الحُزنُ في شِعْري هو روحُ الكُرْدِ الحَزينة.. حوار مع الشاعر شيركو بيكه س

  


حاوره في دمشق : عمر كوجري

ـ أنا من عشاق اللغة الكردية المتواضعين
ـ الشاعر يحمل معه مرآة طفولته
ـ المشهد الشعري الكردي غني ومتطور ومتغير
ـ الحزن في شعري هو روح الكرد الحزينة
ـ القصيدة بالأساس هي الأنثى ، وأحب أنثوية اللغة
ـ الشعر الجميل كالطير الجميل والشجرة الجميلة
شاعر كبير له تاريخ حافل في مغازلة الكلمات الحلوة، والسهر الطويل في ضفاف الصور الشعرية التي تكسر أفق الانتظار في مُخَيَّلة المتلقي ، هذه الخلخلة في شبكة تلقِّي الجملة الشعرية هي التي ميَّزت هذا الشاعر الرائع عن سواه في كتابة القصيدة الكردية الحداثية .

شاعر جميل ذو آفاق معرفية مفتوحة على الأمداء ، وبهذه القامة الشعرية والإنسانية السامقة يبدو الشاعر متعالياً عن التوطئات الصغيرة التي تنطوي على ذاتها .
وبروح صوفية يركض وراء فراشات أحلامه لتأتي قصائدُه أنضجَ ، ولتحَلِّقَ أحلامُهُ في سماوات التَّحَقُّقِ مهشمة خيوط المستحيل .
هذا شيركو يضع بعضاً من روحه القلقة في هذا الحوار الذي أجريته معه .

   دعني أبدأ من مُحرِّضك الشعري ، فالحالة الشعرية تستوجب محرضات ، ووسط معطيات فنية كالمسرح والقصة والرواية ، ماالذي دفعك إلى كتابة الشعر؟؟ 

 باعتقادي إن القلق بمداه الأوسع أي الاضطرابات الداخلية حيال أي هاجس أو موضوع هو الدافع الأول للكتابة ، وبدون هذا القلق الذي يشبه التموجات المستمرة في قاع النفس لا توجد الكتابة الجادة .
أنا أخلق العاصفة حين يكون القلق بحري ، وهذا لاينفي محرضات أخرى لكي تعمق هذا القلق إزاء الكتابة .إنه المخاض المستمر ، وهولا يجيء اعتباطاً بدون التأثيرات الداخلية والخارجية . المحرضات النفسية والبصرية والشخصية إنه نوع من رد الفعل الشعري .
إن الذي دفعني إلى الكتابة هو البحث عن الجمال والحقيقة من خلال لغة جديدة ، وكذلك الارتواء من ينابيع مخفية عن الآخرين والانطلاق نحو آفاق أكثر حيوية واستمرارية .
حين أكتب أشعر كأنني أُسطِّر الحلم الذي أراه وأنا لست بنائم ، والعشق هو الذي دفعني إلى أن أكتشف المجهول من خلال بصيرة الشعر .
حب اللغة الكردية دفعني لأكون من عشاقها المتواضعين ودون خجل من اقتحام الصعوبات وبمثابرة عنيدة كعناد جبال كردستان أمام العواصف .

   لأي مبدع إحالات ، وربما مرجعيات اجتماعية يبدأ بتمظهرها وهو صغير .ما تأثير مرحلة الطفولة في حياتك الشعرية؟؟

الطفولة والشعر توأمان لا ينفصلان أبداً. كل واحد منا يكتب طفولته بأساليب مختلفة. الشجرة تنظر بأغصانها ولكن تستمد حياتها من الجذور. هنا بمثابة طفولة كل شاعر يحمل معه مرآة طفولته ، وكانت طفولتي ينبوعاً للأسئلة الكثيرة والمحرجة لعائلتي، كنت أتمرد على الدارج الاجتماعي من خلال أسئلتي التي لا تُجَاوَب من قبل الكبار إلا بالطرد أو الضرب ، والأسئلة دفعتني لأحلم كثيراً لوحدي وبصمت، كنت انطوائياً أفكر بأسرار الطبيعة والنجوم ، وقد اختزنت الأسئلة في نفسي حيث كانت أول الدرج للارتقاء في عالم الشعر

   بالإضافة إلى الإحالات الاجتماعية هناك مرجعيات معرفية يتكىء عليها المبدع ليزيد من اتقاد نار ابداعه. على ماذا كان بحثك المعرفي ؟؟

