المؤثرات ومشروعيتها

محمد قاسم “ابن الجزيرة”
m.qibnjezire@hotmail.com

لفهم دلالة الكلمة- أي كلمة-  كان قدماء المسلمين يعودون إلى تصريفها–دوما- .
وفي هذه الحالة فإن “المؤثر” اسم فاعل للفعل “أثّر” الرباعي. ومعناه ترك آثار..-قل أو كثر-  تشير إلى تغيّر في المؤثَّر عليه” بفتح الثاء، وهو اسم المفعول هنا.

وقدا درجت كلمة “المؤثر” في عالم الفن أكثر، في السينما والمسلسلات، والعمل السينمائي والتمثيلي عموما، ولكنه أصبح يستخدم في مختلف الأنشطة البشرية كالدين والسياسة والإعلام…بل ولمسات التجميل في الإنسان أيضا…الخ.
ما دعاني للحديث عن المؤثرات كونها  تجاوزت وظيفتها الأصلية في تحسين العمل،  وترك لمسات تحسينية جاذبة على العمل دون التأثير في طبيعة العمل وجوهره…!
وكما يبدو، فقد كانت مهمة المؤثرات -في الأصل- التعويض عن النقص  في ما لا يمكن عمله في الواقع لاستحالته كما لو تصنع دمية ترمى من عال كبديل لشخص… ومن هنا جاءت وظيفة جديدة هي البديل وهو الممثل –أو الشخص المتقن لمهنة ما ليمثلها بدلا عن الممثل الأصلي في لقطة معينة. خاصة في  الأعمال السينمائية.
ثم تطورت إلى تحسينات تجذب المشاهد.  ثم إلى إبداعات  تدغدغ الخيال وتتجه نحو إثارة جاذبة
 ومنذ ذاك فقد أصبحت المؤثرات بلا قيود ولا حدود.
فأصبح هناك المؤثرات باسم الخيال العلمي، والتصورات الذاتية المختلفة لكل مخرج أو ممثل-ممثلة-..الخ.
وكانت المؤثرات في السياسة هي:  القدرات التي يحوزها المتحاورون-والأدق المتفاوضون – فيستخدمها كل طرف للتأثير في الطرف المفاوض وإقناعه…
وفي حالات كثيرة كانت المؤثرات مفيدة لحسم مواقف مؤذية، كالحروب و تحرير البلاد من الاستعمار ..وغيرها.
وفي الإعلام استفاد الإعلاميون من المؤثرات التصويرية خاصة بالتسليط على زوايا محددة، أو جوانب محددة، لإبراز الحدث في حالة مؤثرة على المشاهد – فضلا عن لغة التعبير والنبرات …- فيتأثر ويتخذ موقفا منحازا إلى ما يريده الإعلامي، الذي أصل ومبرر وجوده ومهنته هو الوصول إلى الحقيقة…لا تشويهها ،لذا سميت مهنة الصحافة بالسلطة الرابعة.
وحتى في الدين والتبشير به –أو الدعوة إليه – استخدمت المؤثرات؛  النفسية في البداية، ثم المؤثرات المادية عبر  الموسيقى والصور الفنية … وربما إغراءات بأشكال مختلفة…منها التوظيف والمال وغيره ذلك.
وفي مجالات مختلفة ممكن التأثير فيها على الغير…يظهر دور المؤثرات كمنهج معتمد.
إذا تأملنا في خلفية هذه المؤثرات جميعا، لوجدنا أنها لا تخلو من إحدى اثنتين على الأقل-
1- الخلفية السياسية في مختلف الحالات …
2- الخلفية المادية-المال والربح – خاصة في الفنون والإعلام..إضافة إلى الخلفية السياسية.
فالخلفيتان تتداخلان ، وكلاهما ذات صلة بالتكوين  النفسي –التربوي –الأخلاقي…في الحصيلة.
لم نكن لنهتم لو أن دور المؤثرات بقي هامشيا، ومكملا فحسب، مع ما لها من آثار سلبية …لكن المشكلة أنها تكاد تصبح –أن لم نقل بل أصبحت-  ثقافة أساسية في التفكير والسلوك البشريين …ولم تعد شروط البحث المفترضة في أصل الجهود البشرية تتفاعل كما ينبغي–وهي الجهود الباحثة عن الحقيقة .
 بل بدأ مفعول مفهوم السفسطة –وهو الإقناع فحسب بغض النظر عن الحقيقة.. .أو التأثير بمعنى أعم فقط-  بدأ هذا المفعول يتخذ مكانه في جذور التفكير والعمل في مختلف الميادين…!
وهذا يعني خلخلة الحياة الاجتماعية، والقيم الأخلاقية المفترضة فيها، هذه القيم التي تنظم العلاقات عموما، لتوفير نمط حياتي آمن، وشروط تفاعلات مفيدة؛ لتحسين وتطوير الحياة الاجتماعية بكل أبعادها لما فيه مصلحة المجتمع ورفاهيته…!
بعبارة أخرى:  إن الحياة تتحول، في كل تجلياتها إلى مجرد سباق على الزعامة –وشهوة التحكم- لا الحكم-  والسيطرة على الموارد المالية…ومن ثم تسخير ذلك في تحقيق الرغبات، وتلبية الشهوات…بلا اهتمام بالنتائج وتوافقها مع القيم المفترضة اجتماعيا وأخلاقيا ومنطقيا أيضا..
لاسيما ما يتعلق منها بالأمن.. والأمان.. والعدالة.. والسلم الاجتماعي…الخ.
فضلا عن توفير مناخ حرية تنبثق عنه قوى إبداعية مختلفة، للمساهمة في الحياة في كل نواحيها ..لتحلو الحياة، وتتوفر فيها الرفاهية و العدالة.
لذا أصبحت  المؤثرات تطال -حتى القيمة- البشرية ذاتها  سلبا، فيستخدم الجنس والطفولة، والقتل، والإرهاب… وأحيانا الإبادة، وكل الممكنات المتاحة ، من اجل هذا النزوع الجديد في حياة البشر(النزوع المادي والسلطوي  الذي لا ينضبط بشيء سوى المشتهيات والقوى المحققة لها  “والناس في سكرتهم يعمهون”.!
يبدو أننا –كبشر- نعود القهقرى إلى قرون خلت، وسادت فيها نوازع جاهلية من أمثلتها:  الحروب العالمية ، والنزاعات التي كانت تستهلك حياة شعوب وملوكها من اجل الهيمنة، والتباهي، وارتكاب المجازر دون مبالاة- بل بشهوة واحتفال أحيانا- 
إن الجهود الخلاقة خلال عهود طويلة، والتي بذلها المفكرون والفلاسفة والعلماء … يبدو أنها تتلاشى تحت عناوين ذاتية، ومصلحية “باسم الفنون والمؤثرات والمصالح القومية والوطنية…الخ.
فعندما لا يكون هناك ضوابط تحدد،  وتقيد سلوكيات تتجاوز المفترض من متطلبات الحياة الضرورية، والحقائق..فهذا يعني أننا ندخل في واقع ما درج على تسميته “شريعة الغاب” وهذا ما يبدو واضحا في سلوك السياسيين خاصة، والميل إلى القوة بدلا عن الميل إلى الحق والعدل.خاصة بعد أن تم الفصل ثقافيا بين السياسة والأخلاق …!

