نساءٌ أم دُمى متشابهة

هيفي الملا

البحث عن الجمال فطرة إنسانية واللجوء لجراحي التجميل شيء لامفر منه ولكن بحدود المعقول وعدم المبالغة والتصنع، 
حتى نشبه ذواتنا أولاً، بدلاً من التشبهِ بشخصيةِ بطلةٍ في مسلسلٍ رمضاني لنتشبهَ بأخرى في موسمها القادم، أو لنكون نسخةً من صورة في مجلة أو لمقاسات روّجتْ لها آخر صيحات الموضة .
هل مايطلبه المجتمع بكثرةٍ وإلحاح، وتسوقُ له بازارت الموضة وصور النساء في السوشيال ميديا، يتحول دون وعي لمادةٍ رائحةٍ، ومن بينها شكل الشفاه ومدى اكتنازها وشكل الجفن والأنف ومقاس الخصر ولون الشعر وعرض الورك.
وسائل الإعلام تروجُ لمقاييس ومواصفات معينة للجمال، بحيث تثبتُ في العقل الباطن للسيدات، وتسعى للحصول عليها، فتحقنُ شفاهها بمواد اصطناعية، وتسعى لنحت خصرها وشد الترهلات، وفي بعضِ هذا السعي الدؤوب لاعتبَ ولومَ ، فجميلٌ بل يجب أن تنتبه النسوةُ للجمال الذي تتميزُ به، وتحافظ أبداً على نضارتها وشبابها وثقتها الدائمة بنفسها، لكن هناك نوعٌ من الإدمان لا يتوقف عند المخدرات فحسب، وليس مصطلحاً مرتبطاً بالعقاقير والكحول والكافيين، بل يمتد لعملياتِ الجميل التي وإن دلتْ بشكلها الصارخ اللحوح على شيء، فهي تدلُ على مشكلةٍ وأزمة نفسيةٍ وسوء تقديرٍ للذات.
لاأحبذُ التغييرات الجذرية التي تتحولُ فيها المرأة الي امرأة أخرى، بشكلٍ يضيعُ فيه جمالها الرباني الطبيعي في بؤرة التشبه بتلك وتلك، إذا كان الأنفُ أعوجٌ ويحتاج لاستقامةٍ، و ربما السمنةُ المفرطة، أو النحف المفرط يحتاج لانتباه وتدخلات جراحية ، أو تصحيح مشكلة خُلقية ظاهرة وحالة صحية ولابد منها، وأنا مع سعي المرأة لخوضِ آفاقٍ رحبةٍ ومعاصرةٍ للحفاظ على أنوثتها، بل وتصليح التشوهات الجسدية لتعيد الثقة بنفسها ، ولاننكر هنا دور الطب وتقدم العلم في ذلك، لكن المبالغة في كل شيء يأتي دوماً بنتائج عكسية .
 أليس الأقدام على عمليةٍ ربما تكون خطرة مع عدم وجود تشوه خلقي دليل على قلة تقدير الذات، وربما نستطيع حصر بعض الأسباب النفسية لذلك ومنها عدم الثقة بالنفس، والخوف من العمر، والغيرة من البعض والتقليد الأعمى والفراغ الأجوف، والتشبه بتلك وغيرها دون أن يكون للمرأة عنوانها وجمالها الخاص بها .
 ولا أبالغُ اذا قلتُ : بات تغيير المظهر الخارجي أسهل بكثير من تناول النفس من الداخل ومسها بالرقي والجمال.
 و بعض النسوة اللواتي بجدْن صعوبةً في تنمية داخلهن النفسي و تطوير العقل ومداركه الفكرية، تلجأن لتغيير مظهرن الخارجي بشكل مقولبٍ جاهزٍ ، وفي ذلك اغترابٌ للشخصِ عن نفسه وعدم فهمه لمقاييس جماله الخاص.
ربما يثيرُ مقالي بعض الاستغراب أو الاستهجان كوني أنتمي لمعشر النساء، والطبيعي أن أكونَ معهن في صيحات الموضة ومتابعة آخر القوالب المستنسخة من الشفاهِ والجفونِ والصدور والخصور، نعم أنا مع الأنثى وحتى العظام ومع أن تكون جميلة ابداً، ولكن برأيي ليس هناك امرأة قبيحة، هناك امرأة لانجيدُ التعاملَ مع تفاصيلها .
 لكلِ واحدة منكن جمالٌ يحتاجُ إلى الكشفِ ونفض الغبار عنه وطريقة التعامل معه .
 أنا مع الجمال ولكن لستُ مع تنميطه، وبالنتيجة عندما أمشي واتسوقُ واحتكُ بغيري من بنات جنسي، أحبُ أن أرى أشكالاً مختلفةً لا دُمى شمعية متشابهة.
 لستُ مع توجيهِ المرأةِ اللومَ لنفسها، ومحاسبة جمالها أمام المرآةِ، لماذا لستُ كذا وكذا فتنجرفُ للدخولِ في دوامة من العمليات التجميلية التي لاتنتهي، فالكثير من المواد الاصطناعية المستخدمة لها مدة زمنية تحتاج للتجديد،  ونضيفُ لذلك تعامل بعض الأطباء التجاري مع هذه الحالة وتلك، فهل طبيبُ التجميل منصفٌ في حكمه دوماً في حاجة هذه الأنثى إلى تلك العملية أم لا؟ أم هو سباقٌ تجاري فحسب 
إدمانُ عمليات التجميل بشكلها المهووس مصدر قلق، و ينشأ عن رغبةٍ فارغةٍ من مضمونها في التكيف المستمر مع صور الجمال ومعاييره المتغيرة بدورها .
الاهتمامُ بالذاتِ لتبدي جميلةً في عيون الجمال التسويقي قبل عيونك، بين الحالتين شعرةٌ لابد من الوقوف عندها قبل الانجرارِ في الهوس المزمن.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…