مثل المصباح، الشّارع والناس

عبدالرحمن عفيف

انجرف قلبي
على شتائكم المقبل
على التنورة المائية
لصوتك المختفي
خلف باب يوم السّبت
على شبّاككم
كشبّاك أخضر المساجد في العيد
وعلى الدرّاجة النّاريّة لبيت جيرانكم
على أغصان شجرة الرمّان
انجرف على يوم النوروز

وعلى فستان قصبه الشفّاف
انجرف على بئركم
ودلوكم وعلى الشّعر الذي كتبه
السلّم على الحائط الطّينيّ
في الرّبيع المستديم
على قلبك المعتم في الأعياد
وقلبك الصموتِ على الإبرةِ
تتذكّرين قلبي
تتذكّرين انجراف الضفّة
القديمة أوّل الشّتاءِ
النّارنجة البرتقاليّة
تتذكرين قميصك الأبيض
على البلوكِ
وما بقي من قلب قلبي
في أضمومة بيضاء وزرقاء
على الصينيّة الواسعة
ويدي المتعبة
على دغل عري الأغصان
مربوطا كصرّة طعام
ولأنّه لم يكن أيّ حبّ
بيننا
سوى من جانبي
فليكن الحب ثانية بيننا
فقط من جانبي
انجرف قلب قلبي
على يومك وأمسك
ومستقبلك
الذي اسودّ من فارس مكسور
وشمس مطمورة
هي قلبي
بشدّة على فم الأطفال
لا صرخة ولا سكّرة
لا مدرسة ولا شارع
لا يوم ولا غد
لا أمس على الأغصان.
الأبيض الذي كان قميصك
ولوّح فحسب لثانية
فوق الشبّاك الأخضر للأعياد
والبيتِ المذاب في كأس
والكلمة المكمومة
في أسفل البئر
وفي أعالي بيتكم
القديم الذي مثل منارة
بيضاء وسوداء
وفضيّة
على قلبي الذي
انجرف قلبي
على يوم على ظهر يوم
ونهر على ظهر إبرة
وقميص على قميص داخليّ
وحذاء هو حذاء
على الشّارعِ الحنون
والشّارع الحاقدِ
على المدرسة المائلة الطينيّة
والجرس
والزّبيبِ
وجرس الدرّاجة
وأخوك الذي لم يضربني
في شارعكم
الذي انجرف فوقه
قلبي
وقلب قلبي المنجرف
الآن أيضا
وإلى أن ترنّ مزهريّة مستمرّة
تتفرّع شجيرة
غامقة في زيتونة
تهدى الأعياد
وربّما القصائد
ربّما تقال كلمة عن الحبّ
الذي لا يقال
ربّما يفتح باب
وريح تهبّ لك
لينجرف قلبي
على بقيّتها
الجميلة للعشّاق
ويدي بتلويحة خفّة العصفورِ المحلّي
وجفني بعيد على
حجر انجرف
مثل قلبي
على نفسه وناسه
وغادر اليوم بغير خفّة
غادر الأمس والمستقبل
لكِ
لقصّة لا تنتهي
مثل المصباح
الشّارع
النّاس
الرّبيع والشّتاء
وآخر الفصول
على أغصان شجرة الرمّان
على يوم النوروز
على فستان قصبك الشفّاف
وقال: نلتقي، نلتقي
على الدّوام
قريبا، على الدّوام
نلتقي
بخفّة وصدق كبير
بطريقة متفائلة
وخصوصيّة
لك فقط
للتي تعرف قلبي المنجرف
فوق الأحواشِ
وتحت الجسرِ
مع الذباب
ومع المآذن
تعرفينه
أنت عينه
وبصره ويقينه
أنت سواده وأسفه
وجماله ومدرسته
أنت ناقوسه الحزين
والرّاقص والمستحيل
أنت نفسه المنجرفة
منذ طاقته الأولى
أنت بيته ومدرسته
وطبيبه
وعيونه
أنت بقميصك الأبيض
على حارتنا المسكينة
على فقرنا
وبلائنا
وأطفالنا المهزومين
أنت الفضيّة
والذّهبية والحزينة
علينا
أنت تعرفين
أنت قلبه المنجرف
الطّائش حتّى يوم القيامة
حتّى آخر قدم
وساق ومدينة مهتزّة بؤسا
أنت صلاة غائبة
ردّدها أثناء انجرافه
على السكّين
والطّحين والقبل اللاممكنة
على المدينة والمدينة
على الأبيض والأسمر
انجرف قلبي
وقلب قلبي
لأجلك وعليك
على الديكة ذات الأعراف المجنونة
على أكياس الحنطة
وأكياس القصص والشعر
والباصات الأرجوانيّة
باصات الرّوايات
والفتيات
انجرف لك على برنيطة
ورأس قلمٍ
لأنّ قلبي لك
وقلبي وقلب قلب قلبي
لك
أنت الأجمل فيما وراء الأشياء
وأمام الأعياد
وخلف السينما والغد
المولّع
والصيّف المدقع
والشتاء المخلّف
وراءنا
وأمامنا فقط الحب
الحب، الحب، الحب.

‏30‏/12‏/2007

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…

ماهين شيخاني.

 

وصلتُ إلى المدينة في الصباح، قرابة التاسعة، بعد رحلة طويلة من الانتظار… أكثر مما هي من التنقل. كنت متعبًا، لكن موعدي مع جهاز الرنين المغناطيسي لا ينتظر، ذاك الجهاز الذي – دون مبالغة – صار يعرف عمودي الفقري أكثر مما أعرفه أنا.

ترجّلتُ من الحافلة ألهث كما لو أنني خرجتُ للتو من سباق قريتنا الريفي،…