والمؤسف أن الأديان والإعلام وكل الفعاليات المتاحة بدلا من أن تقوم بوظيفتها السلمية والإنسانية…فإنها تساهم في شكل مباشر أو من خلال موالاة المستبدين، والطغاة، والمنحرفين عموما؛ من السياسيين الذين لا يهمهم سوى مصالحهم الذاتية؛ مهما كانت التكلفة من حياة الكون وما فيه، ومن فيه من البشر…!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف

إلى أنيس حنا مديواية ذي المئة سنة صاحب أقدم مكتبة في الجزيرة

 

ننتمي إلى ذلك الجيل الذي كانت فيه الكتابة أمضى من السيف، لا بل كانت السيف ذاته. لم تكن ترفاً، ولا وسيلة للتسلية، بل كانت فعلاً وجودياً، حاسماً، مزلزلاً. فما إن يُنشر كتاب، أو بحث، أو مقال مهم لأحد الأسماء، حتى نبادر إلى قراءته، ونتناقش فيه…

أصدرت منشورات رامينا في لندن رواية “مزامير التجانيّ” للجزائريّ محمد فتيلينه الذي يقدّم عملاً سردياً معقّداً وشاسعاً يتوزّع على خمسة أجزاء، تحمل عناوين دالّة: “مرزوق بن حمو، العتمة والنور، الزبد والبحر، الليل والنهار، عودٌ على بدء. “.

في رحلة البحث عن الملاذ وعن طريق الحرية، تتقاطع مصائر العديد من الشخوص الروائية داخل عوالم رواية “مزامير التجاني”،…

الترجمة عن الكردية : إبراهيم محمود

تقديم : البارحة اتحاد الكتاب الكُرد- دهوك، الثلاثاء، 8-4- 2025، والساعة الخامسة، كانت أربعينية الكاتبة والشاعرة الكردية ” ديا جوان ” التي رحلت في ” 26 شباط 2025 ” حيث احتفي بها رسمياً وشعبياً، وبهذه المناسبة وزّع ديوانها: زكاة الحب Zikata evînê، الصادر عن مركز ” خاني “للثقافة والإعلام، دهوك،…

فواز عبدي

 

في نقّارة، قريتي العالقة في زاوية القلب كقصيدة تنتظر إنهاء قافيتها، لم يكن العيد يأتي… بل كان يستيقظ. ينفض الغبار عن روحه، يتسلل من التنّور، من رائحة الطحين والرماد، من ضحكةٍ انبعثت ذات فجرٍ دافئ ولم تعد ، من ذاكرة عمّتي نوره التي كانت كلما نفخت على الجمر اشتعلت معها الذكريات..

تنّورها الطيني الكبير، ذاك…