نحْــو علاقــة صحيّــة بيـن الكـاتــب والنّاقــد

أحمـد عزيـز الحسين
من النادر أن تجد في سورية الآن ناقداً نزيهاً يولي النّـصَّ الأدبيَّ اهتمامه، ويقرؤه بمعزل عن علاقته بصاحبه، ولذلك فمعظمُ ما يكتب هو (تغطيةٌ إعلاميةٌ) يُقصَد منها المجاملةُ، وتصبّ في خانة ( المصلحة الخاصة)، وتخدم ( الشلليّة)، وتفضي إلى النفاق، وليس ( مراجعةً نقديةً) تولي النّصَّ اهتمامها، وتنصرف إلى قراءته بجدية وإخلاص، وتعطيه حقه من النقد والتقييم.
والساحةُ السوريةُ تكاد تخلو من ناقد متمرس يتفحص الجديــد من الكتب، ويعطي حكماً دقيقاً فيه، وتخلو من دورية جادّة تفعل ذلك، كما تفتقر، في الوقت نفسه، إلى أبواب متخصصة في الدوريات الثقافية تعير ذلك جُلّ اهتمامها، وتتابعه بعين بصيرة، وأدواتٍ نقديةٍ سابرةٍ قادرة على التفحص، والبحث عما وراء النّصّ، وإعطاء كلّ ذي حق حقَّه.
وفي العادة حين يخيِّبُ ناقدٌ جادٌّ أملَ كاتبٍ ما في الكتابة عنه فإن الكاتبَ ( يحرد) منه، ويدير ظهرَهُ إليه، وينصرف عن قراءته تماماً، وبعضُ هذا حدث معي، فقد توقّع أصدقاءُ كتابٌ تربطني بهم علاقة طيبة أن أكتب عنهم مجاملا، وحين لم أفعل ذلك قاطعوا صفحتي النقدية على (الفيسبوك)، وتجاهلوا ما أكتبه، مع أنهم كانوا يقرؤون جُلَّ ما أكتب قبل ذلك، ويعلقون مجاملين، وأحدهم وصفني بـ(الناقد الكبير)، وآخرُ أغدق عليّ صفة ( الناقد المتميّز)، حين كتبتُ مقالين عن ( زكريا تامر)، وشارك ما كتبتًُهُ في صفحته سعيداً، ثم امتنع عن قراءتي بعد ذلك حين لم يحظَ ما نشره من كتب بالاهتمام الذي كان يتوقعه مني، مع أن أغلب مايكتبه يقع في حقل إبداعيّ لم أتخصص بدراسته، أو أولِه ما يستحقه من الاهتمام النقديّ على صعيد امتلاك الأدوات النقدية، والآليات المعينة على القراءة، وإعطاء حكم ذي قيمة نقدية.
هذا هو الحالُ للأسف، وهو حالٌ يملأ النفسَ بالمرارة، ويؤكد أننا بحاجة إلى الكثير كي نُموضِع ( الديموقراطية) في حياتنا الثقافية، ونحولها إلى آلية حياة، كما يؤكد أننا نرزح في البركة الآسنة للنظام الاجتماعي البطركي، وأننا طغاة صغار ليس إلا، نرفض أن يمارس الآخرون ( حريتهم ) في العيش والكتابة كما يرغبون، ووفق الآلية التي يحققون فيها ذواتهم، ويشكلون هوياتهم، وأننا لن نخرج من هذه البركة العفنة في الأمد المنظور.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

فيان دلي

 

أرحْتُ رأسي عندَ عُنقِ السماءْ،

أصغيْتُ لأنفاسِ المساءْ،

بحثْتُ فيها عن عُودٍ ثقاب،

عن فتيلٍ يُشعلُ جمرةَ فؤادي،

ناري الحبيسةَ خلفَ جدرانِ الجليد.

 

* * *

 

فوجدْتُه،

وجدْتُه يوقظُ ركودَ النظرةِ،

ويفكّكُ حيرةَ الفكرةِ.

وجدْتُه في سحابةٍ ملتهبةٍ،

متوهّجةٍ بغضبٍ قديم،

أحيَتْ غمامةَ فكري،

تلك التي أثقلَتْ كاهلَ الباطنِ،

وأغرقَتْ سماءَ مسائي

بعبءِ المعنى.

 

* * *

 

مساءٌ وسماء:

شراعٌ يترنّحُ،

بينَ ميمٍ وسين.

ميمُ المرسى، عشبٌ للتأمّلِ وبابٌ للخيال

سينُ السموّ، بذرةٌ للوحي…

ربحـان رمضان

بسعادة لاتوصف استلمت هدية رائعة أرسلها إلي الكاتب سمكو عمر العلي من كردستان العراق مع صديقي الدكتور صبري آميدي أسماه ” حلم الأمل ” .

قراته فتداخلت في نفسي ذكريات الاعتقال في غياهب معتقلات النظام البائد الذي كان يحكمه المقبور حافظ أسد .. نظام القمع والارهاب والعنصرية البغيضة حيث أنه كتب عن مجريات اعتقاله في…

ادريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…