أيها الثائر المتعفف

المحامي محمد ملا رشيد

      هكذا كان والدي رحمه الله العلامة الأستاذ ملا عبد الله ملا رشيد الغرزي فقد كان شعلة من العلم ..و التضحية .. و المثابرة في سبيل إظهار و بيان الحق ..و خدمة شعبه الكردي بدون كلل أو ملل و كان يرى أن الأخوة العربية الكردية قديمة قدم التاريخ و كان الكرد يدافعون عن أخوتهم العرب و خير مثال (صلاح الدين الأيوبي) ..و أبطال الثورة السورية الكبرى يوسف العظمة  و إبراهيم هنانوا ضد الاستعمار الفرنسي … و كان يقول و يردد دوماً (الأخوة العربية الكردية صخرة صلدة تتحطم عليها قيود الأعداء و الطامعين).. كان رحمه الله ثورة فكرية على الكثير من العادات و الطقوس البالية السيئة التي كان يستخدمها البعض باسم الدين تارة و باسم القومية تارة أخرى و بأسماء فكرية أخرى ..
كان ينظر إلى الأمور بنظرة علمية و منطقية و تحليلية ولم يكن ينتظر الشكر و المديح من أحد و كان يكره تقبيل الأيدي ..؟؟! و (مسح الجوخ) كمثل دارج ..   و لم يكن محسوباً على طرف دون طرف آخر..؟؟! كما كان يتصوره البعض فقد إنساناً عاماً بأفكاره ذا نظرة شمولية و يكره أن ينساق إلى مصالح حزبية أو شخصية ضيقة  و كان يرى أن أي مشكلة أو خلاف يحدث في مجتمعاتنا لا تنحل إلا بالحوار و التفاهم و من آرائه أن العصبية مرض عضال مهما كان نوعها يفتك بالأمم و الشعوب و أن التآلف و الوحدة و التقارب هو الحل و لم يكن يهتم بالأمور و المصالح المادية فكان رأيه أن المادة تخلق و تفنى إلى العدم لكن الروح باق لا يفنى فيهتم بالأمور الروحية و يرى أن رضاء الله و التقرب إليه هو قمة التهذيب الروحي و الأخلاقي و السمو الإنساني .. هكذا كان في حياته ..و سيكون بعد مماته.. فلن ينتظر الدموع التماسيحية لتذرف على قبـره  أو تتأسف على رحيله ، فيقوم بينهم قائل ويقول : ( لم نعرف قدره إلا بعد رحيله ..فقد كان جوهرة نادرة بيننا و كنزاً دفيناً لم نعرف بها و لم نقدرها حتى بعد رحيله.. ؟؟!) ، فقد كان يُعْرفُ قدره و مكانته بين رفاقه و شعبه من المناضلين ذوي الضمائر الحية.. أصحاب النفوس الممتلئة بنور العلم  و الإيمان بالله و المشرئبة بالخير و العطاء و المحبة لشعبهم و لوطنهم.. فقال قائلهم ):  نحن نحب الأستاذ و العالم الجليل ملا عبد الله و نقدره لا لشيء إنما لأنه يستحق التقدير ..) و أذكر أن الأستاذ عبدالوهاب الكرمي كتب مقالة عن الوالد بعنوان ( حكمة الله) هذا نصه :
((هنا يا سيدا ، هنا يا سيدي ، هنا أيها الرجل الرائع أيها الداعية . أيها العالم . هنا نفترق  هنا سنمنحك للأرض لتتشرف بمقدمك ، تهيأي أيتها الأرض لضيافة رجل عجوز أنهكته أحلامه التي طالما جاهد في أن يجعلها حقيقة لأجيال قادمة .
أيها الثائر المتعفف يحق لك أن تسمى بـ (( سيدا)) لأنك لم تنحني و لم تتخاذل ، و لم تتنازل هامتك ..كانت على الدوام مرفوعة و لمثلك تنحني الهامات ((سيدا)) ينتظرك الآن بعمامته البيضاء المخضبة بدماء الحق ((الشيخ معشوق الخزنوي )) الذي شاطرك المبادئ  و الرفعة و قول الحق – ما غادر ذاكرتنا كما لن تغادر ماذا سأكتب عنك ، ماذا سأقول فيك ، إن أمثالك لا يموتون و لا ينتهون ، و لكنهم يغادرون إلى البعيد البعيد ليتحولوا إلى نجوم إلى كواكب لنهتدي بهم و يظلوا في أحلك الليالي يضيئون لنا الطريق .
