معصوم

د آلان كيكاني

لم يكن الوقتُ وقتَ موتٍ، عاد معصوم من المدرسة وتناول غداءه ثم جلس يحضّر لطلابه دروس اليوم التالي، بينما كان صغيراه يلهوان حوله، وتعدُّ له رفيقتُه كأسَ الشاي، كان كل شيء على ما يرام، فالفقرُ والتعاسةُ وغياب الأمن دخلت في طور الإزمان وأدمن عليها الناس ولم يعودوا يسألوا عنها. 
وفجأة دوّى هزيمٌ هزّ الأركان من حوله وراح كل شيء في ظلام حالك، ولم يرَ نفسه بعدها إلّا على الأكف ملفوفاً بثوب أبيض والناس تبكي من حوله. في التابوت لم يدرِ معصوم ماذا جرى، كان يفكر بولديه، كيف يؤمّن لقمتها في زمن توشّح كل شيء فيه بالسواد، وكيف يتمكن من شراء ألعاب لهما في عيدي ميلادهما وراتبه لا يكفي لخمسة أيام،وإذا أراد أن يستدين ممن يستدين؟ وإذا استدان من أين له أن يرد الدَين؟. 
حاول النهوض فلم تطاوعه رجلاه.
حاول الصراح لكن حنجرته خانته.
حاول تدوير مقلتيه بحثاً عن ابنيه الصغيرين فلم يتمكن. 
قال في نفسه: 
هل من الممكن أن أكون قد متُّ؟ أو إني قد قُتلتُ. 
حاول يسأل ممن حوله لكن لسانه لم يتحرك.
ثم أجاب نفسه: 
لا . لا. ولماذا أُقتل؟ أنا لم أؤذِ أحداً في حياتي، ولم أكرهْ أحداً، وحتى الذين يكرهونني لم يستطعْ قلبي أن يمقتهم. 
 
أنا حيٌّ. عما قليل سأنزل من أكفّ هؤلاء الرجال وسأمشي معهم إلى حيث يمشون وسأجعلهم يضحكون لا يبكون، فأنا قال عني الكثيرون أنني دمث أميل إلى المداعبة وأروي النكتة ببراعة. أنا حيٌ وأسمع نواح أمي جيداً، وأسمع عويل زوجتي وألمحها من خلال هذا الشق في الصندوق الذي وضعوني فيه تنتف شعرها، ولكن لا أحد من الجمع يريد أن يخبرني الحقيقة، هل حدث لصغيريّ شيء؟ ليت أحداً يأتيني بهما لأضمهما وأشمّهما وأودعهما بقبلة حارة،فربما أكون جريحاً وأموت فيما بعد، فقد سمعت هدير طائرة حربية قبل أن يغمى عليَ. لعلها قصفت بيتي. 
المهم أنني أعيش الآن. 
ولكن لماذا أنزلوني في حفرة صغيرة باردة؟ 
ولماذا يحثون عليّ التراب؟
أين صغيريّ؟
======
٢٠١٤

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

رضوان شيخو

يا عازف العود، مهلا حين تعزفه!
لا تزعج العود، إن العود حساس..
أوتاره تشبه الأوتار في نغمي
في عزفها الحب، إن الحب وسواس
كأنما موجة الآلام تتبعنا
من بين أشيائها سيف ومتراس،
تختار من بين ما تختار أفئدة
ضاقت لها من صروف الدهر أنفاس
تكابد العيش طرا دونما صخب
وقد غزا كل من في الدار إفلاس
يا صاحب العود، لا تهزأ بنائبة
قد كان من…

ماهين شيخاني

الآن… هي هناك، في المطار، في دولة الأردن. لا أعلم إن كان مطار الملكة علياء أم غيره، فما قيمة الأسماء حين تضيع منّا الأوطان والأحبة..؟. لحظات فقط وستكون داخل الطائرة، تحلّق بعيداً عن ترابها، عن الدار التي شهدت خطواتها الأولى، عن كل ركن كنت أزيّنه بابتسامتها الصغيرة.

أنا وحدي الآن، حارس دموعها ومخبأ أسرارها. لم…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

فَلسفةُ الجَمَالِ هِيَ فَرْعٌ مِنَ الفَلسفةِ يَدْرُسُ طَبيعةَ الجَمَالِ والذَّوْقِ والفَنِّ ، في الطبيعةِ والأعمالِ البشريةِ والأنساقِ الاجتماعية، وَيُكَرِّسُ التفكيرَ النَّقْدِيَّ في البُنى الثَّقَافيةِ بِكُلِّ صُوَرِهَا في الفَنِّ، وَتَجَلِّيَاتِها في الطبيعة ، وانعكاساتِها في المُجتمع، وَيُحَلِّلُ التَّجَارِبَ الحِسِّيةَ، والبُنى العاطفية ، والتفاصيلَ الوِجْدَانِيَّة ، وَالقِيَمَ العقلانيةَ ،…

إبراهيم اليوسف

الكتابة البقاء

لم تدخل مزكين حسكو عالم الكتابة كما حال من هو عابر في نزهة عابرة، بل اندفعت إليه كمن يلقي بنفسه في محرقة يومية، عبر معركة وجودية، حيث الكلمة ليست زينة ولا ترفاً، مادامت تملك كل شروط الجمال العالي: روحاً وحضوراً، لأن الكلمة في منظورها ليست إلا فعل انتماء كامل إلى لغة أرادت أن…