صناعة التفاؤل

إبراهيم اليوسف

أخذ الكثير على الأدب الواقعي الاشتراكي، على أنه ” أدب النهايات السعيدة”، حيث دأب الأديب الواقعي الاشتراكي، على فتح نافذة الأمل، على مصراعيها ، مهما كان الواقع غارقاً في المأساة والألم، ووجد بعضهم في مثل هذا الإقحام من قبل الكاتب تزويراً للواقع، لاسيما حين تكون هناك حروب مشتعلة الوطيس، ويروح ضحاياها البشر، أطفالاً، ونساء، وشيوخاً، ورجالا على حد سواء.
وأمام انكسارات الإنسان، وأحزانه، وإحباطاته، في محطات ما، من دورة التاريخ، يبدو الأمر للوهلة الأولى، وكأن لامناص مما يتم من حوله، لاسيما عندما يبلغ الشر ذروته، وهو يجهز على كل ماهو جميل،
 فيشعل نيرانه، في جهات المكان، وهو يتكىء على غريزة إلغاء الآخر، وقتله، وعدم الاكتفاء بما يتركه بارتفاع مؤشر”بارومتر” الجريمة إلى أعلى أمدائه، وإنَّما إشعال المكان، بما فيه من شجر وحجر، ليتمَّ رسم لوحة جد أليمة، إرضاء لمثل تلك الغريزة التي لاترتوي، ولا تهدأ، من دون أن يتمَّ اختلاط حطام المكان بالدم الإنساني الأغلى، على الإطلاق.

وعبر مقاربة من طبيعة -القاتل- الذي تطور حالياً، تبعاً لتطور درجة الحياة، حيث بات هو الآخر يطور فلسفة القتل لديه، لتكون أكثر وحشية عما كانت عليه من قبل،إذ أنه وهو يلوح بمظاهر قوته، كتحدِّ لمنظومة القيم والأخلاق، لايفتأ يعلن عن أنه الضحية من جهة، وأنه حامي الوطن والإنسان، وما اضطراره إلى نحر الآخر، إلا لأنَّه المفوض بأن يكون رسول مواجهة الشرِّ، حيث يلجأ إلى ممارسة التزوير، عامداً إلى تزيين صورتها، وزخرفتها، مستفيداً من الفضاء الإعلامي الهائل، واعتماداً على بعض البهلوانات والمهرجين الذين يؤجرون مواقفهم، حسب الطلب، ووفق متطلبات المصلحة والمنفعة الذاتيتين.

ولعلَّ من متطلبات الشخصية الأكثر كارثية ومرضاً في الأدب، أنها تتصرَّف على نحو غير سوي، ولا تجد مايكفل لها استمراريتها إلا عبر إلغاء الآخر، وهدر روحه وحياته، كما تجلى في السيماء النيرونية، وهو يحرق روما، عن بكرة عمرانها، وأناسيها، ليواصل العزف على آلته الموسيقية، متلذذاً بالأثر الذي تركته أصابعه، من حوله، غير مكترث بكل ما ارتكبه، إرضاء لهستيرياه المتناسخة في أرواح تلامذته، في كل زمان، ومكان، حيث بين كل هذه الشخصيات، ماضياً وحاضراً -وليس مستقبلاً لأن اللحظة المقبلة لن تقبل باستمرارية هذا النمط الشاذ الآيل للأفول- بينها، جميعها، الملامح والصفات المتشابهة، بيد أن هذه الشخصية تتطور، تبعاً للحظة، لتخرج بالشكل المتجدد، ممارسة كل ما يتهيأ لها من موات ودمار.

إزاء تطور مثل هذه الشخصية، فإن الأدب الذي يتناولها، في لحظة تحوله، مطالب بأن يخرج من القماقم التقليدية التي رسمت الشخصية المفطومة على الدم، في تجددها، مادامت بيئات نموها متوافرة، وأن ضريبتها إنما تكون في نهاية المطاف: إنساناً، وحضارة، مادام كل هذه الجريمة لاتتم في مختبر افتراضي، بل في فضاء واقعي، ما يجعل الكائن البشري هو الضحية والخاسر.

وأخيراً، لابد من التأكيد، أنه أمام بشاعة وهول مايجري، في مناطق كثيرة، يتمسرح فيها القتل، فإن الأدب الجديد مطالب بأمر على درجة بالغة من الأهمية، وهو التحرك في إطارين، أحدهما أن يكون صدى اللحظة، ضمن مواصفاتها المتبدلة، كما أنه لابد من إعادة الاعتبار للثقة بقوة الإنسان، في حماية ذاته، مما يكدر عليه صفو إنسانيته، مادام أنه يمتلك في المقابل قوة متجددة، عملاقة، تستطيع قهر كل معوقات تطوره وحضارته وبقائه، وديمومته.

elyousef@gmail.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…