تردّي القيمة الجمالية في الشعر الكردي- ( قصيدة Şehbazê partî لـ ((خليل ساسوني)) نموذجاً )

 ابراهيم محمود

ليس من شعب إلا وله مناسباته، تلك التي يُعرف بها: قومياً وسياسياً واجتماعياً وفولكلورياً وأدبياً وفكرياً…الخ، حيث إن المناسبات هذه، تكون من جهتها مناسبة لمقاربة الكثير من خصوصيات هذا الشعب، في المناحي المشار إليها، لمعرفة أوجه الخصوصية والاختلاف، من خلال ما يقدمَّ، عبر سيَران فعل هذه المناسبات والمشاركين فيها، ولكن إذا كان الشعب يتوارى خلف حجاب المناسبات السميك، كما لو أنها حقيقته الوحيدة، كيف يمكن تقويم الشعب، وجدوى كينونته؟
هنا، يمكن التمييز بين المناسبة، بوصفها ظاهرة ارتدادية، تقولب الشعب، في مجموع طاقاته، وبين أن تكون ظاهرة اعتدادية، تبقي الشعب خارج نطاق( الكولبة التاريخية)، بكل حيويته.

كل شعب، يحن إلى طفولته، تلك التي ترسم بداياته، وهي تجمع بين الميثولوجيا والدين والتاريخ المتعدد الأبعاد..، ولكن، كيف يكون الرجوع، إذا كانت الطفولة تأسره، وكأنها رشده الأبدي؟
هنا، بالمقابل، لا بد من التمييز بين طفولة، تسعِد المعني، وبالتالي تنسيه الحالة المؤقتة التي يعيشها، دون التفكير اللازم، وبين أن تنوّره، ليكون أكثر دراية برمزية مراحل العمر، بالطفولة، وعدم البقاء في مربعها، حتى لا يتراكم العجز، في وعي المحيط التاريخي والجغرافي معاً.
إن أول ما يتبادر إلى الذهن، لحظة التذكير والتفكير بالمناسبة، في صيغتها الجمعية كمفهوم، هو أن المشترَك، يقدّم على أنه مأثور جمعي بالمقابل، وعلى أن المشارِك من جهته، ينطلق من صميم الشعور الجمعي، دون إلغاء التمايز، لتأكيد أهم خصلتين، كما أرى: خصلة الانتماء إلى المناسبة هذه أو تلك دلالةً، وفي مشهد جمعي جماهيري مرئي ومسموع طبعاً، وخصلة التعبير الذاتي عن الحالة الأولى، وكأن المشارك بنشاط فردي له، يعيد للحاضرين: يريهم، أو يسمعهم، ما هم معنيون به، وبنوع من التماهي، لئلا يعتبَر الخارج عن دائرة جماعته.
ما تقدَّم به، يكاد يكون بمثابة القانون المطاع ، أو المأخوذ به في صراطيته، دون معرفة أن الوضع خلاف ذلك، وخصوصاً بالنسبة للفنان أو الكاتب: شاعراً أو قاصاً أو غيره، ودون معرفة المستوجَب كثيراً، أو يجري تتبعُها، على أن المشارك، هو في قرارة نفسه ليس هكذا، إنما تتدخل مجموعة من التقديرات والرهانات المتعلقة، بموقع كل من الفنان والكاتب،وتنوع مواهبهما، وأن صيغة ( الجمعية) هذه، لا تشكل شهادة حسن سلوك قويمة طبعاً، لتبرئة أي منهما إطلاقاً، ومن في موقعهما، من أي ( لوثة) تمرد على المشهد القطيعي جماهيرياً ( شعبوياً هنا)، وهي أيضاً، لا تعتبَر حُكماً نافذ المفعول بالتأكيد، على أن مشاركته السالفة، قد تمحي فيه الفوارق الفردية، أعني أوجه التمايز بين مشارك وآخر. هناك، هناك، في الجوار، حيث يكون الحاضرون باختلاف مذاهبهم وتصوراتهم، أمام الملأ، في الأدمغة المتابعة، بين سطور المقروء، خلفه أو أمامه، ثمة حياة أخرى، يتم اصطحابها، تلبُّسُها أو العمل بموجبها، تشكل شهادة تعريف حية ما، للمشارك.
إن انصهار مجمل المشاركين في بوتقة المشاعر الجمعية: الجماهيرية، عبر حالة النسيان للجانب الخصوصي المفترض لكل مشارك، وكما هو محسوب، يري  الخداع الكبير للذات، لمفهوم المناسبة، ولو كانت هذه هي المحك، لتوقفت الحياة حقاً، ولاختلفت معايير معرفة الأشخاص.
وهذا ما يمكن مقاربته، في قصائد الرثاء، بين إطلالتها، ونوعية الحياة التي تجلوها على طريقتها.
يمكن اتخاذ الشعر الكردي مثالاً مأهولاً بهذا الحضور الكمي للتماهي، للظهور اليقيني الرث أساساً، والذي يقصي الحياة خارجاً، ويسعى إلى تقديم البديل( النسخة المُكَربنة بدقة)، باعتباره مدماك الحياة الحقيقية، وأن المتكلم، هو الشاهد الحي في ذلك، حيث يختفي النوعي كثيراً كثيراً، للسبب ذاته، أعني ما لأجله كانت المناسبة، وكان الحضور، وتم التلاشي في الحضور.
لكن من قال أن المناسبة هذه، أو تلك، أي  تلك التي تتضمن رثائيات متدافعة، بوسعها أن تمحي الفوارق واقعاً، رغم قلتها القليلة القليلة؟ من يمكنه التأكيد، على أن المشاركين، وفي  امتداد الأزمنة، وتنوع الأمكنة، تتعدد أسماء الجاري رثاءهم، ويكون مضمون الرثاء صياغةً واحداً؟ نعم ، الموت واحد، وإن تعددت أسبابه، ولكن الحياة، وإن كانت واحدة، فهي ليست واحدة، وبالتالي، لا يكون الموت ذاته، من جهة المعني به واحداً، فلا يكون الراثي هو نفسه.
إن التركيز على وحدة الرثاء، عبر وحدة المشاعر، كما هو الظاهر، يبرِز ما يُعتبَر النتاج الأكثر خواء، لما يعاش كردياً، وجملة انقسامات الذات وتنافرها، وبؤس الشعور بالزمن، من خلال تردّي القيمة الجمالية في الشعر الكردي، حيث الرثاء لا يكون سائحاً نائحاً في دوامة المشهد القبري وتمَسرحِه، وفجائعيات الكلم، بقدر ما يكون معبراً لحياة تعاش، ولا تسمى، في هول المسمى، ومنبراً، لاستجلاء ما لم يفصَح عنه واقعاً، وكذلك فخاً ذاتياً للمعني دون وعي منه.
إن سلسلة الكلمات المذاعة، أو البرقية، إلى جانب الوجوه الجنائزية، تتداخل هنا، دون أن تهدأ حدتها في مكوناتها، مثلما تتراءى على اختلافها، إثر ذلك، لحظة المقارنة  بين الدائر خارج المسرح الجنائزي المرسوم، والسائر داخل المشرَّح الرثائي، والقابل للمكاشفة.
بين يدي، أمامي، قصيدة للشاعر خليل ساسوني، بالكردية، نشرِت حديثاً، قرأتها في موقع ( ولاتى مه) الالكتروني، مثلما أنها كُتِبت حديثاً، من خلال صياغتها، حيث أنها ذات صلة مناسباتية، وتحت عنوان ehbazê  partî§( وهو وصفي” أي العنوان”، إذ يشير إلى الملائم، الكفؤ، الجدير، ملك الطيور الحرة، المستحق وربما كان هناك، في صياغته، أقرب إلى ” قدوة الحزب”، وكما يقول مضمون القصيدة عموماً: بداية ونهاية)، حيث الشاعر، في غالبية ما يكتب، مأخوذ بالوصفيات، كسمة طاغية مناسباتياً، وقد ذُكرَت المناسبة( بمناسبة اليوبيل الذهبي لتأسيس الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا)، لتكون القصيدة مهداة إلى هذا الحزب، وإلى المعتبَر الرمز الأول فيه، إذ وضع لبنته الأولى( كما هو معرَّف به)، المعلم الأول الدكتور نورالدين ظاظا 1919-1989. وهنا حطَّ الجمَّال. إذ لماذا اتخاذ القصيدة هذه، نموذجاً للدرس الموسوم سالفاً، تأكيداً على مقولة مقدَّمة، وهي ( تردّي القيمة الجمالية في الشعر الكردي)؟ لماذا القصيدة هذه، وليس سواها، وما أكثر النظائر؟ هل من علاقة شخصية موجّهة لهذا الاختيار الذاتي؟ خصوصاً إذا علمنا، أن” ساسوني” لقب مكاني، وليس نسباً له، وقد اتخذه الشاعر لنفسه، تيمناً بتاريخ ساسون الذي يعرّف به ماضياً، ووقائع ساسون المريرة، وهذا يضاعف من حجم المسئولية، من رهان اللقب الجبلي الكاشف لما وراءه،  من خطورة المهمة، لحظة التعبير بالشعر، تحت يافطة اللقب المذكور، وما بينهما من حوار، يمكن تتبعه ظاهراً وباطناً، من خلال سردية المتتابع شعراً …

