وطني المتجدد

أحمد مرعان

وطني المخبأ تحت الرماد ، يتجاوزه المارة من دون اكتراث فينتثر الهُباب ويتقد جمر الفحم ويشتعل بذاته ، فيزداد احمراره ، الكل عابرون لا يأبهون ، فتهب النسائم العليلة، ويتطاير الهُباب غير آبه بهم ، ويستكين الجمر في  المكان ذاته ..
تشتعل الرغبات بلهيب يكوي كل معتد وعابر دون اعتبار،  فتتخطى النسائم مرحلة الهدوء ، فتثار ريحاً تنثر بقايا الجمر في الأرجاء ، فتحترق بقايا الأعشاب اليابسة،  ويمتد الحريق نحو الحقول ليصل أطراف الغابات متجاوزا البيوت وشوارع المدن والحانات ، يعلو الدخان بتراتيل العذابات ودعاء المقابر الجماعية من الأمهات الثكالى والأطفال اليتامى ، فيرسم معالم خريطة تتداخل فيها تضاريس وطني المحروق والمشتت بين الأوغاد دون اعتراف مع اقتراف ذنوب تعلو أخرى ..
تتعربش هواجسي وتعلو أسطحة خيوط الدخان، فتخترق العتمة وتقرأ عناوين المكان بتفاصيل الجريمة،  وحرمان الدفاع عن الذات ، سوى تمتمات كلمات مبهمة تتطاير مع شظايا النيران ..
وطني الجريح ، يضمد جراحه الغائرة ويزيل عنها آثار القيح بالتعقيم ، فيلتئم الجرح وتلتحم الأوصال ..
تزال بقايا الرماد ، وتبنى بيوتاً على سفوح الجبال،  تُزرع الورود ، فيختلط العبير بشذى الياسمين، وعبق الرياحين.
يقف بالمرصاد ويستطلع الحدود تحسباً من غدر الجيران ..
وطني الضائع بين صفحات التاريخ المتجذر، يتقاسمه الأعداء، الآن. يولد من جديد بين ثورة وإنتكاسة ويتحرر من القيود ، فيوزع مناشير التبشير للمظلومين المضطهدين في بقاع الأرض دون رياء ، يزرع أملاً يتجدد بين الحين والآخر ، يطبع قبلة على جباه الثائرين من تحت الرماد ..
قدرنا أن نعلن تحررنا بالنار ولو بعد حين ، هكذا علمنا ابن الحديد كاوى المغوار ..
أزدهاك اندثر ..
فحذار من بكو عوان ، يدحر النصر ، ويقّسم الأمة ، وتضيع الأحلام بيد شذاذ الآفاق والمتربصين من كل مكان ../ ..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…