حنين الروح.

فدوى حسين

وقفت أمام باب الدار وجلة ًمشدوهةً ! 
لا أعلم أهو الخوف!  أم الشوق لعمرٍ لتاريخٍ ضائع أبحث عنه خلف هذا الباب!
بدأ قلبي يخفق بسرعة، وأنا أتأمل الباب وأتلمسه!
هو هو لم يتغير! إلا من بعض الصدأ غزا أجزاء منه، كان هذا الباب الشاهد الأكبر على أفراحنا وأحزاننا، كم فرحةً ودع وكم غصةً استقبل. .طرقته ما لبثت أن ازدادت الطرقات قوةً دون أن يُفتح لي،  دفعته بقوةٍ و دخلت، استقبلتني نسائم العطر المنبعثة من أزاهيره، داعبتْ ناظريّ الفراشات المتراقصة بين جنباته. ها هي شجيرات الرمان تزينها أزهار الجنار القانية والتي حير تساقطها أبي الذي استشار مهندساً زراعياً ارتأى أن تكون كثرة السقاية هي السبب، دون أن يعلموا أني كنت من ُيسِقطها دفعةً واحدة حتى أرتاح من تساقطها اليومي وتنظيفها، 
وهنا في ظل شجرة الزيتون نرجستي التي زرعتها أنا وأخي ذات شتاء وأصبحنا ننتظر إزهارها كل ربيع، وما تلبث أن تزهر حتى يقطفها أحد الصبية ممن يرافقون أمهاتهم في زياراتهم لأمي،  استشيط غضباً فتومئ لي أنه طفل صغير. أي طفل ٍهذا يقتل ربيعا ًأنتظره كل عام!
 وأمضي …
هنا في وسط الباحة تمتد عريشة العنب الجميلة، فقد زارت الحداثة دارنا واستبدلنا العريشة الخشبية المتهالكة بأخرى مصنوعة من الحديد والأسلاك، في ظلها اجتمعنا كثيراً ًسهرنا،  فرحنا، حزنا، في كل ليلةٍ من ليالي الصيف تسطر أغصانها حكاياتنا على وريقاتها وما أن يحل الخريف حتى تعصف بها الريح بعيداً ويتعرى العمر مرة أخرى لتبدأ صفحة جديدة مع براعم الربيع.
في الغرفة القبلية يجلس أبي كل مساء يتحلق حوله أخوتي والرجال يتحدثون في الشؤون العامة والسياسة وكثيراً ما كان يروي أبي قصصاً و طرائف حدثت معه فتعلو ضحكاتهم الدار. لطالما استهوتني جلساتهم عن جلسات النساء حيث أمي وجاراتها يتحدثن بتفاخر عن وجبات أعددنها وانجازاتهن المنزلية، وكم من الأطفال أنجبن، ومشاكلهم التي لا تنتهي، وعادةً ما ينتهي الحديث بتحسرهّن على حظوظ النسوة اللاتي لا يفقهنّ شيء في الحياة.
وها هنّ أخواتي يجلسنّ في الأرجوحة التي تشق سكون المكان بتأرجحها وهنّ يتحدثن بهدوء ثم تعلوا أصواتهنّ وتتشاجرن لتعود أصوات ضحكاتهنّ بعد قليل هنّ لم يتغيرنّ فالشقاوة  لازالت تلازمهن!
 أتابع السير في الدار أبحث عني !
أنا التي حزمت الحقائب منذ زمن، ها أنا  ذي هنا، وهنا أمي وأبي عادا من الموت. وهاهم كل أخوتي وأخواتي عادوا من الشتات. الدار تعانق أرواحنا العائدة،  وأنا فرحة ٌأدور وسط الدار وأضحك وأضحك. .ثم أشعر بقبلةٍ حنونة وصوتٍ ملائكي يوقظني، إنها طفلتي تسألني مستغربة حالي: أمي لماذا تضحكين وأنت نائمة؟
 فضممتها إلى صدري ودموع الحنين تحرق قلبي وقلت لها:لأني حلمتُ بالجنة !
 وماهي الجنة يا أمي ؟
أجبتها …أنت …أنت الجنة يا صغيرتي!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عصمت شاهين الدوسكي

 

ربما هناك ما یرھب الشاعر عندما یكون شعره تحت مجھر الناقد وھذا لیس بالأمر الحقیقي ، فالشاعر یكتب القصیدة وينتهي منھا لیتحول إلى تجربة جدیدة ،حتى لو تصدى لھ ناقد وبرز لھ الایجابیات وأشار إلى السلبیات إن وجدت ، فلیس هناك غرابة ، فالتحلیل والتأویل یصب في أساس الواقع الشعري ،وكلما كتب الشاعر…

فيان دلي

 

أرحْتُ رأسي عندَ عُنقِ السماءْ،

أصغيْتُ لأنفاسِ المساءْ،

بحثْتُ فيها عن عُودٍ ثقاب،

عن فتيلٍ يُشعلُ جمرةَ فؤادي،

ناري الحبيسةَ خلفَ جدرانِ الجليد.

 

* * *

 

فوجدْتُه،

وجدْتُه يوقظُ ركودَ النظرةِ،

ويفكّكُ حيرةَ الفكرةِ.

وجدْتُه في سحابةٍ ملتهبةٍ،

متوهّجةٍ بغضبٍ قديم،

أحيَتْ غمامةَ فكري،

تلك التي أثقلَتْ كاهلَ الباطنِ،

وأغرقَتْ سماءَ مسائي

بعبءِ المعنى.

 

* * *

 

مساءٌ وسماء:

شراعٌ يترنّحُ،

بينَ ميمٍ وسين.

ميمُ المرسى، عشبٌ للتأمّلِ وبابٌ للخيال

سينُ السموّ، بذرةٌ للوحي…

ربحـان رمضان

بسعادة لاتوصف استلمت هدية رائعة أرسلها إلي الكاتب سمكو عمر العلي من كردستان العراق مع صديقي الدكتور صبري آميدي أسماه ” حلم الأمل ” .

قراته فتداخلت في نفسي ذكريات الاعتقال في غياهب معتقلات النظام البائد الذي كان يحكمه المقبور حافظ أسد .. نظام القمع والارهاب والعنصرية البغيضة حيث أنه كتب عن مجريات اعتقاله في…

ادريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…