حوار مفتوح مع العاشق للفن و الحياة عنايت عطار (12)

أجرى الحوار: غريب ملا زلال 
غريب : ‎عن سبب عدم هجرته مع صديقه الرسام سامي برهان، الذي شد الرحال إلى أوروبا وأصبح أحد مشاهير الفن هناك، قال (المدرّس) ذات مرة لحمارنة إنه كان قد حاول أن يفعل مثله، لكنه عدل عن ذلك في اللحظة الأخيرة لأنه لا يستطيع أن يفارق شجرة التوت التي في دارهم، ولا صوت نقيق الضفادع في نهر قويق، ولا ألوان سهول الشمال، كما إنه عاجز عن اصطحاب 
‎، كل تلك الأشياء معه لكن عنايت إستطاع أن يفارق شجرة الزيتون في داره ، أم أنه إصطحبها وكل أشيائه معه و هي مازالت برفقته إلى الآن ، أم أنه حقاً ينغرس في ماضيه و هو في الحاضر ، الحاضر المغاير تماماً كما قلت .
عنايت : الأستاذ سامي برهان كان مغضوباً عليه سياسياً في سورية ، في أيام الوحدة مع مصر ، ومن حسن حظي أنه تم تعيينه في ثانوية عفرين ، ربما لإبعاده عن عواصم القرار ، وكنت أنا في فترة البحث عن ذاتي ، وكأنه أتى لمساعدتي في ذلك الإكتشاف .
أما فاتح فقد كان أستاذاً ، وصديقاً ، وكلما أكون في الشام كان مرسمه مرتع للقاءاتنا ، فنانون وشعراء وموسيقيون وطلبه فنون … إلخ ، 
إذاً أعرفهما جيداً، سامي برهان وفاتح المدرس ، فالأول عقلاني يعرف كيف يضع اللمسة تلو الأخرى ، وقد أبدع طريقة طبقات الباستيل الزيتي فوق بعضها ليبدا بإزاحة مايريد بسكين خاص ، بمعنى أن الألوان موجودة أصلاً على الخامة والفنان هو الذي يبدأ بإكتشافها وكأنه يغوص في منجم ..
أما فاتح فعقلانيته كامنة في تجربته السابقة بل في أكاديميته ، أما في إدائه العملي فكلما تعمق إبتعد العقل وتقدم الإحساس العفوي رقصاً على أوتار اللون كما الموسيقا السماعية ..
أما أنا فكلا الإثنين معاً من حيث العمل ، و أما الأسئلة التي تتعلق بالهجرة والوطن وبعده وقربه وماذا أخذت منه أو ماذا أخذ مني ، هل حملت زيتونتي معي أم عدت كما عاد المدرس إلى توت الطفولة ،أم تركت خلف ظهري كل شئ ؟ 
سؤال في غاية الأهمية ، بالنسبة لي وهنا أقول أيضاً إني مختلف أيضاً عن الأساتذة الذين ذكرتهم لأنني كنت أزور سورية بإستمرار وفي كل زيارة كنت أجدد شحنة الضوء والبريق والإنتماء والألفة ، لابل حتى في أعمالي تجدني قد أستعير من الإنطباعية الفرنسية ولكن بطريقتي الخاصة عودة إلى أصالتي في الموضوع والحلم والبنية من اساسها ..
نعم كما تصورت إني حامل معي زيتونتي وصورة أمي وشعلة كاوا وجمهرات النوروز وألوان الطيف وماء لالش وحرارة الروح الشرقية وغليانها ,,
كل لوحة نافذة مطلة إلى مواطن الدفء هناك ، جئت إلى هنا لا لأقول لهم أعطوني ماعندكم بل قلت خذوا ماعندي ، وعلى أية حال باريس كانت وستظل هكذا لقد مر منها كاندنسكي وبيكاسو ودالي قبل إستقراره في الولايات المتحدة وحتى المشاهد هنا في ثقافة التحول الإنساني والعولمة وباتت النظرية القومية شيء من الماضي تماماً ، كما إنه أي المتلقي الذي يعيش وسطاً أوروبياً من 24 لغة وآلاف الأساليب من المدارس الفنية ، الأمر الذي يؤكد يوماً بعد يوم أن الإبداع منتج فردي رغم إيحاءاته القريبة أو البعيدة ، وحتى إن وجدنا في منطقة معينة أسلوباً معيناً فإن في ذلك توق لإنتماء الفنان ذاته بذاته وليس في الأمر أي نسم من التطبيع أو إرضاء لرأس القمة سواء سياسياً أو إجتماعياً أو حتى تشكيلياً ، ولا بد أنك متطلع إلى فردانية الإنسان الغربي مقارنة بالإنسان الشرقي على إمتداده .
غريب : كلما أبدع الفنان عملاً و كأنه به يستعيد ذكرى من ذكرياته التي عاشها بجوار الرب ، هكذا اعتقد الاغريقيون ..عنايت عطار هل يقف مع هذا القول و بأن العمل الفني ليست أكثر من مجرد إستعادة الذكريات التي عاشها الفنان قرب الرب .. و هل عنايت يسرد لنا ذكرياته باللون و الريشة ؟
عنايت : منذ ميديا ، و زرادوسترا ، وكونفوشيوس ، و بابل أو لنقل منذ أسطورة الخلق الأولى والإنسان يجسد سمات الآلهة وأروعها ماتركه الرومان والإغريقيون ثم تطور في ظهور السيد المسيح بوحدانية الله مع أنهم بجلو السيدة العذراء ، الأمر الذي نلاحظه في شوارع المدن الغربية ومتاحفها ، ولكن النزعة الصوفية في الشرق أمر مختلف تماماً ، لا بل أعدم الحلاج الصوفي يوماً على أنه كان يسلك نوعاً من البدعة والاجتراح ..
إلخ ، أما بالنسبة لي فإن التطور البشري منذ إنسان الكهف وإلى إنسان ناطحات السحاب حين امتلك القدرة على تسخير المادة بدأ يبحث عن خسارة الروح أمام تطور المادة الباردة ,,,ولذلك أراني في تألق وجداني روحي أشبه بالصوفية في الإنشراح و الإنسراح والهيام ، وذلك من خلال واقع مواز تماماً للواقع الفيزيقي ، الأمر الذي تراه في أغلب الأعمال الفنية .
إن إمرأتي ليست المرأة التي تعمل في البستان ، ولا هي التي تعد طاولة للعشاء ، ولا هي حتى تلك التي تطعم أولادها ، بل إنها ملائكتي الخاصة بي إذ أنسجها من السحاب والضوء مبتعداً تماماً عن الفعل اليومي ، وربما يصح القول بأنها مثلما مسكت بيديها للخروج من الضباب فهي التي تمسك بيدي لترفعني عن الأرض ولو قليلاً ، إنها حالة تناص شعري آداته اللون والضوء والظلال ,,,, إنها البراق والريح والزمان والمكان ، إنها العشق والغناء والكاس والكوثر … 
يتبع


شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ألمانيا- إيسن – في حدث أدبي يثري المكتبة الكردية، صدرت حديثاً رواية “Piştî Çi? (بعد.. ماذا؟)” للكاتب الكردي عباس عباس، أحد أصحاب الأقلام في مجال الأدب الكردي منذ السبعينيات. الرواية صدرت في قامشلي وهي مكتوبة باللغة الكردية الأم، تقع في 200 صفحة من القطع المتوسط، وبطباعة أنيقة وغلاف جميل وسميك، وقدّم لها الناقد برزو محمود بمقدمة…

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…