البحث عن المبرّر إذاً:
لا بأس في أن أسمي أسبابي، وليس السبب الوحيد، فيما ذهبت إليه. لكن بداية، لماذا الآن بالذات؟
أما عن ( آنـ: يَّة) الموضوع، فلأن ثمة الكثير، في المجال الثقافي- الأدبي، المناسباتي، بات صادماً في تركيبه، وكيفية تقديمه، منافياً لمجمَل ما ينادى به جمالياً( جمالية القول، الكتابة)، ومفهوم المسئولية في الكتابة، وإزاء المقروء الآن وفيما بعد، وتبعات المعطى، علامةً تاريخية مستجدة، ولأن ثمة إسفافاً بالآخر: ليس الكردي فقط، فالكردي هذا، وهو في وحدة أضداده الواهنة اختلافاً، وتنوع أشباهه المضبَّبة تواصلاً وتفاعلاً، وقد تعولم كثيراً، لم يعد أفريقي- هندي الغابة، ليمارس السلوك بطمأنينة باذخة، لأنه يالكاد يخرج عما هو جماعي متوارث، ولا يشهد عليه سوى أهليه، ومحيطه المادي فقط، بقدر ما صار الواحد الممزَّق، رغم تشابه أوجه الممزَّق فيه، موضوعاً لسواه، خارجاً، في مشرحة نقده، ومختبره النفسي كذلك( أليس وجود أربعة عشر حزباً في محيطنا الضيق، حيث لم يعد في وسع أي مكان، وفي الظروف الراهنة، بقادر على استقبال رموزه، وهم بكامل قيافتهم، ونياشينهم المميَّزة، وتأمين الصف الأمامي، بكراسيهم المعلومة، في ذات الخط، ولكل منهم حاشيته المعتبَرة، لإبراز الهيبة الأضوائية، أليس كل ذلك، تأليباً للمكان على القائمين فيه، عدا عن تشبيحهم دلالاتياً؟)، ولأن وعياً بالمكان، وهو على ضيقه، وبالمحيط، وهو في سخونته المقلقة، وبالمستجدات القريبة والبعيدة، وما أسرع وتائرها، وحركة ضمائرها، يشهد تراجعاً ملحوظاً، حتى عما كان يعاش قبل سنوات عدة…
أما عن القصيدة التي أنا بصددها، القصيدة: الحدث – التاريخ، فلماذا كان اختيارها، وأي خصال فيها، لتكون في مقام النقد المبضعي- الموضعي؟
لأن القصيدة هذه، يمكن لها أن تشكل التعبير الجلي، عن العلاقة بين الشاعر الكردي،  وكيفية مشاركته في مناسبات لها شأنها، وخصوصاً في المجال السالف، وطريقة التفكير عند الشاعر هذا، لا سيما عند ساسوني المتقدم في العمر، والذي يكوّن معبَراً لرؤية الكثير من علاقة الشاعر الكردي بذاته ومحيطه، وما يكتب أساساً، والمذكور هنا ضمناً، ولأن القصيدة هذه، وفي حداثتها ( كتابةً ونشراً ومناسبة)، تستشرف الكثير مما هو كاشف لقيمة الكتابة شعرياً، وعلاقة المكتوب بالآخرين ( ما يمكن أن يقولوه أو يتكتموا أو يتحفظوا عليه، تبعاً لأمور، ومنشّطات نفسية وجانبية خاصة بهم، ولكنها داخلة في لعبة العلاقات الاجتماعية كردياً)، ولأن القصيدة هذه، أيضاً، تكاد تشكل النموذج الأكثر سطوعاً في استهانتها بروح الشعر، وجدوى وجوده( والشعر كان وما زال عند الغالبية من الكرد( المعتبَرين) ذاكرتهم المحفوظة ( ديوانهم التاريخي المأثور) من جهتهم، والتمثيل في الروح هذه، ولأن القصيدة هذه أخيراً، وليس آخراً، تدشن، وإلى أبعد مدى زمني وقيمي، خرافة الشاعر الكردي، تماديه في قول كل ما لا يمكن اعتباره شعراً، كما سنرى، لإرضاء نزوعات ذاتية، وتعبوية تحزبية، وشعاراتية استرضائية راهنة، حتى لو كان المكتوب أو المقروء، يبرز فضائل لافتة سماعاً، وعند أهليه، إنما بطريقة أكثر سفوراً، وأنه يمكن تسميته بأي اسم، سوى اعتباره شعراً، إذا ما أريد لهذه الذاكرة الكردية البائسة، تلك التي تحمَد هنا وهناك، أن تظل، ولو في الحد الأدنى من التقدير الذاتي لدورها فنياً أو أدبياً، أو طريقة ما من طرق التواصل، مع الوجود والحياة والذات…الخ.
إن هذه المقدمة الطويلة هنا، نسبياً، ربما حملت، أو استبَقت تبريرها، لأنني، وفي كتابات كثيرة لي، عندما أتعرض لموضوع كهذا نقدياً، وفي المضمار الكردي بالذات، أحاول التخلي كلياً، عما يتحكم بسير أشخاص، بأساليب تقويمهم قيمياً، بكتاباتهم، وأوجه تعاملهم اجتماعياً، وفق إملاءات، أو من خلال اعتبارات تضيّق واسعاً، كما يقال، وباعتماد الجديد في التعامل، واضعاً جانباً ، ما يتعلق بالمقام الشخصي السلالي، واللقب العليم، والعلامة الفارقة- المارقة في المدَّخر العائلي، الاجتماعي، الوظيفي، فالأدب خلاف الجاري في مجتمع عوائدي، أعرافي، وجاهاتي، بأطواره وأدواره، إن عمره هو فيما آتاه أدبياً، أما عن قيمته، ففيما واتاه دلالياً، وأما عن قياقته، ففيما تبدَّى عليه جمالياً، وكل ادعاء خارج ذلك، مسقّط ذاتِه، دون نسيان من هم الأشخاص الذين يتكلمون، أو يكتبون، ومن يمثلون، وما عليه خبراتهم. إن البنية التحتية لأي عمارة، هي التي تحدد سلفاً، ما يمكن أن يكون البناء علواً ووساعة مساحة، وتحمُّل أعباء، أما الواجهة، وسياسة الإكساء، فتتصلان بالتذوق، والقيمة الذاتية التي يمنحها المعماري لعمله، والكاتب معماري بامتياز، وهو المعروض في واجهة النقد، وكل عذر مردود عليه لاحقاً، خصوصاً حين يتقدم ( طوابقياً).
( إن القصيدة ليست مجرد حقيقة أدبية. ولكنها حقيقة اجتماعية أيضاً. إن القصيدة تنتج في سياق يتضمن حياة المؤلف، والمتلقي الذي يكتب ( أو تكتب) له…)، بحسب تعبير ديفيد بُشبندر، في كتابه ( نظرية الأدب المعاصر وقراءة الشعر- الترجمة العربية، ص 121).
أراني هنا، أتصرف، خلاف الكثيرين ممن يكتبون شعراً وغيره، وهم في الكثير مما يكتبون أو يتكلمون، كما لو أنهم يستهلكون وقتاً للتسلية، أو من باب رفع عتب ما( التبرير المنفّر)، أو لتأكيد ذات، ولو بتعريتها دون وعي دقيق من صاحبها، أو، لاستحداث تشويش، دون معرفة الأثر السلبي فيما بعد. إنني لا أحاول الاستهانة، قدر المستطاع، بكل ما يكتََب، وأنا أتعرض له نقدياً من زاوية ما، ثمة جدية في الموضوع، لأن ثمة تاريخاً في الانتظار لاحقاً، ثمة من هم في الانتظار، لا نعلم من يكونون، من بني جلدتنا، وخلافهم، إن لم يكن اليوم فغداً، عندما يحيلون المقروء في اللغة الكردية ذاتها، أو ترجمة إلى لغتهم، إلى مادة، تعرّف بالكثير، والخطير عما تقدَّم.

