الأولويات عند الأكراد: الجاليات في الغربة

سيامند ميرزو – الإمارات

 من الطبيعي ألا يكون بمقدور الانسان الكردي ألا يعيش عيشة هانئة في الغربة بمفرده .ذلك أنه مجبول بفطرته على التواصل مع محيطه الإنساني والمادي كما لايمكن له أن يجد للحياة طعماً أذا عاش بمعزل عن بني جلدته.
أتناول هذا الموضوع في ظل موجات جديدة من التوتر من طرف حزمة من المشوشين على خلفية الاستعدادات للانتخابات بخصوص الجاليات الكردية وتشكيل المجالس الوطنية، وما يعقد الأمر كثيراً هو جهل الكثيرين بأولويات العمل التحضيري، وكذلك السعي إلى إقصاء غيرهم قدر الإمكان.
ولست بمتخصص هنا كبقية المبجلين من أبناء شعبي حتى أتشعب في فروع المشاكل وجذورها، أنطلق في كلامي من كوني كرديًا يعيش قسرياً في الغربة هرباً من ويلات نظام أرعن، ولست وحيداً في ذلك، فأنا كغيري من المغتربين من أبناء وطني، أما كل همي هو أن أبقى على تماس وتواصل مع المعنيين والداعين والساعين للتواصل والتفاهم المتبادل من جهة ومن جهة أخرى مع الأطراف المحورية الممثلة بقيادات الجاليات والمجالس، وأخص بالذكر هنا (الجالية الكردية) حيث أحيا.
 بالتأكيد همنا وما يشغلنا دائماً هو الارتقاء بالعلاقات التفاعلية بين أبناء الكرد المغتربين مع احترامنا للتجارب المتعددة والطويلة والمتنوعة بحسب البيئة المترعرعة فيها.. رغم ذلك فقضية العلاقات والارتقاء بها تبقى معقدة التفاصيل ومتجددة العوامل ما  بين المد والجزر، وكل ذلك لايمنع من أن تكون جذوة لتعاوننا.
وبحكم هذا الاختلاف الحتمي والطبيعي، فليس هناك من خيار غير التوصل إلى التعاون والتنسيق في الاتفاق على مايمكن الاتفاق عليه، وإن كان هناك اختلاف في الطبائع والمشارب وتباين في الآراء، وبغير ذلك يقع ما لا تحمد عقباه من تنافر وتناحر يقطع الأرحام ويحرق الأخضر واليابس. نعم اليابس القابل للاشتعال وهو كثير.
وسط أشد الاختلافات في وجهات النظر وتوصيف كل واحد منا الآخر بصفات ليس غريبة عن أحد،  لا بد من خلال كل ذلك البحث عن طريق ثالثة، ومن خلال مؤشرات كثيرة وبغياب الوسطية المتوزانة المرتبطة – أخذت تترسخ بالزمان والمكان والإنسان أفكار فيها من الكثير، كالسراب الواقع بين الوهم والحقيقة، وليس من حق أحد أن يتجنب أي شخص، ويرسّخ الاتجاه الذي يوظّف الخوف والإقصاء لتحقيق مكاسب فئوية ضيقة، أما الأخرين فيعتبرونه ظل من لاظل لهم ..لابد من الحكمة وعدم تهميش أحد على أسس ثقافية أو إعلامية أو اقتصادية أو أي سبب آخر، فالاختلاف يجب أن يكون ائتلافاً، لا داء من غير دواء، والنأي بالنفس عن الممارسات التحزبية القديمة من خلق صراعات من فراغ، واتخاذ دور العظيم الواحد الأحد.

رغم كل شيء، لابد الخروج من دائرة الاتهامات والتخوين وعدم ممارسة دور الأب أو العراب في كل شيء،  فليس من حق أي مثقف أو إعلامي أو سياسي أو سليل عائلة تعيش على أمجاد الماضي أن ينصّب نفسه أو أي أحد ناطقاً باسم فئة معينة. إن كان هناك (عرّاب) فتلك الفئة تصنعه وتسقطه، وما عدا ذلك تبقى الخلافات لاتفارقنا نحن الكرد، حيث الشقاق والنزاع نشربه مع حليب أمهاتنا.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ادريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…