أنا اعتقد أن الشعر هو الموهبة والصنعة الثقافية أيضاً . أنا لا أربط شاعرية شاعر بالموهبة أو الفطرة أو الإلهام إنما هو نوع من المزج الحياتي بين الفطرة والصنعة والثقافة والتجربة وفيما يتعلق بمعرفتي الأدبية ومصادرها فهي متنوعة من ينابيع التراث والأساطير الكردية إلى الحداثة الشعرية العالمية، والتجارب الحياتية أمدتني بكثير من الرؤيا الشعرية، ويبقى الخيال أهم عنصر في تكوين شعرية أي شاعر ، الخيال ذلك المجهول الذي يمسك به الشاعر ليخلق واقعاً آخر داخل الواقع المعاش .

   لماذا مارس الإنسان لذة الشعر ؟ هل لأنه الأقدر على التعبير عن حاجات النفس البشرية ؟

الإنسان اكتشف الشعر من خلال أغانيه التي تنبع من أعماقه حين كان بحاجة إلى نوع من السلوى، وطرد السأم من النفس ، وكذلك لإيجاد لغة أخرى أكثر حساسية وعمقاً وتحليقاً . الشعر لم يكتب أساساً للذة فقط هو طقس لغوي وحياتي ، إنه الحفر داخل اللغة ، ولا شك أن المتعة مهمة لأن الكتابة ليست أحادية التوصيل . الشعر هو مطر اللغة أليس كذلك ..؟؟

   من معايير القصيدة الجميلة العمق الروحي، والبعد عن التسطح المجاني . أنت كمبدع  هل تخضع قصيدتك لمعايير معينة ؟؟

بما أن الشعر هو الفن إذاً:نحن نتحدث عن شيء خارج السذاجة والسطحية والشعاراتية .
والشعرية برأيي ليست الغموض المفتعل ، واللغة المقفلة والطلاسم والغرور الثقافي ، والابتعاد عن حب الآخرين ، الشعر كما أراه هو عبَّاد الشمس في بساطته وحقيقته ، الشعر يكتبني وأنا أكتبه بوعي .

   ما رأيك بموضوع الاشتغال على النص الشعري ؟؟ هل تدع قصيدتك العذراء دون تدخل أم تبدأ فيها حذفاً وإضافة، ولا تستقر على حال؟؟

النص الشعري عندي بعيد عن الاعتباطية . الكتابة الإبداعية مسؤولية ، وهي تضيف شيئاً إلى اللغة والحياة ، إنها شعرية الرؤيا بوضوح صعب .
طبعاً هناك الكثير من الحذف والإضافة إلى آخر لحظة . والمونتاج الشعري عملية ترافق كل كلمة وصورة . لا مجانية في كتابة الشعر .إن تلك المجانية، وتلك الأقفال واللعب بالكلمات هي التي أخرجت الشعر من ديوان العرب والكرد، حيث صار بعيداً حتى عن النخبة أيضاً ، وربما عن الشاعر نفسه ، وذلك في كثير من النتاجات الشعرية في الوقت الحاضر .

   لننتقل إلى موضوع الارتداد الشعري ، فأنت بدأتَ كلاسيكياً حسب علمي ، وتمرَّدْتَ فيما بعد على شكل الشعر الكردي المعروف .هل ستكتب قصيدة تقليدية ؟؟

لعلمك أنا لم أبدأ من كلاسكيات الشعر، وفي البدايات كنت متأثراً بما أبدعه الشعراء المعاصرون مثل “كوران وأحمد هه ردي ” كنت متأثراً بالرومانسية الكردية في نتاجات كوران والقصائد الوجدانية عند أحمد هه ردي ، والمهم ليس المقياس الشكلي بل التجديد في تغيير الرؤيا الشعرية ، المهم الريادة في تجاوز الرؤيا ، وخلق عالم شعري مغاير للعالم التقليدي .  
إن ريادة السَّيَّاب في الشعر العربي تكمن في ريادة رؤياه وتخَيُّله وصوره المبتكرة ، وهناك في عصرنا من يكتب بعقلية الجاهلية ، والشعر الجميل ـ على كل حال ـ كالطير الجميل والشجرة الجميلة ليست لها علاقة بالزمن ، وأنا لاأستطيع أن أكتب قصيدة تقليدية لسبب بسيط وهو أنني لاأستطيع أن أفكِّرَ تقليدياً .

