ليس للكُرديّ إلاه

غسان جان كير

المُرتفع الأرضي اللصيق بمدينة عامودا من الجهة الغربية , المُسمّى (قلاج جرنك) مُفرجُ كَرْبٍ لسكان عامودا , يلوذون به كلما اشتد بهم ضيقٌ في التنفس أو التفكير , هذه الربوة تمدّهم بسعة الأفق رؤية ورؤى , العين تأخذ مداها في الرؤية , تجول على القُرى لتصل إلى جبال (عبد العزيز) في الجنوب الغربي , ولها أن تتجه إلى الجنوب الغربي فتلتقي بجبل (سنجار) , ولها أن ترسم نصف دائرة من الشمال الشرقي إلى الشمال الغربي مليئة بالفواكه المُجففة المُخزّنة في قرى جبال طوروس .
على سفح (قلاج جرنك) , وفي نادي (كرم) للأفراح , التي غاب عنها ألقها منذ أكثر من سنة كان طابعها الدموي طاغيا على السلميّ منه , في ثورة أُريدَ لها , أن يدفع الشباب الثائر المُسالمين , حياتهم ثمننا لتقويم خلل أصاب سوريا منذ أكثر من أربعة عقود .
في نادي (كرم) كُرّمت (عامودا) لبطولاتها , ولاحتضانها أول مدرسة كردية في زمن الاحتلال الفرنسي , وقد تم تكريمها باختيارها مدينة يُعقد فيها الكونفرانس الثالث للغة الكردية على مستوى سوريا , فكان أيضا تفريج كرب , عن أيام وشهورٍ اتسمت بممارسات سياسية (ساذجة) عنوانها الأبرز هو إقصاء الآخر , يرافقه تجاهل تام للتحاور والتشاور والتنسيق .
ولئن كانت عامودا خالية من الفنادق المُتدرجة في النجومية , فأن لبيوتها الطينية حميمية تُعوّضها عن فقرها المعيشي في استقبال الاضياف , فقد وزّعت اللجنة المشرفة على الكونفرانس المندوبين على البيوت في عامودا , و (اوحت) لهم (أن لا تؤاخذونا على ما زرعته الحكومات من الفقر في بيوتنا) , فأوحى المندوبين (أن مَن طلبَ العلم بات على الطوى) .
القاعة التي احتضنت الكونفرانس يصح عليها القول أنها مُكيّفة , والعكس صحيح أيضا , فأربعة مُكيفات (صحراوية) أعجز من أن تُباري ما تبعثه حرارة ستمائة إنسان تُسعرها حرارة النقاشات , يُضاف إليها سُعيرات حرارية كانت كامنة في مناسف البرغل واللحم بنكهتها (العامودية) موّلها الكثير من سكان عامودا على شكل تبرعات لهذه الغاية , والقاعة وإن كانت مُغلقة فعلا , فقد كانت مفتوحة (معنى) ترسل لافتاتها المُعلقة على الجدران برسائل واضحة و صريحة لكل شوفينيّ ارعنّ , عنّ على باله أن يمحو لسانا أخذ من الله جهداً جهيد ثبّته في القرآن كآية تُثبتُ عظمته . كانت اللافتات باللغات الكردية والعربية والسريانية , تتمحور حول كون اللغة حجر أساس في بقاء الشعوب .
كان للمعرض الفني المُصاحب للكونفراس وقعّ خاص على النفوس , فقد أخذهم الشاعر والفنان والابتكاريّ (صباح قاسم) في رحلة عبر الزمن , ابتداء من (اوركيش) إلى سنين خلت لا نتذكرها إلا وقلوبنا تتجه لأن تتصدّع .
Ghassan.can@gmail.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

أحمد جويل

طفل تاه في قلبي
يبحث عن أرجوحة
صنعت له أمه
هزازة من أكياس الخيش القديمة……
ومصاصة حليب فارغة
مدهونة بالأبيض
لتسكت جوعه بكذبة بيضاء
……………
شبل بعمر الورد
يخرج كل يوم …..
حاملا كتبه المدرسية
في كيس من النايلون
كان يجمع فيه سكاكرالعيد
ويحمل بيده الأخرى
علب الكبريت…..
يبيعها في الطريق
ليشتري قلم الرصاص
وربطة خبز لأمه الأرملة
………
شاب في مقتبل العمر
بدر جميل….
يترك المدارس ..
بحثا…

مكرمة العيسى

أنا من تلك القرية الصغيرة التي بالكاد تُرى كنقطة على خريطة. تلك النقطة، أحملها معي أينما ذهبت، أطويها في قلبي، وأتأمل تفاصيلها بحب عميق.

أومريك، النقطة في الخريطة، والكبيرة بأهلها وأصلها وعشيرتها. بناها الحاجي سليماني حسن العيسى، أحد أبرز وجهاء العشيرة، ويسكنها اليوم أحفاده وأبناء عمومته من آل أحمد العيسى.

ومن الشخصيات البارزة في مملكة أومريك،…

عبد الستار نورعلي

في دُجى الليلِ العميقْ:

“سألني الليلْ:

بتسهرْ لِيهْ؟”

قلْتُ:

أنتَ نديمي الَّذي يُوفِّى ويُكفِّى،

ويصفِّي..

منَ الشَّوائبِ العالقة..

بقفصِ صدري المليءِ بالذِّكرياتِ الَّتي

تعبرُ أفْقَ خيالي..

بارقاتٍ

لامعاتٍ

تَخرجُ مِنْ قُمْقُمِها،

ففيكَ، أيُّها الليلُ الَّذي لا تنجلي،

أُلقي صَخرةَ النَّهارِ عنْ كاهلي،

وأرفعُ صخرةَ الأيامِ والكتبِ والأقلامِ

والأحلامِ،

والكلامِ غيرِ المُباح،

وفي الحالتين أشهقُ..

وأتحسرُ

وأزفرُ..

زفراتٍ حرَّى،

تسمعُها أنتَ، وتعي،

فما فاتَ لمْ يفُتْ،

وما هو آتٍ آتٍ لا ريبَ فيهِ!

وأشتكي لكَ ولصمتِكَ المهيبِ؛

فأنتَ الشِّفاءُ،

وأنتَ…

عِصْمَتْ شَاهِين الدُّوسَكِي

بَدٍلْ لَا تَتَبَدَّلْ

بَدٍلْ اسْتَقِرْ لَا تَنْفَعِلْ

فَالْأَدَبُ أَنْ تَتَحَكَّمَ

فِي الْمَوَاقِفِ لَا تَتَعَجَّلْ

***

الْحَيَاةُ لَيْسَتْ مَنَاصِبْ

وَلَا كُرْسِيٌّ لَكَ مُنَاسِبْ

<p dir="RTL"...