دلور ميقري
من دورة صف الضباط، المجندين، التي تلتْ دورتنا، تمّ فرز عددٍ من خريجيها إلى مقرّ قيادة اللواء. وما عتمتُ أن رأيتني مثل ” دارتنيان ” في قصّة ” الفرسان الثلاثة ” لاسكندر دوماس: ثلاثة من الرقباء أولئك، ارتبطتُ معهم بصداقة قوية مذ وَهلة لقائنا، الأول، وحتى لحظة انتهاء عسكريّتي. بيْدَ أنني سأجازفُ منذ البدء بالتأكيد، أنّ هؤلاء كانوا يُبادلون بعضهم البعض مشاعرَ الازدراء والبغضاء؛ أيْ على العكس من فرسان دوماس، الثلاثة، الذين انطلقوا من شعار: ” الواحدُ من أجل الجَماعة، والجماعة من أجل الواحد “.
كذلك ربما يَجدُر فيّ أن أذكُر، بأنني كان لي دورٌ، صغيرٌ ولا غرو، في تعيين واحد من تلك الجماعة، ثمّة في سريّة المَقر. إنه ” زين “، ابن حارَتنا والصالحانيّ الأصل، مَن كان أحدهم قد عرّفني عليه للتوّ في الندوة، وما لبثتُ بدَوري أن عرّفته على حاجب العقيد. هذا الرقيب المُجند، الجديد، كان يشتعل حيوية وذكاء. علاوة ً على حقيقة، أنّ طبعه المَرح والمُنفتح (المُمَيّز عموماً أهالي الشام، الأصيلين) كان لا بدّ من أن يَجعله على ودّ مع الآخرين. ولكن، بالرغم من الاختلاف بين شخصيّتينا، البيِّن، فإنّ ذلك لم يَحُل دون توثق علاقتنا. بفضل طبعه، المَوْصوف، واظبَ ” زين ” على عمَلِهِ في قسم الشئون الادارية حتى لحظة تسريحه. بالمُقابل، فإنني تنقلت خلال خدمتي في مقرّ اللواء بين ثلاثة أقسام، وكنتُ في طريقي للنفي إلى إحدى كتائب الصواريخ لولا أن أنقذني أخيراً صدورُ أمْر تسريح دورتنا.
” كريم “، كان أيضاً من نفس دورة صديقي، الصالحاني، كما أنه تعيّن معه في ذات القسم. إلا أنهما، من ناحية أخرى، كانا على تنافر في الخلق؛ وعلى شيءٍ من الضغينة خصوصاً، المُحالة ربما لأيام دورة الاختصاص. وفيما تميّز ” زين ” ببشرَة مُشرقة، ناصعة، وقسمات مُتناسقة، فإنّ زميله اللدود كان ذا سحنة كامدة، قاتمة، وملامح مُتجهّمة. مَظهرُ هذا الأخير، لا بدّ أنه أسهمَ نوعاً في جعل المُحيطين به يُبادلونه مشاعرَ الحذر والريبة. من جهتي، فإنني سرعان ما اكتشفتُ انساناً مُثقفاً، طيّباً وحسّاسّاً، يَكمِنُ داخلَ تلك الشخصيّة المُظهَّرَة بالخشونة والاستهتار. ” كريم “، يَنحدرُ من ريف مدينة حماة؛ من أسرة فقيرة وكثيرة العدد، كان هوَ بكرُها. وقد تفاقمَ وَضعُهم، ولا رَيب، إثرَ ترَمُّل الأمّ مُبكراً ثمّ اقترانها ثانية. صديقي، وبالرغم من المرارة في نبرَته، إلا أنه كلّمني ذات مرّة بودّ وشفقة عن زوج أمّه.
أما ثالث أولئك الفرسان، ” عارف “، فإنه تمّ تعيينه، فوراً، في قسم التوجيه السياسي وعلى الرغم من كونه خريجَ دورةٍ، فنية، اختصاص صواريخ أرض جو. هكذا اشكال، لم أكترث له كثيراً، والحق يُقال. إذ بمُجرّد أن عرّفني هذا الرقيبُ بشخصِهِ، وأنه من ” عفرين “، رأيتني أندغم معه في عباراتٍ مُشتركة، تتحدّث عن الهمّ الكرديّ. وما ضافرَ من انسجامنا، هوَ كون كلانا على صلةٍ بأمور الثقافة. لاحقاً، سيُطلعني هوَ على قصيدة له، نثرية، نُشِرَتْ حديثاُ في صحيفة ” تشرين “؛ مُهداة إلى ذكرى الفنان التشكيلي، نعيم اسماعيل. ” عارف “، لم يَكُ على الأرجح بحاجةٍ إلى وَسائل غير سَويّة؛ كالوساطة والرشوة. هذا، وبغض الطرف عن حقيقة كونه بعثياً، بل وعضواً عاملاً في الحزب: إنّ مَظهرَهُ المُتألق بالوسامة، إضافة لهدوئه ورقته، كما وقدرته على المُناقشة والمُحاججة؛ كلّ ذلكَ جعلَ شخصيّته مُحَبّبة عندَ من يَهمّهم أمرَه. غيرَ أنّ خصلة ً في خلق هذا الزميل، سيئة ولا شك، عليها كان أن ترْصِفُني أحياناً في صفّ منتقديه؛ ألا وهيَ مَيلهُ للتصنُّع والتفلسُف.
