(مدينتي)

خورشيد محمد ملا سعيد

مدينتي واقعةٌ في شمال شرق سوريا. هي مدينةُ السلام والوئام والتآخي الكرديّ العربيّ الآثوريّ الأرمني. إنّها لوحةٌ فسيفسائيةٌ لهذه القوميات المتحابّة والمتآخية في عقدٍ اجتماعيٍّ مشترك .
هي مدينةُ المحبّة والجمال والأمان. مدينةٌ شاسعةٌ متراميةُ الأطراف ، شوارعُها مستقيمةٌ، فيها ساحاتٌ كثيرةٌ، وحدائقُ جميلةٌ تزين أحياءَها الهادئة، و فيها مطارٌ دوليٌّ معروف. في مدينتي الحبيبة معابدُ كثيرةٌ تتفاعل فيها نسماتُ الأذان من كلّ صوب مع نسمات أصوات النواقيس في وسطها، فتنتعش بها النفوسُ المطمئنةُ الآمنةُ أيّما انتعاش. و أُنشِئَت في أطرافها فنادقُ ومنتجعاتٌ سياحيةٌ حديثةٌ فائقةُ الجمال، و صالاتٌ متميّزةٌ للأفراح. وتحيط بمدينتي حقولٌ خضراءُ شاسعةٌ.
و أمّا نهر الجقجق -القادم من شمال مدينة نسيبين/نصيبين المعروفة بآثارها العتيقة الغائرة في أعماق التاريخ والملتحمة مع مدينتي من جهة الشمال ويفصل بينهما فقط خطٌّ وهميٌّ يدل عليه شريطٌ من الأسلاك الشائكة- فَيَقسِمُ مدينتي نصفين نصفاً في شرق النهر، ونصفاً في غربه .
و مدينتي هي مدينةُ الثقافة والأدب والكفاءات العلمية، ففيها ما يكفيها من أصحاب الشهادات الجامعية والمعاهد من جميع الاختصاصات العلمية، و ما يكفيها من المثقّفين والفنانين والكتّاب والشّعراء الكبار؛ و فيها نُخَبٌ اجتماعية ٌ وسياسية ٌ متنوّعةٌ واعيةٌ، و عددٌ ملحوظٌ من الأحزاب والتجمّعاتِ السياسية ذاتِ التوجّهات المتباينة. وتتباهى مدينتي بمدارسهاالجمّة للمراحل الثلاث الابتدائية والمتوسطة والثانوية مثلما تتباهى بجامعاتها النادرة. و فيها مراكزُ ثقافيةٌ وإعلاميةٌ كثيرةٌ، و مقاهي للنت؛ ومراكزُ للمطالعة، ومكتباتٌ لبيع الكتب المختلفة . 
و في مدينتي أصحابُ خبراتٍ تجاريةٍ متنوعة، ففيها سوقٌ للصّاغةِ صاغةِ الذهب والفضة؛ وسوقٌ للتجّار المختصّين ببيع و شراء المحاصيل واللوازم الزراعية؛ وسوقٌ لبيع الأدوات والأجهزة الكهربائية؛ و أسواقٌ متميّزةٌ لبيع الأقمشة؛ و أسواق للخيّاطين؛ و أخرى للألبسةالجاهزة لمختلف الأعمار، و مَحالٌّ لبيع الألبسة الأوروبية المستعملة؛ وسوقٌ للمواد الصحية و الدهانات؛و أسواقٌ أخرى لجميع لوازم المنازل؛ و سوقٌ للأجبان والعسل؛ و أسواقٌ لبيع الخضار والفواكه واللحوم. وفي مدينتي ملاعبُ رياضيةٌ كبيرةٌ.. وفيها معارضُ كثيرةٌ لبيع و شراء السيارات الحديثة والقديمة؛ والدرّاجات بأنواعها؛ و عددٌ من مراكز تجمّع حافلات نقل المسافرين إلى المحافظات السورية الأخرى و إلى خارج سوريا، ومراكزُ لحافلات النقل الداخلي. و في مدينتي الحبيبة منطقة ٌ صناعيةٌ تَشغَل مساحةً كبيرةً جداً قياساً إلى المناطق الصناعية في معظم محافظات سوريا. و فيها مراكزُ لقاطرات نقلِ المحاصيلِ الزراعية و غيرِها. و فيها محطّتان واسعتان للقطارات، محطّةٌ قديمةٌ تربط سكةُ قطاراتها مدينتي بمدينة الموصل ، و محطّةٌ جديدةٌ تربط سكتُها مدينتي بالمدن المركزية للمحافظات السورية. و في مدينتي مدينةِ الخيرات صوامعُ كبيرةٌ لتخزين القمح؛ ومطحنتان ضخمتان لإنتاج دقيق الخبز العادي، ومطاحنُ أخرى لإنتاج الدقيق الصناعي الممتاز. و فيها فرنان آليان ضخمان وأفرانٌ نصفُ آلية للخبز المرقّق، وأفرانٌ حجريةٌ كثيرةٌ لإنتاج الخبز السّميك.. وأمّا الفنادقُ القديمة ؛والعياداتُ و المختبراتُ الطبية و دورُ الأشعة والصيدليات، و محالُّ الأعشاب الطِبّية؛ والعياداتُ البيطرية؛ و المكاتبُ الهندسية والزراعية؛ والمطاعمُ والمقاهي؛ و محالُّ المواد الغذائية فيتوزّع معظمُها في وسط المدينة. إنّ ما يميز مدينتي عن غيرها من مدن بلادي هو تجاورُ معظمِ المحالّ ذاتِ اللوازم والمعروضاتِ المشتركة في نوعها؛ و تواجدُ معظمِ أصحابِ المِهَن والاختصاصاتِ المتقاربة – في مكانٍ واحد .. فهل عرفتم مدينتي يا أعزّائي؟؟.
إنها  مدينةُ الأمن والأمان والعيش السلمي المشترك مدينةُ “قامشلي” التي جمعت في جنباتها بين الإخوة من جميع الأديان، فجمعت منذ بداية إنشائها بين الإخوة المسالمين من المسلمين والمسيحيين واليهود والإزديين. نعم جمعت بين الإخوة المتحابّين من كردٍ و عربٍ وآثوريين و أرمن وآخرين . دمتِ بخير ، ودام أبناؤكِ بخير يا مدينتي العزيزة قامشلي/قامشلو .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد حسو

