أيتها الصّداقةً … وداعاً

عبداللطيف الحسيني 

هي ذاتُها التي رحّبتْ بنا وألقتْ أمامَنا ووراءَنا خبزاً وماءً وكتاباً قابلاً لشتّى وجوه التأويل والاجتهاد , الصّداقةُ حمّالةُ الأوجه تعاملاً نظريّاً في المحصّلة الأخيرة و تطبيقاً لها في المقام الأوّل.
من بين كلّ الصّداقات التي عرفَها عمري الذي يجاري منتصف الأربعينيات صداقةُ الكِتاب التي عانقتني وألقتْ عاصفتَها في سريري , هي نفسُها الآن تُلقي بي بعيداً و تصفعُني وتريدُ أنْ تصمتَ الصائِتَ فيّ , هكذا تقول لي حركاتُ وسكناتُ وجوه تلك الصّداقات التي كانتْ من القريب أقربَ, وباتت الآنَ من البعيد أبعدَ.

 وكأنّ المصافحةَ اليوميّة كانت مع الهواء المسموم . وكأنّ ترويضَ الغطرسة كانَ مختفياً في خطوط الصّوت وهو يحدّثني , وآنَ أوانُ تفجير رأيٍ لا يناسبني ويطلبُ منّي لبسَه والإقامة فيه , ووجدتُ ما لايراه النائمُ أنّ أقصى اليسار باتَ يتدّرعُ بأقصى اليمين , وليس لهذه الحالة إلا تفسير أوحد هو أنّ الفكر الذي تسلّقه صاحبُ الصّداقة العابرة كان يلامسُ صوتَ التثوير ويدور حولَه دونَ أنْ يدخلَ كيانَه ويفجّره من الداخل .
أعني أنّ السطحَ همُّه لا الجوهر .
كانت حقيقةُ الصداقة تقولُ أريدُ خبزاً وماءً و كتاباً فقط لأردَّ عن كيد الحياة كلّ مكيدةٍ تُحَاكُ ضدَّها في الخفاء , وأيَّ استهتار يسبكُه كلُّ لئيم جاء إلى فَوَرَان الحياة طارئاً ومستعجلاً ومختصِراً ألفَ ميل بخطوةَ واحدة, وليحتّلَ القدحَ المعلّى و “الصدر الأعظم” مستخدِماً كلَّ أياديه وأرجله وأفواهه ,وليقولَ لنا كلَّ سخافاته دفعةً واحدةً, في جلسة واحدة , في مكان واحد .
لا تأويل إلا تأويلٌ يقولُ : إنّ ثقافة العنف وانتهازيّة الفعل قبلَ القول كانتْ تتربّى و تنمو طَوَال عقود , ويظنُّ الانتهازيُّ العنيف بأنّه سيجدُ بيننا أفضلَ مكانٍ وأجملَ قولٍ وأرقى وأرقَّ حديثٍ في استقباله .
لن أكونَ هناكَ حيث يقيمُ الانتهازيّ أوالسارقُ أوالمنتفع أوالمستفيد .
…..
ثمّةَ ماءٌ عندي وخبزمنقّعٌ وكتاب , ولن أُبدّلَ مكاني بالكون كلّه , ولو منعني الكونُ كلُّه .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خلات عمر

لم يكن الطفل قد فهم بعد معنى الانفصال، ولا يدرك لماذا غابت أمّه فجأة عن البيت الذي كان يمتلئ بحنانها. خمس سنوات فقط، عمر صغير لا يسع حجم الفقد، لكن قلبه كان واسعًا بما يكفي ليحمل حبًّا لا يشبه حبًّا آخر.

بعد سنواتٍ من الظلم والقسوة، وبعد أن ضاقت الأم ذرعًا بتصرفات الأب…

خوشناف سليمان

لم تكن الصحراء في تلك الليلة سوى صفحة صفراء فارغة. تنتظر أن يُكتب عليها موتٌ جديد.
رمل يمتد بلا نهاية. ساكن كجسدٍ لا نبض فيه. و الريح تمر خفيفة كأنها تخشى أن توقظ شيئًا.
في ذلك الفراغ توقفت العربات العسكرية على حافة حفرة واسعة حُفرت قبل ساعات.
الحفرة تشبه فمًا عملاقًا. فمًا ينتظر أن يبتلع آلاف البشر…

تلقى المكتب الاجتماعي في الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في سوريا، اليوم، بحزن، نبأ رحيل شقيق الزميلة رقية حاجي:

نايف أحمد حاجي
الذي وافته المنية في أحد مشافي هولير/أربيل عن عمر ناهز ٥٩ عامًا.

يتقدم المكتب الاجتماعي في الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في سوريا بخالص العزاء للزميلة رقية حاجي، وللفنان حسين حاجي، وللناشط عبدالكريم حاجي، ولعموم عائلة…

صبحي دقوري

في لحظة ثقافية نادرة، يتصدّر الموسيقار الكوردي هلكوت زاهير المشهد الموسيقي العالمي بعدد أعمال معتمدة بلغ 3008 أعمال، رقمٌ يكاد يلامس الأسطورة. غير أنّ أهمية هذا الحدث لا تكمن في الرقم نفسه، بل في ما يكشفه من تحوّل جذري في مكانة الموسيقى الكوردية ودورها في المشهد الفني الدولي.

فهذا الرقم الذي قد يبدو مجرّد إحصاء،…