***
” كلاهُما مَنيكٌ.. “، قالَ لي الرقيبُ الحمويّ بنبرَته المَعهودة، المُستهترة. ثمّ أضافَ مُعلّلاً ” صديقكَ، الشاميّ، يتشممُ كالكلب مؤخرةَ حاجبِ العقيد، من أجل إجازة أو مهمّة. أما الآخر، صديقكَ الكرديّ، فيندسّ كالمُخبر بيننا لكي يُعزز وَضعه لدى ضابط التوجيه “
” وأنتَ، أيضاً، صديقي.. لا تنسَ ذلك “، خاطبته في شيءٍ من الانزعاج. توقف ليتأمل فيّ لحظة، دونما أن يبدو عليه التأثر، ثمّ استمرّ في المَشي بتمَهل. قبل قليل، وفيما كنتُ وإياه نتجوّلُ خللَ مَسالك المُعسكر، المُتربة المعشوشبة، ظهرَ ” عارف ” على غرّةٍ قادماً من ناحية الندوة. شمسُ أواخر الربيع، اللاهِبَة، كانت آنئذٍ تميل إلى الزوال، مُمَهّدة ً المَجالَ للنسيم المُعتدل، المُنعش، لكي يَبعث الحيوية في نفوسنا. غيرَ أنّ ذلكَ الظهورَ، المَوْسوم، كان له فعلُ النسيم سواءً بسواء. فإنّ ” كريم “، على ما أبداه من اهتمام برؤية خصمِهِ، كان عندئذٍ أكثرَ قابليّة ً للعبَث والنكَد: ” لماذا هرَبتَ، البارحة؟ “، خاطبَ الآخرَ وقد رَسَمَ على شفتيْه ابتسامة ساخرة. وكنا ثلاثتنا، في مساء أمس، نحضرُ فيلماً ايطالياً، سياسياً (كما كان يُشاع في تلك الحقبة عن هذا النوع من الأعمال السينمائية)، في صالة ” الكِنْدي “، حينما انسحبَ ” عارف “، فجأة، مُتذمّراً من تعليقات صديقنا، المُشاكس.
” لأنه فيلمٌ تافهُ المَضمون.. “، أجابَ الموجّه السياسي بجَفاء. وإذ لاحظ نظرة الدهشة، التي رمقته بها، فإنه استطردَ مُحرجاً قليلاً، مُحاولاً تبرير وجهة نظرهِ: ” فكرة الفيلم رجعية تماماً، وعلى الرغم من أنّ مخرجَهُ تقدميّ “. ودونما أن يُتيح لي فرصة المُجادلة، عادَ ” كريم ” ليقولَ للآخر مُتهكّماً: ” لِمَ لا تقول أنّ زوج بطلة الفيلم، الديماغوجيّ المُدّعي التقدّمية، ربما ذكّركَ بشخص أنتَ تعرفه ولا رَيْب بشكل جيّد..؟ “. تطلعَ إليه مُجادلهُ وهوَ يَميل برأسهِ إلى جانب (وهيَ حركة مُنطبعة في سلوك عارف هذا)، ثمّ ما عتمَ أن مضى في طريقه دونما نأمة. في ذلك الفيلم، فإنّ المُمثلَ ميشيل بلاسيدو كان يلعبُ دورَ شرطيّ شابّ وَجَدَ نفسه بمواجهة مُتظاهرين، يساريين. فيقوم أحدهم بضربه بشكل مُبرح، مُحاولاً تخليص زوجته من الاعتقال. هذه المرأة الفتيّة، التي تلعبُ دورَها الممثلة الفاتنة اورنيلا موتّي، لا تلبث ان تتعرّف على ذلك الشرطيّ وتقع من ثمّ في هواه. رجلها، المُفترض أنه مسئولٌ مهمّ في الحزب الشيوعيّ، يَفعل ما بوسعه لكي يستعيدَ عاطفتها، مُتجاهلاً فارقَ السنّ، الفادح، الفاصل بينهما.
