اليارسان أو أهل الحق طائفة باطنية كردية «مخطوط غير مطبوع سيصدر قريباً عن دار الزمان في دمشق» (3)

دحام عبدالفتاح

في سياق بحثنا الخجول عن نشأة هذه الطائفة ومنشئها واجهنا سؤال تستدعى الإجابة عليه قدراً من الموضوعية والحيادية . وهو : هل أن تسمية ( أهل الحق ) والـ ( علي إلهي ) هما تسميتان لمذهب واحد أم لمذهبين مختلفين ؟

لا نملك الإجابة الدقيقة على هذا السؤال ، وليس لدينا ما نستعين به على استخلاص الإجابة أو استحضارها من مصدر مريح . والمصادر التي في متناولنا لا تتفق على رأي واحد :
–  يقول منذر الموصلي في حديثه عن دين الكرد :
” إن تسميات علي إلهي أو علي اللهي أو عللي آلاهي أو علي حقه أو أهلي حقه ( أهل الحق ) هي في حقيقتها تسميات عديدة لمذهب واحد ”  . ([1])
رأي الموصلي واضح لايحتاج إلى تعليق فالـ ( علي إلهي ) و ( أهل الحق ) مذهب واحد .
– يتحدث الأستاذ فؤاد عبد الرحمن عن مذهب أهل الحق قائلاً : ” هذا المذهب مرتبط (  Pestirawe) بالإسلام كالإسماعيلية والشيعة والعلي إلهي واليزيدية ([2])
يتضح من هذا القول أن أهل الحق مذهب متفرع من الإسلام ، مثله مثل الإسماعيلية والعلي إلهي .. وهذا يعني أن مذهب أهل الحق يشبه مذهب العلي إلهي في تفرعه من الإسلام ، أي أنهما مذهبان مختلفان .
ويؤكد الأب توماس بوا في بدايات مقالته في الكتاب على أنهما مذهبان مختلفان ، إذ يقول : ” لا يحب أهل الحق تسميتهم بـ ( علي إلهي ) كما يشير إليهم الشيعة ، وعوضاً عن ذلك يرغبون في أن يُدعَوا بأتباع الحقيقة السامية والمطلقة ، التي هي الله … “
واضح أن رأي الموصلي ورأي الأب توماس مختلفان في التسمية والدلالة . فالموصلي يرى أن جميع التسميات المذكورة هي لمسمى واحد ، وهو ( أهل الحق ) أو ( علي إلهي ) . فالمذهب واحد بكل تسمياته المختلفة . وهو رأي نقلي دون سند يعززه . أما الأب توماس فأنه يرى ، لكل تسمية منهما دلالة مختلفة ، أي أن مذهب ( أهل الحق ) يختلف عن مذهب ( علي إلهي ) اختلافا يجعل أحدهما يتبرأ من الآخر ويرفض الانتماء إليه . وهذا الرأي مستنبط من كتاب ” الباطنية الكردية ” ومنقول عن مؤلفه الحاج نورعلي شاه الذي يعتبر من أشهر المنتمين إلى مذهب أهل الحق ، والمؤلفين فيه بعد والده الحاج نعمت الله ، مؤلف ملحمة ” شاهناميي حقيقت” ، أجود وأبدع ما كُتِب في المذهب .
خلال تتبعي لما كتب عن أهل الحق تشكلت لديّ قناعة تامة بأن أهل الحق هم حقيقة غير العلي إلهي ويختلفون عنهم في كثير من الاعتقادات والممارسات الطقسية . وقد يكون المذهبان في بدايات الظهور والانتشار مذهباً واحداً ، وقد تكون جذورهما التاريخية واحدة لكن بفعل الغموض والنقل الشفاهي للأخبار المضخمة عن المذهب وأوليائه المدهشين ، وعن حالات التجسد الباهرة ، المنقولة خلال مواعظ دراويش يفيضون إيماناً وإشراقات ، وهم أمييون . كل ذلك وغيره من الخوارق المتداولة ساهم في تشكل طائفة من القوم غالت في حب الإمام عليّ وأبنائه . تضخم هذا الحب حتى بلغ بهم درجة التقديس التي نجدها عند أتباع الـ “علي إلهي” الذين يُنقَل عنهم الكثير من التطرف الذي يضعهم في خانة التجديف المرفوضة إسلامياً  ([3]). وآخرون منهم ، ظلوا على ما كانوا عليه في نشأتهم الأولى ، أسرى الحقيقة المثلى التي لايحيدون عنها قيد شعره ، كما يقول الحاج نعمت الله عنهم :
” بهر دور وهر دون، بهر جايگاه
                                      نگردند مویی ز یزدان جدا “
( في كل زمان وكل جسد وفي كل مكان لا يحيدون عن الله قيد شعره )
وهؤلاء هم مَن يُسمَّون بـ ” أهل الحق “
وتأكيداً لما ذكرناه آنفاً يقول المستشرق الميجر ” راولنسون ” في مقالته البحثية ” من زهاب إلى خوزستان ” : ( حين أتكلم على عقيدة ” لور بزرگ ” أي اللور الكبير ( البختياريين ) ، إن هؤلاء مسلمون في غاية من بساطة العقيدة وضعف المذهب . فليس لهم إطلاع على نِحلة ” علي إلهي ” ولا يحترمونها . وأما ” اللور الصغير ” فعقائدهم في غاية من الغرابة والإبهام ، على أنها تشبه عقيدة ( ” علي إلهي ” كثيراً ) ([4]) .
….. يتبع