عندما تأتي القصيدة:
قصيدة ehbazê  partî§، مناسباتية، طللية قبل هجرانها، كما تقدم التذكير بها. لا ضير في ذلك، من جهة كونها مناسباتية في بعض الحالات! فثمة الكثير من القصائد داخلة في هذا السياق، ولا أظن، أن شاعراً، خصوصاً، أو كاتباً، ليس له موضوع مناسباتي ما، لأن ثمة مواجهة، لأن ثمة حضوراً عينياً، نفسياً، تاريخاً، يمنح المقروء قيمة ما، ولكن شريطة ألا يكون حضور المقروء، أو المتكلَّم به، في وزن الحاضر اسماً، كما يعلِم بشخصه عيانياً، ومن مقام ما، كما هو الجاري كردياً( بين من يرى أنه يكفيه حضوره ليكون مسموعُه لقطة تاريخية، مع صورته الشخصية التي تتقدمه، وأن ما يمكنه قوله مضاف إليه، باسمه، وهذا هو عين التصرف الوجاهاتي، ومضاعفة للوجاهاتية المستحدثة هنا، ومن يرى أنه يكفيه ظهوره أمام الآخرين، ليؤكد أنه حاضر بينهم، ويمكنه التحدث، أو الاستطراد في القول، لتثبت مقام منتظَر، معرَف به، تعزيزاً لذات، تتلمس فيما يمكن للآخرين أن يقول عنها إيجاباً، مكرمة تاريخية، ودخولاً لها وبصاحبها في وجاهاتية مرافقة، أو مبتدعة، ومن يرى في حضوره حضوراً للكلمة الفعلية، رغم قلق المكان وساعته المديدة، وما أقل الأخير!)، وأرى أن القصيدة السالفة تنتمي إلى الصنف الأول، إلى اللاقصيدة حقيقة قيمة.
ثمة ما يمكن الكشف عنه، في هذا المضمار، ولكن الإشارة إليه، ستكون تالياً، أما عن القصيدة بالذات، فهي المندلقة وصفاً، والمأخوذة بالوصف، إخلاصاً لعدوى، يروَّج لها، تحت راية عنوان، أفصحت القصيدة، عن لا توافقية العلاقة كلياً، بين ما تقدمت به عنواناً، وما تأخرت في ذكره، مصداقيةَ المعنون به، وما لم يؤتَ به معنىً في الأصل .
إن شهبازية القصيدة( إن جاز التعبير)، بقيت دون حراكها الدلالي، وحدها الوجاهاتية المصنعة سمَّت نفسها .

