدقة أشمل، ودون أن يتنكر لدور معلميه” مشايخه” بالمفهوم الديني، بدءاً من الراحل والده” ص11″ وحتى سنة 1938، وكان له من العمر ثلاثة وثلاثون عاماً، حيث نال الإجازة في التعليم الديني الفقهي” ص 15″ دون أن يتوقف عن التلمذة فيما بعد، كما يذكر في الصفحة عينها، ومن ثم تعليمه في عموم أجزاء كردستان” ص 16″، إلى جانب معايشة التطورات السياسية في الشأن الكردي، وشهادته على أن سعيد آلجي كان ضحية مؤامرة نفذها ” شفان- ص 32″، وهي شهادة معتبرة حول واقعة لما تزل تستثير المعنيين بالتاريخ الكردي، إلى الإمكانات الثرية في الروابط الموجودة بين ما هو كردي وما هو ديني، ودور العلماء في ذلك، وتحديداً : دور المشايخ”ص35″، ومجابهاته للذين عبَّروا عن تعصبهم لما هو قومي: عربي، من رموز الدين الإسلامي، وتصدّيه لهؤلاء”ص48″، وما يخص رأيه في القضية الكردية، ومن موقعه كرجل دين( رأيي أن يبقى الكرد والعرب أخوة الآن، وفي المستقبل، كما كانوا في الماضي، ألا يفرّق بينهم مفرّق..ص53.)، وحتى ما يتعلق بنظرته إلى الشعر وبعده الوجداني، وموقفه من الشاعر جكرخوين، من خلال مأخذه على آرائه الدينية…”ص 58″، وما يصله بالطرق الصوفية، حيث إنها( تبحث عن تصفية القلب الذي هو أساس جميع الأعمال، فإن صلح صلح البدن كله..ص 60)، ورؤيته للتاريخ الكردي الذي جرى ويجري تهميشه بسبب الموقف من رفض الكرد للظلم المحيق بهم.. ” ص 63″، حيث يتحدث من موقعه الديني محاولاً التخفيف من ضغط الوقائع التاريخية التي تجلو المنحى العملي للدين، وما تعرَّض له بنو جلدته من عسف وعنف بأكثر من معنى، وليس من خلال الاستعانة بذكر آيات قرآنية وصلتها بهذا الجانب” ص34″، إلى قـِدَم الكرد تاريخياً”ص67″، والحديث عن المكانة المعتبرة للديانة الزرادشتية التي بشّرت بظهور نبي الإسلام”ص69-70″…الخ.
بالتأكيد إلى الرجوع إلى نص الحوار معه، ضروري للإحاطة بتصوراته وأفكاره أكثر، وما سعيت إليه هو مدخل إلى إثارة بعض النقاط التي تخللت هذا النص، وطرحها للمناقشة، وما أثيره هنا يخصني قبل كل شيء:
المؤلفات المعتَّم عليها
حسب ما يقوله الراحل، فقد تراوحت مؤلفاته بين تأليف وترجمة، لتبلغ أربعة عشر مؤلفاً( وثمة ثماني مجموعات شعرية ضمناً)، إلى جانب كتابات أخرى وفتاوى كذلك، إلا أن الأمر اللافت هو في عدم ظهور هذه المؤلفات إلى النور حتى الآن طبعاً، إذ نقرأ، كما تقدَّم آنفاً( أما مؤلفاتي الكردية، فقد طلب مني كثيرون مخطوطاتي، وأرسلتها إلى أوربا، ولم يقم أحد بطباعتها، وبدأت حالياً بالسعي لطباعة جميع مؤلفاتي بإذن الله . ص19).
ما المبرر وراء هذا الإهمال أو التعتيم؟ كيف يفسَّر عدم ظهور ديوان شعري واحد من بين ثماني مجموعات شعرية؟
في المنحى الخارجي، ماذا يمكن أن يقال عن هؤلاء المعنيين به مباشرة، حزبيين ومقربين منه؟ هل حقاً أنهم لم يستطيعوا طباعة ولو مؤلَّف واحد؟ أترانا في وازع العلاقات الشخصية وما هو مقدَّر في الوسط الحزبي- التحزبي؟!
