بؤرة الهجوع

 أفين أوسو

هذا الألمُ الأهوجُ
يخدّرُني
يبدّدُ بقاياي…
هذا اللامرئيُّ
المستبدُّ
غدوْتُ أمامَه
مكبوتَ الأنينِ
كحنجرة أبكمَ يغرقُ.
٭ ٭ ٭
أيُّها الموتُ
تمهّلْ
دعْني أكتبُ وصيّتي، ونمضي في انسجام.
أجابَني ساخراً:
ـ وماذا تملكُ يا بن الحربِ، غير الألمَ؟
ـ عضلةُ قلبي، أهبُها للمرضى.
ردَّ والسخريةُ تسيلُ من بين فكّيه:
ـ ومَن ينالُه منك، سينالُ منه البؤسُ.
ـ ما شدَّ وثاقي بكم أنتم الكردُ، سوى تلك العضلة.
ـ هيّا، فاكتبْ على عجل.
ـ والقلمُ؟ (تساءلْتُ).
صرخَ:
ـ اكتبْ بدمك المسفوكِ منذ الأزل.
فكتبْتُ بيمين تيبّسَ.
٭ ٭ ٭
أنقب في منجم كفّي
عن عطر اندسَّ خلسةً لوريدي
الراعشِ حنيناً إليه
أخبروا المغسلَ أن يستثنيه
ذاك الدفءُ النابضُ
منذُ آخر لقاءٍ
هو ملاذي ونور هدايتي.
مدّدوا جسدي المثقوبَ
برصاص الانتظارِ
باتجاه الجنوبِ
لتمرَّ رياحٌ من شذرات أنفاسِه بينَ أضلعي.
٭ ٭ ٭
سخرْتُ بعدَ موتي من دمعة أمّي
وهي تصرخُ:
«رحلَ صغيري صغيراً، ولم ينعمْ بالحياة».
فتساءلْتُ وأنا على الأكتاف:
وهل ظنَّها أنجبَتْني للحياة، وكنْتُ أحيا؟
لم يتغيّرْ شيءٌ ها هنا، غيرَ السكينةَ يا أمّي
كفكفي دمعكِ؛
نحن أمواتٌ منذُ الولادة
نفتّشُ عن وطن وهويةٍ
تشرخُنا أحزابٌ مخصيةٌ
وعقولٌ مؤدلجةٌ…
ارحلوا
لملموا ورودَكم وعيونَكم الذابلةَ
لا شيءَ يزعجُني هنا
عدا اشتياقٍ
يبعثُني
ويعيدُ قتلي كلَّ صباح.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…

ماهين شيخاني.

 

وصلتُ إلى المدينة في الصباح، قرابة التاسعة، بعد رحلة طويلة من الانتظار… أكثر مما هي من التنقل. كنت متعبًا، لكن موعدي مع جهاز الرنين المغناطيسي لا ينتظر، ذاك الجهاز الذي – دون مبالغة – صار يعرف عمودي الفقري أكثر مما أعرفه أنا.

ترجّلتُ من الحافلة ألهث كما لو أنني خرجتُ للتو من سباق قريتنا الريفي،…

إبراهيم سمو

عالية بيازيد وشهود القصيدة: مرافعةٌ في هشاشة الشاعر:

تُقدِّم الكاتبة والباحثة عالية بيازيد، في تصديرها لأعمال زوجها الشاعر سعيد تحسين، شهادةً تتجاوز البُعد العاطفي أو التوثيقي، لتتحوّل إلى مدخل تأويلي عميق لفهم تجربة شاعر طالما كانت قصائده مرآةً لحياته الداخلية.
لا تظهر بيازيد في هذه الشهادة كامرأة تشاركه الحياة فحسب، بل كـ”صندوق أسود” يحتفظ…