    أنت وثلة من الشعراء الكرد أصدرتم بيان “راوانكه” التجديدي في بداية السبعينات مارأيك بالمشهد الشعري الكردي في وقتنا الحاضر؟؟

المشهد الشعري الكردي في الوقت الحاضر وبالأخص في كردستان العراق مشهد غني ومتطور باستمرار ، وله أصواته الملونة والمختلفة ،وهذا المشهد مرتبط بجذور الشعر في هذا الجزء من وطننا، ولكن ودائماً وفي كل الأزمان كانت الأصوات الجادة والجميلة هي أصوات القلة المبدعة .
المشهد تغيَّر قياساً بالوقت الحاضر، وهذا يعود إلى المتغيرات السياسية والاجتماعية والثقافية خلال العشرين سنة الأخيرة .

   هل يمكن للمبدع أن يبدع وهو بحاجة إلى الفلوس ؟؟

إن من يكتب إبداعاً خلقه الزمن عبر منعطفاته الصعبة أي أن المبدع يتجاوز بروحه وفكره سواه ماعدا كتابته . المادة والفلوس لا تصنع مبدعاً أبداً ، وحين يكون المبدع مبدعاً لن تخيفه أو تفرض نتاجه المادة ، مثلاً : دوستويفسكي هو خالق أعظم الروايات في العالم ، كان يقبض ثمن الرواية وهو لم يكتب سطراً واحداً منها .
إنها القدرة الإبداعية الكامنة فيه ، أي أن من يكتب للمادة وهو خالي الوفاض من الإبداع لن يخلق شيئاً يستحق الذكر

   مؤسسة “سه ردم” التي تديرها هل تحكي لنا عنها شيئاً ؟؟ وهل هي حرة بالمطلق ؟؟

مؤسسة سه ردم للطباعة والنشر في السليمانية، والتي أرأسها وبالتعاون مع نخبة من المثقفين هي مؤسسة حُرَّةٌ ومستقلة بكل معنى الكلمة . فعمْرُ المؤسسة أربعة أعوام ، وطبَعْنَا فيها أكثر من مئة وخمسين كتاباً ، وأصدرنا خمسَ مجلات شهرية وفصلية ، ولا يوجد علينا أي رقيب ولم نُسْأَلْ يوماً من قبل السلطات عن أي شيء .

   نشرت “ضياء القصائد ” عام 1968 و”سفر الروائح” عام 2… هل مازلت تتنفس برئة الشعر ؟؟؟

أنْ أتنفَّسَ برئة الشِّعر معناه أنني أعيشُ داخلَ اللغة الشعرية والفن ، وهو العشق الذي لا يفارقني كما هو الماء لا يفارق الشجرة الخضراء .

   ما رأيك بالأجنة الشعرية ؟؟ بمعنى آخر هل لك قصيدة واحدة ، وتنسج بعض قصائدك أو دواوينك اتكاءً، واعتماداً على تلك القصيدة ؟؟

بالطبع لا .. لأنني أنسى قصائدي كلَّهَا بعدَ طبعِها ، والقصيدة التي أكتبها الآن تخرج من دائرة همومي ، وتصبح ملكاً للآخرين ، وهذا لا يعني بأن الشاعرـ أي شاعر في العالم ـ يتجاوز كل مايكتبه . هناك الأسلوب الشعري المتميز، ولكل شاعر قاموسُه، إيقاعاته المفضَّلة، وحتى بعض الكلمات المحببة لديه التي لها مكانتها البارزة والمؤثرة في حياة الشاعر .

  كتبت ملحمتك الطويلة” مضيق الفراشات” المنشورة عام 1991 وهناك من رآها متحلقة عالية ، وثمة مَنْ رآها فاترة فاقدة للشاعرية لطولها ..ماذا تقول ؟؟
ربما ما تقوله صحيحاً ، لأن اللغة الشعرية عند المتلقي ليست لها ثوابت معينة والعوالم الواسعة والمختلفة للمتلقين متشعبة ومتنوعة ومختلفة من شخص إلى آخر . وهذا ليس غريباً في عالم الإبداع. إنه الاختلاف التذوُّقي الذي لا حَدَّ له . وأنا شخصياً أعتبر ” مضيق الفراشات ” من محاولاتي الجادة في حياتي ، وإضافة مهمة على الأقل في تجاربي الشعرية عموماً . لقد استغرقت كتابة ” مضيق الفراشات ” قرابة السنة ، وأريد أن أقول لك “يا ماموستا” أنني قرأت هذه القصيدة في أمسية واحدة ، مدة ساعتين، وكان الحاضرون للاستماع أكثر من سبعمائة شخص. ولم ينهضْ أحدٌ من مكانه إلا بعد انتهاء القراءة ،على أية حال ضوء الشِّعرـ أي شعر ـ لا يجذب كلَّ الفراشات .