***
نبأ أكثر جدّة، عليه كان أن يُحيل الظن بمَسلك ” عارف ” إلى ما يُشبه اليقين. إذ عَلِمنا بترقيَة هذا المُوّجه السياسي إلى مُحاضر دائم، ثمّة في قاعة الاجتماعات. في هذه الحالة، فإن أولئك المُنتسبين للبعث في اللواء، على تباين رتبهم ومَهامهم، سيكون عليهم الجلوس مثل التلاميذ في حضرة ذلك الرقيب المُجند، القادم من جبال الكرد. تشديدي على انتماء ” عارف “، إنما لكونه هوَ الوَجه الآخر للمَسألة، الخفيّ. وعلى كلّ حال، كان يجب أن يَمضي شهرٌ، أو نحوَه، قبلَ أن أعيدَ النظرَ بمَوقفي المُستجدّ من ذاك الصديق. فقد تصاعَدَ اللغط ثانية ً، وبدون سابق انذار، بشأن وظيفة المُحاضر الحزبيّ، ليُضحي موضوعاً لمُجادلاتٍ علنية خلال الدوام وبعده. إنّ الرقيبَ الأول، المُجند، المُعيّن حديثاً في مَكتبنا كخازن امداد (خريج أدب عربي ومن مواطني مدينة حمص)، كان هوَ باعث شرارة الجَدل: ” إنه لا يَنطلق في محاضراته من مباديء الحزب، بل من فلسفة ماركس ولينين.. “، قالَ هذا المُحرّض مُخاطباً ” رفيقاً ” له، من قسم العمليات. هذا الأخير، وكان يَنحدر من عائلة مَعروفة في حوران، شاءَ التعليق وهوَ يَرمقني بابتسامة مُتماهية بالخبث أو ربما المزاح: ” وفوق ذلك، فمُحاضِرُنا في الفكر القومي العربي هوَ من مَنبتٍ كرديّ “.
كنا عندئذٍ في مكتب ديوان العمليات، الذي يتحوّل منذ حلول الغروب إلى حجرة نوم لمراتب صف الضباط، العاملين فيه. ثمّة، وَقفَ رقيبٌ مُجند، من مسيحيي حمص، ليُناقض رأيَ مواطنه ذاك. فيما أنّ ” رفيقاً ” رابعاً، من الشام، التزمَ بخصلة الحياد المُتأصّلة ببني أميّة، التجار. ولكن، ها هوَ زميلهم المُعرّف بنعت ” الأيوبي “، يَلجُ الحجرَة في هذه الأثناء وبيَده كوز الوضوء. وكعادة هذا الرقيب المجند، حينما تحضرُهُ الصلاة، فإنه لم يَكترث سوى بالله، المَوجود، مُتجاهلاً وجودَ هؤلاء العلمانيين ومُجادلاتهم. الرقيبُ المؤمن، إذن، سبقَ وظهَرَتْ له خاطرة مَنشورة في مجلة ” العربي “، الكويتية، وكان اسمُهُ مُذيّلاً بكنيَة مُستعارة؛ ليظهرَ في سماء الأدب على الشكل التالي: ” محمّد الأيوبي ـ كاتب سوري من عامودا “. بالرغم من ذلك، فإنّ صاحبنا استنكفَ دوماً عن المُشاركة في أحاديث الثقافة، الجاريَة على ألسنة بعض زملائه. ويُمكن القول، بأنّ همّاً وحيداً كان يَشغل هذا المؤمن بالله الواحد الأحد؛ ألا وهوَ الاجازة، المُحْرِزة، المُفترض أن تتيح له إقامة مَديدة نسبياً بين أهله وأولاده في بلدته البعيدة.
مُساعد ديوان العمليات (وهوَ حزبيّ عريق من زمن ميشيل عفلق ومن ريف المحافظة)، كان يُعدّ أكبر مرتش في مقر اللواء. بهذه الحالة، فإن فرصَ الحصول على اجازة لم تكُ صعبة. أما قائد قسم العمليات، فهوَ الشقيق الأكبر لضابط الأمن، ولكنه كان يَختلف عنه في كلّ شيء، وربما باستثناء المَسلك المُتسِم بالنزاهة وعفة اليَد. هذا المُقدّم، الرقيق الحاشيَة، كان بالأصل من أولئك المعرّفين بصْفة ” ضابط احتياط “؛ الذين تمّ الاحتفاظ بخدمتهم لكونهم بعثيين. وكان الرّجلُ، المَلول، المُتقدّم نوعاً في السن (والمُفترَض أن يَخلع البدلة العسكرية قانوناً مذ أن أصبحَ رائداً)، يُقدّم عبثاً العريضة تلو الأخرى مُلتمساً الموافقة على تسريحه. في أحد الأيام، كنتُ في ساعةٍ من النهار في مكتب العمليات بزيارة لصاحبنا، ” الأيوبي “، حينما حَضَرَ رئيسُهُ بغتة: ” هذا الأمْرُ مُستعجلٌ. عليكَ بنسخه في الحال “، خاطبَ ذاك الرقيبَ بنبرَته المَعهودة، اللطيفة. إذ ذاك، أخذ المرؤوس بتحضير الآلة الكاتبة بحركة مُتثاقلة. ثمّ ما لبث، مُنهَمِكاً بكثير من الاهتمام، أن بدأ بالطرق على الأزرار..حرفاً حرفاً. وَقعَ خطأ، فعمَدَ الكاتب إلى استبدال الورقة دونما ان يَظهر عليه التأثر. في المرة الثانية، بادر رئيسُهُ بنفسِهِ الى رمي الورقة في سلّة المُهملات. ثمّ ما عتمَ المُقدّم، المَشهودُ طبعه بالهدوء، أن هتفَ بالكاتب بعدما نفذ صبره اًخيراً: ” أعتقدُ ، يا هُمام، أنك ستجلِبَ لي جلطة.. “.
