أنا الرجلُ “
الذي
تمدّدَ
فوق سكة القطار , ولم يمنعه أحد”ٌ
الكاتب يريدُ من أن يظهرَ بطل أسطورته المنقذَ ، أو المسيح ليفديه فليس من العدل أن يتمدّد فوق سكة قطارٍ بينما الناس يتفرجون . هي الحقيقة ، وليست مجازاً أدبياً . فالجميعُ متفرّج على شبابٍ يتمدد فوق سككِ القطارات يريدون الوصول إلى الهدف. هو فيلمٌ يمتّع العالم . .
هذا الاغتراب المرّ الذي يعاني منه ذوو المواهب المتفجرة ، اغترابٌ أكبر بكثير مما نتصور . غربة عن النفس ، والمجتمع ، والحياة .
عبد اللطيف الحسيني جزءٌ من المكان الذي نسميه وطناً. وفي داخله عذابات
الطفولة ، والشباب ، عذابات البطالة ، والسجن . هو وجه من الوجوه الثائرة التي افتقدت الأشياء التي تحقق لها الحد الأدنى من الطّموح .
“إنّهُ الوجهُ الذي لا يغادرُهُ الشّحوبُ ، الوجهُ الذي فرّ مِنَ المعركةِ ، وراياتُ الهزيمةِ مغروسة في قلبهِ دونَ أنْ يُحسَّ”
وكما أنّ لكلّ منّا تاريخٌ تضيئه شموع الحبّ . ولكلّ منا مكانٌ عزيز يحلم أن يعود ، فتلك البيوت الضئيلة الحجم . نشأت فيها قاماتٌ كبيرة . كان لها هموم كبيرة ، تضجُّ الحياةُ في داخلها أكثر من القصور
“بيتُ جَدّي خربة يتذكّرها أصدقاؤه : مرّ من هنا حاملاً كتبَه الكبيرة التي تُشمًّ منها رائحةُ الصّفرة الكابية”
الحياةُ في تلك البيوت المتهدمة . مليئة بالإنسانية ، وحب الحياة ، وكل ما يتعلّق بمشاعر الإنسان
“تحتَ هذه الشّمعةِ دوّنَ كتاباً لا ينتهي ، هنا أطعمَ القطط الأليفة ، و لفّها بعباءَتِه ليغنّي موّالاً شجيّاً”
من قالَ أن الرّجال لا يبكون ؟ إنّهم يذرفون الدّمع أنهاراً . وللدّمع لغة يتحدّث بها . يحتاج أن يعيد للطفولة بسمتها ، وأن يداعب الفتيان تلك الدموع كأنهار لأوراقهم وسفنهم المقبلة .
“هذي المياهُ التي لا تراها في النهر , إنها دموعي كي يرمي الصبية سفنَهم الورقيّة فيها”
هل حقاً أصبنا بالشلل والخجل ؟
نعم. فمقص رقيبنا هو الذي يقضم كل أفكارنا وصرخاتنا . نهذي ببعض الكلمات فقط
“تمكّنَ الشللُ منّا وأقامَ وطابَ له المقامُ زمناً قضمْنا فيه أنيابنا, وسطع نجمُ الخجل وخفوت الصوت ليصلَ إلى حدٍّ الهذيان الداخليّ و نقد العقل , فلا إمامَ سواه بعد تسونامي الذي فاضّ وشتّتَ شملَ اللون الواحد “
يحبّ أهل عامودة أن يتغنوا بشرمولا ، ومع أنني أعتقدُ أن الماضي قد قطع مع الحاضر إلى غير رجعة . قد يكون ابن شرمولا شخصاً آخر ، وأقول : أن ابن عامودة يرغب أن يتغيّر . أن يقبر الصمت ويعلن عن كل مايحتاج إلى الإعلان به على الملأ .
“ابن شرمولا يتساءلُ : أين كانت تختفي كلُّ الوجوه المعلنة والمختبئَة ؟
جئتُ لأصرخَ وأحتجّ في أيّ شارع أو زقاق أشاؤُهُ , وفي أيّ وقت يشاؤُني , وعلى أيّ لسان عابثٍ يحملُ سقطَ الكلام أو مهلهله ,أوأيّة يدٍ فوضويّة تلهو وتغدرُ بنا.
من فضلك : افسحْ طريقاً للإنسان الجديد الصائِت كي يجمّل دنيانا , وإنْ لم تتمكّنْ من مجاراته فلا تتوقّفَ أمامَه صوتاً صامتا”ً
الشاعر يبحث عن الحقيقة في ذاته المتغرّبة . يريدها حقيقة صارخة . ليس من خلال مرآة جامدة . بل من مرآة الحياة التي تفور بالشباب . فكم أخافته الشيخوخة ! ويخشى أن يغادره الشباب قبل أن يقف على الدرجة الأولى من سلم الفرح !
ما أكثرَ تلك المرايا التي تُخفي الأقنعةََ وتعطي كشوفات الذات صوتاً وصورةً وصدى ! , أعدْ إليّ شبابي كي أدفنَ بقايا حياتي الكهلة قبلَ أنْ أتوكّأ على عصايَ وترتجف يدي ويغطّي عينيّ العماءُ, قبلَ أنْ يناولني حفيدي علبةَ الأدوية مُمتعضاً من بؤس حالي وسعالي
يرتفع الحس الوطني عند الكاتب إلى مستوى أعلى من المكان الصغير . إلى البيت الكبير الذي أسميناه وطناً . سورية التي لم تحتضن ألم الكاتب ولا ألم شبابها ، ويعيش قصة حمص البياضة من وجه صبيّ يشبهه في التوق إلى الحريّة .
“سألتُ الصبيّ الذي يرافقها وهو مهلهلُ الثياب والملامح والروح : من أين أنت ؟ أجابني متقطّعاً ومشتاقاً وغريبَ الوجه واليد واللسان: ح – م – ص – البياضة .
من فضلكم : هاتوا حياتكم ودوّنوها (نعم دوّنوها) أو اكتبوها أو ارسموها أوغنّوها أو خطّطوها لأتعرّف عليها “