العبوات الناسفة شعاراتياً:
باستثناء الشطر الأول من القصيدة، من الصعب العثور على أثر للقصيدة! فالبداية تُستَهل بالسلام الموجَّه إلى من عنونها من أجله، وأهداه إياها، رغم أن البداية ليست جديدة: تاريخَ نشوء، واستعمالاً:
Silav ji bo te           serdarê partî
وبدءاً من الشطر الثاني، تتعاقب، أو تتتالى سلسلة الألقاب- الأوصاف، إلى درجة ( لا معقولة: معقولة)، لأن المدوَّن لا ينطلق من روح الشعر، وحاجة الروح هذه إلى متَّكأ أثير، في فضاء المتخيل الواسع، إنما من روح تعيش تكوُّر بدنها، انقصاف أمرها داخلاً، في بؤس المردود النفسي، كما هو ملاحَظ، إن تحصيلدارية القصيدة، هي في الكم الكبير من الأوصاف، والتي بالقدر الذي تظهر معظّمة للموسوم، تكون مقزّمة لحقيقته كرمز، بالقدر الذي تطوّح بالقائل ذاته، لأنه يخون روح الشعر، مثلما يعتَم على حقيقته في  إيصال ما ليس بشعر واقعاً.
إن رؤية أحجار جلاميد، لا تعني وجود هرم، والكلمات الطنانة، لا تعني تجلي إبداع ما.
حيث الأوصاف هذه ( قائد الحزب، الأديب” الفيلسوف” العظيم، رمز السلام،شاه الكادر الحزبي، المؤسّس، الباني، الجلي كالباز ، المنظار، المدقق، الصارخ، المضحّي، الفادي، سليل كاوا، حفيد شرفخان، المستنير، الجنَتي، العالم بكل شيء، الهادي، تلميد البارزاني، الخالد…الخ)، لا تبني قصيدة، إنما تبعد القارىء الفعلي، عن كل ما له صلة بالقصيدة، وساسوني، كما يظهر، لم يخطط لكتابة قصيدة، كما تعلمنا بنيتها، وإنما لإطلاق أوصاف، استبد بالشعر عبرها، مثلما حاول تقفية كلمات، في أبيات سميت شعرية، افتقدت الوزن نهائياً ( ليس من بيت موزون، إلى جانب سواه، على الورق)، مثلما افتقرت إلى الإيقاع، حيث إذا كان الإيقاع يتوقف على الترادف الوصفي، وما يشابهه، فلا مجال للحديث عن سرَّانية الإيقاع وفذاذة القوة الدلالية، هذه  التي تجعل الإيقاع حركة الروح المتجاوزة لجسدها المادي: البيولوجي.نعم، كلما كثر الوصف، خيَّب المعنى أمل اللفظ، مثلما أن اللفظ غير المأخوذ بالرحابة، يفني المنشود منه أدبياً وجمالياً.
كردياً، ما أكثر الأوصاف، ما أقل الشعر، ما أضعف الأدب، الوصف يسبر ما هو أفقي، وفي نطاق معلوم، ولكي يكون منتج قيمة دلالية، لا بد من السبر القاعي، من الإيحاء من تمثيل، يوسع أفق الرؤية، ومع الكردي( كردينا هنا)، يرتقي الوصف كثيراً، إلى  مستوى تقرير حالة خاصة، ربما،لنيل جائزة ترضية جانبية، لأن لا ثقافة بنسابة القول الشعري، لا معرفة تحيط بمفهوم الشعر، وكيفية انعكاس تأثيره، إذا لم تُتقَن لغته المميَّزة هنا.

Hozanê bilind         simbola aştî
Tû rengê Diktor      Fûad û axtî
Şahê partîzan     Nûredîn Zaza
Roja te partî           ji bo me çêkir
Navê demoqrat        te rabû lêkir
Koçka xebatê         ji kurd re lê kir
Firî asîman           tû rengê baza
Ji bona partî:          dibûyî dûrbîn
Ji kadiran re:           dimayî hûrbîn
Li şofîniyan:            dikir te qêrîn
Qîrên te xweşbûn   bêtir ji saza

هنا، فيما تقدم إيراده، وبعد البيت الأول، وهو شبه متداع ٍ، ماذا يفيد الشعر، إذا كان بياناً عما يكون عليه المرثي، أوصافاً تترى؟وهو القاسم المشترك الأكبر، بين غالبية ( شـ”و”عراء) الكردية، وفي موضوعنا بصيغة أكثر تدهور قيمة جمالية، إذ ليس المميّز في الشعر، هو أن يقول الشاعر، ما يجب أن يعرفه الآخرون( ومن لا يعرف من كان الدكتور نورالدين ظاظا، بداية حياة رائعة بذاته، ونهاية حياة مروّعة بذوات آخرين، وساسوني، له صلة أو رابط معرفة بهذا الترويع المعنَّى به( أي ظاظا)، وكيف كان، كما تقول سيرته الأثيرة، أي شهادة جامعية نالها من لوزان، سنة 1954( هل يعرف ساسوني، هو ومن يشاطره وصفاته الخارجة عن مدارها التاريخي الأدبي، أي موضوع كان موضوعه الفلسفي، ولماذا)، وكيف انخرط في السياسة، وليس في التحزبية، كما أريد له، وكيف انتهى به الحال، وهذا ما يتجاهله الشاعر، وهو يغطه في أوصافه غطاً، في عمق البحر الجليدي العائم، لتاريخ التحزبية الكردية البالغ المرارة، العمق المعتم، والمعتَّم عليه، وكيف نبِذ من الحزب، وشهّر فيه، وهرب بجلده؟؟؟)، إن المميّز للشعر، هو ما يفاجىء الآخرين، ما يضعهم أمام مجهول، لطالما تمنوه، وهو يهزهم وجدانياً، وفي ذواتهم المفكرة بعمق، أن يطلعهم، عبر نفاثات صور الشعر، على طلاقة روح، تثمل أرواحهم.

“Eger divêtin           nebin tar û mar
Kurdî bixwînin         her gav û her car
Payîz,zivistan,         havîn û buhar
Da hûn nebin wek:  Aşûr û Laza
Eger hun bêtir        divêtin xweş nas
Bibin bi xelkê..re     dost û hev nas
Ji Kurdan hun         bibin xweş rênas
Dîsa bixwînin    bi kurdî aza”
Bi wî denge zîz       te bankir xorta
Dijmin divêtin          bi pesn û forta
Bo we bikolin          kortal û korta
Da ku nêçîrkin  we rengê qaza
Ji bona hun hew      bibin giriftar
Dijmin nexwin we    rengê gurên har
Li dijmin bibin          win pêtî û ar
J`hev bidne alî   yên pîs ji taz