***
” قربان، أرجوك ألا تخبر أحداً بأنني مُتزوّج.. “، قالَ لي ” الأيوبي ” ذات مرة بنبرَة رجاء. ولم أدر، قط، ما هوَ باعث هذا التكتم الأشبَه بالسرّ العسكريّ. إلا أنّ طبعَ الرّجل، المُتسِم بالتحفظ والعزوف عن المَرَح، ربما يُفسّرُ دافعه ذاك: كان، على الأرجح، يَخشى من جَعل شخصِهِ محوراً لحديث يتعلق بتجارب المُتزوجين، الجنسية. وبما أنّ الاجازة كانت همّاً ومَقصَداً في آن، فإنّ صاحبنا ما أسرَعَ أن تخلّى عن تحفظه، بل وبدا مَرحاً أيضاً: ذلك، جدّ مَعه حينما كشفتُ له سرّ إجازة مرَضيّة، تجاوزتْ المائة يوم، كنتُ فيما مضى قد حصلتُ عليها إثرَ حادثٍ غير خطِر. عندئذٍ، جَعلَ وجهة إجازته، القادمة، إلى الشام هذه المرّة: استدلّ بسهولة على عنوان منزلنا، لكي يُقابل الوالد. ثمّ اتفقا على اللقاء في الغد، في قسم الصيدلة بمستشفى ” المزة ” العسكريّ. قائد القسم، وكان آنذاك برتبة عميد، كان من حارَتنا وصديقاً قديماً لوالدي. فما لبث ” الأيوبي ” أن عادَ إلى بلدته، سعيداً ولا غرو، مُحمّلاً بإجازة مَرَضيّة لمّدة شهر كامل. إجازته الثانية، المُشابهة، كانت بالفعل سرّاً عسكرياً، مُغلقاً حتى عليّ وعلى من خلّفني: آنذاك، كان الرقيبُ قد آثرَ أن يتوّجه وحيداً إلى مَكتب العميد وبدون حاجةٍ لوَسيط؛ اللهمّ سوى مجرّد التذكير بنفسِهِ. غيرَ أنّ ” الأيوبي “، من ناحية أخرى، كان بشكل ما سبباً في قراري العودة للاستئجار في المدينة، بعدما كنتُ قد عَزفتُ عن ذلك إثرَ جلائي عن قبو البناء، الكائن في شارع السّجن.
في شقة الايجار تلك، المُشَكِلة مع شقة صاحب البناء، مُجمَل مَساحة الدور الثاني، كان مُعظم المُقيمين هم من الأفراد المُجندين، المُنتمين للمحافظات الوسطى. الصديقُ الحُمصي، ” سعد “، زميلي سابقا في مَكتب المراسلات، كان يُقيم ثمّة مع مواطن له، يَخدم في مفرزة الانضباط. هذا الأخير، تذكّر فجأة ً صِفتهُ المُهيبة، حينما كان عليه أن يَهبّ ذات يوم ليثبتَ وفاءه. إذ كان ” سعد ” قد اتفق على لقاء في حجرته، غراميّ، مع بنيّة بمُقتبل العُمر، تعرّف عليها منذ بعض الوقت حينما كان يَسرَحُ على الكورنيش. ولكون الفتاة من عائلة لاذقانية، مُحافظة، فلم تتمكّن من الخروج من المنزل سوى بحيلة مرافقة شقيقتها الصغيرة، ذات الأعوام العشرة. مَكثتْ إذن هذه الصغيرة في مَطبخ الشقة، وقد جلسَ على الطاولة بمقابلها عسكريّ الانضباط ذاك. بغتة، دخلَ مالكُ البناء إلى المطبخ، فأدهشهُ وجود طفلة غريبة مع المُجند المُستأجر. عند ذلك، ذهبتْ ظنون المالك نحوَ وجهتها، الصحيحة. اقتحمَ عنوة ً خلوَة العاشقيْن، فما عتمَ أن صرَخ بالبنت أولاً، طالباً منها مُغادرة الشقة فوراً. ثمّ التفتَ من بعد إلى ” سعد “، مُهدّداً إياه بجلب الشرطة العسكرية. فما كان من مُجند الانضباط، المُتجمّد في المطبخ من هَوْل المَوقف، سوى القفز باتجاه حجرته بعدما دَهَمَتهُ فكرة مُناسبَة.
