صاحب واجب

غسان جان كير

حدثنا العطال البطال قال: لمّا وصلت المظاهرات إلى أوجها في عامودا, وكنّا نحمد الله على سلميتها قياما وقعودا, و ضبط النفس من جانب النظام كان أمراً مقصودا, مع إدراكنا بسماحه لحرية التعبير لم يكن بالأمر المعهود, وكلّنا على كبته للأنفاس شهود, وصرفنا الكثير من الوقت في النقاش, ونسينا أمور العائلة و إمدادها بالمعاش, وكنّا جماعة من العاطلين عن العمل, تجمعنا فكرة إصلاح النظام ليس فيه أمل, وأنّ بقاءه كبقاء بيضة على سنام جمل, وكنّا نتذاكر أمور المظاهرات في بداياتها, ونسرد برومانسية غاياتها, وبين الفينة والأخرى, نرفع نخب أول مظاهرة, نتداول لافتاتها بالتحليل والتمحيص, نعاين رسائلها بمزيد من التشخيص, ونقارنها برسائل إعلام النظام وقد وقع في (حيص بيص), وكانت النقاشات لا تتجاوز نبرتها المعهودة , ألِفناها مُذ كانت عيون النظام لنا مرصودة,
ولمّا أخذ الكأس منّا مأخذه, ونال الحديث من الاتّساع منفذه , أفرغنا جعبتنا من النقد سهاما, ظناً إنا نشارك في تقويم الاعوجاج إسهاما, وتناول النقدُ القادة في السياسة, والله يشهد إنا من وراء النقد لا نطمح في الرئاسة , وعلى هذا الأساس, انفلتت منّا الامراس, وازداد بيننا الصخب , وبتنا نرفع النخب تلو النخب, مُبدين التقدير والإعجاب , ببعد النظر لدى الشباب, وقصوره أحيانا لدى بعض الأحزاب.
فبينا نحن في هذه المعمعة, والألسن بالنقد ملعلعة, وإذ ب ( بعثيكو قربانو) يجلس على طاولتنا, وببشاشة مُصطنعة يقتحم خلوتنا, وكذا كان طبعه, في أيام الدراسة, كان مُرهف السمع, و دون حياء يُقحم نفسه في الجمع, وفاجئنا بأخذه منّا المحاورة, وباستلابه زمام المبادرة, وإجادته لفن المناورة, وزاود علينا بالدفاع عن الأحزاب, مُتّهما حزبه القديم بالتسبب في هذا الخراب. فقلنا له: الويل لك, لا أبا لك, من أين لك هذه الشجاعة ؟! , وكنتَ تغمض العين كي لا ترى البشاعة, وكنت َفي التنصّت إلى الوشوشة سميّع, وخطك في الكتابة كان بديع, وكلّ هذا الوقت وأنت صامت, وفي المساجين من أجل القضية شامت, فقال: دعوا عنكم هذا, ولا تسألوا لماذا, فالقضية إنني ذو عقل ديناميكي, في حكم المناشفة منشفيكي, وفي حكم البلاشفة بلشفيكي, وفي النهاية فالعمل في السياسة واجب.
قلنا صدقت, مع ما فيها من العجائب …!!!  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

رضوان شيخو

يا عازف العود، مهلا حين تعزفه!
لا تزعج العود، إن العود حساس..
أوتاره تشبه الأوتار في نغمي
في عزفها الحب، إن الحب وسواس
كأنما موجة الآلام تتبعنا
من بين أشيائها سيف ومتراس،
تختار من بين ما تختار أفئدة
ضاقت لها من صروف الدهر أنفاس
تكابد العيش طرا دونما صخب
وقد غزا كل من في الدار إفلاس
يا صاحب العود، لا تهزأ بنائبة
قد كان من…

ماهين شيخاني

الآن… هي هناك، في المطار، في دولة الأردن. لا أعلم إن كان مطار الملكة علياء أم غيره، فما قيمة الأسماء حين تضيع منّا الأوطان والأحبة..؟. لحظات فقط وستكون داخل الطائرة، تحلّق بعيداً عن ترابها، عن الدار التي شهدت خطواتها الأولى، عن كل ركن كنت أزيّنه بابتسامتها الصغيرة.

أنا وحدي الآن، حارس دموعها ومخبأ أسرارها. لم…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

فَلسفةُ الجَمَالِ هِيَ فَرْعٌ مِنَ الفَلسفةِ يَدْرُسُ طَبيعةَ الجَمَالِ والذَّوْقِ والفَنِّ ، في الطبيعةِ والأعمالِ البشريةِ والأنساقِ الاجتماعية، وَيُكَرِّسُ التفكيرَ النَّقْدِيَّ في البُنى الثَّقَافيةِ بِكُلِّ صُوَرِهَا في الفَنِّ، وَتَجَلِّيَاتِها في الطبيعة ، وانعكاساتِها في المُجتمع، وَيُحَلِّلُ التَّجَارِبَ الحِسِّيةَ، والبُنى العاطفية ، والتفاصيلَ الوِجْدَانِيَّة ، وَالقِيَمَ العقلانيةَ ،…

إبراهيم اليوسف

الكتابة البقاء

لم تدخل مزكين حسكو عالم الكتابة كما حال من هو عابر في نزهة عابرة، بل اندفعت إليه كمن يلقي بنفسه في محرقة يومية، عبر معركة وجودية، حيث الكلمة ليست زينة ولا ترفاً، مادامت تملك كل شروط الجمال العالي: روحاً وحضوراً، لأن الكلمة في منظورها ليست إلا فعل انتماء كامل إلى لغة أرادت أن…