هذه الأبيات المشقشقة، نصحوية، وعظية، لا علاقة لها البتة بالشعر، إذ يفترض في الشاعر، أن يقول ما يقدمه له متخيله الشعري، أن يصحب روحه الأكبر من جسده، أن يسمع الحاضرين- الغائبين- الحاضرين، ما يشتهونه، وليس ما يرتكبونه خطأ، إذ يعلمون بذلك، ولا يلتزمون به، كما هو الشاعر هنا جزافاً، وهو محتوى اللغة التي سئمت ذاتَها، من كثرة التكرار، واجترار ما لم يعد مجدياً البتة حتى التذكير به، لمعلوميته الفارطة الضاغطة .
من لا يعلم ماذا يعني التشتيت والتشتت، عدم القراءة، في الأوقات كافة، توسيع الصلات  الاجتماعية، التوحد على أساس القوة، والوعي، وفهم العدو بدقة؟( هل يلتزم الشاعر بذلك، كما تقول المستجدات؟؟)…الخ؟ ليس من شعر ثانية، ولا ثالثة ولا رابعة، فيما تقدم ذكره، بقدر ما يكون المثقِل بظله اللاشعري، على شعر ممثَّل فيه باستمرار.
هذا التشتت في الإحاطة بأخبار الشعر، بأحواله، في الاهتداء إلى الطريق السالك بزخم الشعر، يجلوه المدوَّن، أنى كان التوقف، والتأمل( ولا تأمل مطلوباً هنا، لأن لا تأمل شعرياً، يتضمنه المكتوب)، حيث يتقدم ويتأخر، يقول ما قيل مراراً، يسرد تاريخاً لأمكنة، يرسم إحداثيات مواقع، يمتدح الموصوف، بالقدر الأقل ، حتى من النظم المقبول:

Tû hatî girtin            bi çendê cara
Li”Mezzê” tu bi…     destê neyara
Li `Emmanê” tû        b `destê xem sara
Li”Musil” te dan  kaş û hevraza
Bo milletê xwe          sed jan te kêşa
Ji bo sêwîyan            tû pir di êşa
Bo xebata gel            te da sed bêşa
Ketî rojên teng       sawêr û raza
Di ber millet de          tû bûy sitem bar
Eşay di ber de           tû mayî xem xwar
Cor û cefa dît             ji dest sitemkar
Te dabû ser rê….   Li  kaş û gaza
Ey kurê Kawa            nevyê Şerefxan
Bo kurdê Sûrî             tû bûy Bedirxan
`Ubeydê Nehrî            Xanî,Seyid Xan
“Cinef” te himbez…   kirî şehnaza
Ew ramanên te            sade ji zêr bûn
Herdem li jor bûy         Lê em li jêr bûn
Ên nijad perest            Li ber te gêr bûn
Siyaset meda. . . . .rê jîr û aza

نحن هنا، بصدد تقرير أخباري، عما تعرَّض له من أذى، وبصورة مفصلة،كما لو أن ذكر المزيد من الأمكنة، يدشن جغرافيا شعرية، وينال رضى الأكف الجماهيرية في التصفيق. إذ الأُمي الأمي، صار يعلم أن الذي يتعرض للأذى، وإثر تسمية السجن، دون المكان أحياناً كثيرة، يضعه في مواجهة حدث تاريخي، إنساني، ولكنه ممهور شعرياً،وأن ليس من داع، للإيغال في وصف، أو تكرار مناقب الفقيد، أو شمائل الممدوح، أو مآثر الراحل، بعد غفلة مزمنة تاريخياً..
لا يكفي الشاعر، بالتساؤل عن عدد المرات التي زَّج بظاظا في السجن، إنما يشرح ويسمي، وفي طفرة شعور تاريخية، في خاصرة المكان ( سورياً، كما يسمي)، كما لو أنه كان مُعتبَراً هكذا، لا يكفي من يكون قيمة مكانة وذات، وإنما يعيد ويعاود، لكأن الأديب الكبير، أو الحق، يحتاج، لأن يسهب في وصف أفكاره، وتبيان جمله، وحركات كلماته في الضم والفتح والكسر والسكون، لا يكفي أن يبرِز مدى تفاني الآخر، في خدمة شعبه، وإنما يندفع مكرراً ومكرراً، هذا الجانب، كغيره من الجوانب، لتكون القصيدة في مجملها مجانبة لاسمها( أي سوبرماركت أوصاف).
لاحظوا كمثال في المقطع السالف: من أجل شعبك عانيت كثيراً جداً- من أجل اليتامي كنت تتألم كثيراً- من أجل الدفاع عن الشعب كان لك مساهمات كثيرة- عشت أياماً صعبة، هواجس وأسراراً- بدفاعك عن الشعب صرت مظلوماً- بتألمك بسببه، أصبحت معانياً- لاقيت الظلم والإهمال من على يدي الظالم…..الخ
إن عبارة واحدة، تفي بديلاً عن الجميع، ولكن لا عبارة مما تقدم، تصلح لأن تكون ذات مواطنة شعرية كلياً.
لأن القول الذي تتضمنه، تقرير أخباري، توصيفي، كما نوَّهت، وفي وسع أي كان متابعة هذا الجانب، مساءلة، أو مطالعة.

Li pêsiya gel                her tişt dizanî
Le ma em çibkim          me hew dizanî
Dimay tu suxtê             şêrê Barzanî
Bo pekanîna      doz û niyaza
Pêşîwayê min              kurê Şêx Se`îd
Suxtê Barzanî              û Qadîyê şehîd
Bo kurdê Sûrî               tu newroz û îd
Namrî.tû saxî     Nûredîn Zaza