من هم هؤلاء الذين طلبوا منه مؤلفاته وفي الخارج، ومن ثم ناموا على آذانهم؟ هل تعاملوا معها من منظور مادي، أم من الزاوية الثقافية أو الفكرية وفق حسابات خاصة يؤخَذ بها كردياً، وإن شئت: كرديولوجياً؟
في المنحى الداخل والذاتي، أإلى هذه الدرجة لم يفلح الراحل في طبع- ولو- مؤلف واحد له، وكان له حضوره النجمي نسبياً في وسطه الكردي” الهلالي- على الأقل” أهلاً وسواهم، أم ترانا نحتاج إلى المزيد من اعتماد الضرب بالرمل؟
لا يمكن التحدث عن شعره، مثلاً، ولكن أخشى أن يكون في مقام شعر على شاكلة هذين البيتين التعبويين النظميين:
بارزاني باڤي كـردا آلا خه بات ته هلدا
پيمان بخوينا مه ردا ريجـــا ته مه نبردا… ص 26
أقول ذلك، وأنا أستدعي إلى الذاكرة ما يمكن أن يكون متداولاً من شعره للوقوف عنده بمعناه الدقيق، فلا أجد شئياً من ذلك، وفي الوقت نفسه، أدعو إلى إمكان طباعة ولو مجموعة واحدة، ليكون في الوسع مكاشفة بنية هذا المتردد باسمه!
في هذا السياق، يمكن القول أن كل مؤلَّف هو رهين زمانه ومكانه، وبالتالي، فإنه كثيراً ما يفقد صلاحيته مع التقادم، وخصوصاً في المجال الشعري، حيث لديه الكم الأكبر من الشعر، وهو الشعر الذي يعود كتابة، كما هو مقدَّر، إلى عقود زمنية، وبعيداً عن التخمينات، يمكن القول أن غالبية الشعر الكردي، وفي الإطار الكلاسي، لا تخفي طابعها التعبوي أو ذات الصلة بما هو نظمي، حماسي وغيره، ويعني ذلك، أن الرهان على حيوية هذه المجموعات الشعرية للراحل، ربما لا يعدو أن يكون ضرباً من ضروب المجازفة سيئة الطالع، أي غير مجدية، إن انطلقنا من المثال الشعري المذكور، أو استندنا إلى مجمل ما يقرَأ من شعر كردي يعود زمنياً إلى حدود خمسينيات القرن الماضي، بالنسبة للراحل وغيره، وفي هذا المنحى، تُرى كيف كان التعامل مع ديوان شعري للشاعر جكرخوين، وليكن( من أنا؟ kîme ez) والصادر سنة 1973، لو أنه طبع اليوم؟ لا أعتقد أن التجاوب سيكون في مستوى المطلوب أو كما هو منشود هنا وهناك، وهذا يدفع بنا إلى القول، بأننا الآن نتعامل مع كاتب بلا كتابة، أو كاتب يراهن على الخسارة مسبقاً، وليت المحقَّق لاحقاً يكون خلاف المتردد إن فكّر بطباعة أثر شعري له!
الصلة مع الراحل الكبير: البارزاني
ربما هو البعد الديني والجانب التصوفي: النقشبنديوي في تقوية هذه الآصرة بالراحل الكبير : البارزاني.
إن ما تلمَّسه الراحل في مثاله: القدوة، انعكس في الكثير من توجهاته الدينية، وثبَّتها عقائدياً قبل كل شيء!
يعيدنا إلى ثلاثينيات القرن الماضي، حين كان عمره أحد عشر عاماً( أتذكر بعد عام 1935 أنه كان الأمل الوحيد للأمة الكردية في إنقاذها من براثن الطغاة هو البارزاني الخالد، وكنا نتتبع أخباره وانتصاراته..ص 22)..
وفي مكان آخر يسميه بـ( أبي الكرد..ص 23)..
إن ذلك يندرج أيضاً في سياق المعتقد الصوفي وذلك الانجذاب الروحي إلى المثال القدوة، باعتباره المخلّص بالمعنى الجمعي، وما يترتَّب عليه من توحد نفسي ووجداني معه، حيث لا يبقى مجال من مجال للتردد أو الشك حول المعطى هنا.
