غريب ملا زلال
من الوهلة الأولى و أنت تتعرف عليها قد تخرج بإنطباع سريع و عاجل بأنها كتلة من الفرح و السعادة، فالبسمة لا تفارق محياها، و خفة ظلها تسبقها في الحضور، فهي من اللواتي قادرات على تعطير المكان و إسعاد الآخرين بمسلمات سلطانها على المكان، لن أقول من يكون هكذا قد يحمل في دواخله أطناناً من الوجع دون أن تظهره، لكن ذلك سيبدو جلياً في ثلاثيتها التي اشتغلت عليها على إمتداد أيام الورشة، هذه الثلاثية الآي قد تلخص بعضاً من ذلك الوجع الذي تخبئه عنا و عن الوسط الذي تعيش فيه، فبحق الأعمال الثلاثة التي أنجزتها تشكل معزوفة وجع كبير لا كإحتواء لرؤاها و تصوراتها فحسب، بل كطريقة للنفاذ إلى عوالمها و مقاربتها بإحاطتها بمنجزاتها هي كحالة رصد للحظاتها المرمية في أحضان الغياب،
فهي ترزح تحت ثقل وعي درامي قد يوهمنا بما نرى، لكنها منشغلة بمنتجها و تقترب منه أكثر لتحيطنا علماً بما تنهض عليه من إضافات، و بأن لحظة الغدو ليست مجرد اقتدار على الرسم بما يسري في تفاصيل الأشياء، بل هي مكاشفات لأغان طافحة بالشجن، فيها من التعالقات و التقاطعات ما ينهضها بالدلالات على أنها إستحضارات للوجع الكبير توظفها بإنفتاح على رموز في رحابها تلغي كل المسافات، و ترافق التخوم ففيها سر قوتها و مدى مقدرتها على الإستمرار، و هذا قد يفسر بعض أوجه التعارض الحاصل ما بين الداخل و الخارج، و هذا يستدعي حتماً حركة إحياء شديدة التحديث تستند إلى تنوع مطالعاتها التي هي من تنوع إمتلاكها في ملامسة تلك التخوم و الإرتقاء بها نحو السموات العشرة، فجيمن إسماعيل مجبولة بالوجع و هذا سر إلتجائها إلى الرمادي كخير لون في التعبير عن بعض آهاتها، اللون الذي لا يمكن أن ينفلت منه حسرة واحدة، أو وخزة صغيرة في خاصرة ما، فهو منقذ لمشاعرها و ما تبقى منها في الموجودات التي لم تعصف بعد، فمجموعتها المكونة من أعمال ثلاث أشبه بروايات كتبت في ثلاثة أجزاء كل منها إمتداد للآخر، مجموعة طافحة بالرعب و الخراب و كأنها تجر مادتها من ركام مدن اندحرت في زمن ما، فليس أمامها غير الإحتماء باللوحة الطافحة بالمرارة و القتامة إلى حد السكوت، فهي تخطو بين الحطام لا خلاصاً للوجود فحسب بل للمضي فيها إلى المنتهى لتعلن هذا حتفنا، دون أن تيأس فمازال أمامها الصدى حاضراً منكفئة بأن الخروج من الدائرة لم تتم بعد، و بأن إستخدام وسائل خاصة بالبروشور السياسي لن تقيها تماماً من الإستجابة لذاكرتها السياسية المؤسسة لمقرراتها الجمالية، فهي في أشد لحظات الخلق أصالة لا يمكن لتلك الذاكرة أن تتركها في صفائها، فتمتثل حيناً و حيناً تلوذ بالصمت، و حيناً آخر تصبح المواجهة هي الأهم فتقود بنوع من التبسيطية تصوراتها و تمضي بها في دروب التيه، محتفظة بحرارتها كجزء من التعبير عن قيمها الفنية، مكرسة ذلك للنهوض بعالمها القاتم و كأنه كابوس مرعب يلح على ملاحقتها مهما حاولت التخفي، فهي تتكىء على إرث من الوجع الذي لم يندمل بعد، فكل الأماكن مازالت تروي حكايا، و تدلي بشهاداتها، و لهذا قد تلجأ جيمن إلى الهروب علها تنشغل بالغد، لكن المضمر كبير لا يتركها بل يتجلى بين أصابعها و هي تبعثر الرماد، الرماد الذي بات نوعاً من الأقفال لا يقبل الفتح و التفسير، بل أصبح إلى ما هو أقرب من الرفض و العزوف، أو إلى ما هو أشبه بلغز غامض لا يمكن أن يتبدى إلا في ضوء مسافات قد يتسنى فيها سفر المعرفة و كيفية إنتاج المعنى .
جیمن اسماعیل
– خریجة أكادیمیة الفنون الجمیلة ببغداد عام 1988.
– أستاذة في معهد الفنون الجمیلة بمدینة السلیمانیة/ كردستان العراق.
– 1992- 2012 شاركت في 15 معرضا مشتركا في كل من مدینة السلیمانیة و المانیا و اسبانیا.
– 2015- 2017- 2018 كتابة و اخراج ثلاثة أعمال بیرفومانس.
– 2020 اي في زمن الكورونا عرضت معرضاً في السوشیال میدیا.
– 2019 كتابة و اخراج مسرحیة ( الفنان حسین مسري ).
– شاركت في ٲكثر من 50 معرضاً مشتركاً في: الیابان، فرنسا، هولندا، نیویورك، لندن، كوریا الجنوبیة، بینالي فینیسیا.