وكونه يعرّف بموصوفه، معتبراً من أن وصفه، هو اكتشاف الشعر للتاريخ، وللمجهول من سيرة حياة شخصية، تشمل تاريخ حزب في كليته، فهو يسهب في الشرح والتوضيح اللاشعريين، مركزأً، على أن أفكاره مصاغة من ذهب، مثلاُ، وأنه كان باستمرار في أعلى عليين، بينما الآخرون في الأسفل، والشاعر ضمناً، وهو اكتشاف يأتي لاحقاً، أي بعد رحيل الموصوف بعقدين من الزمن تقريباً، كما لو أن اكتشاف الذاتي، لذاته، هو،  ومن يتحدث باسمهم، ومن كانوا وراء اغترابه، وحرقته، أو طرده من الحزب، والتشهير به، وهو صامت ، على مدى عقود طويلة من الزمن، وهنا، يخرج من قمقمه التاريخي، بإشارة، من وراء ستار أحدهم، ليقول الحقيقة، إذاً كونه، يندفع هكذا، لا يرى إشكالاً في التقدم والتراجع، في قول أي شيء، وتسميته بالشعر، وأظنه، في طريقته هذه، يكون مستغبياً كل من هو حوله، أو مستهيناً بذاكرة القارىء التاريخية، وحتى بحراكه الوجداني، وما يمكن أن يكون عليه تساؤلاً من الداخل، ولكنه التحرك داخل قناع روحاً وتفكيراً، عندما يتجاهل كل قيمة تساؤل، استفسار، مساءلة لدى الآخر، عن هذا الصمت المزمن، ولماذا ظاظا الآن،وليس قبل الآن، لماذا كل هذا السكوت عليه؟ وقد أسيء إليه، كما لم يُسأ إلى أي كان مثله: تأليب الآخرين( من ذات القطيع الشعبوي التحزبي الكردوي، تشهيراً وإلحاق أذى، وطرداً مروّعاً، ومنذ مطلع ستينيات القرن الماضي)، والذين يشهدون على ذلك، مازالوا أحياء، كما تحدثت عن ذلك في كتابي عنه( الارتحال إلى الدكتور نورالدين ظاظا” موجز دراسة حياة مستمرة، طبعة 2007)، وربما هو العسف التحزبي، وإرهاب الذاكرة التحزبية المسلَطة، والموجهة حتى اللحظة هنا وهناك، أين كانت الحقيقة النابضة في ذات ساسوني؟( يمكن معرفة ذلك، في بعض مما يورده الاستاذ حميد درويش، في كتابه ” أضواء على الحركة الكردية في سوريا، أيار ، 2000، صقحة 57- 58، وكيف اعتبر الاستاذ السالف، ذلك، بمثابة الضربة القاصمة الموجهة للحزب، وهو اعتراف جاء متاخراً كثيراً، عدا عن أنه لم يأت إلا بعد أن صارت عظام المشهّّر فيه والمطرود حزبياً  رميماً، وفي قلبه حسرات جمة، من رموزه المعتبرة كردياً، وصاحب الشهادة ليس خارج السرب الأرضي الكردي بالتأكيد)،تُرى هل حقاً، يعانق الشاعر رمزه، بذاته الموحدة، دون أن ينفض عنه، غبار التحولات المتراكم؟ هل يحاول إعادة الاعتبار إليه، وبأي صفة؟ هل يكون قوله اللاشعري، هنا بالذات، رداً ما، من بين جملة ردود، على ما أثرته عنه، من خلال هذا التذكير الاحتفالي القومجي، منذ سنتين ونيّف فقط؟ أم أنه تراه يتحدث، في هيئةrengê الشاعر، بدوره؟ بنيابة معينة، توكيلاً محاماتياً، لا يمكنه إرجاع التاريخ الممثل فيه،مثلما أن أحداً، لم يوكله ليتحدث هكذا، حيث لا شفاعة بعد هدر كامل القيمة التاريخية للرمز الجاري مدحه، وهو مدح من يتمثلهم، مدحه الذاتي المتداعي، كما يتصرف آخرون ، حتى الآن، بنيابات متفاوتة، عمن يُعتبَرون شهود عيان تاريخه، إنما بشهادات زورمرافقة، عبر من يرضون القيام بأدوار، لا يبصرون فيما يؤول إليه مقامهم الذاتي الفعلي قيمةً، كما تقول وقائع تاريخ المغدور اسماً ، ومقاماً، ونطاقاً جغرافياً( سورياً) ضيقاً، كما كان في مرمى أهدافهم ذات يوم: تخويناً، وتشهيراً فيه، هكذا تستمر اللعبة، فيمن يسعون إلى التميز عن دوقة التحزبية…
إن ما تحدثنا في أمره، يمكن متابعته حتى النهاية، من جهة العودة، إلى البداية، أي عبر التذكير بالمزيد من الأوصاف- الألقاب التي يتم تقديمها بصيغ مختلفة، وليكون الموصوف، مستحق الاسم: العنوان، وفي المقام المحمود تاريخياً، ذاك الذي توخاه الشاعر، وهل ما توخاه حقاً، هو ما اعتقده، بيقين مبدأ لا يُرد، كظاهرة مرَضية، يتلذذ بها كردنا، كثيراً: شعراً ونثراً!!؟؟
ولكن رب سؤال، وهو: وما الدافع وراء سياقات لا تكون شعرية، وبهذا القدر من الهذر الكلامي؟
ثمة معنى، بالتأكيد، ثمة تربية تتفعل هنا، ثمة ثقافة سائدة تواظب على إتاحة المجال لمثيلاتها، كما يظهر، وأعني بكل ما تقدم: المناخ المشجّع لذلك، وقناعة الشاعر، على أن التصرف هكذا، يضعه في صدارة المجلس الشعري، وبعد أن رُفِع عنه الحظر التحزبي، بعد طول غياب، لتكون طبيعة المتاجرة باسمه هنا، حالة موازية للمجاهرة بتكفيره، وتحويره، ودون اعتذار عما سبق….
بصيغة أخرى، إنني ( وأتحدث باسمي، باعتباري القارىء والناقد لما تقدم)، أجدني إزاء، أكثر حالات الوعي انخسافاً، ألا وهو اعتماد وعي المستهلــِك الذاتي، لما هو مستهلَك موضوعياً، كرمى المستهلـَك تاريخياً، حيث إبراز التفجع العاطفي صوتياً، في قراءة النص، وهو في تنوع حالاته، من حيث الرفض، أو القبول، الهجاء أو المديح، كما لو أن الموضوع واحد، ليكون المختلَف الاستهلاكي هو الكلمة المتداولة، والجمهور هو الوعاء المتلقي أولاً وأخيراً….
يمكن الحديث كثيراً، حول النقاط السالفة، وكلها تلتقي في نقطة واحدة، هي التي تخص القول الشعري، وتمايزه، حول كيفية التضحية السافرة بالشعر، وما يمكنه أن يقوم به، أو تردي القيمة الجمالية في الشعر الكردي، في سياقات من النوع المذكور، وأن المذكور، يشكل التجلي الأعظمي لهذا التردي بالقيمة، وحتى بالذات التي تجترح تاريخاً، لا يمكن أن يعتَّم عليه هكذا.
ثمة الكثير من الشعارات التي ترتفع وتنخفض، كما هي تضاريسية الأوصاف الواردة، وفق  مقدَّرات، وبحسب تقديرات ، لا علاقة لها البتة بالكردية، كانتماء حضاري، وقومي، وثقافي عام، كردية تتمرأى في التاريخ المتعدد الأبعاد، والمتحول دائماً، حيث رائحة كبريت الشعارات، تزكم الأنوف، دون توقف، لأن الطرق السالكة، معبَّدة بها، فأي تيه بداواتي كردي سبخيٍّ هنا؟؟