” كريم “، كان أيضاً من نفس دورة صديقي، الصالحاني، كما أنه تعيّن معه في ذات القسم. إلا أنهما، من ناحية أخرى، كانا على تنافر في الخلق؛ وعلى شيءٍ من الضغينة خصوصاً، المُحالة ربما لأيام دورة الاختصاص. وفيما تميّز ” زين ” ببشرَة مُشرقة، ناصعة، وقسمات مُتناسقة، فإنّ زميله اللدود كان ذا سحنة كامدة، قاتمة، وملامح مُتجهّمة. مَظهرُ هذا الأخير، لا بدّ أنه أسهمَ نوعاً في جعل المُحيطين به يُبادلونه مشاعرَ الحذر والريبة. من جهتي، فإنني سرعان ما اكتشفتُ انساناً مُثقفاً، طيّباً وحسّاسّاً، يَكمِنُ داخلَ تلك الشخصيّة المُظهَّرَة بالخشونة والاستهتار. ” كريم “، يَنحدرُ من ريف مدينة حماة؛ من أسرة فقيرة وكثيرة العدد، كان هوَ بكرُها. وقد تفاقمَ وَضعُهم، ولا رَيب، إثرَ ترَمُّل الأمّ مُبكراً ثمّ اقترانها ثانية. صديقي، وبالرغم من المرارة في نبرَته، إلا أنه كلّمني ذات مرّة بودّ وشفقة عن زوج أمّه.
أما ثالث أولئك الفرسان، ” عارف “، فإنه تمّ تعيينه، فوراً، في قسم التوجيه السياسي وعلى الرغم من كونه خريجَ دورةٍ، فنية، اختصاص صواريخ أرض جو. هكذا اشكال، لم أكترث له كثيراً، والحق يُقال. إذ بمُجرّد أن عرّفني هذا الرقيبُ بشخصِهِ، وأنه من ” عفرين “، رأيتني أندغم معه في عباراتٍ مُشتركة، تتحدّث عن الهمّ الكرديّ. وما ضافرَ من انسجامنا، هوَ كون كلانا على صلةٍ بأمور الثقافة. لاحقاً، سيُطلعني هوَ على قصيدة له، نثرية، نُشِرَتْ حديثاُ في صحيفة ” تشرين “؛ مُهداة إلى ذكرى الفنان التشكيلي، نعيم اسماعيل. ” عارف “، لم يَكُ على الأرجح بحاجةٍ إلى وَسائل غير سَويّة؛ كالوساطة والرشوة. هذا، وبغض الطرف عن حقيقة كونه بعثياً، بل وعضواً عاملاً في الحزب: إنّ مَظهرَهُ المُتألق بالوسامة، إضافة لهدوئه ورقته، كما وقدرته على المُناقشة والمُحاججة؛ كلّ ذلكَ جعلَ شخصيّته مُحَبّبة عندَ من يَهمّهم أمرَه. غيرَ أنّ خصلة ً في خلق هذا الزميل، سيئة ولا شك، عليها كان أن ترْصِفُني أحياناً في صفّ منتقديه؛ ألا وهيَ مَيلهُ للتصنُّع والتفلسُف.
***
” كلاهُما مَنيكٌ.. “، قالَ لي الرقيبُ الحمويّ بنبرَته المَعهودة، المُستهترة. ثمّ أضافَ مُعلّلاً ” صديقكَ، الشاميّ، يتشممُ كالكلب مؤخرةَ حاجبِ العقيد، من أجل إجازة أو مهمّة. أما الآخر، صديقكَ الكرديّ، فيندسّ كالمُخبر بيننا لكي يُعزز وَضعه لدى ضابط التوجيه “
” وأنتَ، أيضاً، صديقي.. لا تنسَ ذلك “، خاطبته في شيءٍ من الانزعاج. توقف ليتأمل فيّ لحظة، دونما أن يبدو عليه التأثر، ثمّ استمرّ في المَشي بتمَهل. قبل قليل، وفيما كنتُ وإياه نتجوّلُ خللَ مَسالك المُعسكر، المُتربة المعشوشبة، ظهرَ ” عارف ” على غرّةٍ قادماً من ناحية الندوة. شمسُ أواخر الربيع، اللاهِبَة، كانت آنئذٍ تميل إلى الزوال، مُمَهّدة ً المَجالَ للنسيم المُعتدل، المُنعش، لكي يَبعث الحيوية في نفوسنا. غيرَ أنّ ذلكَ الظهورَ، المَوْسوم، كان له فعلُ النسيم سواءً بسواء. فإنّ ” كريم “، على ما أبداه من اهتمام برؤية خصمِهِ، كان عندئذٍ أكثرَ قابليّة ً للعبَث والنكَد: ” لماذا هرَبتَ، البارحة؟ “، خاطبَ الآخرَ وقد رَسَمَ على شفتيْه ابتسامة ساخرة. وكنا ثلاثتنا، في مساء أمس، نحضرُ فيلماً ايطالياً، سياسياً (كما كان يُشاع في تلك الحقبة عن هذا النوع من الأعمال السينمائية)، في صالة ” الكِنْدي “، حينما انسحبَ ” عارف “، فجأة، مُتذمّراً من تعليقات صديقنا، المُشاكس.
