غريب ملا زلال
على إمتداد أسبوع و نحن نقتفي أثر الفنانين التشكيليين المشاركين في هذا السيمبوزيوم ( السليمانية الثالث ) في كردستان العراق، ما بين 03-09-09-2021 و هم يدبون الحياة في كل مكان يتواجدون فيه، بدءاً من المكان الذي نفذت فيه الفعالية ( معمل التبغ الذي يعتبر الأكبر في العراق في أيام النظام البائت و التي يعمل عليه المسؤولون الكردستانييون تحويله إلى مدينة ثقافية، إلى صالة العرض، إحدى صالات متحف الأمن الأحمر الوطني المكان الشاهد على الوحشية التي مورست بحق الكورد بكل وسائل التعذيب التي لا يمكن للرب أن يتخيلها، و كانت ثمرة هذا النشاط ( 36 ) عملاً ل ( 18 ) فناناً و فنانة المشاركون في هذه الفعالية .
أمين عبدو ( 1958 القامشلي ) : الغائب الحاضر، الذي تحمل مشقة الوصول إلى معبر سيمالكا على أمل أن يكون حاضراً و مع أصدقائه الآخرين القادمين من أوربا و تركيا و من دمشق و حلب للمشاركة في هذه الفعالية العذبة ( سيمبوزيوم السليمانية الثالث )، و كان يفترض أن تكون إجراءات العبور غير معقدة، فالدعوة رسمية و من جهة معروفة، لكن كما هي العادة دائماً لدينا نحن الكورد نضع الإعتبارات الحزبية و ما يشرئب منها فوق الله، عاد أمين عبدو إلى القامشلي بخيبة كبيرة تلفه و تلف ما عمل من أجله عقود، عاد و عادت معه حسراته التي باتت مغمسة بماء مالح غير صالح للإنجاب، مؤكداً لذاته بأن المرأة عاقر، و الحمل كاذب، عاد أمين عبدو إلى القامشلي لكن إصرارنا على حضوره و كذلك إصراره جعلنا نوقن بأنه الحاضر أبداً بيننا فكانت مشاركته بلوحة ملحمية تكشف عن معزوفتها بإيقاع تختزل بعض المفردات التاريخية التي بمكن أن ترجع إلى نصوص قرأها عبدو، لوحة كل ما فيها تتحرك بصخب حيناً، فالمشهد يبدأ من لحظة العزف حين ينضج و يكتمل حتى لحظة التلاشي في البيوت الآيلة للغروب، و بحزن حيناً آخر يفهما الكردي العاشق أينما كان و كيفما كان، فالوصال حدث قد يتحقق بجريانه لا كمجرد تنويعات على فروع من القديم، بل كبداية في درب مقفل مسدود لكن عبدو يستقل قانون التجاور و يبدأ التشابك الذي سيحكم المشهد عاصفاً بمقولة وحدة النص فهو يعيل على القياس و التقريب إلى حد كبير، يعيل بلوحته و هي تتحرك وفق سياقات في الحياة القصصية المعاشة و وفق تعبير كل ما فيها إحالات إلى كنوز يصر فيها عبدو على الكشف عن بعضها، تاركاً البعض الآخر لمتلقيه علّه يسير على خطاه و يستلذ لمحصوله .
أمين عبدو الغائب الحاضر، المتألق في مسار جريانه، يمارس نوعاً من المقاربة الكيفية من بعض ما يعتصر في رؤى القدامى و يتماهى بها حتى يستعيد هذا البعض و يخرجه من قمقمه موهماً متلقيه بأنه سيكف عن النفاذ إلى خبايا نصه، و لكن ما يبدعه من رؤى خاصة يسقط ذلك الوهم و بأنه لا يتسلل إلى العمق فحسب بل يحاول تقنينه و ضبط معالمه و توجهاته، و هذا ما يجعله يغير من شكل التعامل مع مشهده فيستبدل كثيراً زوايا النظر قد تفي بحاجات المتلقي العادي و القارىء معاً، فهو يمتلك وجوداً تاريخياً قد يكون هذا الوجود هو ذاته الذي يؤمن بقاءه و استمراره، و بذلك تصبح القراءة المعمقة من جانبنا حاضراً لا مفر منها، فأمام هذا الكم من الأحمر الحارق لكل المسالك ثمة ظاهرة فنية قد تقفز إلى السطح مأخوذاً بما يمكن نعته بإتجاه فني قائم على عمليات الإلتقاط و التصنيف ( النمذجة )، لكن حرص عبدو على تبين كيفيات إمتلاء مشهده، و إهتمامه بمواقع مفرداته، و تمثيلها في المشهد ذاته تمنحه مواقف من قضايا مجتمعية، تاريخية، تجعل من ناسها كائنات محاصرة بوهم كبير قد يكون هذا الوهم هو ذاته إحدى أهم مشكلات العصر، فقضية التصنيف يدركها عبدو و الموقف من التراث و ما يحمله من ملاحم عشقية أو إجتماعية، أو قومية قد تسطر مجمل منجزه .
أمين عبدو لا تخذله ريشته، و لا معلوماته فهو الأستاذ لمادة تاريخ الحضارات و الأسطورة، لذلك جاءت لوحته مثقلة بكم من الحكايا التي كل منها لا ترفض بالإعلان عن ذاتها، فالصدى كبير لأن الصوت مستقدم من أمكنة قديمة يزجه عبدو في الراهن، و هنا قد تكون الفجوة مسافة فاصلة ما بين ذلك القديم و ما يقوم بإحيائه، و الإنعتاق قد يكون حلاً لكن ليس مطروحاً بالشكل الذي يمكن الإهتداء به، لذلك هناك رؤية خاصة له في جانب منها يلجأ إلى تبسيطها و تبسيط مفاهيم هويتها، و هذا يرجع إلى الزمن الذي قد يحيله إلى فتحه لتأصيل الحدث و ما ينشده من ممكنات هذا الزمن و احتمالات شروعه في الممارسات الفنية / الجمالية إلى حد الهوس .
همسة في اذن أمين عبدو :
نعم صديقي القدوم من أوربا و تركيا و امريكا و دمشق و حلب إلى كردستان أسهل من القامشلي، فالجسر المقام في معبر سيمالكا بين ديريك و كردستان العراق طويل و طويل جداً يحتاج إلى هز عروش لقطعه، فأين لك من كل هذا .
محبتي و اعتذاري