عبداللطيف الحسيني.. باحثاً عن اسمه الجريح

عمر كوجري

لكان الشعراء والكتاب مجاني حقيقة، ففي هذه الظروف العصيبة التي لا مرت ولن تمر على هذي البلاد سوريا التي اشتكت قحطاً في المجال الثقافي من طباعة كتاب أو تسويقه أو بيعه واقتنائه.
في هذه الظروف التي كان الشاعر أو الكاتب السوري المشهور أحياناً يجازف في طباعة مئتي أو ثلاثمائة نسخة، يوزعها على محبيه واهل بيته وبعض الصحف والمجلات، هاهو الكاتب والصديق الشاعر والزميل الشقي منذ أيام الدراسة الجامعية عبدالطيف الحسيني يبحث عن مكامن الجرح في كل كيانه وفي اسمه تحديداً، يجازف بطباعة كتابه الجيد « ظلال الاسم الجريح» الصادر قبل أيام قليلات،
حيث في لحظة جنون عهدناها من الحسيني منذ أيام الدراسة الجامعة في ثمانينيات القرن الماضي، يقرر أن يتحدى القتل، وينتصر للموت في وجه كل هذا القبح اليومي، بزج كتابه ” الجريح” في وسط هذا الدخان والحريق ومشهد الذبح اليومي، بعد أن صدر قبلاً من الآن بعضاً من كتبه التي مازال عديدها وكثيرها ينام في غبار أدراجه إن كانت لديه أدراجاً وأقفالاً، والصحيح تحت مخدته، منها ما لم يتحمل فخرج إلى « جحيم» النور، وهي نحت المدن الصغيرة- نحت مدينة عامودا- كتاب عامودا- مسودات عامودا- والطريف أن الحسيني لم يعرف بالضبط متى صدرت هذه الكتب، المهم هي صدرت وكفى، حيث هاتفته بتوقيت وتواتر صدورها.

كل شيء في ظلال الحسيني الجريحة محفز للقراءة، اعتباراً من لا معقولية ومن جنون إصدار الكتاب في غير توقيته، وفخامة شكله ومروراً ببراعة النصوص المكتوبة بعناية وبذخ أدبي فخم، وحتى المقدمة التي كتبتها للكتاب الباحثة والكاتبة المغربية لطيفة لبصير والتي احتفل بمقدمتها صديقنا الحسيني فوضع كاااامل كلامها ما كتبت على غلاف” ظلاله الثاني” .
وأوصاني وأنا أسجل رغبتي في الإعلان عن صدور الكتاب بوضع مقدمة لبصير بقدر كبير حين أكتب، وهو السليل من عائلة ثقافية جميلة في النحو والصرف وفقه اللغة والأدب الرفيع، ولا تحتاج نصوص الحسيني إلى مقدمات تحجمها بقصد التسويق والإضاءة لأنها مضاءة حقاً بفخامة المتن ومهابة اللغة الأدبية الرفيعة.
تقول الأستاذة لبصير بحق كتاب « ظلال الاسم الجريح» :
 لم أستطع أنْ أقرأ هذه النصوص بصمتٍ دونَ أن تعود إليّ أصواتٌ كثيرة نامت بداخلي،وحين ودّعتها سال شيء من الحلق: حريق بعض الكلمات العالقة. إنها نصوص عبد اللطيف الذي تناثرت حروفُ اسمه وتجزأت…فكل مَنْ مرّ بها سرق حرفا فبقي يتيما .لا تمر نصوص الكاتب عبد اللطيف الحسيني على العالم الذي يصرخ بالدم والقبور دون أن تستعين بكل مناهل الفكر والأدب، فهي تعود لابن الفارض وللسهروردي ولمحمود درويش ولابن عبد ربه الأندلسي…وكأنها تستعين بالتاريخ الفكري لتعيد لحم الذات التي انكسرت من الداخل وتبعثرت إلى أشلاء ومزق. إنها تتّمات حداثية للكاتب يسائل فيها الفكر والأوراق والحياة والأشخاص»
وبعد، مبروك لصديقي عبداللطيف الحسيني جنونه العذب وإصراره على التقاط مساحات الجمال، رغم كل هذا التشوّه وهذا القبح،

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عصمت شاهين الدوسكي

 

ربما هناك ما یرھب الشاعر عندما یكون شعره تحت مجھر الناقد وھذا لیس بالأمر الحقیقي ، فالشاعر یكتب القصیدة وينتهي منھا لیتحول إلى تجربة جدیدة ،حتى لو تصدى لھ ناقد وبرز لھ الایجابیات وأشار إلى السلبیات إن وجدت ، فلیس هناك غرابة ، فالتحلیل والتأویل یصب في أساس الواقع الشعري ،وكلما كتب الشاعر…

فيان دلي

 

أرحْتُ رأسي عندَ عُنقِ السماءْ،

أصغيْتُ لأنفاسِ المساءْ،

بحثْتُ فيها عن عُودٍ ثقاب،

عن فتيلٍ يُشعلُ جمرةَ فؤادي،

ناري الحبيسةَ خلفَ جدرانِ الجليد.

 

* * *

 

فوجدْتُه،

وجدْتُه يوقظُ ركودَ النظرةِ،

ويفكّكُ حيرةَ الفكرةِ.

وجدْتُه في سحابةٍ ملتهبةٍ،

متوهّجةٍ بغضبٍ قديم،

أحيَتْ غمامةَ فكري،

تلك التي أثقلَتْ كاهلَ الباطنِ،

وأغرقَتْ سماءَ مسائي

بعبءِ المعنى.

 

* * *

 

مساءٌ وسماء:

شراعٌ يترنّحُ،

بينَ ميمٍ وسين.

ميمُ المرسى، عشبٌ للتأمّلِ وبابٌ للخيال

سينُ السموّ، بذرةٌ للوحي…

ربحـان رمضان

بسعادة لاتوصف استلمت هدية رائعة أرسلها إلي الكاتب سمكو عمر العلي من كردستان العراق مع صديقي الدكتور صبري آميدي أسماه ” حلم الأمل ” .

قراته فتداخلت في نفسي ذكريات الاعتقال في غياهب معتقلات النظام البائد الذي كان يحكمه المقبور حافظ أسد .. نظام القمع والارهاب والعنصرية البغيضة حيث أنه كتب عن مجريات اعتقاله في…

ادريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…