   ماذا أردتَ أن تقول في ” سِفْر الرَّوائح” هذه القصيدة الطويلة نسبياً التي كتبتها في منفاك في السويد ؟!!

“سفر الروائح ” هو أن أكتب الشعر بالروائح أو أقترب من هذا العالم ـ عالم الروائح ـ لكي أجعله بديلاً للحاسات الأخرى ، فأبصر بالرائحة، وأسمع بالرائحة. لكل رائحة معناها لأفتشَ عن هذه الرائحة في الحجر والحقل والسماء والماء. وهذه القصيدة هي سِفرة الرائحة من الطفولة ، أي من رائحة الطفولة إلى الآن.

    المرأة في قصائدك موجوعة. فهذه [لاورا] “تتهم قصائدك بأنها تشبه النمور الجائعة الغضبى”.. وقد انتظرت حواراً دافئاً بينك وبينها، لكنك أقحمت الإيديولوجيا في القصيدة فقلت: ولكن يا لاورا لا تنسي الأنفالات… لا تنسي الأنفالات ـ لا تنْسَي حلبجتي.. لا تنسي كردستاني.

إنها تلك الحالة التي لا بد أن تصرخَ فيها بصوت عالٍ التي تسمي الأسماء بمسمياتها مباشرة كمباشرة ضوء الشمس حين يغازل عينيكَ بدون أية واسطة أخرى. أنا أعرف جيداً إن هذه الصورة ” لوحدها ” مقحمة، ولكن هذا الإقحام في مكانه حين لاتكون للغة المجاز في هذا الجانب تأثير واضح.
 
   القصيدة الطويلة عمل شعري ضخم يتوافر فيها الدراما والتاريخ والأساطير والتراث أما القصيدة القصيرة فهي تعبير ما عن خلجاتٍ شعرية قصيرة. أين تجد نفسك؟!

لقد قلت ذات مرة أن القصيدة القصيرة بمثابة نبعٍ صغير، والقصيدة الطويلة نهرٌ بكل منعطفاته وتعرجاته، وجمالية القصيدة لا تقاس بطولها أو قصرها.القصيدة القصيرة ربما تمثل حالة محددة. فكرة .. صورة، وهي غير مُرَكَّبَة كالقصيدة الطويلة. الشاعر هو السائح الذي لا يكلُّ حيث يسافر إلى كل مكان، ولا يستقر في مشهد واحد أو مدينة واحدة. التََجْوال الدائم هو التجربة التي يمدُّ الشعرَ بماء الحياة دائماً، لذا فأنني لا أكتب الوردة فقط بل أكتب المطر المدرار والأنهار، وكذلك أكتب الفراشات الصغيرة والحقل الممتد، وأكتب السنبلة الصغيرة حين تضحك أو تبكي.

   أعود إلى موضوع الحزن الذي تنسجه المرأة في قصائدك
 
الحزن في شعري هو الظل دائماً. ظل يُؤَرِّقُ المشهد الشعري، كأنه روح الكرد نفسها، ولكل مشهد آفاقه ومرجعياته”ـ  كما قلت أنت في بداية الحوار” ـ  الصُّورة الحزينة من الحياة الحزينة نفسها، وحزني لا يدعو لليأس بل للتمعن في الألم الوثاب.
الإنسان الكردي عموماً امرأة…رجل…طفل هو من نسيج ذلك الحزن الذي يتقطر منه الشِّعر.

     ماذا تحكي لنا عن والدك الشاعر المرحوم ” فائق بيكه س ” ..؟!
 
الوالد الشاعر كان صوتاً للحرية في زمنه، وكتب لأجل الإنسان الكردي المقهور، وهو أحد قادة انتفاضة أيلول عام 193. في مدينة السليمانية. وهو يؤرخ لفترة مهمة من حياة الشعب الكردي، والشعر المقاوم المباشر الصارخ بوجه الجلادين، طُرِدَ من الوظيفة وسُجِن وشُرِّد ونُفي، وقد انتهز مناسبة عيد نوروز لعام 1947   في  مدينة السليمانية، وقرأ قصيدته المشهورة “27   سنة ” أمام المستشار الإنكليزي ” أدموندز” حيث سُجن، ونُفِي إلى جنوب العراق. إنَّه رمزٌ الحركة التحررية للشعب الكردي، وكانت قامة مواقفه برأيِّ أعلى من قامة قصائده.

