بغداد المتعبة !

الدكتور شمدين شمدين

بغداد
تأن في عتمة التراب
خرساء
تهدهد أحداقها السمراء
في الغروب
وفي لحظات الغياب
ضامرة الخد
يلتهب جيدها في أتون الشوق

حاسرة الهامة
مكشوفة الساقين
وما بينهما من كنوز
ومن عناب
بغداد
على عروق خصرها
المزنر بالنخيل
تتكشف أسطورة
الزفر الشرقي
تحت الخيام المزندقة
وفي القباب
……..
بغداد المتعبة
بالكاد تفك أزرار
قميصها الممزق
بين لسعات الرماح
لينبري وللمرة الأولى
ذاك الجبل المتمرد
على سيد ه
متقداً كشمس بابل
وأكاد
نارياً كقداسة الصلاة
في لالش
حليماً
كنبوءات المصاحف
السوداء
والخضراء
على عتبات الحسينيات
حرٌ…
غدا ذلك السلاح الفتاك
مغر….
لكل من يشتهي الوصل
والعناق
حلماته المنسلة بهدوء بين قضبان
سجنه الطويل
يوزع العطايا والهبات
على عطاشا السكر
هؤلاء الأتون على قوافل
من بعير الخليفة
يقودهم الفرسان الممسكون
بلجام البقر الوحشي
…………
بغداد
تجتاحك ريح الخماسين
وطيور الأبابيل
القادمون من كل فج عميق
هؤلاء المارون على حافة الذاكرة
متلهفون للانقضاض على فرائسهم
أسماءهم المحنطة في متاحف
الخمور..والعطور
تحكي تاريخا كحلقات السلاسل المتهرئة
صدأ على شفاههم
وفي عقولهم
وعلى أشعار صدورهم
سيلونونك بغداد
من الآن والى ماشاء الله
بذاك الصدأ المخنوق
بزبد يعلو سريعاً
ولعله يمضي سريعاً
ولكن للمرة الأولى
تمارسين العشق بحرية
دون خوف
من سيوف حجاجك
دون تـأنيب ضمير
ودون إحساس بالعار
تفترشين الطريق
وحيدة
في ساحة الرشيد
على الرماد
وفوق جسدك العتيق
في الليالي الملاح
يتصافح المتنافسون
ويتبارون …ثم يتكالبون
ويلعبون واحداً تلو الآخر
وحين تشبعين …لا يشبعون
وحين تهلكين …لا يهلكون
وتتعبين …ولا يتعبون
هؤلاء التقاة العاشقون
هكذا سريعا يأتون..
ولكن بطيئاً.. بطيئاً
يرحلون
وربما لا يرحلون أبداً
وتصبحين بغداد
متجراً للدعارة
ياوجه الشرق الحزين
والظالم والمظلوم
بغداد
يا لعبة الأقدار والأحقاد
يا ترتيلة دجلة العاشق
وصمت الفرات الحزين
….بغداد ……
………….
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ادريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…