زقاق العم عثمان

عبد الحميد الغرباوي ـ المغرب ـ

كل أزقة الأحياء الشعبية تعج بصراخ الأطفال، خاصة في العطل القصيرة و الطويلة و كذا في الأعياد…
الأطفال،..
زينة الحياة الدنيا…
الأطفال،..
أكبادنا تمشي على الأرض..
الأطفال،…
… و يزدادون، يتكاثرون
و يخرجون إلى الدنيا و خلفهم أرزاقهم تتبعهم…
غير أن العم عثمان له رأي خاص:
هم الصداع الذي يفلق الجمجمة نصفين ..
يقول..
و هم الميكروب الذي ينخر العظم..
يقول…
و هم الدعامة التي يتكئ عليها الإفلاس و يتعاظم..
و يتعجب من إصرار نساء الحي على التنافس في نفخ البطن مرة في سنة، وأحيانا مرتين..
ما عادت الأقراص تنفع..
يقول..
مثلهن مثل فرق كرة القدم يبحثن عن بطولة..
يقول…
و أمام هذا الذي أسماه ” الطوفان”، لم يجد بدا من أن يبحث له عن حل، كي يرتاح…
و وجده في العصا…
العصا لمن عصا…
قال..
و أحضر واحدة، يهش بها على الأطفال كلما هاجوا و ماجوا داخل الزقاق، رغم احتجاج الأمهات، اللواتي لم ينفع احتجاجهن، صراخهن، و لا حتى ولولاتهن في ردعه، و إبعاده عن مطاردة أبنائهن…
و الرجال؟..
الرجال !..
أين هم الرجال؟..
يقول..
هم ثيران لا يتقنون سوى…
لن أقول..
و بعد مدة ، تعودت النساء لمّ أطفالهن، حين يكون العم عثمان في بيته.
صار الزقاق، يضرب به المثل في الهدوء و النقاء …
حين يكون العم عثمان في بيته، يصير الزقاق خاليا.. هادئا …
و بطبيعة الحال، هذا يسعد كثيرا مسني و مسنات الزقاق و المرضى، و هم وحدهم يدعون له بالصحة، و طول العمر…
كل الأزقة تعج بصراخ الأطفال و ضجيجهم ، إلا زقاق العم عثمان…
و نكاية به، لقبه الصغار “الغول”..
أما أنا و أقراني من أبناء الأزقة المجاورة فكنا ننعم بكل أوقات العطل في الركض و الصراخ و الخربشة على الجدران، و مناوشة الفتيات و أصحاب الدكاكين و الذين يفرشون بضائعهم على الأرض..
و رأفة بجيراننا من أطفال زقاق العم عثمان، كنا ندعوهم للانضمام إلينا،و مشاركتنا مختلف الألعاب التي نلعبها، وحين تتعاظم حدة الضجيج في أزقتنا، كان اللوم كله ينزل عليهم وحدهم، فيطردون من طرف أمهاتنا شر طردة،نتوقف لحظة مشيعين إياهم بنظرات حائرة، ثم سرعان ما نعود لنواصل لعبنا، و صخبنا…
و اضطرت أسرتي أن تنتقل إلى حي آخر…
و ذات مساء عاد أبي يحمل لنا خبر موت العم عثمان..
مضى على موته شهر…
أ معقول ! ؟…
مات الغول.. !
لم أصدق..
و لأتأكد من صحة الخبر، ذهبت في اليوم التالي إلى الحي، و قصدت رأسا زقاق العم عثمان….
كان الزقاق شيخا هرما ممددا يعلو جسده أطفال يرفسونه بأقدامهم صائحين، مهللين…
كان يرتجف،
كما لو أنه يلفظ أنفاسه الأخيرة…

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ادريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…