[1] – منذر الموصلي : عرب وأكراد . بيروت (1986) صفحة ( 284).
[2] – فؤاد عبد الرحمن : مجلة ” سَرْدَم ” Serdem)) باللغة الكردية العدد (84) لعام (2009) – السليمانية – كردستان العراق .
[3] – في الهامش (1)  صفحة (290) من كتاب ( خلاصة تاريخ الكرد وكردستان – محمد أمين زكي -) ورد : يقول صاحب كتاب ( دبستان المذاهب ) ، وهو فارسي في تاريخ المذاهب : ( إن عقيدتهم (علي إلهي ) تتلخص في أن علياً الله ، غادرت روحه جسمه واتصلت بالشمس فهو الآن شمس …. فلذا يقولون إن الشمس لا تتحرك ولا تصدر إلا بأمر علي الذي هو عين الشمس ، فيقولون عن الشمس ( علي الله ) … ويقولون إنها هي الله بعينه ” .
[4] – محمد أمين زكي : خلاصة تاريخ الكرد وكردستان – لبنان ( 1985 صفحة 293 )

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

غريب ملا زلال

أحمد الصوفي ابن حمص يلخص في تجربته الفنية الخصبة مقولة ‘الفن رؤيا جمالية وبدائل لفساد الروح’، وهو كثير الإنتماء إلى الضوء الذي يحافظ على الحركات الملونة ليزرع اسئلة محاطة بمحاولات إعادة نفسه من جديد.

يقول أحمد الصوفي (حمص 1969) في إحدى مقابلاته : “الفن رؤيا جمالية وبدائل لفساد الروح”، وهذا القول يكاد ينبض في…

عبد الستار نورعلي

في الليلْ

حينَ يداهمُ رأسَك صراعُ الذِّكرياتْ

على فراشٍ مارجٍ مِنْ قلق

تُلقي رحالَكَ

في ميدانِ صراعِ الأضداد

حيث السَّاحةُ حُبلى

بالمعاركِ الدُّونكيشوتيةِ المطبوخة

على نارٍ هادئة

في طواحينِ الهواء التي تدور

بالمقلوبِ (المطلوبِ إثباتُه)

فيومَ قامَ الرَّفيقُ ماوتسي تونغ

بثورةِ الألفِ ميل

كانتِ الإمبرياليةُ نمراً..

(مِنْ ورق)

بأسنانٍ مِنَ القنابلِ الذَّرية

ومخالبَ مِنَ الاستراتيجياتِ الدِّيناميتية

المدروسةِ بعنايةٍ مُركَّزَة،

وليستْ بالعنايةِ المُركَّزة

كما اليوم،

على طاولته (الرفيق ماو) اليوم

يلعبُ بنا الشّطرنج

فوق ذرى…

حاوره: إدريس سالم

إن رواية «هروب نحو القمّة»، إذا قُرِأت بعمق، كشفت أن هذا الهروب ليس مجرّد حركة جسدية، بل هو رحلة وعي. كلّ خطوة في الطريق هي اختبار للذات، تكشف قوّتها وهشاشتها في آنٍ واحد.

 

ليس الحوار مع أحمد الزاويتي وقوفاً عند حدود رواية «هروب نحو القمّة» فحسب، بل هو انفتاح على أسئلة الوجود ذاتها. إذ…

رضوان شيخو
وهذا الوقت يمضي مثل برق
ونحن في ثناياه شظايا
ونسرع كل ناحية خفافا
تلاقينا المصائب والمنايا
أتلعب، يا زمان بنا جميعا
وترمينا بأحضان الزوايا؟
وتجرح، ثم تشفي كل جرح،
تداوينا بمعيار النوايا ؟
وتشعل، ثم تطفئ كل تار
تثار ضمن قلبي والحشايا؟
وهذا من صنيعك، يا زمان:
لقد شيبت شعري والخلايا
فليت العمر كان بلا زمان
وليت العيش كان بلا…