أيها الحر الآن .. هو الوداع الأخير و اللقاء الأخير و بعض وصاياك الأخيرة لكي نحتل موقعاً لائقاً بشعبنا و ننتزع حقه في حياة حرة كريمة علينا أن نتوحد بقوانا و قرارنا ، يجب أن نؤمن بالوحدة و توفير مستلزماتها ، أنظروا إلى الأمام و هو أفضل و أنجح لمستقبلنا و افتحوا صفحة جديدة للعيش و بناء المستقبل .
رحمك الله يا سيدي يا من تحف به الملائكة الآن)).
كما كتب قصيدة باللغة الكردية يعزيه فيقول :
مـلا عبــد اللــهِ كـــــردي                 ژ كردان ره ﭽه صافي بو
هـﭬالي ديل و بن دســتـان                 أبــو ذري غفـــــاري بــو
دلوﭬان ئوو جـﮝرمند بو                 سيامنـــدي خجــــــا كردي
ديــاغـﮔيــرو ولاتـﭙــرور                 نظيري شيخي خــــاني بو
ملايي كــورد ژبو سـيــدا                 ﮔلك غمــــبار و بي كيفــه
فلك غــــــداره أم كشتـــن                 ژ ته هشتــن نه سـاغي بو
أري سيدا تو ﭽُوي واري                 حــق بالي شيــرين يـاران
ﮔلك دردي مللــت كيشـــا                 ژيانــــا تــه خـــزاني بـــو
بلي زنـﮔيني ئوو دولـــت                  نه تنــها زيــــرو ألماســه
ﭽكو هشمنـد و دلـــدارك                  بدل هــــردم جــــواني بـو
هره سيــدا بـدل شــــادي                 همي ﮔـــل بو تــه دلسوزه
له ريكا ته خــودي دوزه                 وكي بازجــــان فزاني بــو
                                                        ((ملي كورد))
بهذه الأبيات يبين الشاعر أن سيدا كان صافياً كمياه ينابيع جبال كردستان في محبته لشعبه يتألم بآلامه و يفرح لأفراحه كان صديقاً للمظلومين و المحرومين فكان شبيهاً بأبو ذر الغفاري رضي الله عنه الصحابي المشهور فكان رحوماً ذا قلب رقيق و كان عفيف النفس همته الرفعة و العزة كقمم جبال أرارات و جودي و روست ..  و كان جريئاً مثل سيامند فتى الأدغال فكان إنساناً وطنياً و مفكراً  كأمير الشعراء أحمد الخاني رائد الكردايتي ثم يظهر الشاعر ملي كورد حزنه و تأسفه على رحيل العلامة و المعلم فكان خسارة كبيرة لمجتمعه ..ففراقه كعلامة و أديب و مفكر و مناضل كما الأدباء و المفكرين الآخرين و المناضلين أمثال جكرخوين و ملا أحمد بالو و سيدايي تيريژ و ملا مصطفى عيسى من الهلالية و غيرهم ..فبرحيل هؤلاء خسارة فادحة لا تعوض ..مع العلم أنهم تكبدوا الكثير من المعاناة و الآلام و مرارة الغربة في الداخل و الخارج و لم يحظوا باهتمام و رعاية كافية يستحقونها أثناء حياتهم بل حتى و بعد مماتهم فالكثير منهم كان لهم مؤلفات و كتب أدبية و فلسفية و…و لم يطبع أو ينشر لهم كتاب واحد أو كتابين …؟؟! بل حتى أن بعض مؤلفاتهم تعرضت للتلف و الضياع ..؟؟!  كمثال فالمفكر الكبير و أمير شعراء الكرد أحمد الخاني له الكثير من الكتب و المخطوطات تعرضت للضياع و التلف ….؟؟!

و في البيتين الأخيرتين يخاطب ملي كورد ((سيدا)) كن مطمئن القلب و الخاطر فقلوب الكثيرين من أفراد شعبنا معك و يعاهدونك في السير نحو خطاك و الطريق الذي سرت فيه طريق النضال و الكفاح ..طريق العلم ..و الفكر …و الكردايتي..و الوالد رحمه الله سيبقى خالداً في ضمير المثقفين و طلاب العلم و المفكرين و سيتحول طريقه إلى مدرسة علمية و فكرية و نضالية ينهل منها من يشاء .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…