والحديث عن مفهوم” الأبوية” في الحزب والسياسة، وخصوصاً حين يمتزج هذا المفهوم بما هو ديني، يتأتى من اعتبار وحيد أوحد، وهو صعوبة، وربما، استحالة التفكير في منحى أو اتجاه آخر لمواجهة العدو أو الخصم.
مسألة دينية وتاريخية
كما قلت، فإن نوع السؤال يحدّد نوع الجواب، من خلال أهميته أو خطورته، وتحديداً حين يعتبر المتحاور في مقام العلامة، أي المتبحر في علوم الدين: من نحو وصرف وتفسير وإعراب وعلوم حديث…الخ، وليس ما يمكن أن يقال عن جوانب أخرى: فلسفية أو علمية بالمعنى الوضعي أو الاجتماعي الدنيوي طبعاً، وتحديداً في السياق المذكور..
يشير الراحل إلى أن القرآن بجملة آياته( حرب على جميع أنواع الظلم والاستبداد، باستثناء خمسمئة آية، تبين الأحكام)، وقبلها يحصر عدد الآيات في ( ستة آلاف ومئتين، وخمس وثلاثين آية..ص 34).
طبعاً لا بد أنه استقى ذلك من مصدر ديني أو فقهي إسلامي، غير أن عالماً، أو رجلاً يلقَّب بالعالم هنا، لا يجوز أن يكون بعيداً عن الدقة في الأمور الدينية وبالنسبة للمحدَّد القرآني، إذ إن القارئ المحايد، وكونه يعتبر كلامه ثقة، أو ربما يعتمد عليه كمصدر في موضوع ما، لا بد من التنويه إلى عدم وجود مثل هذا الجزم في المنحى الذي تعرَّض له الراحل.. إذ إن هذا العدد يتراوح بين ستة آلاف، وستة آلاف ومئتين وستة وثلاثين، من خلال الإشارة إلى المصادر التالية، مثلاً:
القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، دار الفكر، بيروت/ 1993، م1، 64-65، حيث تتعدد الروايات..
السيوطي: الاتقان في علوم القرآن، المكتبة الثقافية، بيروت/ 1973،ج1، ص 67..
الزركشي: البرهان في علوم القرآن، دار الفكر، بيروت/1988، م1، ص 314-315….الخ..
إن لكل رواية مكانتها ورجالاتها ومبرراتها كذلك، وهذا التنوع يفصح عن نوع من المرونة المطلوبة في التعاطي مع الموضوع، بقدر ما يستوجب التروّي أو التأني لحظة التطرق إلى مسألة ذات صلة بما هو قرآني في المقام الأول..
في الجانب التاريخي حول الكرد أصلاً ومتضمنات الموضوع
يتحدث الراحل عن عراقة التاريخ الكردي، ويحدد ذات التاريخ لكل من إبراهيم الخليل وزرادشت، وهذا خطأ فادح!
أولاً، من خلال الاعتماد على مصدر غير معتمَد، وهو لغوي، أي( تاج العروس)، حيث إن الاستناد إلى مصدر تاريخي له صلة بالأنساب، على الأقل، مثل المسعودي، يكون ممكناً، كما في( التنبيه والأشراف- طبعة القاهرة،-ص78)، أو ما ورد على لسان شرف خان البدليسي، في ( الشرفنامة- المقدمة)..
ثانياً، لحظة ربط إبراهيم الخليل بزرادشت( وزرادشت كان في عهد سيدنا إبراهيم عليه السلام، في شرق كردستان وسيدنا إبراهيم، كان في غرب كردستان، ودينهما دين الله وتوحيده..ص 69).
ثمة مسافة زمنية هائلة تفصل بينهما تنيف عن الألف عام، من ناحية أقدمية إبراهيم الخليل( ينظَر حول ذلك ، ما أورده سيد القمني، في ” النبي إبراهيم والتاريخ المجهول، القاهرة/1990، ص50).
والقول بهذا التشارك، يعني الخلط التاريخي، عندما نعلم مدى ارتباط الديانات التوحيدية الثلاث بهذا النبي، وبدءاً من اليهودية، وأعتقد أن ذلك، ما كان يجب أن يخفي على رجل موصوف بالعلم في الأمور الدينية..
