قراءة أولية في «ذئب المنفى وعصافير الثلج» للشاعر كمال جمال بك

كيفهات أسعد

قبل الدخول في تفاصيل المجموعة السابعة للشاعر كمال جمال بك ” ذئب المنفى وعصافير الثلج” كنت أتخيلها كتابا من جيل السبعينات في صوره وتراصف كلماته، وما إن انتهيت من قراءتها حتى تشكل لدي انطباع أن هذه المجموعة انقلاب على الشعر الحديث والتفعيلة والعمودي معا.
إنه جيل جديد يجمع فيه الشاعر بين تقطير الحداثة للمعاني والكلمات، وبطريقته السحرية الصافية كنهر جار، وبين تأطيره بالتفعيلة الجميلة، كأنه حفر قواعدها العروضية وجانسها بناء على جمالية قصائده:
 
” لَاْ تُرهقْ أَهلَ الفجرِ بليلِ الفكرهْ
فالقلمُ يحنُّ على الكلماتْ
الصَّفحةُ سمراءٌ حُرَّهْ
ولها أمٌّ من قصبِ السُّكَّرِ..
وأَبٌ منْ تحتِ لحاءِ الأَشجَارِ..
ومن لُبّ الأَوراقِ، وسِيقانِ نباتْ
عَطّرْها – مثلَ عروسٍ بثيابِ السَّهرهْ –
واحضنها بدعاءِ أَبٍ مكتومِ الحَسَرَاتْ
وهْوَ المفتونُ بكلمةِ: ” اقْرَأْ “…”
 
صديقي الشاعر كمال جمال بك متمكن من اللغة، وفي هذه المجموعة أيضا يلعب بها كأنها مسبحة بين يدي من يتقن التسبيح بها، وهو متمرس في اختيار كلماته ودقتها، ولا يجامل قصائده قبل أن يودعها في كتابه:
 
” يا غزالهْ
تَهِبُ الشَّمسُ جميعَ الخلقِ وهْجاً
وأَنا تحتَ لحافي
جالساً لا راقداً
شارداً أَو خامداً
وعلى الحيطانِ حولي..
قمرٌ من وطنٍ من دونِ هالهْ!
كلَّما لاحتْ على شُبَّاكِهِ نسمةُ ضوءٍ أَسدلَ الغيمُ ظلالهْ!”
 
عن قرب يمكن القول: إن كمال جمال بك في هذه المجموعة الشعرية تفوق على نفسه، وعلى أزمته الصحية، وغربته، ووحدته، كما تفوق جماليا على قصائده في مجموعاته السابقة، حيث يتصاهر في ذئب منفاه الوجود مع الصوفية والسوريالية، ليكون ” مورسيكيا” من شرق المتوسط الجديد في غرب القارة الأوروبية، وليثبت لنا أنه في قمة عطائه وريادته في هذا النوع من المضمون الشعري والإنساني، من دون استعمال جميع طاقاته:
 
” تَكفي الأَشجارَ إِذا عطِشتْ كأْسٌ من ماءْ
بيدٍ سمحاءْ
تكفي الموجوعَ على جُوعٍ تفَّاحةُ كَرَمٍ ريَّانهْ
لا يبقي منهاغيرَ العُوْدِ بصندوقِ أَمانهْ
تكفيهِ قشرةُ موزٍ
يتزحلقُ فيها كالأَطفالِ على درجِ التَّبَّانهْ” 
 
كمال جمال بك مواليد مدينة البوكمال 1964 . صدرت له:
1 ـ فصول لأحلام الفرات، اتحاد الكتاب العرب، دمشق 1992.
2 ـ بعد منتصف القلب، وزارة الثقافة، دمشق، 1994.
3 ـ سنابل الرماد، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1995.
4 ـ فاتحة التكوين، وزارة الثقافة، دمشق 1996.
5ـ مرثية الفرات العتيق، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2000
6ـ جسر الضلوع وهذه قصيدتي، العائدون للنشر،الأردن،2020
7- ذئب المنفى وعصافير الثلج، Kultur Soncag، تركيا، 2021
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

دريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…