جولة في رحاب التواصل التعليمي والثقافي بين الكورد في سوريا

كوني ره ش

  مع بداية القرن الماضي وبشكل خاص بعد الحرب العالمية الأولى وحل الجمعيات الكوردية مثل جمعية تعالي كوردستان 1918، وجمعية آزادي 1922، وإجهاض ثورة شيخ سعيد بيران 1925 واضطرار مثقفيها وثوارها من الفرار من استانبول وتركيا واللجوء إلى سوريا ولبنان ومصر وفرنسا، حينها لم يبق أمامهم من سلاح سوى تشكيل جمعية كوردية جديدة تضم في عضويتها معظم الشخصيات المؤثرة في الحركة التحررية الكوردية، وكان ولادة (جمعية خويبون) في لبنان، بلدة بحمدون يوم 5 تشرين الأول 1927 بمؤازرة كبيرة من الارمن وكورد سوريا. 
    ونتيجة التقسيم الاستعماري (الإنكليزي – الفرنسي)، تم تشكيل دول جديدة في المنطقة، وبها انقسم الشعب الكوردي بين دول شعوب الجوار، وكان نصيب كورد سوريا البقاء تحت مظلة الاستعمار الفرنسي في مناطق تواجدهم: الجزيرة السورية العليا في محافظة الحسكة وكوباني/ عين العرب وعفرين (جبال كرداغ). 
  مع تشكيل جمعية خويبون، انتسب إليها الوطنيون الكورد، خاصة أولئك الذين كان بيدهم سلطة عشائرية.. وفي الجزيرة ترأس فرع جمعية خويبون عبد الرحمن الكارسي وآل جميل باشا دياربكري ودكتور احمد نافذ بك وحمزة بك مكسي وحاجو آغا، وفي كوباني مصطفى شاهين بك وشقيقه بوزان بك وعثمان صبري، وفي جبال كورداغ  شيخو آغا منان وآل ديكو آغا بالإضافة إلى العديد من الأغوات الكورد في الجزيرة وكوباني وجبل كورداغ وحتى كورد الشام وحلب والباب ومنبج ، ومن يومها بدأت العلاقات تتشعب بين الكورد في سوريا بجهاتها الثلاث.
  بعد تشكيل (جمعية خويبون) تقاطرت الشخصيات الكوردية بالانضمام إليها، لكن مما يؤسف له أن جمعية خويبون ووليدتها ثورة آرارات أجهضت هي الأخرى في عام 1930، إلا أن العلاقة لم تنقطع بين الكورد في مناطق تواجدهم الثلاثة، إذ كانوا يجتمعون في البرلمان السوري المتشكل آنذاك تحت الحماية الفرنسية بدمشق، ولم تستطع حركة المريدين السيئة الصيت في جبال كورداغ بقيادة إبراهيم الخليل (1930 – 1939)، بتفرقة الكورد هناك، وإبعادهم عن أشقائهم في المناطق الأخرى، وكذلك الحالة في الجزيرة، إذ لم تستطع التناحرات القبلية والعشائرية التي كانت على أشدها من إبعادهم عن أشقائهم الكورد في المناطق الأخرى.
  حينذاك، كان الوضع الثقافي والتعليمي في مناطق تواجد الكورد (الجزيرة وعفرين وكوباني) متدنياً للغاية.. حينها كان الكورد في سوريا يتحدثون اللغة الكوردية فقط، ولم تكن لهم معرفة باللغة العربية، سوى قلة من شيوخ ورجال الدين.. ولم يكن لهم أي معرفة بتاريخ الكورد او احداث العالم، ما عدى بعض المتنورين ورجال الدين القادمين من شمال كوردستان، بعد ثورة الشيخ سعيد.. وهنا يمكنني القول؛ بأن رياح حركة التنوير لم تصل الى كورد سوريا إلا في الثلاثينيات والاربعينيات من القرن الماضي، وذلك بفضل (الامير جلادت بدرخان)، ومجلته (هاوار)، التي كانت تصدر في دمشق باللغة الكوردية.. كان الامير جلادت من ابرز قادة حركة التنوير بين الكورد في سوريا، ومن ابرز دعاة احياء اللغة الكوردية بالأبجدية اللاتينية، إذ كان يرى انه ليس من الممكن تطوير اللغة الكوردية دون توحيد الابجدية.. وفي بداية الخمسينيات من القرن الماضي، مع تأسيس المدارس الحكومية باللغة العربية في بعض القرى الكوردية في الجزيرة وعفرين وكوباني، تلقى أبناء تلك القرى دراساتهم في تلك المدارس العربية، وأبناء بعض الاثرياء الكورد اكملوا دراساتهم في مدينتي حلب ودمشق، ومن ثم تابعوا دراساتهم العليا في اوروبا.. 
 نعم، كان لمجلة (هاوار/1932)، وشقيقتها مجلة (روناهي/ 1942)، للأمير جلادت بدرخان، الصادرتان في دمشق، وصحيفتا (روزا نو وستير/ 1943)، للأمير الدكتور كاميران بدرخان الصادرتان في بيروت، دور كبير في بث الوعي القومي وحب اللغة الكوردية بين الكورد في سوريا ولبنان وبالتالي تقاربهم من بعضهم البعض.. مع بداية الخمسينيات بدأ المثقفون الكورد بالالتقاء، وكان على رأسهم الشاعر جكرخوين عندما التقى بالمثقفين الكورد في كورداغ وحلب وأسسوا تنظيم الحرية (بندا آزادي) ومنهم رشيد حمو وشوكت حنان ومحمد علي خوجه وخليل محمد وغيرهم.