خراب الدورة الشعرية:
لا أظن أن ثمة فصلاً بين ارتباط الشاعر، أو الكاتب، أو ممتهن لعمل إبداعي، مهما كان إبداعه، ومجريات الحياة، والثقافة اللازمة، على الأقل، من خلال أواليات التواصل، أعني بذلك، السبل التي تسمح بإيجاد روابط جديدة، خافية على الآخرين، أو بتسمية علاقات للقارىء، تعزّز ثقته بالكلمة، خصوصاً وهي ذات نسَب شعري، وخصوصاً أكثر، إذا صيغت في قصيدة سريعة الإيقاع، حيث كل بيت يتضمن كلمات محدودة،معدودة، وهذا يستلزم توافر قدرة أكبر في صلات الوصل بين شطري كل بيت من ناحية، وفي منح البيت الواحد اندفاع حركة وسرد متتاليات جمالية عبارات  تشهد على براعة، أو على الأقل، على كفاءة الشاعر، في اعتماد هذا الصنف من الكتابة إيقاع معانٍ، وتواشج كلمات، وسبك مفردات، تكوّن مجتمعها الشعري، من ناحية ثانية، ما عدا ذلك، لا يعدو أن يكون تطفلاً على الكلمة بالذات، فكيف الوضع، والعمل هو استيلاد قصيدة، ممارسة شعرٍ هنا؟
إن مجموعة الجُزافيات التي تحصر الشاعر بين سندان الكلمات المتنافرة، حتى في مَعلمها النثري، ومطرقة البناء النظمي، وليس الشعري طبعاً، تحيل قضية الكتابة، وهنا بالذات، إلى محكمة الجنايات الأدبية الأكثر امتهاناً للذاكرة التاريخية الكردية، في ميسمها الأدبي: الشعري، حيث وعي العلاقات التاريخية السلبي تماماً، يتداخل مع وعي الحدود الشعرية البائس جداً، خصوصاً وأن (الشاعر؟)، وبعد الكم الكبير من عقود معايشة الشعر، يتصرف بالبناء القولي تركيباً وتشذيباً، تقديماً وتأخيراً،وربما كان الإجراء يشفع له أحياناً، إذا ما أحسن التدبير في الإبقاء على حيوية الذائقة الشعرية، ولو في مستواها الأدنى، ولم يحصل شيء، لا من هذا، لا من ذاك.
أتساءل هنا: لماذا وضعت simbola، وليس simbolê، رمزاً صحيحاً يدل على الذكر؟ لماذا الجمع بين ضمير المخاطب والغائب، في أكثر من بيت؟ كما في    Firî asîman           tû rengê baza ، حيث الدلالة واضحة، ولكن حُذف الضمير المذكور بداية، وذكر في مطلع الشطر الثاني، تعبيراً عن عجز في وعي المدرك للمطلوب هنا فعلياً، وحتى في الإساءة البالغة إلى الحقيقة القائمة، فهو دكتور بداية، فلماذا هو (مثل)، أو في (هيئة)،  كما هو واضح في البيت. لماذا وضع الباز بصيغة الجمع، استجابة اضطرارية لحاجة القافية المطلوبة؟ لماذا تكررت مفردة rengê( شكل ، هيئة، لون)؟ حيث تسيء، وأي إساءة إلى الزخم المعنوي في السياق الشعري، عدا عن أنها، تضعف من قيمة الوصف، فهو لا يكون الموصوف، إنما القريب منه، أو شبهه، كما وردت مرات عدة، وأعتبر ذلك، علامة من علامات الحيلة البلاغية اللازمة في الشعر، أي العجز عن إيجاد المناسب من القول، لإتمام المعنى المتخيَّل، وفي الوقت ذاته، يكون المقصود، كما تقول بنية التشكيل اللغوية، خلاف ما هو مرسوم عنه، أي المشبَّه به مباشرة، وليس القريب منه، من خلال ( مثل، هيئة، شكل..)، فهو الدكتور وليس مثله، و هو الباز وليس مثله. كيف تكون صرخاته عذبة، كما في قوله qîrên te xweşbûn، وهذه الصرخات موجَّهة إلى الأعداء المميَّزين( الشوفينيون منهم، بالتحديد)، كيف تستَعذَب، بهذه الطريقة، وهي يجب أن تكون مرعدة، مخيفة؟. لماذا تقدم ضمير المخاطب على الفعل، في الشطر الشعري dikir te qêrîn حيث إخلال آخر، يضاف إلى سلسلة الإخلالات في الكتابة القواعدية، إلى جانب التذوق الشعري. لماذا تكرر ضمير المخاطب، في التقديم والتأخير؟ أهو لأجل التأكيد على الممدوح، أم لتعميق أثر شعري، أم لتنويع دلالي؟ لا أظن أن أياً من هذه الحالات قائمة، كما هو ملموس في الإنشاء اللغوي غير المحبوك، كما يجب، فالبعثرة تأتي هنا، شاهداً على حالة اللا اكتراث بفحوى المكتوب نفسه، بالمذكور ذاته، وإنما بالذات الناطقة، والتي لا تتابع خاصيتها، وهي تتنقل في طابور من الأخطاء المختلفة. مثلاً لو أنه كرر الضمير المخاطب في مطلع كل بيت، أو مطلع كل شطر، لاختلف الوضع، حيث المقروء، يبرِز فجيعة المهمَل، وسوء إدارة المفردات في بناء عمرانها الأدبي: الشعري، وكون النص كله؟ موجَّهاً إليه،، وهذا يعني، ضرورة رفع الكلفة( المكلفة هنا)، طالما هو حاضر في كل بيت. أتساءل: لماذا تقديم الصيف على الربيع تسلسلاً؟ أليس استجابة للقافية البائسة من جهتها؟
أي مثير جانبي، سلباً لعلاقة مستهلكة، تشبيهاً، وغير موفَّقة، وهو يربط العدو بالذئاب المسعورة، الذئاب التي تفترس بني جلدة الشاعر، وبهذه الصيغة ؟:
Dijmin nexwin we    rengê gurên har
هذا التحذير، لا علاقة له بالجانب الشعري ( احذروا من أن يأكلكم العدو  كالذئاب المسعورة!
وفعل التحذير التمثيلي nexwin we ( في الأصل we nexwin)، ثقيل صياغة وتصوراً، إذ كيف يمكن التعامل مع فعل ( يأكلكم) ؟ وهو لا يأتي، إلا بعد التمكن من الشيء، على الأقل، وكان الصحيح، على الأقل ( neyên we)، وفي السياق( احذروا من أن يغير العدو عليكم  كالذئاب المسعورة)، كون ” مسعورة” تتأتى من خلال عملية الهجوم- الإغارة،  أما في المذكور، فثمة سوء تعبير للموصوف ذاته. وبالمقابل، ما العبرة في ( rengê) هنا، سوى في ما لا يتمناه، وهو التقليل من طغيان العدو، حيث يكون ( كـ ، مثل، شبه) الذئاب المسعورة، وليس ذاتها، كما هو المستوجَب في لغة الشعر، رغم كلاسيكية العلاقة تشبيهاً بلاغياً، طبعاً.