“حين تموت لغة الاحترام… يولد العنف بأبشع صوره”

منذ أكثر من عقدين، ومع الانتشار الواسع لشبكات التواصل الاجتماعي، تغيّرت ملامح الخطاب العام في العالم كله، وليس في عالمنا الشرق الأوسطي فقط. لم تعد الكلمات تُنتقى بعناية، ولم يعد الناس يحسبون حساباً لما يكتبونه أو يقولونه. بل أصبح البعض يكتب كما يشتم في لحظة غضب، ويرد…

فراس حج محمد| فلسطين

في النص الأخير قلت شيئاً شبيهاً برثاء النفس، وأنا أرثي أصدقائي الشعراء:

كلّما ماتَ شاعرٌ تذكّرتُ أنّني ما زلتُ حيّاً

وأنّ دوري قريبٌ قريبْ

ربّما لم يُتَحْ للأصدقاءِ قراءةُ قصائدهم في رثائي المفاجئ

وها هو الشاعر والناقد محمد دلة يغادر أصدقاء على حين فجأة، ليترك خلفه “فارسه الغريب” ونقده المتوسع في قصائد أصدقائه ونصوصه. محمد دلة…

أحمد جويل – ديرك

 

لقد أدمِنتُ على تذوّق القرنفل كلَّ يوم،

ولم يكن باستطاعتي التخلّص من هذا الإدمان…

وذات يوم، وكعادتي الصباحيّة، دفعتني روحي إلى غيرِ بُستان،

علّني أكتشف نكهةً أُخرى،

لعلّها تُداوي روحي التي تئنّ من عطره…

 

بحثتُ في ثنايا المكان…

وإذا بحوريّةٍ سمراء،

سمراء كعودِ الخيزران،

تتزنّرُ بشقائقَ النّعمان…

عذرًا، سأكمل الخاطرة لاحقًا.

 

شقائق النعمان كانت تخضّب وجنتيها برائحةِ زهرة البيلسان.

أمسكتْ بيدي، وجعلنا نتجوّلُ…

سيماف خالد جميل محمد

 

هناك حيث تنبعث الحياة، حيث كانت روحي تتنفس لأول مرة، هناك أيضاً أعلنتْ روحي مغادرتها، لم يكن من الممكن أن أتخيل ولو للحظة أن تغادرني أمي، هي التي كانت ولا تزال الصوت الوحيد الذي أبحث عنه في الزحام، واليد التي تربت على قلبي في الأوقات الصعبة، كيف يمكن لخبر كهذا أن يتسلل…