عزو الحاج يلخص مرحلة الحصاد الوفير والحصيلة الثمينة ويمضي

 غريب ملا زلال 
الفنان عزو الحاج أو “ذاكرة مدينة” كما قال عنه الفنان التشكيلي خليل عبدالقادر وهو فعلاً كذلك، فهو من مؤسسي مركز الفنون التشكيلية بمدينة الحسكة وقاد هذا المركز بنجاح ولمدة تقترب من ربع قرن من عام تأسيسه 1981 إلى عام تقاعده 2005 ، المركز الذي تحول إلى ورشات عمل و الذي منه وعبره مرّ أكثر فناني هذه المدينة.
عزو الحاج نحات أولاً ورسام تشكيلي ثانياً، هكذا عرف وهكذا يرى نفسه (أجد نفسي في النحت أكثر، و أشعر أنني أسيطر على الكتلة أكثر من تعاملي مع اللوحة) وهو كذلك فله بصمته في النهوض بالمشهد الفني التشكيلي الحسكاوي ومعه مجايليه من فنانين آخرين كخليل عبدالقادر وعمر حسيب، و حسن حمدان وأحمد أنصاري وبرصوم برصوما والقائمة طويلة بطول قاماتهم واستطاع كل منهم أن يأخذ حيزه الجميل وفق جوقة جميلة أعطت للمرحلة نكهتها العذبة.
عزو الحاج عرف كنحات أولاً وطغى على الجوانب الإبداعية الأخرى لديه، وبقي الإزميل يقدمه في الواقع أكثر، لكن الريشة لم تغب عنه فبقيت مرافقة لإزميله في أوقات كثيرة، بل في كل منعطفاته، فالعلاقة بينهما أقصد بين الإزميل و الريشة لا تحتاج إلى وسائط أخرى، فالعلاقة هنا مباشرة لا تستدعي إلا سلسلة من العوالم الحسية المختلفة عملياً، المرتبطة إشكالياً، فكل المحاور بينهما المبصرة منها والمتفاعلة لها علاقة بتلك العناصر التي تودع داخل /المنحوتة، اللوحة/ فلا تفاوت بينهما إلا بالإدراك، وهذا ما يفسر تلك المعطيات الدلالية التي قد يصل إليها المتلقي في تأمله البعيد لذلك المنتج ، كل ذلك ضمن اختيار ما يطلق عليه سيرورة أو التجربة الضمنية بلغة أخرى، فعزو غير محكوم بتصور مسبق، ولهذا فهو يتسلل خلسة إلى جميع سياقات الفعل الإنساني باعتبارها حالات لفرضيات تثير وجود مواقع يمكن التعرف عليها من تحكم تحولاتها، كما تثير اهتمام عزو ومتلقيه بتحديد الوضعية الإنسانية والفنية كنمط في البناء، ما يجعلها قادرة على خلق سياق معرفي جديد وهذا ما يمنحه خصوصية إنجاز الوجود الفعلي للقيم الجمالية تلك التي تندرج في كيانات غير مرئيّة وفق مستجدات قابلة للإمساك بأفعالها و ردودها، كيانات غير مستعصية على الضبط بل دائمة التحول عبر أحجام وأشكال قابلة لإيجاد الفعل خارج مداراته، فالفعل الخاص يمنح العمل المنتج لوناً خاصاً وطعماً خاصاً منها يستمد عزو خصوصيته تبعاً لتنويعاته ككتلة و كفراغ وبتوسعاته لتشكيل صيغه العامة والمختصرة للإمساك بدلالاته حيث انبعاث المتحرك في وجهه المحسوس.
وكتصنيف لمجموعة من العلامات داخل سلسلته الإبداعية المنبثقة من إمكانياته الكاشفة لمحاور الاستبدال في تحويل الانفعالي إلى المرئي يخرج عزو بآليات جديدة كتحديد موقعه من الفعل الفردي وذلك بإحلال عنصر محل آخر، ويشكل استدعائه لعلامات حاملة للأداة والمضمون معاً لتكون مدونته في تحديد لون صوته، فمجموعة إجراءات التعيين التي يطلقها عزو ما هي إلا إجراءات رابطة بين عناصره أولاً وبينها وبين العلامات المتدفقة من ركاماته ثانياً، فهو يعقد تواصلاً بين وحداته المنتمية إلى محاوره معاً وإن كان محكوماً بجمع الحالات و دلالاتها.
فعزو قادر على تعريف مشروعه وقادر على إبراز مدى رؤيته فبإنطباعية تعبيرية يتجاوز الحدود المنظورة التي تكاد تكون علامة لمفاهيم متداولة ومتباينة، فحقله لا حدود له وإن كان محفوفاً بالعقبات، التقنية منها والمعرفية، عزو يلخص مرحلة مثمرة بخطوط عريضة وعامة هي بحد ذاتها مرحلة الحصاد الوفير والحصيلة الثمينة‏ ويمضي. 


شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد حسو

“حين تموت لغة الاحترام… يولد العنف بأبشع صوره”

منذ أكثر من عقدين، ومع الانتشار الواسع لشبكات التواصل الاجتماعي، تغيّرت ملامح الخطاب العام في العالم كله، وليس في عالمنا الشرق الأوسطي فقط. لم تعد الكلمات تُنتقى بعناية، ولم يعد الناس يحسبون حساباً لما يكتبونه أو يقولونه. بل أصبح البعض يكتب كما يشتم في لحظة غضب، ويرد…

فراس حج محمد| فلسطين

في النص الأخير قلت شيئاً شبيهاً برثاء النفس، وأنا أرثي أصدقائي الشعراء:

كلّما ماتَ شاعرٌ تذكّرتُ أنّني ما زلتُ حيّاً

وأنّ دوري قريبٌ قريبْ

ربّما لم يُتَحْ للأصدقاءِ قراءةُ قصائدهم في رثائي المفاجئ

وها هو الشاعر والناقد محمد دلة يغادر أصدقاء على حين فجأة، ليترك خلفه “فارسه الغريب” ونقده المتوسع في قصائد أصدقائه ونصوصه. محمد دلة…

أحمد جويل – ديرك

 

لقد أدمِنتُ على تذوّق القرنفل كلَّ يوم،

ولم يكن باستطاعتي التخلّص من هذا الإدمان…

وذات يوم، وكعادتي الصباحيّة، دفعتني روحي إلى غيرِ بُستان،

علّني أكتشف نكهةً أُخرى،

لعلّها تُداوي روحي التي تئنّ من عطره…

 

بحثتُ في ثنايا المكان…

وإذا بحوريّةٍ سمراء،

سمراء كعودِ الخيزران،

تتزنّرُ بشقائقَ النّعمان…

عذرًا، سأكمل الخاطرة لاحقًا.

 

شقائق النعمان كانت تخضّب وجنتيها برائحةِ زهرة البيلسان.

أمسكتْ بيدي، وجعلنا نتجوّلُ…

سيماف خالد جميل محمد

 

هناك حيث تنبعث الحياة، حيث كانت روحي تتنفس لأول مرة، هناك أيضاً أعلنتْ روحي مغادرتها، لم يكن من الممكن أن أتخيل ولو للحظة أن تغادرني أمي، هي التي كانت ولا تزال الصوت الوحيد الذي أبحث عنه في الزحام، واليد التي تربت على قلبي في الأوقات الصعبة، كيف يمكن لخبر كهذا أن يتسلل…