لماذا ربط ظاظا بالآخرين، وله مقام مختلف، ومجال عمل مختلف؟ وهو الذي رفعه إلى أعلى عليين، حيث لا يعود هو الرمز المشار إليه، إلى جانب الآخرين، إنما، هو في حده الأقصى يرتقي إلى مثال مجاور لهم، فهو دونهم، حيث ربطه ببدرخان، بعبيد النهري، بخاني، والأكثر من ذلك، اعتبره تلميذاً، وهو أسد البارزاني….، وثمة تشدق وتمقمق واضح هنا، وتزييف لمجمل المقصود ذاته، إذ يغدو كل وصف متضمن إياه، منزوع القيمة، وقد جرى إلحاقه بسواه، أي يغدو الوارد في الأخير، في سلسلة أسمائه المختارة، تراجعاً عن لائحة المناقب التي عرَّفه بها سابقاً، حيث يكون الآخرون  معرّفين به، وهو يكون ملحقاً بهم، وليس من ذات الدرجة؟؟ وعلى هذا المنوال ، يمكن المضي ، صعوداً وهبوطاً، مع مجمل الوارد في القصيدة السالفة !
ولكن، لنتساءل من جديد: هل من معنى لهذا اللامعنى في القصيدة اللاقصيدة؟
نعم، ثمة الكثير من المعنى، وهو أن المقروء، أو المكتوب، لم يصَغ، إلا تعبيراً عما هو سائد، في تحولاته الكردية: التحزبية، والافتئاتية الطابع، طالما أن ثمة تقبلاً، أو استجابة لهذا النوع من الركاكة في الصياغة، أو التردي في القيمة الجمالية للشعر، حيث المطلوب( وأشدد هنا، على هذه المفردة)، هو ما يجب قوله، حتى لو كان في أدنى مستوياته من الرداءة في القول الشعري، فالمهم، هو ما يمكن أن يقال، من الاستجابة للصوت القطيعي، في متحولاته( البارتيزانية)، وتلبية لذات الشخص الذي يدرك موقعه، ويماشي هوى اللعبة، وليس صوت الشعر الفعلي، وإلا لكان عثورٌ على ذلك الملأ الإبداعي القيمي في الشعر، وفي و فرة البعد الجمالي الذي لا يكسو القصيدة كواجهة، كما لو أنني أفصل بين الشكل والمضمون، وإنما يجلو روح الشعر، أو الجسد الموحَّد للقصيدة، ولعل ساسوني، لا يهمه أن يرى الجسد هذا، إنما يكفيه ظله، شبحه، اسمه.
حامل الحزام الناسف :
يمكن التعرف إلى اندحار المعنى الجمالي للشعر، وفيما هو دائر أو سائر كردياً، من خلال العلاقة المتوازنة( الخيانة المشتركة للشعر هنا)، بين الذي يستسهل كتابة الشعر: المهم وجود توافق سجعي، تناغم نظمي في القوافي، ولو بتثاقل ملحوظ، ويستخف بالثقافة التي ينتمي إليها، وبالآذان الصاغية التي تتهيأ لصوته، مثلما الآخر، حين يشنف أذنيه، ويهيء جسده، مثلما يقرّب ما بين يديه، فقط لأنه ذكر مفردات، أسماء، مواقع آمنة، من أجل التصفيق، وفيما بعد، عند الخروج، أو الانتهاء، يقول له ( te heland , bijî , saet xweş be  )، ويمضي كلٌّ في حال سبيله، دون أن يدقق أحد، فيما قاله الآخر، وكيف قاله، إلا نادراً، وليبقى الشعر في أسوأ حال، كما يعلم المعنيون بالمناسبات، وإن لم تُعقَد من خلال آلية التفكير والكتابة كردياً، كثيراً.
هنا، يريد حامل الحزام الناسف، الشاعر: خليل ساسوني، أن يتنكر لذاكرته، لتاريخه القريب، ظناً منه، أنه بالطريقة هذه، في كيفية التمثيل في روح الشعر، يمكنه أن يمارس غسيل دماغ لسواه، ليس في المستوى الهابط جداً جداً، من المعتبر شعراً، وعن المعذَب في كرديته، وعلى أيدي كرده المعتبرين، كما يتجاهل ( المشهبز) هنا، وإنما في التعتيم على تاريخ قريب، في تغيير مواقفه، هو وغيره، ممن يعطونه المجال، ليختال، كعادته، في التأرجح لحظة القراءة أو التجويد الصوتي الممدود/الممطوط، لملء فراغ، لا يُملأ، خلاف ما كان عليه الوضع قبل سنين محسوبة بدقة، في مديح معكوس، أعني هجاء من يمدحهم هنا، وأخص بالذكر، الكبير: البارزاني وغيره، مثلما صمت عما لحق بظاظا،قبله، وهو يفك عقدة لسانه، ويطلقه من أسره الذاتي، دون أي اعتذار، مجدداً، مبرِزاً خطيئة الجميع فيما حصل، مبرزاً ريادة في قول الحقيقة المنتظَرَة، من لدنه، هكذا ببساطة مستسهَلة، وهنا يلحَق ظاظا، بسواه، في تغيير المواقع.
هنا، يمكن القول، كيف لشعر أن يبصر طريقه الفضائي – الأرضي الرحب، وهو مكبَّل بقيود لا تُعد ولا تحصى؟ كيف يمكن لكردي أن يستحيل شاعراً، وأول ما ينسفه معنىً، هو الشعر الطليق؟ كيف لكردي آخر، أن يعيش في برزخ العلاقة بين ذاته غير الناطقة حقيقةً، والمستنطقة لما هو مسموع زيفاً، وذات الآخر المعتبر شاعراً، وهو يحتاج إلى حِجر صحي طويل الأمد، ليتعرف في ذاته تلك، ما هو الشعر، وحقيقة المتخيَّل الشعري، إذ يسميه على حقيقته؟
يمكنني القول، وأنا في نهاية بحثي هذا، وهو أن ما قرأته، حقاً، يشكل أسوأ ما اطَّلعت عليه: مضموناً، وبناء ألفاظ، وطريقة نظم، وفي السياق، هزءاً باللقب ذاته، كقيمة غير مدرّكة واقعاً ، ولكنني، أستدرك، فأقول، وعلى طريقة ( هذا الولد من ذاك الوالد)، لا غرابة في كل ذلك، طالما أن المتداول، لا يني يشجع، ظهور ما تقدم ذكره، وخلافه، ليدوم، ما بقي أولو أمره هكذا!
تُرى، أهي مبالغة، إن قلت، إزاء وضع ٍ متردٍّ، في مشهد ثقافي كردي متردٍّ، مع ذائقة أدبية متردية، خلل بنىً علائقية تحزبية كردية متردية…الخ، أهي مبالغة، إذا قلت : أعطني شاعراً حقيقياً، أعطك شعباً حقيقياً !!!!؟؟؟؟؟ .
– – – – – – –
اعتراف بالعجز:
حاولت ترجمة النص المعتبَر شعراً، إلى العربية، فلم أستطع. أتراني، غير قادر، على التواصل مع نموذج( شعر) مستهلـَك بفظاعة، وله سوقه( البُوقية)، ذات الزواريب، وتجار الكلم فيها، بالجملة والمفرَّق؟ أم أنه، يا تُرى : العجز ” عجزي أنا هنا”،عن وعي المتحوَّل فيما يجري،  يعرّف بتخلف ذائقتي عن استقبال، ومن ثم إرسال كتابة كهذه، في لغة أخرى: العربية هنا؟
إنه اعتراف صريح بالعجز، وجدتني، ملزماً بتسميته، والإمضاءة عليه بالعشرة !!!!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…