  قبل تأسيس البارتي، تم تشكيل دعاة السلام أو (داخازيين آشتيي) في سوريا، وهكذا إلى أن تم تشكيل الحزب الديمقراطي الكوردي أو الكوردستاني في سوريا برئاسة عثمان صبري والدكتور نور الدين ظاظا، في 14 حزيران 1957م، وبمشاركة زملائهم من المثقفين الكورد في الجزيرة وكورداغ وكوباني/ عين العرب.. خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، تشعبت العلاقات بين الكورد في أماكن تواجدهم أكثر من السابق وذلك من خلال فعاليات الحزب الديمقراطي الكوردي والحزب الشيوعي السوري، وأيضاً كان من وطد هذه العلاقات هو الدكتور نوري ديرسمي والشاعر حامد بدرخان والسيدة الفاضلة أم فؤاد في حلب، وذلك عبر ضيافتها للأدباء والشعراء الكورد في منزلها بحلب.. والاميرة روشن بدرخان في دمشق..  وبشكل خاص تأثر كورد سوريا باتفاقية 11 آذار 1970م، ونكسة ثورة الكورد في جنوب كوردستان عام 1975م.
  مع النصف الثاني من الثمانينيات وبداية التسعينيات ولجوء الكورد المعارضين إلى سوريا من تركيا والعراق تغير لون التواصل بين الكورد في كل من الجزيرة وعفرين وكوباني, نحو الأحسن، ناهيك عن دور الأحزاب الكوردية وانشقاقاتهم الكثيرة، أيضاً كان لها دور في التواصل أكثر بين الكورد! وبشكل خاص عبر المجلات الثقافية للأحزاب الكوردية وكذلك المجلات المستقلة مثل (كورزك كول – آسو – زانين- برس ومجلة –حوار- باللغة العربية)، وبهذا الشكل بدأ التواصل بين الكورد في سوريا أكثر من الفترات السابقة، ونتيجة النشاطات الثقافية التي كانت تقام في الجزيرة من أماسي من أجل “حلبجة” وذكرى الوطنيين الكورد مثل ذكرى وفاة الأمير جلادت بدرخان يوم 15 تموز من كل عام، وذكرى وفاة جكرخوين التي تقام كل عام في 22 أكتوبر, ويوم الصحافة الكوردية يوم 22 نيسان من كل عام، وحلبجة يوم 16 آذار وذكرى وفاة محمد شيخو يوم 9 آذار وذكرى رحيل الأميرة روشن بدرخان يوم 1 حزيران وغيرهما من المناسبات الكثيرة. 
  كل هذه الفعاليات حدت بالمثقفين من كورداغ وكوباني إلى القيام بالنشاطات الثقافية وتشكيل جمعيات أدبية مثل جمعية “كوما خاني” و”مكتبة بدرخان” في حلب. هذه النشاطات المختلفة سواء كانت في الجزيرة أو في حلب كانت تضم شباباً مثقفين من كل المناطق التي يتواجد فيها الكورد، ولاحقاً نشط الكورد في كورداغ وحلب وكوباني أكثر من السابق واستحدثوا مهرجان الشعر الكوردي في سوريا مع زملائهم في الجزيرة يوم 22 أكتوبر منذ عام 1993، أي يوم وفاة الشاعر جكرخوين.. وطوروا مكتبتهم الكوردية من (مكتبة خاني) إلى (مكتبة بدرخان)، واصدروا جريدة باللغة الكوردية الأحرف اللاتينية باسم “نيروز” بالإضافة إلى العديد من النشاطات الثقافية الأخرى التي تقام سنوياً بين كورد عفرين وكوباني والجزيرة، ولا يوجد منشور أو صحيفة أو مجلة كوردية سواء كانت في الجزيرة أو في كورداغ دون مشاركة الأطراف الأخرى، ونتيجة الصحافة الكوردية ذات الأبجدية اللاتينية والمهرجان الشعري الكوردي الذي ينظمه مثقفو كورداغ وحلب والجزيرة توحدت اللغة الكوردية وأصبحت ذات لهجة واحدة ألا وهي لهجة مجلة (هاوار) بالأحرف اللاتينية، واليوم نرى عشرات الأقلام الكوردية في كورداغ وكوباني تكتب وتبدع بلغة كوردية جميلة على غرار زملائهم الكورد في الجزيرة. 
  ومن جهة أخرى، وفي مكان آخر تحديداً المهجر، نرى أن ذلك التواصل مستمر ومعطاء بين كورد سوريا وذلك عبر المواقع الإنترنيتية المختلفة, سواء كانت بالكوردية أو بالعربية.  وهذه المواقع مزدانة بالأقلام الجزراوية والكورداغية والكوبانية, وكلها تخدم الثقافة الكوردية بشكل عام والكوردية في سوريا بشكل خاص.. وبهذا الشكل البانورامي رأينا كيف أن التواصل الثقافي لم ينقطع بين الكورد في سوريا بل كلما مرت الأيام يزداد هذا التواصل رسوخاً وتقارباً أكثر في خدمة اللغة والثقافة الكوردية. 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…