حديث حول حديث: رحلة في مدرسة ومنهج ملا عبدالله الغرزي
هذه الفقرة تخص الكاتب عبدالرحيم مقصود، باعتبارها تمثل شهادة على ما تقدَّم!
أولاً، من الصعب، إن لم يكن مستحيلاً، الأخذ بمفهوم الشهادة بالطريقة الاختزالية أو الارتجالية هذه، نظراً لأن مفهوم ” الشهادة” يحتاج إلى نوع من السوية الفكرية والمعرفية والخبرة، وهذا ما يتعذر وجوده لدى الكاتب، وهو من مواليد1980، عدا عن عدم حصوله على شهادة تعليمية، أو ما يدل على تعليم ممنهج في هذا المجال.
ثانياً، ما يؤكد صوابية النقطة الأولى، هو القول دفعة واحدة بـ” المدرسة والمنهج”، أي عدم استيعاب حقيقتهما.
تُرى من أين جيء بمفهوم المدرسة، وكيف يخوَّل لأحدهم أن يتحدث عن اعتبار سواه مدرسة في المعرفة والعلم في مجال محدد؟ وكيف يتأكد هذا القول، بالنسبة لرجل لم يُطبع شيء من آثاره، ولم نجد من يشير إليه في هذا المضمار عملياً، أي انطلاقاً إلى أشخاص معينين يمكن الإشارة إليهم باعتبارهم تلقوا العلم المطلوب على يديه..
ثالثاً، وهذا ينطبق على مفهوم” المنهج”، وهذا واضح حتى في بنية أجوبة الراحل نفسه، أما بالنسبة للمفهوم المقدَّم آنفاً، فهو مجرد استساغة عاطفية مجانية ليس إلا، لأن من الصعب الحديث عن تجلّي منهج معين، مستقل بعينه لدى أحدهم، دون الحديث عن أفكار أو تصورات تصاغ في طروحات أو حتى نظريات، وهذا معدوم لدى الراحل..
وبالتالي، فإنه من السهل القول، وربما، بنوع من التعميم، أن من الصعوبة بمكان الحديث عن شبهة مدرسة أو طيف منهج قويم لدى أي من المعتبرين ” ملالينا”، أو ممن يعرَفون في مجال الثقافة الكردية دينية الطابع حصراً، وإنما يكون كل حديث ترجمة مباشرة للمنحى الوجداني البعيد كلياً عما هو معمول به في منحى العلم أو المعرفة الضابطة..
ويعني ذلك أن تثبيت فقرة كالتي تقدّم ذكرها أساء إلى الراحل وإلى الكتاب نفسه، إن أردنا الدقة، لحظة التشديد على ما هو موضوعي، وما يجعلنا –حقاً- أهلاً للمعرفة، وطلاباً لها وفي عالم اليوم، وبالنسبة لنا ككرد بامتياز..
خلاصة مفتوحة
نعم، ثمة ما يستوجب قراءة الكتاب المعنون، ولكن الذي كان ينتظَر، هو التركيز أكثر على ما كان يعيشه الراحل عن قرب: بالنسبة لصلاته الحزبية، أو تصوراته عما يكونه الحزب، وما تكونه السياسة في محيطه، أو إمكان تطرقه إلى أحداث عيشت، كأحداث عامودا وحريقها، وسوى ذلك من الأمور الخلافية الكردية: حزبياً وغيرها، غير أن انطلاقته إلى نتف من صلاته بأفراد من حوله، وفي السياق الديني، غلَّب البعد الأفقي على العامودي، وفي الوقت نفسه، فإن ما تقدَّم به يبقى في انتظار ما هو مخطوط للقراءة، والربط بينه وبين الذي تردد على لسانه، باعتباره المحك أصلاً!
نعم- أيضاً- ثمة تقدير لكل اسم قيّض له أن يصبح رمزاً كردياً، ولكن التقدير الأول للحقيقة لنستحق دخول التاريخ بجدارة!
أستعيد ما أشرت إليه بداية، وهو توجيه الشكر مجدداً إلى الصديق الكاتب والشاعر إبراهيم اليوسف فيما قام به، ليكون في مقدور سواي أن يتعرف إلى الراحل، ولو في الخطوط الكبرى، وما زلنا نعيش حميمية ذكرى مرور عام على رحيله..
======