” لأنه فيلمٌ تافهُ المَضمون.. “، أجابَ الموجّه السياسي بجَفاء. وإذ لاحظ نظرة الدهشة، التي رمقته بها، فإنه استطردَ مُحرجاً قليلاً، مُحاولاً تبرير وجهة نظرهِ: ” فكرة الفيلم رجعية تماماً، وعلى الرغم من أنّ مخرجَهُ تقدميّ “. ودونما أن يُتيح لي فرصة المُجادلة، عادَ ” كريم ” ليقولَ للآخر مُتهكّماً: ” لِمَ لا تقول أنّ زوج بطلة الفيلم، الديماغوجيّ المُدّعي التقدّمية، ربما ذكّركَ بشخص أنتَ تعرفه ولا رَيْب بشكل جيّد..؟ “. تطلعَ إليه مُجادلهُ وهوَ يَميل برأسهِ إلى جانب (وهيَ حركة مُنطبعة في سلوك عارف هذا)، ثمّ ما عتمَ أن مضى في طريقه دونما نأمة. في ذلك الفيلم، فإنّ المُمثلَ ميشيل بلاسيدو كان يلعبُ دورَ شرطيّ شابّ وَجَدَ نفسه بمواجهة مُتظاهرين، يساريين. فيقوم أحدهم بضربه بشكل مُبرح، مُحاولاً تخليص زوجته من الاعتقال. هذه المرأة الفتيّة، التي تلعبُ دورَها الممثلة الفاتنة اورنيلا موتّي، لا تلبث ان تتعرّف على ذلك الشرطيّ وتقع من ثمّ في هواه. رجلها، المُفترض أنه مسئولٌ مهمّ في الحزب الشيوعيّ، يَفعل ما بوسعه لكي يستعيدَ عاطفتها، مُتجاهلاً فارقَ السنّ، الفادح، الفاصل بينهما.
***
نبأ أكثر جدّة، عليه كان أن يُحيل الظن بمَسلك ” عارف ” إلى ما يُشبه اليقين. إذ عَلِمنا بترقيَة هذا المُوّجه السياسي إلى مُحاضر دائم، ثمّة في قاعة الاجتماعات. في هذه الحالة، فإن أولئك المُنتسبين للبعث في اللواء، على تباين رتبهم ومَهامهم، سيكون عليهم الجلوس مثل التلاميذ في حضرة ذلك الرقيب المُجند، القادم من جبال الكرد. تشديدي على انتماء ” عارف “، إنما لكونه هوَ الوَجه الآخر للمَسألة، الخفيّ. وعلى كلّ حال، كان يجب أن يَمضي شهرٌ، أو نحوَه، قبلَ أن أعيدَ النظرَ بمَوقفي المُستجدّ من ذاك الصديق. فقد تصاعَدَ اللغط ثانية ً، وبدون سابق انذار، بشأن وظيفة المُحاضر الحزبيّ، ليُضحي موضوعاً لمُجادلاتٍ علنية خلال الدوام وبعده. إنّ الرقيبَ الأول، المُجند، المُعيّن حديثاً في مَكتبنا كخازن امداد (خريج أدب عربي ومن مواطني مدينة حمص)، كان هوَ باعث شرارة الجَدل: ” إنه لا يَنطلق في محاضراته من مباديء الحزب، بل من فلسفة ماركس ولينين.. “، قالَ هذا المُحرّض مُخاطباً ” رفيقاً ” له، من قسم العمليات. هذا الأخير، وكان يَنحدر من عائلة مَعروفة في حوران، شاءَ التعليق وهوَ يَرمقني بابتسامة مُتماهية بالخبث أو ربما المزاح: ” وفوق ذلك، فمُحاضِرُنا في الفكر القومي العربي هوَ من مَنبتٍ كرديّ “.
كنا عندئذٍ في مكتب ديوان العمليات، الذي يتحوّل منذ حلول الغروب إلى حجرة نوم لمراتب صف الضباط، العاملين فيه. ثمّة، وَقفَ رقيبٌ مُجند، من مسيحيي حمص، ليُناقض رأيَ مواطنه ذاك. فيما أنّ ” رفيقاً ” رابعاً، من الشام، التزمَ بخصلة الحياد المُتأصّلة ببني أميّة، التجار. ولكن، ها هوَ زميلهم المُعرّف بنعت ” الأيوبي “، يَلجُ الحجرَة في هذه الأثناء وبيَده كوز الوضوء. وكعادة هذا الرقيب المجند، حينما تحضرُهُ الصلاة، فإنه لم يَكترث سوى بالله، المَوجود، مُتجاهلاً وجودَ هؤلاء العلمانيين ومُجادلاتهم. الرقيبُ المؤمن، إذن، سبقَ وظهَرَتْ له خاطرة مَنشورة في مجلة ” العربي “، الكويتية، وكان اسمُهُ مُذيّلاً بكنيَة مُستعارة؛ ليظهرَ في سماء الأدب على الشكل التالي: ” محمّد الأيوبي ـ كاتب سوري من عامودا “. بالرغم من ذلك، فإنّ صاحبنا استنكفَ دوماً عن المُشاركة في أحاديث الثقافة، الجاريَة على ألسنة بعض زملائه. ويُمكن القول، بأنّ همّاً وحيداً كان يَشغل هذا المؤمن بالله الواحد الأحد؛ ألا وهوَ الاجازة، المُحْرِزة، المُفترض أن تتيح له إقامة مَديدة نسبياً بين أهله وأولاده في بلدته البعيدة.