   نشرتَ عام 1971 مسرحية شعرية ” كاوا الحداد ” و ” الغزالة ” عام 1976 أين إنتاجك على صعيد المسرح الشعري ؟

لم أكنْ أمتلكُ الأدوات الفنية الكافية لكتابة نص شعري للمسرح حين كتابة ” كاوا الشعرية ” والخطأ الذي وقعت فيه هو افتقاد تلك المسرحية للدراما الشعرية وتجاوزت هذا الخطأ في “الغزالة ” ومنذ فترة لم أعد أكتب للمسرح لأن طموحي اكبر في مجال الشِّعر.

   هل أنت راضٍ عن شعرك المترجم ؟!

هذا متوقف على نوعية الترجمة. فالشعر المترجم غريب الطور واللغة والنكهة، وقد قلت مرة أن الترجمة تشبه قبلةً من وراء الزجاج.

   هل استقر الشكل الجديد للشعر الكردي الحديث ؟!

كتابة الشعر الحديث الكردي من حيث الشكل المغاير للقصيدة الكلاسيكية، وبأوزان كردية فلكلوروية على طريقة الخطوات والفقرات كما هو معروف في الأغاني الكردية القديمة وخاصة في منطقة هورامان. لقد تأثر الشعراء الكلاسيكيون الكرد بالثقافة العربية والإسلامية، وتركوا الأوزان الكردية. أنا أعتقد شخصياً بأن الأوزان الكردية ترجع إلى الأوزان التي كتب بها النبي ” زه رده شت ” في ” أفيستان ” الكتاب المقدس. والجيل الجديد يكتب القصيدة النثرية.

   في إحدى قصائدك تقول ” لم تتنسَّم الجنة بالعطر حتى وطأتها أقدام المرأة “. ما رأيك   بالمرأة ؟!

تصوَّرْ عالماً بدون المرأة !!! ماذا سيحلُّ به .. إنه عالم قاحل ..عالم ميِّت . إنني أفضِّلُ أن أُسْجَنَ مع امرأة أحبها عشرين عاماً ، ولايوماً واحداً أعيش لوحدي . المرأة ماء ، أو النبع الذي يَمدُّنا بالحياة .
إنها السِّحر الذي لا تنتهي معجزاتها أبداً . القصيدة بالأساس هي الأنثى ، أنا أحبُّ أنثوية اللغة أكثر من رجوليتها الكامنة فيها . المرأة قوس قزح ، إنها أذكى الروائح في وجودنا ، وحين أكتب عن الأرض والحرية والطبيعة تكون المرأة حاضرة . إنني أمام المرأة التي أحبها أصبح طفلاً صامتاً .
 
 هل ربح الكردي معارك جديدة على جسده ، واحتل قمة جسده ؟؟ أما زالت الجبال تذبح بعضها بعضاً ؟؟
 
قلت مرة : لا تنظرْ إلى تاريخي لأنني أخافُ أن تُعْمى من كثرة الدخان فيه .. إنه تاريخ مُدَمَّى تنزف منه المآسي والويلات . نحن بأيدينا نحرق كلَّ جميل في حياتنا . نحن القتلة والضحايا أيضاً .
نحن فقط نُغَيِّرُ أسماءنا وملابسنا ، وأدوات جريمتنا والدم هو الدم نفسه قبل مئات السنين .. كان الأمراء الكرد قديماً يتآمرون على بعضهم البعض ، الأخ على الأخ ، والابن على الابن .. نعم نحن أكلة لحوم بعضنا بعضاً ، وللأسف لا نأخذ العبر من أخطائنا .. علينا أن نتجاوز “العنتريات التي لم تقتل ذبابة” كما قال الشاعر المرحوم نزار قباني …

ماذا تريد أن تقول أخيراً أيها الشاعر الجميل ؟؟

أقول : إنك أتعبتني ، وأحرقت أعصابي بأسئلتك الطويلة هذه .. لكنني أقول لك : شكراُ لك  لأنك أنت أيضاً تعبت في إعداد هذا الحوار ، وإنجاحه أيضاً .

دمشق
أجراس
فصلية ـ تهتم بشؤون الثقافة والسياسة والفكر
العدد:14 – 2002
   
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…