مُساعد ديوان العمليات (وهوَ حزبيّ عريق من زمن ميشيل عفلق ومن ريف المحافظة)، كان يُعدّ أكبر مرتش في مقر اللواء. بهذه الحالة، فإن فرصَ الحصول على اجازة لم تكُ صعبة. أما قائد قسم العمليات، فهوَ الشقيق الأكبر لضابط الأمن، ولكنه كان يَختلف عنه في كلّ شيء، وربما باستثناء المَسلك المُتسِم بالنزاهة وعفة اليَد. هذا المُقدّم، الرقيق الحاشيَة، كان بالأصل من أولئك المعرّفين بصْفة ” ضابط احتياط “؛ الذين تمّ الاحتفاظ بخدمتهم لكونهم بعثيين. وكان الرّجلُ، المَلول، المُتقدّم نوعاً في السن (والمُفترَض أن يَخلع البدلة العسكرية قانوناً مذ أن أصبحَ رائداً)، يُقدّم عبثاً العريضة تلو الأخرى مُلتمساً الموافقة على تسريحه. في أحد الأيام، كنتُ في ساعةٍ من النهار في مكتب العمليات بزيارة لصاحبنا، ” الأيوبي “، حينما حَضَرَ رئيسُهُ بغتة: ” هذا الأمْرُ مُستعجلٌ. عليكَ بنسخه في الحال “، خاطبَ ذاك الرقيبَ بنبرَته المَعهودة، اللطيفة. إذ ذاك، أخذ المرؤوس بتحضير الآلة الكاتبة بحركة مُتثاقلة. ثمّ ما لبث، مُنهَمِكاً بكثير من الاهتمام، أن بدأ بالطرق على الأزرار..حرفاً حرفاً. وَقعَ خطأ، فعمَدَ الكاتب إلى استبدال الورقة دونما ان يَظهر عليه التأثر. في المرة الثانية، بادر رئيسُهُ بنفسِهِ الى رمي الورقة في سلّة المُهملات. ثمّ ما عتمَ المُقدّم، المَشهودُ طبعه بالهدوء، أن هتفَ بالكاتب بعدما نفذ صبره اًخيراً: ” أعتقدُ ، يا هُمام، أنك ستجلِبَ لي جلطة.. “.
***
” قربان، أرجوك ألا تخبر أحداً بأنني مُتزوّج.. “، قالَ لي ” الأيوبي ” ذات مرة بنبرَة رجاء. ولم أدر، قط، ما هوَ باعث هذا التكتم الأشبَه بالسرّ العسكريّ. إلا أنّ طبعَ الرّجل، المُتسِم بالتحفظ والعزوف عن المَرَح، ربما يُفسّرُ دافعه ذاك: كان، على الأرجح، يَخشى من جَعل شخصِهِ محوراً لحديث يتعلق بتجارب المُتزوجين، الجنسية. وبما أنّ الاجازة كانت همّاً ومَقصَداً في آن، فإنّ صاحبنا ما أسرَعَ أن تخلّى عن تحفظه، بل وبدا مَرحاً أيضاً: ذلك، جدّ مَعه حينما كشفتُ له سرّ إجازة مرَضيّة، تجاوزتْ المائة يوم، كنتُ فيما مضى قد حصلتُ عليها إثرَ حادثٍ غير خطِر. عندئذٍ، جَعلَ وجهة إجازته، القادمة، إلى الشام هذه المرّة: استدلّ بسهولة على عنوان منزلنا، لكي يُقابل الوالد. ثمّ اتفقا على اللقاء في الغد، في قسم الصيدلة بمستشفى ” المزة ” العسكريّ. قائد القسم، وكان آنذاك برتبة عميد، كان من حارَتنا وصديقاً قديماً لوالدي. فما لبث ” الأيوبي ” أن عادَ إلى بلدته، سعيداً ولا غرو، مُحمّلاً بإجازة مَرَضيّة لمّدة شهر كامل. إجازته الثانية، المُشابهة، كانت بالفعل سرّاً عسكرياً، مُغلقاً حتى عليّ وعلى من خلّفني: آنذاك، كان الرقيبُ قد آثرَ أن يتوّجه وحيداً إلى مَكتب العميد وبدون حاجةٍ لوَسيط؛ اللهمّ سوى مجرّد التذكير بنفسِهِ. غيرَ أنّ ” الأيوبي “، من ناحية أخرى، كان بشكل ما سبباً في قراري العودة للاستئجار في المدينة، بعدما كنتُ قد عَزفتُ عن ذلك إثرَ جلائي عن قبو البناء، الكائن في شارع السّجن.
في شقة الايجار تلك، المُشَكِلة مع شقة صاحب البناء، مُجمَل مَساحة الدور الثاني، كان مُعظم المُقيمين هم من الأفراد المُجندين، المُنتمين للمحافظات الوسطى. الصديقُ الحُمصي، ” سعد “، زميلي سابقا في مَكتب المراسلات، كان يُقيم ثمّة مع مواطن له، يَخدم في مفرزة الانضباط. هذا الأخير، تذكّر فجأة ً صِفتهُ المُهيبة، حينما كان عليه أن يَهبّ ذات يوم ليثبتَ وفاءه. إذ كان ” سعد ” قد اتفق على لقاء في حجرته، غراميّ، مع بنيّة بمُقتبل العُمر، تعرّف عليها منذ بعض الوقت حينما كان يَسرَحُ على الكورنيش. ولكون الفتاة من عائلة لاذقانية، مُحافظة، فلم تتمكّن من الخروج من المنزل سوى بحيلة مرافقة شقيقتها الصغيرة، ذات الأعوام العشرة. مَكثتْ إذن هذه الصغيرة في مَطبخ الشقة، وقد جلسَ على الطاولة بمقابلها عسكريّ الانضباط ذاك. بغتة، دخلَ مالكُ البناء إلى المطبخ، فأدهشهُ وجود طفلة غريبة مع المُجند المُستأجر. عند ذلك، ذهبتْ ظنون المالك نحوَ وجهتها، الصحيحة. اقتحمَ عنوة ً خلوَة العاشقيْن، فما عتمَ أن صرَخ بالبنت أولاً، طالباً منها مُغادرة الشقة فوراً. ثمّ التفتَ من بعد إلى ” سعد “، مُهدّداً إياه بجلب الشرطة العسكرية. فما كان من مُجند الانضباط، المُتجمّد في المطبخ من هَوْل المَوقف، سوى القفز باتجاه حجرته بعدما دَهَمَتهُ فكرة مُناسبَة.
” أنا من الشرطة العسكرية.. “، هتفَ المُستأجر الباسلُ، المُكتسي للتوّ بمَلبس الانضباط؛ والتي جعلت هيئته شبيهة بأولئك الشرطة. صاحب المنزل، وكان بعضهم قد سَحَبَهُ إلى حجرَة أخرى في محاولةٍ للتهدئة، انخدع بمَظهر المُستأجر ذاك. ويبدو أنّ الأمرَ قد سويَ بالتفاهم، أخيراً، وعلى غير المُتوقع. فإنّ الرّجلَ الثائر، المُنافح عن سُمعة مَسكنه، لم يَغض الطرفَ عمن كاد أن يَتسبّبَ بفضيحة أخلاقية، حَسْب؛ بل وكذلك وافق على ابقائه نزيلاً في ذات الشقة: ” سأزيدُ أجرة الحجرة خمسة وعشرين ليرة، لا غير. ويا دار ما دَخلِكْ شرّ “، قال لهم بنبرَة أبويّة، مُتسامحة. وما لم يكُ ليدور في خْلد الحاضرين، أنّ الشرطة العسكرية سيتمّ استدعاؤها فعلاً بعد ذلك بأقل من شهر. في هذه المرّة، تعلق الأمرُ بمُستأجري تلك الحجرة نفسها، التي جرى فيها ابرام عقد الصلح بين صديقنا الحمصيّ وصاحب البناء. أولئك المُقيمون، كانوا يَخدمون كأفراد مجندين في قسم الشئون الفنية؛ وهم أصلاً من مدينة حماة. ويبدو أنهم اعتادوا على مجالس الخمر والعربدة، مُستخفين بأمر مؤجّرهم وهيبتِهِ. عندئذٍ، قررَ الرّجلُ أن يَجعلَ هؤلاء السكارى يَدفعون ثمن استهتارهم. في اليوم التالي، على الأثر، أبلِغ العقيدُ بتفاصيل القضية، فكلّفَ بدوره ضابط أمن اللواء باستجواب أولئك المُذنبين. في قبو غرفة العمليات، المُتمركزة في وسط المدينة القديمة، جرى التحقيق المَطلوب وبمعونة طبعاً من أدوات العقاب الجسديّ، المَعروفة. بعد مرور أسبوع، أو نحوه، أفرجَ عن المُذنبين لكي يتمّ نفيَهم فوراً (كالعادة في مثل هذه الأحوال) إلى سرايا المدفعية، النائيَة.
Dilor7@hotmail.com
Dilor7@hotmail.com